قالت :
تقول أن الحب مازال له مكاناً في عالمنا
وأنه يتنفس في جميع لحظاتنا.. ولكنه في واقعنا لا وجود له في
زماننا هذا . . فقد رحل ولم يترك لنا منه شيئاً..
قلت :
أنكِ تقولين ذلك لأنه هو واقعك الذي تعيشين فيه وتمرين بجميع لحظاته..
فالحب ياسيدتي باقي ولم يزل يتنفس بيننا..
قالت :
بل أنكَ تقول ذلك لأنك إنساناً خيالياً وتحلم كثيراً.. أما آن الأوان أن تهبط معنا إلى واقعنا
وترى ما نرى وتشعر بما نشعر.. حينها حتماً تعلم جيداً أنه قد رحل بعيداً وأن الذي موجود في عالمنا اليوم
هو مجرد حب منسوخ من الحب الحقيقي.. لكنه لا يشبهه أبداً فلا طعم ولا إحساس له.. فقد دخل عالم الأختراعات
والأرقام والحسابات.. لقد أخترعوه مثل باقي الأشياء التي أخترعوها حتى لا يبقى شئ في الحياة قد عجزوا عنه..
بل أصبح الآن وكأن كل إنسان قادر على الحب في أيّ شئ ومتمكن في أيّ وقت..
وكأنه أصبح سلعة تباع في أيَّ مكان . . سيدي أعلم أن ماذكرته قد يكون جنوناً ولكنه يبقى هو الحقيقة..
قلت :
أنني أشعر بحجم معاناتك وبحجم تلك الآلام والأسقام في حياتك وأدرك جيداً أنكِ إمرأة حالمة تتمنى
أن تكون كل الأشياء على طبيعتها وحقيقتها ولا تطمع بأكثر من ذلك.. ولكن أن ترين لا وجود للحب الحقيقي
فهذا هو أختيارك أو أن هناك من أختاره لكِ سواء عن طريق حبيب غدر أو لم تجدي من يستحق حبك
أو ربما لم تعيشين الحب حقيقة.. فكل ما هو موجود لم يصل إلى حقيقته أو طبيعته فمن الطبيعي
أن تملكين نظرة من تلك الرؤية التي أحتلت منكِ الكثير من نفسك.. فأصبحتي تنظرين للأشياء من مكان واحد
وعادة هذه النظرة المحدودة لن تصل لشئ كامل وناضج مهما أخذت الكثير من وقتنا وفكرنا..
لأنها تحوم في مكان واحد ولا تقبل أن تتقدم أو تميّز بين الأشياء الأخرى..
لأن نحن من أختار لها ذلك أو نحن من أراد أن نكون على ذلك..
فعلينا دائماً أن نملك أكثر من نظرة للنظرة حول الشئ حينها تكون الصورة أكثر دقة ووضوحاً
ونختار ما يتناسب معنا..
ولكنك أخترتِ وأمنتِ بعدم وجود الحب.. والحب شئ من الأشياء التي لا يمكننا أن نرسله إلى العدم والفناء
فهو إحساس وشعور فأن لم تحسّي به أو لم تشعرين فيه فغيرك يشعر ويحس به ويؤمن أنه موجود..
ونهاية قصة حب أو ضياعها لا يعطينا الحق أن نرى أنه لا وجود للحب..
فهو ليس شئ إذا فقده أحداً يفقده الجميع.. أو ليس قطعة قماش إذا أحترقت أو قلماً أنكسر لا يمكن إعادته
على حالته فهو لا يشبه هذه الأشياء..
وأنما الحب إحساس وروح تنشر المشاعر على من حولها وتكفي الجميع..
قالت :
جميل ذلك ويشعرني أنني بدأت أمتلك رؤية أخرى قد تساعدني على تحمّل ما بقي من حياتي..
فأنتَ تجهل ما حدث لي وما كنت أعانيه في عمري..
فلقد أحببت رجلاً كان من الأقرباء مني فتزوجته بإرادتي مع أن من حولي رفض ذلك..
فكانت حياتنا في بداية زواجنا تنعم بكل الحب والوفاء والطهارة فكانت تبدو لي الأشياء في وقتها كأنها أشياء
جديدة وسعيده بها جداً كما يسعد الطفل وقت حصوله على لعبته..
فالحياة عندي كانت أمان وسعادة فكل شئ له لون وطعم بل كنت كل يوم أكتشف أشياء جديدة أجمل وأبقى
من الأشياء التي قبلها.. ولكن بعد مرور عامين من زواجي تبدّلت الأحوال وأصبحت الأشياء
غير التي كنت أراها في جمالها وصدقها ولونها وعطرها.. فقد أقتحم الملل حياتي
وأصبحت الساعة من يومي كانها يوماً كاملاً لا أجد فيها لا فرحاً ولا سروراً..
وكل ذلك كان بسبب زوجي.. فعندما تحوّل إلى شئ لا أعرفه تحوّلت كل الأشياء التي حولي
إلى أشياء لا أعرفها غير أنها تبعث في نفسي الملل والسقم.. وللأسف كنت سعيده به جداً وأشعر بالأمان معه
ولكن أكتشفت حقيقته ما كان ليستحق أيَّ لحظة حب مني.. بل أنني كرهت جميع الأيام التي قضيتها معه
حتى كرهت كل عمري ..
رجلاً تحبه إمرأة كل هذا الحب.. فما كان ليتمنى غير هذا.. ولكنه كان إنساناً متقلب القلب
لا تعرف منه غير مزاجية عقله.. مره يغضب بلا سبب ومره يتهكم ويسخر..
