صفحة 8 من 16 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 الأخيرةالأخيرة
النتائج 71 إلى 80 من 152

الموضوع: 乂 تأملات قـرآنيــــة 乂

  1. #71
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    يقول تعالى ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )




    يقف المسلم المتدبر في آيات القرآن الكريم عند كلمة " الحيوان " فى قوله تعالي " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " (العنكبوت 64 )

    ويقول في نفسه :
    ما علاقة "الحيوان" الذى يمشى على أربع بالدار الآخرة ؟


    فيقرأ الآية مرة ثانية " فيجد المولى سبحانه وتعالى يختم الآية الكريمة بقوله " لو كانوا يعلمون " وفى ذلك إشـارة ضمنيــة إلى البحــث في هذه الكلمة ، فيرجع إلى كتب التفاسير، فيجد تفسيرا للكلمة تأتى فى بعضها على النحو التالى :
    (1) ( الطبري ) الحيوان: حياة لا موت فيها.

    (2) ( ابن كثير ) الحيوان: أى الحياة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء، بل هى مستمرة أبد الآباد.

    (3) ( القرطبى ) الحيوان : أى دار الحياة الباقية التى لا تزول ولا موت فيها ، وزعم أبو عبيد أن الحيوان والحياة والحي بكسر الحاء واحد .

    (4) ( البغوى ) الحيوان: أى الحياة الدائمة الباقية، والحيوان بمعني الحياة، أى: الحياة الدائمة.

    (5) ( البيضاوي ) الحيوان: مصدر حي، سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واواً وهو أبلغ من الحياة لما فى بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة.

    (6) ( فتح القدير ) قال ابن قتيبة وأبو عبيدة: إن الحيوان الحياة، وقال الواحـــدي ( وهو قول جميع المفسرين) ذهبوا إلى أن معني الحيوان هاهنا الحياة.



    ومن هذه التفاسير ، يعلم المسلم أن معني الحيوان هنا " الحياة " وليس " الحيوان " الذى يمشى على أربع ، فيسأل المسلم نفسه مرة أخرى :



    لماذا ذكر رب العزة الآية بلفــظ " الحيوان " ولم يذكرها بلفظ "الحياة " ؟


    لابد أن هناك فرقا في المعني بين اللفظين......... نعم هناك فرق بين اللفظين فى المعنى ، وسببه النون المسبوقة بالألف المد ، ونعلم جميعا أن كل زيادة فى مبنى الكلمة تعطى زيادة فى المعنى ، مثل : كلمة " مدرس " و " مدرسون " فزيادة الواو والنون هنا زيادة فى المبنى وتعطى زيادة فى المعنى ، لأن كلمة مدرس تدل على المفرد ، والواو والنون تدل على الجمع ، وهو ما يسميه علم اللغة الحديث : المورفيم : وهو أقل وحدة صرفية تحمل معنى فى بنية الكلمة ، والنون المسبوقة بالألف المد فى نهاية الاسم تعطى زيادة فى المعنى وهى : حقيقة الشيء ، والاسم بدون الألف والنون يدل على صورة الشىء ، والفرق بين حقيقة الشىء وصورته ، كالفرق بين حقيقة الشخص وصورته فى المرآة ، فالحياة صورة ، أما الحياة بزيادة الألف والنون ( بحذف تاء التأنيث وقلب الألف واوا ) هى الحيوان أى حقيقة الحياة .



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #72
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [align=center]
    بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ {1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ {2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ {3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ {4} فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا {6} فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ {7} وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ {8}


    فمن داوم على قرائتها عقب الصلوات الخمس يسر الله امره ورزقه من حيث لا يحتسب
    وقال بعضهم تلاوتها تيسر الرزق وتشرح الصدر وتذهب العسر في كل الامور وتصلح لمن غلب عليه الكسل والتعطل في المعاش اذا ادمن قرائتها0



    [/align]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #73
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    سورة الإسراء
    (مكية) نزلت بعد سورة القصص، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة النحل، وعدد آياتها 111 آية. وتعرف هذه السورة بسورة بني إسرائيل.
    أعظم اجتماع
    ولكي نقف على محور وهدف السورة فنحن بحاجة للرجوع إلى قصة الإسراء نفسها، عندما أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وبعدها كانت رحلة المعراج إلى السماوات العلى. فلماذا لم تسم السورة باسم سورة المعراج؟ وما السر الكامن وراء تسمية السورة بهذا الاسم؟
    لقد رافق هذا الحدث العظيم حدث آخر بنفس الأهمية، كان أعظم اجتماع في تاريخ البشرية. لقد كان المسجد الأقصى ممتلئاً عن آخره بأفضل الناس، أنبياء الله تعالى من لدن آدم حتى عيسى عليه السلام، وكلهم كانوا ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم، ليصلي بهم إماماً.
    إمام الرسل والأنبياء
    إنّ صلاة النبي بالأنبياء هي عنوان انتقال الرسالة إلى هذه الأمة واستلام النبي صلى الله عليه وسلم لواء قيادة البشرية في هذا المكان المبارك، المسجد الأقصى. فأنت يا محمد وأنتم يا أمة محمد أصبحتم مسؤولين عن الكتاب، أي عن الرسالة التي أرسلها الله إلى البشرية والتي تنتقل من نبي إلى نبي، ابتداء من سيدنا نوح الذي حمل الرسالة مع أولاده بعد الطوفان، لتصل إلى إبراهيم حامل الكتاب السماوي
    ومن ثم إلى موسى وعيسى عليهما السلام، إلى أن وصلت أخيراً إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
    هدف السورة: استشعر قيمة القرآن
    كيف يكون هذا هو هدف السورة؟ وما علاقة ذلك بالإسراء؟
    إن سورة الإسراء هي أكثر سورة ذكر فيها القرآن والكتاب، وفي ذلك دلالة على استشعار قيمة القرآن. وحادثة الإسراء هي الحادثة الممثلة لانتقال الكتاب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكأنها تقول لنا: أنتم يا أمة محمد مسؤولون عن هذا الكتاب، عن القرآن. فاستشعروا قيمته، وإياكم أن تفرطوا فيه كما فعلت الأمم السابقة فيستبدلكم الله كما استبدلهم.
    اجعله إمامك
    روى سيدنا علي بن أبي طالب حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح أهمية القرآن في حياتنا، وأنه طوق نجاة لمن يتخذه إماماً. يقول عليه الصلاة والسلام:
    "ألا إنها ستكون فتنة" فقال سيدنا علي: فما المخرج منها يا رسول الله.
    قال: "كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وفيه خبر ما بعدكم وحكم ما بينكم. هو بالفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله. هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يبلى من كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه. وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته إلا أن قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً. من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعى به هدي إلى صراط مستقيم".
    تعال معنا، يا قارئ القرآن، وبما أننا تقريباً في منتصف رحلتنا مع القرآن الكريم، لنعيش مع سورة القرآن ونستشعر عظمته من خلال آياتها.
    انتقال الكتاب عبر الأمم
    تبدأ السورة - كما هو واضح - بحادثة الإسراء:
    ]سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ..[ (1).
    وفي الآية الثانية مباشرة نرى قوله تعالى:
    ]وَءاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ[ (2). لقد جاءت هذه الآية بعد حادثة الإسراء للتوضيح أن ذكر حادثة الإسراء يهدف إلى إعلان انتقال الكتاب إلى الأمة المحمدية، لذلك نرى أن الآية الثانية تحدثت عن الأمة التي كان معها الكتاب من قبل:
    ]وَءاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِى إِسْرٰءيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِى وَكِيلاً[ (2).
    فكيف وصل الكتاب إليهم؟ ]ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا[ (3).
    وكأن هذه الآيات الثلاث تصوير مادي لحركة انتقال الكتاب عبر الأمم.
    فماذا فعلوا بالكتاب؟ ولماذا استبدلوا؟
    ]وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً[ (4)... وتمضي الآيات من 4 - 7 لتصوّر تضييع الأمة السابقة لهذه الأمانة إلى أن نصل إلى آية محورية، الآية 9، لتعلن مسؤولية أمة الإسلام، عن الكتاب.
    ]إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا & وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[ (9 – 10).
    فاستمسكوا بهذا الكتاب، واستعصموا به، فإنه يهديكم أيها المسلمون للتي هي أقوم...
    أوامر الكتاب
    ومن أول الربع الثاني تتكلم السورة عن عظمة هذا الكتاب، لأنه يأمر بما تقتضيه كل فطرة سليمة، فأي صاحب عقل سليم وفطرة سليمة غير مشوّشة لا يسعه حين يقرأ هذا الكتاب إلا أن يسلّم ويعترف بعظمته... فمن هذه الأوامر:
    - برّ الوالدين ]وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا & وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا[ (23 – 24)...
    - استعمال المال في أوجه الخير ]وَءاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا & إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبّهِ كَفُورًا[ (26 - 27)..
    - التوازن بين البخل والإسراف ]وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً[ (29)...
    نداء الفطرة
    كلها أوامر ونواهي تخاطب العقل السليم والفطرة الحية، فمن يعرض عن هذا الكلام؟ كيف نهجره وكيف لا نستمسك به؟ وفيه مصلحة البشر وخيرهم...
    - ]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا[ (31).
    - ]وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً[ (32).
    ولأن الآيات تخاطب الفطرة، فقد تكلمت عن الزنا أنه "ساء سبيلاً" لأنه فِعلٌ بالغ القُبح، وإن لم يلاحظ بعض أصحاب النفوس الضعيفة ذلك، لأنه لا يترتب على المَشي في طريقه إلا الهلاك والكوارث، مثل قتل الأنفس، وضعف الرزق، وظُلمة الوجه، واختلاط الأنساب والحياة البائسة الكئيبة...
    - ]وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱلله إِلاَّ بِٱلحَقّ[ (33).
    - ]وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ[ (34).
    - ]وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ..[ (35).
    - ]وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً[ (36).
    - ]وَلاَ تَمْشِ فِى ٱلأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً[ (37).
    فمن يرفض مثل هذا الكلام، وكيف يمكن للمسلمين أن يهجروا هذا الكتاب، وهو يأمرهم بكل هذا الخير وينهاهم عما فيه ضررهم وهلاكهم؟ ]كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا[ (38).
    لذلك نرى تعقيباً رائعاً على كل ما سبق ]ذٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ..[ (39) فكل ما سبق حكمة، وكله يؤدي بالإنسان لأن يعيش حياة كريمة في الدنيا والآخرة، فإذا غفل عنها: ]وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱلله إِلَـٰهًا ءاخَرَ فَتُلْقَىٰ فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا[ (39). فهل أدركنا عظمة هذا القرآن؟ وربنا سبحانه وتعالى يخبرنا بأن الخير كل الخير موجود في القرآن:
    ]وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا[ (41).
    قيمة القرآن
    وبعد أن بيّنت الآيات عظمة القرآن وأهمية أحكامه، تقوم بعد ذلك بين الآية والأخرى بذكر مزايا الكتاب (فهي أكثر سور القرآن إيراداً للكتاب)، فنرى فيها:
    حفظ القرآن لأهله: ]وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا & وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى ءاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً[ (45-46).
    اشتمال القرآن على أسرار التاريخ وسنن قيام الحضارات: ]وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذٰلِك فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًا[ (58).
    فالإنسان حين يرى تركيز سورة الإسراء على عظمة القرآن وهو لا يزال في منتصف القرآن (الجزء 15)، فلا بد أن يستشعر أهميته ولا يمر على آياته مرور الكرام، لأن هذه الآيات ستكون فرصة عظيمة له لرفع درجاته يوم القيامة، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "يقال لقارئ القرآن يوم القيامة إقرأ وارق ورتّل فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها"..
    فعدد درجات الجنة يا أخي المسلم هو بعدد آيات القرآن. ألا تريد الجنة؟ ألا تحلم بها وتتمناها؟ ألا تريد الفردوس الأعلى؟ إذاً فالزم قراءة هذا القرآن، وخاصة في صلاة الفجر وفي قيام الليل.
    ]أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[ (78).
    ]وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً
    مَّحْمُودًا[ (79).
    شفاء ورحمة للمؤمنين
    واسمع قوله تعالى:
    ]وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا..[ (82). فكما قلنا في سورة النحل، لم ترد لفظة الشفاء في القرآن إلا للعسل والقرآن، لأن العسل شفاء الأبدان من الأمراض، والقرآن شفاء للقلوب ودواء لأرواح المؤمنين الذين يعرفون قيمته.
    تحدي القرآن
    والآيات التي تحدثت عن عظمة القرآن كثيرة في السورة: ]قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[ (88).
    فافتخر بهذا التحدي الذي لا يزال قائماً إلى يوم القيامة.
    ]وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ مِن كُلّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا[ (89).
    فكل احتياجات الحياة الكريمة موجودة في هذا القرآن، لكن أكثر الناس يأبى إلا الكفر والجحود.
    دور القرآن
    ]وَبِٱلْحَقّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا وَنَذِيرًا & وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـٰهُ تَنْزِيلاً[ (105 – 106)..
    لقد سميت هذه السورة بسورة الإسراء حتى نتذكر -كلما قرأناها - النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يستلم الكتاب في رحلة الإسراء، ويسلّمه لنا من بعده.
    وبما أننا تحملنا مسؤولية حمل القرآن، فينبغي أن نكثر من قراءته، ليس في رمضان فقط، بل في كل الشهور، وينبغي أن نتدبره ونعمل به ونعلّمه لمن حولنا وننشره وننفّذ منهجه...

