*
*
وَفَتْ فلورندا لِصَدِيقِهَا اَلْعَرَبِيّ بِمَا وَعَدَتْهُ بِهِ فَجَاءَتْهُ فِي اَلْيَوْم اَلثَّانِي فأزارته
بَعْض اَلْآثَار ثُمَّ جَاءَتْهُ فِي لِيَوْم اَلثَّالِث فأزارته بَعْضًا آخَر مِنْهَا وَهَكَذَا مَا
زَالَا يَجْتَمِعَانِ كُلّ يَوْم وَيَفْتَرِقَانِ وَيَخْتَلِفَانِ إِلَى مَا شَاءَ مِنْ اَلرُّسُوم وَالْآثَار لَا
يُنْكِر اَلنَّاس مِنْ أَمْرهمَا شَيْئًا فَقَدْ كَانُوا إِذَا رَأَوْهُمَا مَعًا إِنَّ اَلرَّاهِبَة
اَلْجَمِيلَة تُحَاوِل أَنَّ تَهْدِيد اَلْفَتِيّ اَلْعَرَبِيّ إِلَى دِينهَا اَلْقَوِيم حَتَّى اِسْتَحَالَ اَلْعَطْف
اَلَّذِي كَانَتْ تُضْمِرهُ لَهُ فِي نَفْسهَا مَعَ اَلْأَيَّام إِلَى حُبّ شَدِيد وَكَذَلِكَ اَلْعَطْف دَائِمًا
طَرِيق اَلْحُبّ أَوْ هُوَ اَلْحُبّ نَفْسه لَابِسًا ثَوْبًا غَيْر ثَوْبه إِلَّا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمَا لَمْ
يَجْرُؤ أَنْ يُكَاشِف صَاحِبه بِمَا أُضْمِرهُ لَهُ فِي نَفْسه حَتَّى جَاءَ اَلْيَوْم اَلَّذِي عَزَمَ فِيهِ
عَلَى زِيَادَة قَصْر اَلْحَمْرَاء وَهُوَ آخَر مَا بَقِيَ بَيْن أَيْدِيهمَا مِنْ اَلْآثَار فَلَا لِقَاء
بَيْنهمَا بَعْد اَلْيَوْم .
وَقَفَ اَلْأَمِير امام قَصْر اَلْحَمْرَاء فَرَأَى سَمَاء تَطَاوُل اَلسَّمَاء وَطَوْدًا يُنَاطِح اَلْجَوْزَاء
وَهَضْبَة تَشَرُّف عَلَى اَلْهِضَاب وَسَحَابَة تَمْر فَوْق اَلسَّحَاب وَجَبَلَا تَحَسُّر عَنْ قِمَّته اَلْعُيُون
وَتَضِلّ فِي جَوَانِبه اَلظُّنُون وَحِصْنًا تتقاصر عَنْهُ يَد اَلْأَيَّام وَتَتَهَافَت مِنْ حَوْله
اَلسُّنُونَ وَالْأَعْوَام ثُمَّ دَخَلَ فَإِذَا مَلَكَ كَبِير وَجَنَّة وَحَرِير وَقِبَاب تَقْضِي إِلَيْهَا
اَلنُّجُوم بِالْأَسْرَارِ وَأَبْرَاج تَنْزَلِق عَنْ سُطُوحهَا يَد اَلْأَقْدَار وَصُحُون مَفْرُوشَة بِأَلْوَان
اَلْحَصْبَاء كَأَنَّهَا اَلرِّيَاض اَلزَّهْرَاء وَجُدْرَان صقيلة مَلْسَاء تَصِف مَا بَيْن يَدَيْهَا مِنْ
اَلْأَشْيَاء كَمَا تَصِف اَلْمِرْآة وَجْه اَلْحَسْنَاء وَكَأَنَّ كُلّ جِدَار مِنْهَا لجة مُتَلَاطِمَة
اَلْأَمْوَاج يَحْبِسهَا عَنْ اَلْجَرَيَان لَوْح مِنْ زُجَاج فَمَشَى يُقْلَب نَظَر اَلْعِظَة وَالِاعْتِبَار
بَيْن تِلْكَ اَلْمَشَاهِد وَالْآثَار ويتنغم فِي نَفْسه يَقُول اَلْقَائِل .