وكأنه الوحيد الصادق الذي على حق.. بل الكثير من الأحيان يجعلني الوحيدة المذنبة الخاطئة
التي على خطأ ويلومني على ذلك حتى رأيته يقلب خطئه إلى حق ويطلب مني أن أعتذر له على ذلك..
برأيك أيّ رجلاً هذا.. !؟ بل هو الذي أوصلني لأقول لك أنه لا وجود للحب.. مع أنني أكثر نساء الأرض جعلت
الحب هدفها وعنواناً لها..
قلت :
تلك هي الحقيقة المرة وليس هناك أقسى من أن يُسرق حب من قلب إمرأة ويُملك عليها عقلها
فيمنحها فكراً برغم أنف إرادتها..
فتلك هي العبودية الإنسانية الجارحة ولا يستطيع صاحبها أن يفعل أمامها شيئاً غير أنه يشعر أنه
مملوك وعليه السمع والطاعة وإلا يتجرّد من كل شئ..
سواء أن يفقد بيته أو أبناءه أو نفسه أو أيّ شئ أخر يكون عند الناس غير محمود له..
فتلك هي حياة بعض الازواج عندما يموت الحب أو عندما يدخل حياتهم مبدأ التملك..
يكونوا قد وصلوا إلى أشياء لا يريدونها.. ولكنهم يشعروا أن عليهم أن يعيشوها لأنهم أعتادوا على ذلك..
أو سمحوا وأعطوا الفرصة أن تكون حياتهم على هذه الحياة التي تخالف الكثير من أنفسهم..
والتي يرفضها الحب كل الرفض.. لأنها أشياء تفقده الكثير من نفسه.. فما عليه غير أن يحمي نفسه ويرحل بعيداً
ويكون بدلاً منه تلك العبودية وذلك الملل والهم وعدم القدرة على العيش..
قد أوقع اللوم عليكم جميعاً.. لأنني أرى أنكم قد اشتركتوا في كل ذلك..
فكان يجب عليك أن تملكين قدرة كافية لفهم مزاجية عقل زوجك قبل أن يصل إلى ذلك..
ويكون ردَّ فعلك عليها إجابياً غير سلبياً لا يزيدها أكثر سلبية وأكثر عنفاً..
فأنا أعلم أن المرأة حينما تمنح الرجل كل ما لديها وأنه يجدها في كل وقت يريده منها..
تقلَّ قيمتها عنده بعيداً عن مبدأ العشرة وهذا عند ليس كل الرجال بل البعض منهم..
فبعضهم في نفسه لا يريد أن يحصل على كل شئ بسهولة من زوجته أو أي إمرأة أخرى
والأشياء التي نحصل عليها عنوة عادة تكون لها مذاق خاص وطعم غير .. ولكن كيف نشعر بطعمها
ومبدأ التملك يملكنا وأستغل غياب الحب بعد رحيله..
حتى بعضهم يحاول البحث عن إمرأة أخرى غير زوجته إما ليتزوجها أو لهدف آخر..
ولكن يريد منها ما يريده في نفسه أو تلبية رغبة وجدت في أعماقه ..
وفي الأخير لا يجد فرقاً بينها وبين زوجته لأن هذه هي حياته وطريقته فيها.. فكما دخل التملك هناك
دخل هنا أيضاً واصبحت حياته كما كانت عليها من قبل..
فأنتِ منحتيه كل شئ.. الحب والحضن والحنان دفعة كاملة حتى أيقن أن هذا هو كل ما لديكِ..
ومع مبدأ التملك يصبح كل شئ عادياً . .
فكان يجب ألا يشعر بذلك.. ويرى أن هناك المزيد منكِ دون توقف.. وتكون على دفعات
حتى يترقب كل يوم شيئاً جديداً منكِ بشوق ولهفة..
فأدرك أنه ليس هناك أجمل من أن نمنح كل الحب والحنان والعطاء كاملاً لمن نحب.. ولكن البعض من البشر
في عالم السلوكيات لا يقدر ولا يحترم ولا يفهم ذلك.. فلا يجب أن نعطيه كل شئ دفعة واحدة..
لأنه حينما يحصل على كل شئ ويعتاد عليه يشعر بعدها بالروتين وحياة الملل وكل هذا يتكون بعد
غياب الحب الحقيقي.. أما مع تواجد الحب..
ففيه كل لحظة حب وحنان وعطاء تزيد وتشعل الحب حباً.. وهذا الشئ يتواجد كثيراً
عند لدى أولئك الرومنسيين الحقيقيين الذين يعيشون ولا ينسون كل لحظة حب وشوق تمرَّ على حياتهم..
فأنا لا أريد أن اقول لكِ بأن زوجك إنساناً وضيعاً وعليكِ تركه.. ولكن أن كانت هناك أشياء كثيرة
ترينها فيه مظلمة وسلبية فعليك إجاد نظرة جميلة ذات نور في داخلك تنظرين بها نحوه..
أو تنظرين إليه من الجانب الجميل.. حتى لو كان ضئيلاً ضيقاً فختما سيشعر بذلك
ويرى بك ما ترينه به.. فتتبدل حياتكم وتكون كما كانت.. لأن هناك أشياء كثيرة قد ربطت بينكم..
فليس من السهل إسقاطها أو نسيانها..
خصوصاً أن كان هناك بينكم أبناءً لا يستحقون أن يجدوا ما وجدتوه بينكم..
والحياة عليها أن تستمر وهذا يتطلب منك أن لا تمنحين ليد اليأس والحزن سبيلاً إلى قلبك وروحك..
فبيدك أن تختارين الحياة التي تريدينها..
المفضلات