    أحبّاء القرآن
    وختام السورة تذكرة بأناس أحبّوا القرآن حباً شديداً، وفهموا هدف سورة الإسراء، فتفاعلوا مع كتاب الله تفاعلاً صادقاً: ]قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا & وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً & وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا[ (107 – 109).
    والحمد لله، لقد أصبحنا نرى هذه الآيات تنطبق على بعض الشباب في المساجد، وخاصة في شهر رمضان. تنظر إليهم فتراهم "يخرون للأذقان يبكون". وكلما تليت عليهم آيات القرآن تزيدهم خشوعاً... وهو أمر مطمئن، لأن تعامل الشباب مع القرآن بهذا المستوى يبشّر ببوادر خير لهذه الأمة.
    يرفع أقواماً ويضع آخرين
    فإن لم نكن كأحباء القرآن الذين ذكروا في الآيات السابقة، فإن نفس الآيات تحذرنا من الاستبدال ]قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ[. فالأمم السابقة قد قصرت في حفظ الكتاب وتبليغه فنزع منها إلى الأمة التي تليها فالتي تليها حتى وصل إلينا، فماذا لو قصرت هذه الأمة في حمل الأمانة؟
    إن الحساب سيكون أشد يوم القيامة لأننا آخر أمة ستحمل هذه الأمانة قبل قيام الساعة، فلا يجدر بنا أن نقصّر، بل نجتهد في حمل هذه الأمانة، وتطبيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "تركتُ فيكُم ما إن تمسَّكتُم به لن تضِلُّوا بعدي أبداً: كِتاب الله، وسُنَّتي". فلا نهضة لأمتنا ولا عز ولا خروج من الظلمات إلى النور إلا بهذا الكتاب: ]كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ[.
    كنوز من الحسنات
    استشعر وأنت تقرأ القرآن - إلى جانب عظمته وأهميته - الكم الهائل من الحسنات التي ترافق قراءة القرآن.
    فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول "من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ]الم[ حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف"...
    فإذا قرأت "بسم الله الرحمن الرحيم" مثلاً - وفيها تسعة عشر حرفاً - فإنك تنال مئة وتسعين حسنة.
    إذاً فجزء القرآن - الذي يكون متوسط حروفه سبعة آلاف حرف - ينال عليه المسلم سبعين ألف حسنة في الأوقات العادية، فما بالك بالأوقات المستحبة (كصلاة الفجر أو قيام الليل أو شهر رمضان).
    آلاف الحسنات في قراءة جزء لا يأخذ منا أكثر من ثلاثة أرباع الساعة، فما بالك بمن ينفّذه؟ فما بالك بمن يسمع الآيات بنيّة تنفيذها وتطبيقها؟ فما بالك بمن يفهم القرآن، ويعرف مراد ربنا من كل سورة؟ إذاً فماذا يكون حال من يشعر أن القرآن أمانة في عُنُقه، فيرغّب من حوله بقراءة القرآن ويفسّر لهم بعض معانيه الرائعة التي نعيش معها؟
    لا بد للشاب المسلم الذي قرأ سورة الإسراء وفهم مراد ربنا منها أن يتعامل مع القرآن من الآن وصاعداً بجدية متناهية، وأن ينذر حياته ليكون من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته.
    من الإسراء إلى الكهف
    ومن الإشارات اللطيفة، أن نرى الحديث عن القرآن يمتد من ختام سورة الإسراء إلى بداية سورة الكهف. فبعد أن ختمت سورة الإسراء بسجدة حتى تستشعر فيها حلاوة القرآن وتبكي من خشية الله، ثم تحمده على نعمة القرآن، هذه النعمة العظيمة التي بدأت سورة الكهف بشكر ربنا عليها: ]ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا[ (1).