وَقَفَتْ بِالْحَمْرَاءِ مستعبرا مُعْتَبِرًا أَنْدُب أَشْتَاتًا
فَقُلْت يَا حَمْرَاء هَلْ وجعة قَالَتْ وَهَلْ يَرْجِع مَنْ مَاتَا
فَلَمْ أَزَلْ أَبْكِي عَلَى رَسْمهَا هَيْهَاتَ يُغْنِي اَلدَّمْع هَيْهَاتَ
كَأَنَّمَا آثَار مِنْ قَدْ مَضَوْا نوادب يَنْدُبْنَ أَمْوَاتًا
حَتَّى وَصْل إِلَى اَلسَّاحَة اَلْكُبْرَى فَرَأَى صَحْنًا مَفْرُوشًا بِبِسَاط مِنْ اَلْمَرْمَر اَلْأَصْفَر قَدْ
دارات بِهِ فِي جِهَاته اَلْأَرْبَع أَرْبَعَة صُفُوف مِنْ اَلْأَعْمِدَة النجاف اَلطِّوَال وَتَرَاءَتْ
فِي جَوَانِبه حُجُرَات مُتَقَابِلَات تَعْلُوهَا قِبَاب مُشْرِفَات فَعَلِمَ أَنَّهَا حُجُرَات اَلْأُمَرَاء
وَالْأَمِيرَات مِنْ أَهْل بَيْته فَهَاجَتْ فِي نَفْسه اَلذِّكْرَى وَشَعَرَ أَنَّ صَدْره يُحَاوِل أَنْ يَبْكِي
أَمَام فلورندا فَتَرَكَهَا فِي مَكَانهَا لَاهِيَة عَنْهُ بِالنَّظَرِ إِلَى بَعْض اَلنُّقُوش وَمَشَى إِلَى
بَعْض تِلْكَ اَلْقَاعَات حَتَّى دَانَاهَا فَكَانَ أَوَّل مَا تَنَاوَلَ نَظَره مِنْهَا سَطْرًا مَكْتُوبًا
عَلَى بَابهَا فَمَا قَرَأَهُ حَتَّى صَبَاح صَيْحَة شَدِيدَة قَائِلًا وَا أَبَتَاهُ وَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ
فَلَمَّ يستفيق إِلَّا بَعْد سَاعَة طَوِيلَة فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَوَجَدَ رَأْسه فِي حَجْر فلورندا وَوَجْد
فِي عَيْنهَا آثَار اَلْبُكَاء فَقَالَتْ لَهُ لَقَدْ كُنْت اِعْلَمْ قَبْل اَلْيَوْم أَنَّك تكاتمني شَيْئًا
مِنْ أَسْرَار نَفْسك وَالْآن عَرَّفَتْ أَنَّك لَسْت عَبْد بَنِي اَلْأَحْمَر وَلَا مَوْلَاهُمْ كَمَا تَقُول
وَلَكِنَّك أَحَد أُمَرَائِهِمْ وَأَنَّك اَلسَّاعَة فِي قَصْر جَدّك وَأَمَام حُجْرَة أَبِيك فَمَا أَسْوَأَ حَظّكُمْ
يَا بَنِي اَلْأَحْمَر وَمَا أَعْظَمَ شَقَائِك أَيُّهَا اَلْأَمِير اَلْمِسْكِين فَلَمْ يَجِد سَبِيلًا بَعْد ذَلِكَ
إِلَى كِتْمَان أَمْره فَأَنْشَأَ يَقُصّ عَلَيْهَا قَصَّتْهُ وَقِصَّة أَهْل بَيْته وَمَا صَنَعَتْ يَد اَلدَّهْر
بِهِمْ مُنْذُ جَلُّوا عَنْ اَلْأَنْدَلُس حَتَّى اَلْيَوْم فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِصَّته نَظَرَ إِلَيْهَا نَظْرَة
مُنْكَسِرَة وَقَالَ لَهَا فلورندا إِنَّ جَمِيع مَا لَقِيَتْهُ مِنْ اَلشَّقَاء بِالْأَمْسِ يَصْغُر بِجَانِب
اَلشَّقَاء اَلَّذِي تَدَّخِرهُ لِي اَلْأَيَّام غَدًا قَالَتْ وَأَيّ شَقَاء يَنْتَظِرك أَكْثَر مِمَّا أَنْتَ فِيهِ
فَأَطْرَقَ هُنَيْهَة ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه وَقَالَ أَنَّنِي أَسْتَطِيع أَنْ أَحْتَمِل كُلّ شَيْء فِي اَلْحَيَاة إِلَّا
أَنْ أُفَارِقك فِرَاقًا لَا لِقَاء مِنْ بَعْده قَالَتْ أتحبني أَيُّهَا اَلْأَمِير ? قَالَ نِعَم حُبّ
اَلزَّهْرَة اَلذَّابِلَة لِلْقَطْرَةِ الهاطلة قَالَتْ وَهَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تُحِبّ فَتَاة مَسِيحِيَّة لَا
تَدِين بِدِينِك ? قَالَ نَعَمْ لِأَنَّ طَرِيق اَلدِّين فِي اَلْقَلْب غَيْر طَرِيق اَلْحُبّ وَلَقَدْ وَجَدَتْ
فِيك اَلصِّفَات اَلَّتِي أُحِبّهَا فَأَحْبَبْتُك لَهَا ثُمَّ لَا شَأْن لِي بَعْد ذَلِكَ فِيمَا تَعْتَقِدِينَ
قَالَتْ وَهَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تُحِبّ بِلَا أَمَل قَالَ وَلِمَ لَا يَكُون اَلْحُبّ نَفْسه غَايَة مِنْ
اَلْغَايَات اَلَّتِي نُجِدّ فِيهَا اَلسَّعَادَة إِنَّ ظُفْرنَا بِهَا وَمَتَى كَانَ لِلسَّعَادَةِ فيهذه
اَلْحَيَاة نِهَايَة مَحْدُودَة فَلَا نَجِد اَلرَّاحَة إِلَّا إِذَا وَصَلْنَا إِلَيَّ نِهَايَتهَا ?