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  4. #74
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    الحياة والموت من منظور طبي إسلامي



    للحياة مظاهر وعلامات مميزة، وللحياة مفهوم محدد، وليس البروتين أو البروتوبلازم أو الماء مرادف للحياة، فالخلية بكل مكوناتها قد تكون حية أو ميتة، والجسد كله، بكل خلاياه وأنسجته وأجهزته، قد يكون حياً أو ميتاً.
    وعندما يفقد الجسد صفة الحياة وينتقل إلى الموت يظل تركيبه المعروف ثابتاً لا يتغير لفترة ما، بعدها يبدأ تحلله إلى مكوناته الأولية من عناصر مختلفة.
    فالحياة شيء مستقل بذاته، شيء مغاير للجسد المحسوس، شيء يحل في الخلايا والأجساد ليعطيها مميزاً وصفات محسوسة ويمنحه القوة على الاستمرار واطراد النمو والبقاء دون تحلل.. إلى أجل مسمى.
    ولو أننا دققنا النظر في مفهوم الحياة ومظاهرها لوجدنا للحياة أكثر من مظهر، فالخالق سبحانه تفرد بالحياة المطلقة الأبدية التي لا أول لها ولا آخر، ولا مثيل لها ولا مشابه، فهو سبحانه وتعالى: (الحي القيوم)، وهو سبحانه وتعالى (ليس كمثله شيء)[سورة الشورى:11] فلا يقوم للمخلوقات وجود ولا حياة إلا به سبحانه وتعالى، فهو الذي يقول للشيء (كن فيكون)[سورة آل عمران:47]، وهو الذي (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)[سورة الأنعام:95]، وهو الذي خلق الإنسان من لا شيء يذكر هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيء مذكوراً)[سورة الإنسان:1].
    (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً)[سورة مريم: 61].
    إنه سبحانه وتعالى خلق الحياة كما خلق الموت، وكل منهما سر من أسراره، (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)(الملك /2)، فكل مخلوقات تستمد منه سبحانه وتعالى نوعاً من الحياة المحدودة والوجود الموقوت، وليس لمخلوق خلود، إنما الموت والفناء نهاية كل المخلوقات: (كل نفس ذائقة الموت )(العنكبوت/57)، (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)(الرحمن/36ـ37)، بل إن الخلق كله، ما ندركه وما لا ندركه، ينتهي إلى نهاية محتومة لا يعلمها إلا الله: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب * كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين)(الأنبياء/104)، والمخلوقات كلها تربطها بالخالق عز وجل رابطة العبادة والتقديس، فكل من في السماوات وكل من في الأرض، بل كل شيء يسبح بحمد الله ويقدسه ويسجد له.. فهي حياة عامة شملت الكون كله، بجميع جزئياته وتجلت بمظاهر لا ندرك الكثير منها بحواسنا البشرية القاصرة، ولكنها حقيقة وواقع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً)[الإسراء: 44].
    إننا عند ذكر كلمة (الحياة) يتبادر إلى ذهننا المعنى الخاص لها، المعنى الذي يشمل الإنسان والحيوان والنبات، وذلك لا شتراكها في مظاهر وعلامات خاصة نميزها عما نطلق عليه "الجماد ". ولعل أبرز مظاهر الحياة التي ندركها في الإنسان والحيوان والنبات هي الحركة والانفعالية التي تشمل الإحساس والاستجابة للمؤثرات المختلفة، ذلك بالإضافة إلى مظاهر أخرى مثل النمو وغير ذلك.. ولكن باستعراض كتاب الله نجد أن مظاهر الحركة والانفعالية موجودة في كل شيء في الوجود، ولا يختص بها عالم الإنسان والحيوان والنبات، فالذرات والجزيئات (بما فيها من إلكترونات)في حركة دائمة، وهذه جزيئات الأرض وحبيباتها فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت )(الحج:6). وهذه الجبال الثابتة لعيوننا، الجامدة في أماكنها: (تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء)(النمل :88). وهذه الشمس (تجري لمستقرها)(يس:38).. والكواكب والنجوم والمجرات كل في فلك يسبحون)(سورة يس/40).. بل إن الكون المادي كله بمجراته وما فيها من حركة دائمة واتساع مستمر(والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)(الذاريات:47).
    حياة وحركة دائمة دآبة لا تكل ولا تنتهي، حركة متناسقة مترابطة في الوجود كله من ذراته إلى مجراته..
    أما الانفعالية بما تحتوي من إحساس وإدراك واستجابة، فالقرآن يحدثنا عنها ويلقي لنا الضوء على دقائقها وغيبياتها، ويعلمنا بوجودها في كل شيء، فلننظر إلى السماء والأرض وهما تتلقيان الأمر من الخالق عز وجل فتجيبان بالسمع والطاعة ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين)(فصلت:11). وتلك الحجارة الصماء الجامدة الثابتة ظاهرياً لنا وإن منها لما يهبط من خشية الله )(البقرة:47)، طاعة وانقياد وخشية وخشوع وخضوع للخالق، بالتدبر قول الحق تبارك وتعالى عن الجبال لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله )(الحشر:21)، مخلوق من مخلوقات الله يخشع ويتصدع ويتزلزل كيانه خوفاً وخشية من الله. وهذه النار تتلقى الأمر من ربها فتتخلى عن صفاتها وأهم مميزاتها:( يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم )(الأنبياء :69). ونار جهنم تنفعل وتشتد وتثور من غيظها عندما ترى المجرمين الكافرين من بعد: (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور* تكاد تميز من الغيظ)(الملك/7ـ8)، وهل الغيظ إلا انفعال شديد، وأخيراً، وليس آخراً، تعالوا معي إلى قول المولى عز وجل (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)(الأحزابـ72) فهذه مخلوقات الله يصنفها الإنسان تصنيفاً ضمن الجمادات التي لا حياة فيها، ولكن المقارنة والقابلة في الإحساس والتلقي والقبول والرفض والإشفاق، تضفي على الجبال دقة الإحساس بعظمة الأمانة وخطرها.. مظهر دقيق من مظاهر الحياة لا ندركه ولا نشعر به، إنها حياة خاصة بتلك المخلوقات (الجامدة) ـ على حد تعبيرنا ـ ولكنها حياة غيبية لا ندركها، وعوالم تقف حواسنا القاصرة وإدراكنا المحدود عن الإلمام بها إلا من خلال وحي الله المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل شئ في الكون يسبح بحمد اللهولكن لا تفقهون تسبيحهم)(الإسراء:44).
    كل شيء في الكون حي ولكن بمقاييس خاصة، علمها عند الله.. وهكذا تجتمع المخلوقات كلها في صعيد واحد وعلى هدف واحد وغاية واحدة لا يشذ عن ذلك إلا الإنسان ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير من حق عليه العذاب)(الحج/18).
    الحياة كما ندركها:
    حدد الخالق عز وجل معنى خاصاً للحياة، معنى شرعياً لها، ومعنى لغوياً كذلك، فبين لنا أن الحياة والموت نقيضان واقتصر مفهوم الحياة على الحياة الإنسانية وحياة الحيوان والنبات، وما كان غير ذلك فهو خارج عن إدراكنا، (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)(البقرة/286). وهكذا تحدد مفهوم الحياة الإنسانية لدينا (والحيوانية والنباتية) بمظاهر وعلامات إذا فقدت صار (ميتاً): (أو من كان ميتاً فأحييناه) (الأنعام:122). أما كلمة (ميت) فإنها تعني (حي)، لأن كل حي سيدركه الموت حتماً، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : (إنك ميت وإنهم ميتون)(الزمر:30)، تأكيد لحتمية موت كل إنسان، لا يشذ عن ذلك أحد فتلك سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً)(الأحزاب/12). أما حياة غير الإنسان والحيوان والنبات فلا يطلق عليها لفظ (الحياة) لخلوها من مظاهر الحياة المعروفة في عالم الأحياء وإنما نقول عنها (جماد).
    وباستعراض واقع الحياة الإنسانية، كما تدل عليها الشواهد النظرية ونتائج البحث العلمي في شتى المجالات، نجد أن (الحياة) مجهولة ماهيتها تماماً للجميع، ولكن وجو الحياة في الجسد يعرف بمؤشرات معينة ومدلولات خاصة. والخلية الواحدة كائن حي قائم بذاته، يولد وينمو ويتقدم في العمر مروراً بالطفولة والصبا والفتوة فالكهولة فشيخوخة تنتهي بالموت، بل إن الخلية حين يتقدم بها العمر ويطول، فإن علامات الشيخوخة تظهر عليها وتبدأ أعضاؤها في الضمور وتبدو التجاعيد عليها ويقل نشاطها وحيويتها بشكل عام وينطبق عليها قانون الحياة العام وسنة الله في خلقه، حيث يقول سبحانه وتعالى ومن نعمره ننكسه في الخلق)(يس/86).
    وقد يتكون جسد الكائن الحي من خلية واحدة مستقلة تماماً عن غيرها، كما هو حاصل في كثير من الكائنات المجهرية وحيدة الخلية، كالبكتريا والأميبا وبعض الفطريات والطحالب. وهنا تقوم الخلية الواحدة بكل العمليات الحيوية دون حاجة إلى الاتصال بخلايا أخرى.
    وقد تتجمع تلك الكائنات وحيدة الخلية في جماعات أو مستعمرات، حيث تتماسك ظاهراً فتبدو كوحدة متماسكة، إلا أن الواقع أن كل خلية تظل على حالها، من الاستقلال الوظيفي عن غيرها، وبذلك تتكون جماعات أو مجتمعات يربط بين أفرادها ويبقى على تجمعهم ما يواجههم من ظروف بيئية، خاصة من تغيرات في الحرارة أو الرطوبة أو الغذاء أو الجفاف، أو غير ذلك.
    ولما كان لكل خلية عمر محدد فإن ملايين الخلايا تموت بجسم الإنسان كل ثانية، ولكن ذلك لا يؤثر على تركيب الجسم أو على وظائف أعضائه، وذلك أن تكاثر الخلايا يمد الجسم الإنسان بما يعوضه عن الخلايا الميتة بخلايا مطابقة لسابقتها تماماً من ناحية التركيب والوظائف. وإذا دققنا النظر في المجتمع البشري كله على وجه الأرض بأفراده وقبائله ودوله وشعوبه لرأينا كيف يشابه أو يطابق مجتمع الجسد البشري بخلاياه وأنسجته وأعضائه وأجهزته، فكما تموت الخلايا كل لحظة دون أن يتأثر وجود الجسم وحياته، فكذلك يموت البشر بالآلاف والملايين ولا يتأثر الوجود البشري على الأرض. وقد تفنى أمم كاملة دون أن يؤثر ذلك على حياة الجنس البشري ووجوده.
    ولقد ضرب لنا الخالق الأحد الأمثال لبعث الحياة في الأموات في الدنيا كآية من آياته الكبرى. وأجراها على يد بعض رسله وأنبيائه كمعجزات دالة على صدق رسالتهم . فهذا إبراهيم عليه السلام يتجه إلى ربه (ربي أرني كيف تحيي الموت * قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي * قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم أجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم أدعهن يأتينك سعياً * واعلم أن الله عزيز حكيم)(البقرة/260). وهذا موسى عليه السلام يلقي عصاه بأمر الله: (فإذا هي حية تسعى)(طه/20)، آية له ولفرعون، فيأتي أمر الله فتدب الحياة في الميت مرة أخرى( كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون)(البقرة/73). واختار موسى عليه السلام سبعين رجلاً من قومه لميقات ربه فلما قالوا(أرنا الله جهرة)، أخذتهم الصاعقة وماتوا جميعاً، ثم بعثهم الله من بعد موتهم... ويقص علينا القرآن قصة ذلك الذي (مر على قرية وهي خاوية على عروشها* قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه)(البقرة/259)، ثم رأى بعينه كيف يبعث الله الحياة في العظام الرميم وكيف ينشرها ثم يكسوها لحماً.. كما ينبئنا القرآن عن أولئك الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم )(البقرة/243).. وأخيراً، فهذا هو عيسى عليه السلام يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله وينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله وها هو يحيى الموت بإذن الله إنها قدرة الله سبحانه وتعالى الذي يقول للشيء (كن فيكون) و(الذي خلق الموت والحياة)(الملك:2)، والذي " يحيى ويميت " والذي يقف الإنسان عاجزاً أمام إدارك عظمته وأمام فيض علمه الذي لا ينفذ، وصدق الله سبحانه وتعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)(الإسراء:85).
    وتتكرر معجزة الموت والحياة أمام كل الناس في زمان ومكان، ولكنها تظل آية من آيات الله وسراً استأثر بعلمه سبحانه وتعالى .. تبدأ حياة الإنسان بقدر وتنتهي بأجل لا يعلمه إلا اللهوما تدري نفساً ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت)(لقمان/34)، وعندما يأتي الأجل لا يحول دونه حائل ولا تمنعه قوى المخلوقات جميعاً، وذلك هو الحق أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)(النساء:78). وأين المفر من قدرة الله: (إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم)(الجمعة/8).
    (أحياء غير أموات):
    الموت والحياة نقيضان بنص الكتاب وتقريره، فالله سبحانه وتعالى خلق الموت والحياة)(الملك/2). وهو الذي (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)(الروم/19)، ويخاطب الناس بقوله عز وجلكيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون)(البقرة/28)، فهو وحده الذي يحيى ويميت)(الحديد/2)..
    وغير ذلك من آيات الكتاب الكريم الدالة على حالتين فقط للإنسان، وهما الحياة والموت فقط، ولا مرحلة وسط بين الاثنتين.. وموت الفرد هو نهاية وجوده على الأرض بالشكل المعروف، ويوم القيامة تنتهي حياة كل من على الأرض مرة واحدة.
    وتنتهي حياة الإنسان يقبض حياته وإمساكها(الله يتوفى الأنفس حين موتها * والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى)(الزمر/42). فللموت لحظة محددة وأجل مسمى لا يتقدم ولا يتأخر: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)(الأعراف/34). وهكذا تتحدد لحظة الموت بانتهاء الأجل (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً)(الأعراف/145).
    غير أن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وإن دلت على انتهاء حياة الإنسان وموته، فإن ذلك يكون بقبض الروح، وهي عملية تمسك فيها النفس وتنتهي فيها الحياة. كما توجد إشارات مقتضبة في هذا مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا أحضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح) ثم إشارة القرآن إلى سكرات الموت وغمراته في قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)(سورة ق/19).(ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم * اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تتكبرون)(الأنعام/93). وهيهات، فذلك بحث فيما لا يدركه العقل ولا يخضع للتجربة.
    حياة حياة حياة
    عندما نقول إن الإنسان جسد وحياة وروح، فإننا في واقع الأمر نستطيع أن نميز أشكال من الحياة.. فهناك (الحياة الخلوية)، وهي حياة الخلية الذاتية بكل مظاهرها وعملياتها الحيوية.. ثم بعد ذلك هناك( حياة الجسد)أو (الحياة العضوية)، أي حياة الأعضاء، حيث تتجمع ملايين الخلايا الحية في نظام دقيق وتناسق تام للقيام بوظائف محددة تمثل وظيفة ذلك العضو، كالكلية أو القلب أو الكبد مثلاً، أو وظائف الجسد كوحدة متكاملة من الأعضاء والأجهزة.. والجسد الحي يتمتع بكل مظاهر الحياة من حركة وإحساس وانفعال وتنفس وتغذية وإخراج وتكاثر.. الخ.
    وأخيراً، فهناك بعد ذلك (الحياة الإنسانية)، حين تنفخ الروح في ذلك الجسد الحي فتعطيه مقومات جديدة من قدرة على التعلم والتذكر والتفكر والاختيار والتعقل بالإضافة إلى الإحساس بالزمن. وفوق هذا كله فإن الروح تعطي هذا الجسد الحي قوة الاستمرار في الحياة.. إن استمرار الحياة الخلوية وامتدادها، وكذلك استمرار الحياة الجسدية وامتدادها يرجع إلى وجود الروح.. والروح لا تتجزأ.. فإذا فصلت خلية واحدة أو انفصل عدد من الخلايا أو عضو من الأعضاء مثلاً عن الجسد فإنه ـ أي العضو ـ يفقد اتصاله بالروح، وبذلك يفقد القدرة على الاستمرار في الحياة، فيسرع إليه الموت سريعاً، إلا إذا أعيد اتصاله بجسده الأصلي أو تم توصيله بجسد آخر يقبله بالروح الجديدة في هذا الجسد وتعطيه القدرة على استمرار الحياة وامتدادها، فالحزء المستأصل من جسد الإنسان هو نسيج أو عضو حي، ولكن بلا روح.
    وتتميز الحياة الإنسانية بوجود الروح.. وسبق أن قلنا إن الحياة سابقة للروح، فالروح لا تنفخ في جسد ميت وإنما تنفخ في جنين حي. ولا يعلم إلا الله كيفية نفخ الروح أو كيفية اتصالها بأجزاء الجسم وخلاياه، ولا كيفية توفيها حين المنام أو خروجها حين الموت.. غير أنه يمكننا القول بأنه حين اليقظة وتمام الوعي يكون اتصال الروح بالجسم اتصالاً كاملاً وتاماً، بينما يتغير هذا الاتصال حين المنام وعند الموت.
    وقد يبرز هنا تساؤل عن إمكانية عودة الروح إلى أعضاء الجسم المتفرقة إذا أمكن إعادتها متصلة ببعضها البعض في جسدها الأصلي، بدلاً من زراعتها في أجسام متفرقة.. بمعنى آخر: هل إذا تقطع الجسم الواحد إلى أجزاء متفرقة ثم أعيد توصيل تلك الأجزاء جميعاً ببعضها البعض قبل موت خلاياها، فهل تعود الحياة الإنسانية إلى هذا الجسد؟.
    لا شك إن الإجابة هنا ستكون بالنفي.. وذلك أن تقطيع البدن إلى أجزاء متفرقة سوف يؤدي إلى خروج الروح تماماً منه، لعدم وجد الحد الأدنى اللازم لحلول الروح فيه.. وبذلك يموت الجسم ولا تعود إليه حياته إلا يوم القيامة