وَكَانَ اَللَّيْل قَدْ أُظِلّهَا فَبَرِحَا مَكَانهمَا وَمَشَيَا يَتَحَدَّثَانِ حَتَّى بَلَّغَا اَلْمَوْضِع اَلَّذِي
اِعْتَادَا أَنْ يَفْتَرِقَا فِيهَا فَوَضَعَتْ فلورندا يَده فِي يَدهَا وَقَالَتْ لَهُ سَأُحِبُّك كَمَا
أَحْبَبْتنِي أَيُّهَا اَلْأَمِير وَسَيَكُونُ حَيّ لَك بِلَا أَمَل كَحُبِّك كَمَا أَحْبَبْتنِي أَيُّهَا
اَلْأَمِير وَسَيَكُونُ حَيّ لَك بِلَا أَمَل كَحُبِّك وَلَقَدْ فَرَّقَ اَلدَّيْن بَيْن جَسَدَيْنَا فَلْيَجْمَعْ اَلْحُبّ
بَيْن قَلْبَيْنَا وَتَرِكَته وَانْصَرَفْت .
ثُمَّ مَرَّتْ بِهِمَا بَعْد ذَلِكَ أَيَّام سَعْدًا فِيهَا بِنِعْمَة اَلْعَيْش سَعَادَة أَنْسَتْهُمَا جَمِيع مَا
لَقِيَا فِي حَيَاتهمَا اَلْمَاضِيَة مِنْ شَقَاء وَعَنَاء فَأَصْبَحَا فَوْق أَرْض غَرْنَاطَة وَتَحْت
سَمَائِهَا طَائِرَيْنِ جَمِيلَيْنِ يَطِيرَانِ حَيْثُ يَصْفُو لَهُمَا وَجْه اَلسَّمَاء وَتَرَقْرَقَ صَفْحَة
اَلْهَوَاء وَيَقَعَانِ حَيْثُ يَطِيب لَهُمَا اَلتَّغْرِيد وَالتَّنْفِير فَلَيْتَ اَلدَّهْر يَنَام عَنْهُمَا
وَيَتْرُكهُمَا وَشَأْنهمَا وَلَا يُنَفِّس عَلَيْهِمَا هَذِهِ اَلسَّاعَات اَلْقَلِيلَة مِنْ اَلسَّعَادَة اَلَّتِي
اِبْتَاعَاهَا بِكَثِير مِنْ دُمُوعهمَا وَآلَامهمَا وَاَلَّتِي لَا يَمْلِكَانِ مِنْ سَعَادَة اَلْحَيَاة
سِوَاهَا فَإِنْ خَسِرَاهَا خَسِرَا كُلّ شَيْء ?