  5. #75
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    سورة الملك

    وهي مكية.

    قال أحمد: حدثنا حجاج بن محمد وابن جعفر قالا حدثنا شعبة، عن قتادة، عن عباس الجُشَمي، عن أبي هُرَيرة، عن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سورة في القرآن ثلاثين آية شَفَعت لصاحبها حتى غُفر له: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ).

    ورواه أهل السنن الأربعة، من حديث شعبة، به وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

    وقد روى الطبراني والحافظ الضياء المقدسي، من طريق سَلام بن مسكين عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سورة في القرآن خَاصَمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) .

    وقال الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا يحيى بن مالك النُكري، عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا إنسان يقرأ سورة الملك " تَبَارَكَ "حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر" ثم قال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي هريرة. ثم روى الترمذي أيضا من طريق ليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ ( الم * تَنْزِيلُ ) [سورة السجدة] ، و ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) . وقال ليث عن طاوس: يفضلان كل سورة في القرآن بسبعين حسنة .

    وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الحسين بن عجلان الأصبهاني، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي" يعني: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) .

    < 8-175 >

    هذا حديث غريب، وإبراهيم ضعيف، وقد تقدم مثله في سورة "يس" وقد روى هذا الحديث عبد بن حُمَيد في مسنده بأبسط من هذا، فقال:

    حدثنا إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال لرجل: ألا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال: بلى. قال اقرأ: ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فإنها المنجية والمجادلة، تجادل -أو تخاصم-يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له أن [ينجيه] من عذاب النار، وينجي بها صاحبها من عذاب القبر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددتُ أنها في قلب كل إنسان من أمتي" .

    وقد روى الحافظ ابن عساكر في تاريخه، في ترجمة أحمد بن نصر بن زياد، أبي عبد الله القرشي النيسابوري المقرئ الزاهد الفقيه، أحد الثقات الذين روى عنهم البخاري ومسلم، ولكن في غير الصحيحين، وروى عنه الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة. وعليه تفقه في مذهب أبي عُبَيد بن حَرْبَويه، وخلق سواهم، ساق بسنده من حديثه عن فرات بن السائب، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلا ممن كان قبلكم مات، وليس معه شيء من كتاب الله إلا ( تَبَارَكَ ) ، فلما وضع في حفرته أتاه المَلَك فثارت السورة في وجهه، فقال لها: إنك من كتاب الله، وأنا أكره مساءتك، وإني لا أملك لك ولا له ولا لنفسي ضرا ولا نفعا، فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب تبارك وتعالى فاشفعي له. فتنطلق إلى الرب فتقول: يا رب، إن فلانًا عَمَد إليَّ من بين كتابك فتَعَلَّمني وتلاني أفتحرقه أنت بالنار وتعذبه وأنا في جوفه؟ فإن كنت فاعلا ذاك به فامحني من كتابك. فيقول: ألا أراك غضبت؟ فتقول: وحُقّ لي أن أغضب. فيقول: اذهبي فقد وهبته لك، وشَفّعتك فيه. قال: فتجيء فيخرج الملك، فيخرج كاسف البال لم يَحْلَ منه بشيء. قال: فتجيء فتضع فاها على فيه، فتقول مرحبا بهذا الفم، فربما تلاني، ومرحبا بهذا الصدر، فربما وعاني، ومرحبا بهاتين القدمين، فربما قامتا بي. وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه". قال: فلما حَدّث بهذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يبق صغير ولا كبير ولا حُرّ ولا عبد، إلا تعلمها، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم المنجية .

    قلت: وهذا حديث منكر جدا، وفرات بن السائب هذا ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو حاتم، والدارقطني وغير واحد. وقد ذكره ابن عساكر من وجه آخر، عن الزهري، من قوله مختصرا. وروى البيهقي في كتاب "إثبات عذاب القبر" عن ابن مسعود موقوفًا ومرفوعًا ما يشهد لهذا وقد كتبناه في كتاب الجنائز من الأحكام الكبرى، ولله الحمد .

    < 8-176 >

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)

    يمجد تعالى نفسه الكريمة، ويخبر أنه بيده الملك، أي: هو المتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله. ولهذا قال: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

    ثم قال: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) واستدل بهذه الآية من قال: إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق. ومعنى الآية: أنه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا؟ كما قال: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ [البقرة: 28] فسمى الحال الأول -وهو العدم-موتًا، وسمى هذه النشأة حياة. ولهذا قال: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة: 28] .

    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثنا خُلَيْد، عن قتادة في قوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء".

    ورواه مَعْمَر، عن قتادة .

    وقوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) أي: خير عملا كما قال محمد بن عَجْلان: ولم يقل أكثر عملا.

    ثم قال: (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) أي: هو العزيز العظيم المنيع الجناب، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب، بعدما عصاه وخالف أمره، وإن كان تعالى عزيزا، هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز.

    ثم قال: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) أي: طبقة بعد طبقة، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهم على بعض، أو متفاصلات بينهن خلاء؟ فيه قولان، أصحهما الثاني، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره.

    < 8-177 >

    وقوله: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) أي: بل هو مصطحب مستو، ليس فيه اختلاف ولا تنافر ولا مخالفة، ولا نقص ولا عيب ولا خلل؛ ولهذا قال: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: انظر إلى السماء فتأملها، هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خللا؛ أو فطورًا؟.

    قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والثوري، وغيرهم في قوله: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: شقوق.

    وقال السدي: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: من خُروق. وقال ابن عباس في رواية: (مِنْ فُطُورٍ ) أي: من وُهِيّ وقال قتادة: (هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) أي: هل ترى خَلَلا يا ابن آدم؟.

    وقوله: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) قال: مرتين. (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا ) قال ابن عباس: ذليلا؟ وقال مجاهد، وقتادة: صاغرًا.

    (وَهُوَ حَسِيرٌ ) قال ابن عباس: يعني: وهو كليل. وقال مجاهد، وقتادة، والسدي: الحسير: المنقطع من الإعياء.

    ومعنى الآية: إنك لو كررت البصر، مهما كررت، لانقلب إليك، أي: لرجع إليك البصر، (خَاسِئًا ) عن أن يرى عيبًا أو خللا (وَهُوَ حَسِيرٌ ) أي: كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر، ولا يرى نقصًا.

    ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت.

    وقوله: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) عاد الضمير في قوله: (وَجَعَلْنَاهَا ) على جنس المصابيح لا على عينها؛ لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها، والله أعلم.

    وقوله: (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ) أي: جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى، كما قال: في أول الصافات: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات: 6 -10] .

    قال قتادة: إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها الله زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.

    < 8-178 >

    وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)

    يقول تعالى: (وَ ) أعتدنا (لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) أي: بئس المآل والمنقلب. (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا ) قال ابن جرير: يعني الصياح.

    (وَهِيَ تَفُورُ ) قال الثوري: تغلي بهم كما يغلي الحَبّ القليل في الماء الكثير.

    وقوله: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ) أي: يكاد ينفصل بعضها من بعض، من شدة غيظها عليهم وحنقها بهم، (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ * فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نـزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ) يذكر تعالى عدله في خلقه، وأنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه، كما قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الإسراء: 15] وقال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر: 71] . وهكذا عادوا على أنفسهم بالملامة، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة، فقالوا: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) أي: لو كانت لنا عقول ننتفع بها أو نسمع ما أنـزله الله من الحق، لما كنا على ما كنا عليه من الكفر بالله والاغترار به، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم، قال الله تعالى: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ )

    قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مُرَّة، عن أبي البَخْتَريّ الطائي قال: أخبرني من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لن يهلك الناس حتى يُعذِروا من أنفسهم" وفي حديث آخر: "لا يدخل أحد النار، إلا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة" .

    إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)

    يقول تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات، حيث لا يراه أحد إلا الله، بأنه له مغفرة وأجر كبير، أي: يكفر عنه ذنوبه، ويجازى بالثواب الجزيل، كما ثبت في الصحيحين: "سبعة يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله"، فذكر منهم: "رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلا تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" .

    وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا طالوت بن عباد، حدثنا الحارث بن عبيد، عن ثابت، عن أنس قال: قالوا: يا رسول الله، إنا نكون عندك على حال، فإذا فارقناك كنا على غيره؟ قال: "كيف أنتم وربكم؟" قالوا: الله ربنا في السر والعلانية. قال: "ليس ذلكم النفاق" .