بَيْنَمَا هَمَّا جَالِسَانِ ذَات يَوْم عَلَى ضَفَّة جَدْوَل مِنْ جَدَاوِل عَيْن اَلدَّمْع إِذْ مَرَّ بِهِمَا
اَلدُّون رودريك اِبْن حَاكِم مَدِينَة غَرْنَاطَة فَرَآهَا فِي مَجْلِسهَا هَذَا مِنْ حَيْثُ لَا
يُرِيَانِهِ وَكَانَ قَدْ رَأَى فلورندا قَبْل اَلْيَوْم فَأَحَبّهَا فَاخْتَلَفَ إِلَى مَنْزِلهَا أَيَّامًا
يَتَحَبَّب إِلَيْهَا وَيَدْعُوهَا إِلَى اَلزَّوَاج مِنْهُ فَأَبَتْ أَنْ تُصْغِي إِلَيْهِ وَقَالَتْ لَهُ إِنَّنِي لَا
أَتَزَوَّج اِبْن قَاتِل أَبِي فَانْصَرَفَ بِلَوْعَة لَا تَزَال كَامِنَة ف يُنَفِّسهُ حَتَّى اَلْيَوْم فَلِمَا
رَآهَا جَالِسَة مَجْلِسهَا هَذَا زَعَمَ فِي نَفْسه أَنَّهَا مَا أَوْصَدَتْ بَاب قَبْلهَا فِي وَجْهه إِلَّا
لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ فَتَحَتْهُ مِنْ قَبْل لِذَلِكَ اَلْفَتِيّ اَلْعَرَبِيّ اَلْجَمِيل اَلَّذِي يُجَالِسهَا فَذَهَبَ
إِلَى قَصْرهَا فِي اَلْيَوْم اَلثَّانِي لِيُفْضِيَ إِلَيْهَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسه فَأَبَتْ أَنْ تُقَابِلهُ
فَخَرَجَ غَاضِبًا يُحَدِّث نَفْسه بِأَفْظَع أَنْوَاع اَلِانْتِقَام .
وَمَا هِيَ إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى سِيقَ اَلْأَمِير سَعِيد بْن يُوسُف بْن أَبِي عَبْد اَللَّه سَلِيل
بَنِي اَلْأَحْمَر مُلُوك هَذِهِ اَلْبِلَاد بِالْأَمْسِ وَمُؤَسِّسِي مَجْدهَا وَعَظَمَتهَا وَبُنَاة قِلَاعهَا
وَحُصُونهَا وَأَصْحَاب قُصُورهَا وَبَسَاتِينهَا ذَلِيلًا مُهَانًا إِلَى مَحْكَمَة اَلتَّفْتِيش مُتَّهَمًا
بِمُحَاوِلَة إِغْرَاء فَتَاة مَسِيحِيَّة بِتَرْك دِينهَا وَهِيَ عِنْدهمْ أَفْظَع اَلْجَرَائِم وَأُهَوِّلهَا .
وَقَفَ اَلْأَمِير أَمَام قُضَاة مَحْكَمَة اَلتَّفْتِيش فَسَأَلَهُ اَلرَّئِيس عَنْ تُهْمَته فَأَنْكَرَهَا فَلَمْ
يَحْفُل بِإِنْكَارِهِ وَقَالَ لَهُ لَا يُدْلِ عَلَى بَرَاءَتك إِلَّا أَمْر وَاحِد وَهُوَ أَنْ تَتْرُك دِينك
وَتَأْخُذ بِدِين اَلْمَسِيح فَطَارَ اَلْغَضَب فِي دِمَاغه وَصَرَخَ صَرْخَة دَوَّتْ بِهَا أَرْجَاء اَلْقَاعَة
وَقَالَ :
فِي أَيّ كِتَاب مِنْ كُتُبكُمْ وَفِي أَيّ عَهْد مَعْهُود أَنْبِيَائِكُمْ وَرُسُلكُمْ أَنَّ سَفْك اَلدَّم عِقَاب
اَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِإِيمَانِكُمْ وَلَا يَدِينُونَ بِدِينِكُمْ ?
مَنْ أَيّ عَالِم مِنْ عَوَالِم اَلْأَرْض أَوْ اَلسَّمَاء أَتَيْتُمْ بِهَذِهِ اَلْعُقُول اَلَّتِي تُصَوِّر لَكُمْ أَنَّ
اَلشُّعُوب تُسَاق إِلَى اَلْإِيمَان سُوقًا وَأَنَّ اَلْعَقَائِد تُسْقَى لِلنَّاسِ كَمَا يُسْقَى اَلْمَاء
وَالْخَمْر ?
أَيْنَ اَلْعَهْد اَلَّذِي اِتَّخَذْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ يَوْم وَطِئَتْ أَقْدَامكُمْ هَذِهِ اَلْبِلَاد أَنْ
تَتْرُكُونَا أَحْرَارًا فِي عَقَائِدنَا وَمَذَاهِبنَا وَأَنْ لَا تُؤْذُونَا فِي عَاطِفَة مِنْ عَوَاطِف
قُلُوبنَا وَلَا فِي شَعِيرَة مِنْ شَعَائِر دِيننَا ?