    لم يروه عن ثابت إلا الحارث بن عُبَيد فيما نعلمه.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #76
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    سورة النبأ مكية بالإجماع، فقد أخرج البيهقي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: نزلت { عم يتساءلون } [ أي : سورة النبأ] بمكة(1)، وعدد آياتها أربعون، وكلماتها مائة وثلاثة وسبعون، وحروفها ثمانمائة وست عشرة، يبدأ الجزء الثلاثون بسورة النبأ وهو يعني بجانب العقيدة وتسمى بسورة ( عمّ ) وسورة ( النبأ ) لافتتاحها بقول الله تعالى: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم} وهو خبر القيامة والبعث الذي يهتم بشأنه ويسأل الناس عن وقته وحدوثه(2)
    سبب نزول السورة:
    { عم يتساءلون}: أخرج ابن جرير عن الحسن البصري قال: لما بعث النبي  جعلوا يتساءلون بينهم، فنزلت: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم }(3).
    1- مناسبة سورة النبأ لما قبلها وهي سورة المرسلات:
    إن سورة المرسلات ختمت بقوله تعالى: { فبأي حديث بعده يؤمنون }، وكان المراد بالحديث فيه القرآن، افتتح الله سورة النبأ بتهويل التساؤل عنه والاستهزاء به، وهو مبني على ما روى ابن عباس ومجاهد وقتادة أن المراد بالنبأ العظيم: القرآن، وعلى القول بأن المراد بالنبأ العظيم اليوم الآخر، فإن الصلة كذلك قائمة، إذ أن الحديث عن اليوم الآخر يستغرق معظم سورة المرسلات وهو مبني على رأي الجمهور على أنه البعث(4)



    2- مناسبة السورة لما بعدها من وجوه:
    أ- اشتمال السورة على إثبات القدرة على البعث الذي ذكر في سورة النبأ { أن الكافرين كذبوا به}.
    ب- أن في هذه السورة وما بعدها تأنيباً للمكذبين، فهنا قال تعالى: { ألم نجعل الأرض مهاداً}، وهناك قال: { إنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة}، وأن في كل منهما وصف الجنة والنار وما ينعم به المتقون وما يعذّب به المكذبون.
    جـ - في كل منهما وصف لبعض مشاهد يوم القيامة.

    3- مناسبة افتتاحيه السورة بخاتمتها:
    نجد السورة تبدأ بقوله تعالى: { عم يتساءلون عن النبأ العظيم....}، فهي تبدأ بذكر تساؤل يطرحه الكافرون وترد عليه، وتنتهي السورة بقوله تعالى: { إنا أنذرناكم عذاباً قريباً، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً}، فبداية السورة تتحدث عن تساؤل الكافرين، ونهاية السورة تتحدث عن الإنذار، وكذلك صلاته بمحور السورة(1).





    ثانيا : المحور الأساسي للسورة ( إثبات عقيدة الإيمان باليوم الآخر)
    1- تساؤل الكفار:
    { عم يتساءلون، عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون، كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}.
    ابتدأت السورة الكريمة بسؤال (( عم )) أصله عما، فحذف منه الألف إما فرقا بين ما الاستفهامية وغيرها أو قصدا للخفة لكثرة استعمالها، وقد قرئ على الأصل وما فيها من الإبهام للإيذان بفخامة شأن المسئول عنه وهوله، وخروجه عن حدود الأجناس المعهود أي شيء عظيم الشأن ( يتساءلون ) وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على إثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه(1).
    وهذا الموضوع الذي شغل أذهان الكثيرين من كفار مكة حيث أصبحوا ما بين مصدق ومكذب، وقال مجاهد وغيره أنه البعث، وما يدل على أنه البعث أن كفار العرب ينكرون الميعاد فقال عنهم الله تعالى: { وما نحن بمبعوثين } ( المؤمنون:37).
    وطائفة منهم غير جازمة بل شاكة فيه كما قال تعالى: { إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين} ( الجاثية:33)، ثم قال متوعدا لمنكري البعث { كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}. وهنا تهديد شديد ووعيد أكيد(2)..



    2- دلائل قدرة الله:
    { ألم نجعل الأرض مهادا، والجبال أوتادا، وخلقناكم أزواجا، وجعلنا نومكم سباتا، وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا}.
    ثم شرع الله تعالى يبين عظيم قدرته وآيات رحمته التي غفل عنها هؤلاء المنكرون، أي كيف تنكرون أو تشكون أيها الجاحدون في البعث والنشور، وقد رأيتم ما يدل على قدرة الله التامة وعلمه المحيط بكل السماء، انظروا إلى الأرض جعلناها ممهدة وموطئاً للناس والدواب، يقيمون عليها وينتفعون بها وبخيراتها، ألا ينظرون إلى هذه الأرض التي منها خلقوا وفيها سيعودون ومنها سيخرجون منها تارة أخرى شاءوا أم أبوا.
    قال تعالى: { والجبال أوتادا}، أي جعلنا الجبال للأرض كالأوتاد كي لا تميد أو تضطرب بأهلها.
    ثم قال: { وخلقناكم أزواجا}، أي وجعلناكم أصنافاً ذكوراً وإناثاً، ليتمتع كل منكم بالآخر، وليتم حفظ الحياة بالإنسان والتوليد وتكملتها بالتربية والتعليم، قال تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.
    ثم قال تعالى: {و جعلنا نومكم سباتا}، السبات الموت، والنوم نعمة كبرى على الناس، ولقد شبه الله الموت بالنوم واليقظة بالبعث والنشور(1)، فالنوم يريح القوى من تعبها وينشطها من كسلها.
    ثم قال تعالى: { وجعلنا الليل لباساً}، أي جعل الليل يستركم بظلامه كما قال تعالى: { والليل إذا يغشاها}.
    ثم قال تعالى: { وجعلنا النهار معاشاً}، أي جعل النهار مشرقا ليتمكن الناس من تحصيل المعاش والتكسّب وغير ذلك.
    قال تعالى: { وبنينا فوقكم سبعاً شداداً}، يعني السماوات في اتساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثوابت و السيارات.
    { وجعلنا سراجاً وهاجاً}، وهو يعني الشمس التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم(2) .
    ثم قال تعالى: { وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجا، لنخرج به حباً ونباتا، وجنات ألفافا}، المعصرات يعني الغيوم المتكاثفة التي تنعصر بالماء ولم تمطر بعد، والثجاج السريع الاندفاع، لتخرج بذلك الماء الكثير النافع الطيب، حبا يقتات به الناس ونباتات وبساتين وحدائق ذات بهجة وأغصان ملتفة على بعضها، وثمرات متنوعة ذات طعوم وروائح متفاوتة(1).
    ويتضح في الآيات التقاء العلم مع الإيمان الصادق بقدرة الله وعظمته، فكلما ارتقت معارف الإنسان وازدادت معرفته بطبيعة هذا الكون، أدرك من وراءها التقدير الإلهي العظيم والتدبير الدقيق المحكم والتنسيق بين أفراد الوجود وحاجاتهم، فكل الدلائل السابقة أثبت العلم صحتها من القرآن، اذكر مع سبيل المثال: حقيقة الجبال فهي تحفظ توازن الأرض لعدة أسباب منها:
    تعادل نسب الأغوار في البحار ونسب المرتفعات في الجبال ومنها قد يكون تعادل بين التقلصات الجوفية للأرض والتقلصات السطحية، وقد يكون لأنها تثقل الأرض في نقطة معينة فلا تميد بفعل الزلازل والبراكين والاهتزازات الجوفية، وقد يكون السبب آخر لم يكشف عنه بعد(2).


    علاقة الآيات بما قبلها:
    إن الله عز وجل ذكر دلائل قدرته إلزاما للكافرين بالحجج الدافعة على قدرته على البعث والنشور، كما أنه اقتدر أن يخلق هذه الكائنات، وأنه سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.




















    ثالثا: (مشاهد يوم القيامة)

    ويشتمل على
    1- علامات يوم البعث.

    2- مشهد الطغاة في النيران.

    3- مشهد التقاة في الجنان.


















    1- علامات يوم البعث:

    { إن يوم الفصل كان ميقاتا، يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا، وفتحت السماء فكانت أبوابا، وسيرت الجبال فكانت سرابا}
    أعقب الآيات السابقة ذكر البعث، وقد حدد وقته وميعاده، وهو أن يوم الفصل هو يوم الحساب والجزاء، وسمي بيوم الفصل لأنه يفصل فيه بين الخلائق، وجعل له وقتا وميعادا للأولين والآخرين، ويكون ذلك يوم ينفخ في الصور نفخة القيام من القبور، فيحضرون جماعات للحساب والجزاء، ثم ذكر من أوصاف هذا اليوم تتشقق السماء من كل جانب، فتكون كالأبواب في الجدران، كذلك قوله تعالى: { إذا السماء انشقت} ( الانشقاق 1)، ونسفت الجبال فأصبحت كالسراب يحسبه الناظر شيئا وهو وهم(1).
    علاقة الآيات بما قبلها:
    بعد أن بين دلائل قدرته على البعث، وذكر بعض مشاهد هذا البعث زيادة في تأكيد قدرته عليه وتخويفا للمنكرين الجاحدين له.
    2- مشهد الطغاة في النيران:
    يمضي السياق خطورة وراء النفخ والحشر، فيصور مصير الطغاة، ومصير التقاة، بادئاً بالأولين المكذبين المتسائلين عن النبأ العظيم.
    قال تعالى: { إن جهنم كانت مرصادا، للطاغين مآبا، لابثين فيها أحقابا، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا، إلا حميما وغسّاقا، جزاءاً وفاقاً، إنهم كانوا لا يرجون حسابا، وكذبوا بآياتنا كذابا، وكل شيء أحصيناه كتابا، فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}.
    إن جهنم خلقت ووجدت وكانت مرصاداً للطاغين، تنتظرهم وينتهون إليها فهي معدّة لهم، ومهيأة لاستقبالهم، فكانت جهنم مآبا لهم للإقامة الطويلة المتجددة أحقابا بعد أحقاب.
    فشرابهم الماء الساخن والغسّاق الذي يغسق من أجساد المحروقين ويسيل {جزاء وفاقا } وهذا يوافق ما سلفوا وقدّموا { إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذّابا}، وجرس اللفظ فيه شدّة توحي بشدّة التكذيب وشدة الإصرار عليه، بينما كان الله يحصى عليهم كل شيء وهنا يجيء التأنيب الميئس من كل رجاء في تغيير أو تخفيف { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}(1).
    علاقة الآيات بما قبلها:
    بعد أن ذكر الله تعالى مشاهد من مشاهد يوم القيامة بين جزاء من كذب بيوم القيامة موضحاً أن تكذيبهم إنما يعود بالضرر عليهم.
    3- ( مشهد التقاة في الجنان)
    ثم يعرض المشهد المقابل، مشهد التقاة في النعيم.
    { إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، وكأساً دهاقا، لا يسمعون فيها لغواً ولا كذابا، جزاءً من ربك عطاءً حسابا}.
    إن المتقين ينتهون إلى مفازة ومنجاة، تتمثل في الحدائق والأعناب وكواعب وهن الفتيات الناهدات اللواتي استدارت أثداؤهن، وأترابا متوافيات السن والجمال، وكأسا دهاقا ما كان فيه من شراب كلما فرغت ملئت مرة أخرى، فهم في حياة مصونة من اللغو والتكذيب الذي يصاحبه الجدل، { جزاءً من ربك عطاءُ حساباً }، وتلمح هنا ظاهرة الأناقة في التعبير والموسيقى في التقسيم بين ( جزاء) و( عطاء ) (2).
    علاقة الآيات بما قبلها:
    بعد أن ذكر الله تعالى عاقبة من كذب بيوم البعث بين جزاء من آمن به وصدق به..

    رابعا: (قد أعذر من أنذر)
    ويشتمل على:

    1.موقف المقربين إلى الله.

    2. موقف الذين يتساءلون في ارتياب.




















    1- موقف المقربين إلى الله:
    { رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}.
    إن موقف المقربين إلى الله وهم جبريل والملائكة، الأبرياء من الذنوب والمعصية موقفهم هكذا صامتين، لا يتكلمون إلا بإذن وحساب، يغمر الجو بالروعة والرهبة والإجلال والوقار(1).
    علاقة الآيات بما قبلها:
    تكملة لمشاهد اليوم الذي يتم فيه ذلك كله، يأتي المشهد الختامي في السورة حيث يقف جبريل والملائكة لا يتكلمون إلا ما هو صواب.
    المطلب الثاني: ( موقف الذين يتساءلون في ارتياب)
    {ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا، إنا أنذرناكم عذاباً قريبا، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا}.
    في ظل هذا المشهد تنطلق صيحة من صيحات الإنذار، إنها الهزة العنيفة لأولئك الذين يتساءلون في شكٍ، فلا مجال للتساؤل والاختلاف والفرصة ما تزال سانحة قبل أن تكون جهنم مرصاداً ومآبا، وهو عذاب يؤثر الكافر العدم على الوجود، { يا ليتني كنت ترابا}، وهو أهون عليه من مواجهة الموقف المرعب الشديد، هو الموقف الذي يقابل تساؤل المتسائلين وشك المتشككين في ذلك النبأ العظيم !!!(2).
    علاقة الآيات بما قبلها:
    إنذار للبشر بعد عاقبة الكافرين، وعاقبة المتقين، ليختار كل واحد ما يريد.



    الفصل الثالث

    أولا:-
    أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.

    ثانيا:-
    ثمرة الإيمان باليوم الآخر في الدنيا والآخرة في حياة المسلم.





















    أولا:-
    أساليب القرآن في عرض موضوعاته من خلال دراسة السورة.
    ويشتمل على
    أولا: أسلوب الترغيب والترهيب والوعيد.

    ثانيا: الوصف.

    ثالثا: الاستفهام والتعجب والتفخيم.

    رابعا: الاستدلال العقلي.












    أولا: أسلوب الترغيب والترهيب:
    لقد استخدم القرآن الكريم أسلوبي الترهيب والترغيب في هذه السورة حينما ذكر مشهد الطغاة في النار { إن جهنم كانت مرصادا، للطاغين مآبا....}، وكذلك مشهد الترغيب حين ذكر مشهد التقاة في الجنة في قوله تعالى: { إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا...}، هذان الأسلوبان يجعلان الإنسان في حالة يقظة دائمة ومراقبة للنفس، واجتهاد على العمل وإيقاظ للهمم.
    ثانيا أسلوب الوصف:
    لقد استخدم القرآن الكريم أسلوب وصفي للمشاهد والصور حين ذكر مشهد يوم الفصل، في قوله تعالى: { إن يوم الفصل كان ميقاتا....}، ومشهد العذاب بكل فوته وعنفه { إن جهنم كانت مرصادا....}، ومشهد النعيم كذلك وهو يتدفق تدفقاً، { إن للمتقين مفازا....}، كل هذا يعود بهم إلى النبأ العظيم(1).
    ثالثا أسلوب الاستفهام والتعجب والتفخيم:
    لم يكن السؤال في قوله تعالى: { عم يتساءلون} بقصد معرفة الجواب لهم، إنما للتعجب من حالهم وتوجيه النظر إلى غرابة تساؤلهم، بكشف الأمر الذي يتساءلون عن بيان حقيقته وصحته، عن النبأ العظيم لم يحدد ما يتساءلون عنه بلفظه إنما ذكر وصفه استطراداً في أسلوب التعجب والتضخيم وكان الخلاف عل اليوم الآخر بين الذين آمنوا به والذين كفروا به(2).
    رابعا: أسلوب الاستدلال العقلي.
    وخاصة مع أولئك الجاحدين المعاندين الذين لا تقبل نفوسهم النص، ونلحظه جليا في قوله
    تعالى: { ألم نجعل الأرض مهادا....}.
    ثانيا:-
    ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر في حياة المسلم.
    1- إن للأيمان باليوم اليوم الآخر أثرا عظيما في توجيه سلوك الإنسان في هذه الحياة الدنيا ذلك لأن الإيمان به، وبما فيه من حساب و ميزان، وثواب وعقاب وفوز وخسران، وجنة ونار له أعمق الأثر وأشده في سير الإنسان وانضباطه، والتزامه بالعمل الصالح وتقوى الله عز وجل.
    2- المسلم مطلوب منه أن يقدم على الحق، ليدفع الباطل، وأن يجعل نشاطه كله في الأرض عبادة لله، وبالتوجه في هذا النشاط كله لله، ولابد من جزاء العمل، وهذا الجزاء لا يتم في رحلة الأرض، فيؤجل الحساب الختامي بعد نهابة الرحلة كلها... فلابد إذن من عالم آخر للحساب، وحين ينهار أساس الآخرة في النفس ينهار معه كل تصور لحقيقة هذه العقيدة وتكاليفها ولا تستقيم هذه النفس على طريق الإسلام أبداًُ(1).
    3- الإيمان باليوم الآخر له أثر في تحريك العواطف مثل الخجل والحياء من الله تعالى والخشية من لقائه وحسابه والرغبة في تجنب سخطه وغضبه، وفي الوصول إلى مرضاته ومحبته وهذه العواطف إذا بقيت متوقدة في النفس، كانت حافزا للإنسان على العمل فيما يرضي الله(2).
    4- الإيمان باليوم الآخر، يعلّم العبد كذلك أن شهوات الدنيا كلها لا تستحق منهم الطلب والجهد والتنافس فيها، وأن الذي يستحق إنما هو ما أعد لهم في ذلك اليوم العظيم(3).
    5- الإيمان باليوم الآخر يجعل المسلم يؤمن أنه مراقب من الملائكة المرافقين له، الذين يقومون بتدوين كل أفعاله الصغيرة والكبيرة، ويقول تعالى: { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراً}(4).

    6- الإيمان باليوم الآخر يكون كذلك سببا في الإخلاص في العمل(1).
    7- الإيمان باليوم الآخر يكوّن في أعماق النفس دافعاً قويا إلى عمل الخير ومكافحة الشر، ويكون هذا الدافع أقوى من الجزاء الدنيوي(2).
    8- الإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بالعدالة الإلهية المطلقة في الجزاء، وأن حياة الإنسان على هذه الأرض ليست سدى، إنما هي بميزان(3).



