أهذا اَلَّذِي تَصْنَعُونَ اَلْيَوْم وَاَلَّذِي صَنَعْتُمْ بِالْأَمْسِ هُوَ كُلّ مَا عِنْدكُمْ مِنْ اَلْوَفَاء
بِالْعُهُودِ وَالرَّعْي لِلذِّمَمِ ?
نَعِمَ لَكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا مَا تَشَاءُونَ فَقَدْ خَلَا لَكُمْ وَجْه اَلْبِلَاد وَأَصْبَحْتُمْ اَلْقُوَّة
وَالسُّلْطَان فِيهَا وَلِلسُّلْطَانِ عِزَّة وَلَا تُبَالِي بِعَهْد وَلَا وَفَاء .
إِنَّ اَلْعُهُود اَلَّتِي يُكَوِّنَّ بَيْن اَلْأَقْوِيَاء وَالضُّعَفَاء إِنَّمَا هِيَ سَيْف قَاطِع فِي يَد
اَلْأَوَّلِينَ وَغِلّ مُلْتَفّ عَلَى أَعْنَاق اَلْآخَرِينَ فَلَا أَقَالَ اَللَّه عَثْرَة اَلْبَلْهَاء وَلَا أُقِرّ
عُيُون اَلْأَغْبِيَاء .
أَنْتُمْ أَقْوِيَاء وَنَحْنُ ضُعَفَاء فَأَنْتُمْ أَصْحَاب اَلْحَقّ الأبلج وَالْحُجَّة اَلْقَائِمَة فَاصْنَعُوا
مَا شِئْتُمْ فَهَا حَقّكُمْ اَلَّذِي خَوَّلَتْكُمْ إِيَّاهُ قُوَّتكُمْ .
اسفكوا مِنْ دِمَائِنَا مَا شِئْتُمْ واسلبوا مِنْ حُقُوقنَا مَا أَرَدْتُمْ واملكوا عَلَيْنَا
مَشَاعِرنَا وَعُقُولنَا حَتَّى لَا نَدِين إِلَّا بِمَا تَدِينُونَ وَلَا نَذْهَب إِلَّا حَيْثُ تَذْهَبُونَ فَقَدْ
عَجَزْنَا عَنْ أَنْ نَكُون أَقْوِيَاء فَلَا بُدّ أَنْ ينالنا مَا يَنَال اَلضُّعَفَاء .
ثُمَّ حَاوَلَ اَلِاسْتِمْرَار فِي حَدِيثه فَقَاطَعَهُ اَلرَّئِيس وَأَمَرَ أَنْ يُسَاق إِلَى سَاحَة اَلْمَوْت
اَلَّتِي هَلَكَ فِيهَا مِنْ قَبْله عَشَرَة آلَاف مِنْ اَلْمُسْلِمِينَ قَتْلًا أَوْ حَرْقًا فَسِيقَ إِلَيْهَا
وَأَجْتَمِع اَلنَّاس حَوْل مَصْرَعه رِجَالًا وَنِسَاء وَمَا جَرَّدَ اَلْجَلَّاد سَيْفه فَوْق رَأْسه حَتَّى
سَمِعَ اَلنَّاس صَرْخَة اِمْرَأَة بَيْن اَلصُّفُوف فَالْتَفَتُوا فَلَمْ يَعْرِفُوا مَصْدَرهَا وَمَا هِيَ إِلَّا
غَمْضَة وَانْتِبَاهَة أَنْ سَقَطَ ذَلِكَ اَلرَّأْس اَلَّذِي لَيْسَ لَهُ مَثِيل .
يَرَى اَلْمَارّ اَلْيَوْم بِجَانِب مَقْبَرَة نَبِيّ اَلْأَحْمَر فِي ظَاهِر غَرْنَاطَة قَبْرًا جَمِيلًا
مُزَخْرَفًا هُوَ قِطْعَة وَاحِدَة مِنْ اَلرُّخَام اَلْأَزْرَق اَلصَّافِي قَدْ نُحِتَتْ فِي سَطْحهَا حُفْرَة
وَفَاء تَمْتَلِئ بِمَاء اَلْمَطَر فَيَهْوَى إِلَيْهَا اَلطَّيْر فِي أَيَّام اَلصَّيْف اَلْحَارّ فَيَشْرَب
مِنْهَا وَنُقِشَتْ عَلَى ضِلْع مِنْ أَضْلَاعهَا هَذِهِ اَلسُّطُور :
هَذَا قَبْر آخَر بَنِي اَلْأَحْمَر
مِنْ صَدِيقَته اَلْوَفِيَّة بِعَهْدِهِ حتي اَلْمَوْت
فلورندا فِيلِيب
*
*
المفضلات