    نتائج البحث

    1- سورة النبأ سورة مكية بالإجماع، وعدد آياتها أربعون آية ويطلق عليها سورة ( عمّ).
    2- إن القرآن الكريم أثبت صحة العلم خلال تعمق الإنسان في مخلوقات الله.
    3- ظهر للباحث أن هذه السورة كغيرها من السور المكية تركز على أهداف القرآن المكي في تصحيح العقيدة المتمثلة في الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وأهوال، واستخدام أسلوب الجمع بين الثواب والعقاب، فالبشارة للمؤمنين والعذاب للطغاة المجرمين.
    4- الموضوع الأساسي للسورة هو ( الإيمان بعقيدة البعث)، فقد أثبت هذا الموضوع بأدلة مقنعة كافية للإجابة عن أسئلتهم.
    5- تعتبر الأدلة الحسية أحدى الأساليب القرآنية في عرض موضوعاته.
    6- ظهرت في السورة حقيقة أصل الإنسان وهو مخلوق من تراب { يا ليتني كنت ترابا}.
    7- المنكرون للبعث ليس لهم دليل على إنكارهم؛ لأنه أمر من أمور الغيب وأمور الغيب لا يعلمها إلا الله.
    8- ظهر في السورة أن موقف الكفار من البعث ما بين منكر أو كافر به وما ينتظرهم من عذاب، وموقف المؤمنين من البعث وما ينتظرهم من جنان.
    9- لم يكن سيدنا محمد  هو النبي الذي أخبر عن البعث، بل أخبر به نوح وآدم وإبراهيم وغيرهم، فقد قال تعالى على لسان نوح: { والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا} ( نوح:18).



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  7. #77
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    40-إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً
    يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وأنه رب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء وقوله تعالى « لا يملكون منه خطابا » أي لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه كقوله تعالى « من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه » وكقوله تعالى « يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه » وقوله تعالى « يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون » اختلف المفسرون في المراد بالروح ههنا ما هو على أقوال « أحدها » ما رواه العوفي عن ابن عباس أنهم أرواح بني آدم « الثاني » هم بنو آدم قاله الحسن وقتادة وقال قتادة هذا مما كان ابن عباس يكتمه « الثالث » أنهم خلق من خلق الله على صور بني آدم وليسوا بملائكة ولابشر وهم يأكلون ويشربون قاله ابن عباس ومجاهد وأبو صالح والأعمش « الرابع » هو جبريل قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك ويستشهد لهذا القول بقوله عز وجل « نزل به الروحالأمين على قلبك لتكون من المنذرين » وقال مقاتل بن حيان الروح هو أشرف الملائكة وأقرب إلى الله عز وجل وصاحب الوحي « الخامس » أنه القرآن قاله ابن زيد كقوله « وكذلك أوحينا روحا من امرنا » الآية « والسادس » أنه ملك من الملائكة بقدر جميع المخلوقات قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله « يوم يقوم الروح » قال هو ملك عظيم من أعظم الملائكة خلقا وقال ابن جرير حدثني محمد بن خلف العسقلاني حدثنا رواد بن الجراح عن أبي حمزة عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال الروح في السماء الرابعة وهو أعظم من السماوات ومن الجبال ومن الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكا من الملائكة يجيء يوم القيامة صفا وحده وهذا قول غريب جدا وقد قال الطبراني « 11/11476 » حدثنا محمد بن عبد الله بن عرس المصري حدثنا وهب الله بن روق بن هبيرة حدثنا بشر بن بكر حدثنا الأوزاعي حدثني عطاء عن عبد الله بن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لله ملكا لو قيل له التقم السماوات السبع والأرضين بلقمة واحدة لفعل تسيبحه سبحانك حيث كنت وهذا حديث غريب جدا وفي رفعه نظر وقد يكون موقوفا على ابن عباس ويكون مما تلقاه من الإسرائيليات والله أعلموتوقف ابن جرير فلم يقطع بواحد من هذه الأقوال كلها والأشبه عندي والله أعلم أنهم بنو آدم وقوله تعالى « إلا من أذن له الرحمن » كقوله « يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه » وكما ثبت في الصحيح « خ806 م182 » ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل وقوله تعالى « وقال صوابا » أي حقا ومن الحق لاإله إلا الله كما قاله أبو صالح وعكرمة وقوله تعالى « ذلك اليوم الحق » أي الكائن لا محالة « فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا » أي مرجعا وطريقا يهتدي إليه ومنهجا يمر به عليه وقوله تعالى « إنا أنذرناكم عذابا قريبا » يعني يوم القيامة لتأكد وقوعه صار قريبا لأن كل ما هو آت آت « يوم ينظر المرء ما قدمت يداه » يعرض عليه جميع أعماله خيرها وشرها قديمها وحديثها كقوله تعالى « ووجدوا ما عملوا حاضرا » وكقوله تعالى « ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر » « ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا » أي يود الكافر يومئذ أنه كان في الدار الدنيا ترابا ولم يكن خلق ولا خرج إلى الوجود وذلك حين عاين عذاب الله ونظر إلى أعماله الفاسدة قد سطرت عليه بأيدي الملائكة السفرة الكرام البررة وقيل إنما يود ذلك حين يحكم الله بين الحيوانات التي كانت في الدنيا فيفصل بينها بحكمه العدل الذي لا يجور حتى إنه ليقتص للشاة الجماء من القرناء فإذا فرغ من الحكم بينها قال لها كوني ترابا فتصير ترابا فعند ذلك يقول الكافر « يا ليتني كنت ترابا » أي كنت حيوانا فأرجع إلى التراب وقد ورد معنى هذا في حديث الصور المشهور وورد فيه آثار عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وغيرهما


    تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #78
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    1-الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
    مقدمة تفسير سورة فاطر بسم الله الرحمن الرحيم سورة فاطر وهى-مكية قال سفيان الثوري عن إبراهيم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت لا أدري مافاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما لصاحبه أنا فطرتها أي بدأتها وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضا « فاطر السموات والأرض » أي بديع السموات والأرض وقال الضحاك كل شيء في القرآن فاطر السموات والأرض فهو خالق السموات والأرض وقوله تعالى « جاعل الملائكة رسلا » أي بينه بين أنبيائه « أولي أجنحة » أي يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا « مثنى وثلاث ورباع » أي منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة أجنحة ومنهم من له أربعة ومنهم من له أكثر من ذلك كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء وله ست مئة جناح « خ3232/ م174 » بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب ولهذا قال جل وعلا « يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير » قال السدي يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء وقال الزهري وابن جريج في قوله تعالى « يزيد في الخلق ما يشاء » يعني حسن الصوت رواه عن الزهري البخاري في الأدب وابن أبي حاتم في تفسيره وقرئ في الشاذ « يزيد في الخلق » بالحاء المهملة والله أعلم



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  9. #79
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    2-مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
    يخبر تعالى أنه ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن وأنه لامانع لما أعطى ولامعطي لما منع قال الإمام أحمد « 4/254 » حدثنا علي بن عاصم حدثنا مغيرة أخبرنا عامر عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال إن معاوية كتب إلى المغيرة بن شعبة أكتب لي بما سمعت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فدعاني المغيرة فكتبت اليه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمدوهو على كل شيء قدير اللهم لامانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولاينفع ذا الجد منك الجد وسمعته ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وعن وأد البنات وعقوق الأمهات ومنع وهات وأخرجاه من طرق « خ6473 م593 » عن وراد به وثبت في صحيح مسلم « 471 » عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وهذه الآية كقوله تبارك وتعالى « وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راده لفضله » ولها نظائر كثيرة وقال الإمام مالك رحمة الله عليه كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا مطروا يقول مطرنا بنوء الفتح ثم يقرأ هذه الآية « ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم » ورواه ابن أبي حاتم عن يونس عن ابن وهب عنه


    تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #80
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    3-يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
    ينبه تعالى عباده ويرشدهم إلى الإستدلال على توحيده في إفراد العبادة له كما أنه المستقل بالخلق والرزق فكذلك فليفرد بالعبادة ولايشرك به غيره من الأصنام والأنداد والأوثان ولهذا قال تعالى « لا إله إلا هو فأنى تؤفكون » أي فكيف تؤفكون بعد هذا البيان ووضوح هذا البرهان وأنتم بعد هذا تعبدون الأنداد والأوثان والله أعلم




    تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 8 من 16 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 19 (0 من الأعضاء و 19 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. 乂صعوة 乂 شقردي 2000 مبروك 乂
    بواسطة شام في المنتدى مضيف الإهداءات
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 15-09-2009, 13:48
  2. مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 23-08-2009, 02:40
  3. 乂乂 لذائذ العيد المضائفية 乂乂
    بواسطة شام في المنتدى فـنـون الـمـطبخ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 18-10-2007, 22:54
  4. مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 13-09-2006, 09:30
  5. 乂乂 دغدغة مسامع فقط 乂乂
    بواسطة النجم في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-10-2005, 05:46

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته