صفحة 7 من 16 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 70 من 152

الموضوع: 乂 تأملات قـرآنيــــة 乂

  1. #61
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    خلق الله سبحانه وتعالى الانسان بقدرات محدودة وامكانات محدودة، فحواس الانسان كلها مقيدة في حدود لا تتعداها في الحياة الدنيا، وانظر الى قوله تعالى في سورة الحاقة “فلا أقسم بما تبصرون(38) وما لا تبصرون(39)” وفي سورة الإنسان “نحن خلقناهم وشددنا أسرهم(28)”.
    يوم القيامة ترفع بعض الحجب وتتكشف للانسان بعض المغيبات عنه فيسمع ما لم يكن ليسمع ويرى ما لم يكن يراه في الحياة الدنيا، وتدبر قوله تعالى في سورة السجدة “ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون(12)” وفي سورة (ق) “ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد(20) وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد(21) لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد(22)” وفي سورة الفرقان “يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا(22)” وها هو الشيطان يقف يوم القيامة ليعترف على رؤوس الأشهاد فيراه الجميع ويسمعونه وهو يقول “.. إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم(22)” (سورة إبراهيم).

    مخلوقات مجهرية

    والحقيقة ان ما لا نبصره وما لا نسمعه وما لا نشعر به لا يعني فقط المغيبات عنا مثل الملائكة والجن وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله، بل يعني كذلك الكثير الكثير من المخلوقات الموجودة في الأرض وفي السماوات مما تؤثر في حياتنا سلبا وايجابا من دون ان نشعر بها.
    قف امام جدار على بعد امتار عديدة منك، وحاول ان ترى نملة تقف أو تتحرك على ذلك الجدار فلن تراها، ولكنك حين تقترب من الجدار كثيرا فسوف تراها وتتضح امام عينيك كلما اقتربت اكثر واكثر حتى يمكنك في النهاية ان تميز أرجلها وجسدها، فهل كانت النملة موجودة على الجدار قبل ان تراها؟ ولماذا لم تبصرها عيناك إلا بعد ان اقتربت منها كثيرا؟
    وإنك حين تنام فإنك تنظر الى الوسادة جيدا لترى إن كان عليها شيء أو حشرات فلا ترى شيئا، عندها تنام مستريحا قرير العين، ولكن الحقيقة غير ذلك، فهناك عليها من الكائنات الدقيقة ما لا تستطيع العين ان تبصره، ولو طالعت هذه الكائنات من خلال مجهر (ميكروسكوب) لما ذقت طعم النوم ولكنك والحمد لله لا تبصرها بعينيك.
    وهكذا فهناك من المخلوقات ما لا حصر لها تحيط بنا من كل مكان، وتعيش على ملابسنا وجلودنا وداخل أجسامنا ولا تمكننا رؤيتها بأعيننا، ولكننا عرفناها عندما اكتشفنا المجهر الضوئي الذي استطعنا بوساطته ان نرى المخلوقات الدقيقة حتى البكتيريا، ثم المجهر الالكتروني الذي رأينا بوساطته الفيروسات، وذلك لأن المجهر يقوم بتكبير صور تلك المخلوقات عشرات ومئات وآلاف المرات فنرى تلك (الصور) بأعيننا وكأننا نرى تلك الكائنات حقيقة.
    هذا نوع مما لا نبصر، موجودات حقيقية ومخلوقات في كل مكان. لا تستطيع العين رؤيتها وذلك ان شبكية العين مهيأة لتمييز الأشياء التي تصل اليها صورتها في حدود محددة من الحجم والمساحة، فكلما صغر الشيء أو بعد عن العين ضاقت وصغرت زاوية الصورة الواصلة الى العين فلا تستطيع الشبكية تمييزها إلا إذا زادت على حد معين، ولذلك فأنت ترى الطائرة حين تقلع للطيران بحجمها الطبيعي ثم يصغر حجمها امام عينيك كلما بعدت حتى تختفي تماما، فهل يعني ذلك انها غير موجودة؟ كلا، بل هي موجودة ولكن لا نبصرها وهكذا الحال بالنسبة لكل جسم أو شيء بعيد عنا سواء على الأرض أو في السماء.

    حاجزا المكان والزمان

    وبالطبع فإننا لا نبصر الأشياء التي يحول بيننا وبينها حاجز كبناء أو جبل أو غير ذلك، كما لا نبصر الأشياء التي يحول بيننا وبينها حاجز الزمان سواء الماضي أو المستقبل، فهل يستطيع أي انسان ان يرى بعينيه ما حدث منذ لحظة أو سنة أو قرن من الزمان، أو أن يعلم عنه شيئاً إلا بخبر صادق ممن رآه، أو يأتي الخبر من الخالق سبحانه وتعالى، كما جاء في كثير من الآيات مثل قوله تعالى: “ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل(1) ألم يجعل كيدهم في تضليل(2) وأرسل عليهم طيرا أبابيل(3) ترميهم بحجارة من سجيل(4) فجعلهم كعصف مأكول(5)” (سورة الفيل)؟ فهذا حدث لم يره الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن رآه كثير من أهل مكة ولذلك لم ينكر أي واحد منهم ما قصته السورة عن تلك المعجزة، وينقل القرآن الكريم الناس الى موقع الأحداث مبينا بعض تفاصيلها ويؤكد حدوثها رغم ان أحداً من معاصري الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرها. ولذلك تبدأ تلك الآيات دائما بقوله تعالى “ألم تر” و”ألم يروا” وهي في كتاب الله كثيرة وكلها أمثلة لما لم نبصر ولا نبصر بأعيننا ولكن يأتينا خبرها، وكذلك الحال في أخبار القرون الأولى وأخبار المعاصرين، وما يخبرنا عنه القرآن الكريم عن أحوال الآخرة من بعث وحساب وثواب وعقاب وجنة وجحيم.
    والحقيقة العلمية تؤكد الحقيقة القرآنية بأن العين لا تبصر كل شيء، فالعين ترى ما يصل اليها من مكونات الضوء الأبيض، وهي الألوان التي نراها عند تسليط شعاع ضوئي على مخروط زجاجي، أو عند تشتت ضوء الشمس بوساطة جزيئات الماء والبخار في الأيام الممطرة فنرى ما يعرف ب (قوس قزح) وهي الألوان الأحمر والأصفر والبرتقالي والأخضر والنيلي والأزرق والبنفسجي.
    ويتحدد اللون بطول الموجات الضوئية، ولذلك فما خرج عن تلك الألوان لا تراه العين أي لا نبصره، مثل الموجات تحت الحمراء وفوق البنفسجية وحتى ألوان تستطيع بعض الحيوانات والطيور تمييزها ورؤيتها. وهناك بعد ذلك موجات لا حصر لها لا تستطيع العين البشرية تمييزها أو رؤيتها، مثل الأشعة السينية وأشعة ألفا وأشعة بيتا وأشعة جاما وغيرها مما لا ندري عنه إلا القليل، وقد استطاع الانسان بآلاته ان يكتشف وجود بعض تلك الاشعاعات بل ويستفيد منها في مختلف المجالات العلمية والاقتصادية والطبية والهندسية وغير ذلك، وكلها تدخل ضمن (ما لا تبصرون) رغم وجودها وآثارها في حياتنا.

    تمثل الملائكة

    ويخبرنا الحق تبارك وتعالى عن الملائكة وكيف انهم أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، كما جاء في أول سورة (فاطر) ولكننا لا نبصرهم فهل رآهم أحد على هيئتهم تلك؟ وهم قادرون على التحول الى صورة بشرية بحيث تمكن رؤيتهم والتحدث اليهم، كما حدث مع إبراهيم عليه السلام “ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ(69) فلما رءآ أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا الى قوم لوط(70)” (سورة هود) فهم لا يأكلون طعاما ولا يشربون، وقد ذهبوا الى لوط عليه السلام فرآهم وتحدث اليهم ورآهم قوم لوط “ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب(77) وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات..(78)” (سورة هود)، وتمثل الملك للسيدة مريم عليها السلام “فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا(17) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا(18) قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا(19)” (سورة مريم) وتستمر المحاورة بينهما كما جاء في السورة، وذلك زكريا عليه السلام يسمع نداء الملائكة “فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب(39)” (سورة آل عمران)، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يرى جبريل عليه السلام ويرى الملائكة، ورأى الصحابة جبريل عليه السلام في الحديث المشهور عندما جاء يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان وعن الساعة وأشراطها.. فالملائكة مخلوقون من نور، جوهرهم غير جوهرنا، يروننا ولا نراهم، يتمثلون بصورنا ولا نتمثل بصورهم، وقدراتهم غير قدراتنا وأكبر وأشمل، ومع واقع وجودهم فنحن لا نبصرهم.

    عالم الجن

    وكذلك الجن ومنهم الشياطين لا تمكننا رؤيتهم إلا إذا تمثل أحدهم في صورة انسان أو غيره، وقد رأى آدم عليه السلام ابليس الرجيم في الجنة قبل هبوطه منها حين حذره الله سبحانه وتعالى منه ومن عداوته وكيده “... إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (117)” (سورة طه) وقد سخر الله الجن لسليمان عليه السلام يعملون له اعمالا كثيرة ويبنون له تماثيل ومحاريب وجفاني كبيرة وقدوراً راسيات وغير ذلك، وكان العرب قبيل ظهور الإسلام يسمعون أصوات الجن، وتمثل أحدهم للرسول عليه الصلاة والسلام فأمسك به الرسول صلى الله عليه وسلم وكاد ان يربطه بسارية المسجد لولا ان تذكر دعوة أخيه سليمان عليه السلام “رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي” كما جاء في الحديث الصحيح، كما تمثل لأبي هريرة يطلب منه مالاً اكثر من مرة كما جاء في الصحيح، وقد تمثل للكفار قبيل غزوة بدر في صورة حليفهم سراقة بن مالك وقال لهم “لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب(48)” (سورة الانفال) فقد رأى الملائكة ورآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم بعض الصحابة رضوان الله عليهم. ولكننا لما خلقنا الله عليه وفطرنا لا نبصر الملائكة ولا الجن إلا إذا شاء سبحانه وتعالى.

    أصوات لا نسمعها

    أما السمع فإننا كذلك لا نكاد نسمع شيئا من مخلوقات الله في الأرض أو السماء، فإن ما نسمعه بالنسبة لما لا نسمعه يكاد يقترب من الصفر، وذلك أننا نسمع الأصوات التي تقع ذبذبات ترددها من عشرين إلى عشرين ألفاً في الثانية الواحدة، وما قل عن ذلك لا نسمعه وما زاد على ذلك لا نسمعه، والحقيقة ان هناك من الأصوات ما يزيد تردد موجاتها على العشرين ألفاً والمائة ألف واكثر واكثر الى ما لا نعلمه، ومن الأصوات ما يقل تردد موجاتها عن العشرين من الثانية وأقل وأقل الى حدود لا نعلمها، وبالتالي فإن مجال مسموعات الأذن البشرية محدود للغاية، كما اننا لا نسمع الأصوات التي تقل شدتها أي قوتها عن حد معين مثل اصوات الحشرات والميكروبات والنباتات بل اصوات ما يحدث داخل اجسامنا من أنشطة وتفاعلات لا حصر لها وإلا اصبحت حياتنا ازعاجا لا يطاق.

    هل سمع احدنا ما يصدره الوطواط من اصوات تلتقط أذناه صداها بسهولة وسرعة فائقة فيحدد اتجاه حركته وسرعته أثناء طيرانه؟ وهل تعلم ان اكتشاف الانسان لذلك هو الذي أدى الى اكتشاف الرادار وموجاته التي لا نسمعها كذلك؟
    إن كوننا لا نسمع الأصوات الضعيفة أو البعيدة لا يعني انها غير موجودة بل يعني اننا لا نسمعها، فعندما تجلس في غرفة أو في أي مكان فإن هناك أصواتاً لا حصر لها تحيط بك ولكنك لا تسمعها، فقط شغل جهاز الراديو وحرك مؤشر الموجات فستسمع الأصوات القادمة اليك من كل انحاء العالم، ولكنك لا تسمعها.
    وهكذا فإننا لا نرى ولا نسمع أكثر مخلوقات الله عز وجل رغم وجودها واكتشافنا لوجود كثير منها، فكيف بالخالق عز وجل الذي ليس كمثله شيء، والذي يدرك الابصار ولا تدركه الأبصار، والذي قال الرسول عليه الصلاة والصلام عنه سحبانه وتعالى حينما سئل: هل رأيت ربك؟ فكانت اجابته “نور أنى أراه”؟ تعالى الله سبحانه عما يقول المشركون علوا كبيرا.

    موجودة.. ولكن لا نراها

    يتحدد اللون بطول الموجات الضوئية، ولذلك فما خرج عن تلك الألوان لا تراه العين، أي لا نبصره، مثل الموجات تحت الحمراء وفوق البنفسجية، وهي ألوان تستطيع بعض الحيوانات والطيور تمييزها ورؤيتها، وهناك بعد ذلك موجات لا حصر لها لا تستطيع العين البشرية تمييزها أو رؤيتها، مثل الأشعة السينية، وأشعة ألفا، وأشعة بيتا، وأشعة جاما، وغيرها مما لا ندري عنه إلا القليل، وقد استطاع الانسان بآلاته ان يكتشف وجود بعض تلك الاشعاعات، بل ويستفيد منها في مختلف المجالات.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #62
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    الروح وعلم الجينات الحديث

    صورة لبيضة ملقحة في حالة الانقسام
    { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].
    في ظل الدراسات الحديثه القائمة اليوم والتي يعكف العلماء عليها للتوصل حول حقيقة الكائن البشري وماهية التركيب الجزيئي له معلقين شتى الامال حول علاج الامراض المستعصيه التى أرقت عصرنا فقد إستجدت علوم جديده إختلفت الاراء حول موقف التشريعات الإلهيه والدينيه منها راجعا إلى السبب إلى الخوف من خلط الأنساب فما أن إستحدث علم الجينات والمورثات وما أن ظهرت الشفرات الوراثيه بدأ العلماء يخضون تجاربهم حول إمكانية إستخلاص خلايا جديده لربما تكون مستقبلا بدائل وحلولا للخلايا المعطوبه و لعل من أكبر الأحداث التى أثارت ضجه في العالم هي ظاهرة الاستنساخ "النعجة دولي " وكيف أن الخوف قد علا على الساحات العلمية والإجتماعيه وفي هذا المقال أحب أن أسلط الضوء عن تكوين الخلايا البشريه وأصلاها وكيف أن الروح هي سر الإبداع الإلهي لإحياء هذه الخلايا التى لا تعد من أن تكون مواد أوليه.
    الخلية هي وحدة التركيب والوظيفة في الكائن الحي ويعنى بالكائن الحي هنا إشارة إلى وجود الروح فلورجعنا لمنشأ الخلية الحية من أول خلقها لبدأنا رحلتنا حيث نرجع إلى أصغر جزء من المادة ألا وهي ذرات العناصر المكونه للمواد الحية ألا وهي ذرات الكربون والهيدروجين والاوكسجين والنتروجين والمعادن الاخرى مثل الحديد والفسفور وهي أيضا المكونات الاساسيه للتربه لقوله تعالى:{ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم تنتشرون} الروم (20 ) وتعبر الذرات في هذه الحاله مفرده في الصورة الغير عضوية وما أن تتحد مع بعضها البعض بنسب مختلفه تصبح مواد عضوية جديده "نظرا لوجود ذرات الكربون" لا تقل أهميه عن تلك العناصر التى أتت منها مفرده فلوتخلينا أننا أستطعنا تجميع الذرات مع بعضها البعض بإستخدام أحدث التقنيات الحديثه مثل تقينة النانو المتناهية الصغر وكونا السكريات الخماسية الغير مؤكسده ومن ثم قمنا بتجميعها بكميات كبيره لنحصل على جزيء واحد من الدي إن إيه DNA وضعفناه حتى نصل إلى الكروموسوم الواحد ولله المثل الأعلى فهذا لا يعني بالمفهوم العلمي أننا إستطعنا تخليقه لأنه يبقى حتى الأن مجرد جزيء معقد التركيب مهما إستطاعنا الحصول علية مخبريا وحيث الكروموسومات توجد بداخل أنوية الخلايا والتى تتحد مع بعضها البعض مكونة الأنسجة التى ما تلبث أن تتخصص إلى الأعضاء مكونة الكائن الحي الكامل فإنه ينقصها مفتاح الحياة ألا وهو الروح لقولة تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].

    الشكل التالي يبين الجينوم البشري
    وحتى علم الاستناخ وعلم الخلايا الجذعيه كلها لا يمكن نجاحها بدون وجود الروح الموكله بأمر الله تعالى وحده ولا تسطيع اليد البشريه مهما بلغ علمها التدخل في ذلك والدليل الواضح على ذلك هوأن الجنين في رحم أمه عند بدأ خلقه يكون مجرد نطفة ثم علقه ثم مضغة إلى أن تبدأ مرحله تشكيل الجنين وهنا يبعث الله بأمره ملك موكلا بهذه الروح فتدب الحياة في الجنين بعد120 يوما من تكوينه أي خلال الشهر الثالث يقول تعالى : {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة * فخلقنا العلقة مضغة * فخلقنا المضغة عظاما * فكسونا العظام لحما * ثم انشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}المؤمنون (12- 14)
    وفي كلا العلمين المستحدثين يحتاج علم الاستنساخ إلى وجود البيئه الروحيه التى ينموبها وهي بداخل رحم الام المضيفه وفي علم الخلايا الجذعيه يحتاج إما إلى خلايا الإنسان البالغ من نخاع العظم عادة أو الحبل السري فور ولادة الجنين وحفظها في بنوك خاصه. ومهما إستطاع العلماء تخصيص هذه الخلايا إلى أعضاء هامة مثل القلب أو الكلى فهي تبقى مجرد أعضاء بلا روح لا تدب بها الحياة الا بداخل كائن حي يملك روحا يقول الدكتور حسين اللبيدي مدير مستشفى وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة وعضو جمعية الإعجاز العلمي بالقاهرة وجنوب الوادي في موقع الإعجاز العلمي للفرأن والسنه "وباختصار العملية ما هي إلا وضع نطفة أمشاج مخلوقة لله وجاهزة مسبقاً في رحم مجهز لذلك ليتم بعدها تخليق الجنين بإذن الله خلقاً من بعد خلق، وكل أفعال العلماء -وهم عباد الله - تدور حول منطقة النطفة لا تتعداها وكل أفعالهم ما هي إلا عملية تؤدي إلى تصيير نطفة أمشاج في رحم مجهز لاستقبالها فهي عملية نقل أوتحويل لا خلق فيها وتدخل تحت مسمى (الجعل) " دلالة على ضرورة وجود الروح ومهما أنُكرت حقيقة الوجود ونسبت العلوم إلى الطبيعة تبقى الذات الالهيه لله الواحد القهار ولا تملك النفس البشريه منها أي شيء مهما بلغت من تقدم وتطور.
    وأخيرا يبقى علماء العلوم المختلفه وخاصة الكيمياء الحيوية منهم مهما وصلومن تقدم هائلا لا ليس بيدهم إلا أن يقفوأمام عظمة الخالق في نفخ الروح وبعثها تاركين وراء ظهورهم مجال الشك بعيدين كل البعد في التدخل في مسألة الخلق التي هي من إختصاص الله وحده فتبارك الله أحسن الخالقين....










  3. #63
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    البرق بشير ونذير

    يَصْحُب البرق Lightning عادةً السحب الكثيفة المثقلة الغنية بالمطر والممتدة عاليًا كالجبال والتي تسمى بسحب الرُّكَام Cumulus, وقد يَصْحُب ظواهر أخرى كالعواصف الرعدية Thunderstorm والعواصف الترابية Dust Storms والثورات البركانية, ويصاحبه دوي أو دمدمة وقعقعة تسمى بالرعد Thunder, والبرق عبارة عن تفريغ شحنة كهربية قد تقع داخل السحب أو بين سحابة وأخرى مشحونة بشحنة مخالفة, وقد تقع بين السحب المشحونة والهواء, وإذا بلغ البرق سطح الأرض فهو ينتخب الأجزاء المرتفعة لإفراغ شحنته مدمرًا كل جماد وصاعقًا كل حي؛ ولذا يسمى حينئذ صاعقة البرق Lightning bolt أو ضربة الرعد Thunderbolt.
    (1) نظرة علمية:
    لم تكن طبيعة البرق معروفة حتى منتصف القرن الثامن عشر, وفي عام 1752 أثبت الأمريكي بنيامين فرانكلين Benjamin Franklin (1706-1790)v أنه عبارة عن شحنة كهربية حيث يمكنها توليد شرارة Spark إذا اقتربت من الأرض, والقصة الشائعة أنه استخدم طائرة ورقية أثناء عاصفة رعدية ربط فيها مفتاحاً معدنياً متصلاً بطرف قرب سطح الأرض أثناء طيرانها عالياً فلاحظ تولد شرارة كهربية بين الطرف المعدني المتصل بالطائرة وبين الأرض, أعاد غيره التجربة مرات عديدة وكان بعضها مأساويًَا, ففي عام 1753 قام الفيزيائي السويدي رتشمانRichman بتجربة مماثلة لكن الشحنة الكهربية صعقته.
    تحدث معظم ضربات البرق على اليابسة في المناطق الحارة, ويظهر اللون عددها سنوياً لكل كيلومتر مربع.
    والوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالشحنات الكهربية, واحتمال تلامس الشحنات المتعاكسة كبير ولذا فإن البرق الداخلي يمثل ثلاثة أرباع ضربات البرق، وحينئذ يرى المراقب من سطح الأرض توهج خافت تحجبه طبقات السحب الكثيفة, وقد يحدث التفريغ الكهربي في أعلى الغيمة فتتكشف عتمة السحب الكثيفة للناظر بهيئة ظلمات متباينة الإعتام تحجب الوميض, ويأخذ البرق أشكالاً عديدة بسبب انتشار الشرارة في كتل هوائية متباينة الضغط ودرجة الرطوبة؛ فيظهر بهيئة خط متعرج أو شريط ذي خطوط شبه متوازية, وإذا وصلت ضربة البرق إلى سطح الأرض فيعتمد خطرها على موضع تفريغ الشحنة, والأجسام المعدنية التي توضع فوق الأبنية العالية في المناطق التي تكثر فيها الصواعق وتسمى بموانع الصواعق لا تمنعها في الحقيقة؛ وإنما تقوم بتسريب الشحنة الكهربائية خلال موصلات معدنية نحو الأرض فتحرف مسارها وتدفع خطرها.
    وتتكون العواصف الرعدية نتيجة سخونة سطح الأرض وتسخين الهواء الملامس فيرتفع عالياً بهيئة دوامات حاملاً بخار الماء ليتكثف في المناطق العليا الباردة ويكون تجمعات من سحب الركام قد يصل ارتفاعها إلى 18 كم, ويوافق هذا التفسير كثرة العواصف الرعدية في المناطق الاستوائية, وتتميز سحب الركام بنزول المطر الغزير والبَرَدْ وحدوث البرق والصواعق, وقد يبلغ حجم حبة البَرَدْ حوالي 10 سم, ومع إزدياد حجمها تصبح أكثر تدميرًا نتيجة زيادة شدة الارتطام وتسبب خسائر أكبر للمنشآت والمحاصيل, ونادرًا قد تبلغ 15 سم في العرض فتزداد قوة تدميرها وتعرض حيوانات المزارع وحتى البشر للخطر.
    ولم تُكتمل تجريبيًا بعد دراسة كافة العوامل المحتملة التأثير في عملية تكون الشحنات الكهربية في السحب والتي تدفع لوقوع البرق عند بلوغ الحد الحرج, فقد تدخل عدة عوامل مثل درجة التشبع بالماء واحتكاك القطرات بالهواء وشدة الرياح؛ وربما يكون للرياح الشمسية المشحونة كهربيا تأثيراً ما, لكن تكون البرق يرجع أساسًا إلى تكون البَرَدْ Hail في أعلى السحب, فالبَرَدْ يتحرك دوريا داخل السحابة نحو الأعلى تأثير تيارات الحمل من الهواء الصاعد ونحو الأسفل بزيادة وزنه نتيجة لاكتساب حباته مزيدًا من طبقات الجليد في المنطقة العليا حيث تتدنى درجة الحرارة, وتبسيطًا: تكتسب حبات البَرَدْ خلال حركته لأعلى الكترونات سالبة ويشحن أعلى السحابة بشحنة موجبة, وخلال حركته نحو الأسفل يشحن أسفل السحابة بشحنة سالبة.
    وعندما تجتمع الظروف المناسبة وتنضج السحابة تسعى الشحنة الكهربية السالبة في قاعدة السحابة لشحن الجو الرطب دونها بشحنة سالبة وتتوجه نحو الأرض يقودها ما يسمى الشعاع القائد Leader لضربة البرق, وينتقل في خطوات متدرجة كل منها قد يبلغ عشرات الأمتار, وقد تبلغ سرعة الشعاع القائد 60 ألف مترثانية, وعلى بعد عشرات الأمتار من سطح الأرض تقابله الشحنة الموجبة صاعدة نحوه نتيجة التجاذب بين الشحنتين وتمتد نحو السحابة خلال نفس المسار في الهواء الذي مهده الشعاع القائد بتأيين الهواء بالشحنة السالبة؛ ولذا تسمى بالضربة المرتجعة Return stroke, وهي المسؤول الأساسي (حوالي 99%) عن تفريغ الشحنة الكهربية وتوليد الوميض الحاد أو لمح البرق Lightning flash, ونتيجة للشحنة الكهربائية الهائلة التي تشق طريقها في الهواء يسخن فجأة في أجزاء قليلة من الثانية لتبلغ درجة حرارته حوالي 20 ألف إلى 30 ألف درجة مئوية؛ وهي درجة حرارة هائلة تزيد عن حوالي ثلاث إلى خمس مرات قدر حرارة سطح الشمس (حوالي 6 آلاف درجة مئوية), والتسخين الفجائي للهواء لدرجة الحرارة الهائلة تلك يولد موجة صدمية فوق صوتية Supersonic shock wave تُسمع كأصوات عاتية مرعبة متتابعة بهيئة دمدمة وقعقعة تسمى بالرعد Thunder نتيجة دوي الإنفجار الذي تصاحبه موجة تمدد الهواء فجأة والموجة الإرتدادية وترددهما مع صدى الصوت المنعكس على سطح الأرض والسحب في المنطقة من الجو وما يجاورها, ولأن لمح البرق ينتقل في الجو بسرعة الضوء (حوالي 300 ألف كمثانية) بينما تنتقل موجات الرعد بسرعة الصوت (حوالي 343 مترثانية عند مستوى سطح البحر) يُمكن تقدير بُعد المصدر بمعرفة الفارق زمنياً بين الحدثين, وقد يحدث البرق ولا يسمع الرعد لبعد المصدر, وقد يُسمع الرعد ولا يشاهد البرق لوقوعه داخل غيمة السحب.

    صورة لشجرة أثناء تعرضها لصاعقة
    وليست ضربات البرق خطرًا يمكن تجاهله حيث يحدث البرق حوالي 100 مرة كل ثانية, وفي اللحظة الواحدة تحدث حوالي 2000 عاصفة رعدية, وفي العام حوالي 6 مليون عاصفة برقية Lightning storms, ويقوم البرق بتفريغ تيار يبلغ أكثر من مائة مليون فولت على الأقل في كل مرة وقد يصل إلى ألف مليون فولت, فأنت إذن أمام قوة رهيبة تدخل في صلب العمليات المقدرة لتوزيع المطر على سطح الكوكب, وفي ذات الوقت قد تكون تلك القوة الرهيبة مصدرًا لدمار لا يدفعه احتياط.

    صورة مخيفة لصواعق تضرب إحدى المدن
    (2) نظرة دلالية:
    ومضات البرق ودمدمة الرعد رسائل لا يغيب مغزاها عن الفطين تشهد بتقدير مُسبق وتدبير واحد لا تصنعه إلا مشيئة واحدة علية وقدرة إذا شاءت جعلت النعمة نقمة, وهي ظاهرة مُحَيِّرَة لم يعرف الإنسان تفسيرها إلا مؤخراً في عصر العلم, وتعجب أن يكشف القرآن الكريم سترها من بين كل الكتب التي تُنسب سواه للوحي فأتت موافقة للواقع كدليل للنبوة الخاتمة.
    في قوله تعالى: ﴿هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السّحَابَ الثّقَالَ. وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ الرعد: 12و13؛ تصريح بالتلازم كما نعرفه اليوم بين البرق Lightening وسحاب الركام Cumulus المُعَبَّر عنه بالسحاب الثقال, وهو تعبير وصفي دقيق يلتقي مع المعرفة الحديثة بأن السحاب ثقيل الوزن ترفعه تيارات الحمل من أسفل وأن سحاب الركام خاصةً هو أثقل أنواع السحب, والبرق يلتقطه البصر كومضات خاطفة أو لمح فهو إذن ظاهرة ضوئية مرئية ناسبها خصَّه بالرؤية في التعبير: (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ), وقد يتحول البرق إلى صواعق تحرق أي شيء تَطَال من معالم سطح الأرض وتصعق الأحياء نتيجة الشحنة الكهربائية الهائلة, وخصُّ البرق بالرؤية فقط بلا خطر سوى شدة اللمعان وخص خطر الإصابة بالصواعق تمييز لكل منهما رغم الطبيعة الواحدة.

    صورة لشجرة تعرضت لصاعقة
    وفي قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ﴾ النور: 43؛ تلازم حدوث البرق والبَرَدْ مع تكون سحب الركام وربط النظم بين تكون البَرَدْ وامتدادها عالياً كالجبال ونسب وقوع البرق إلى البَرَدْ, يقول فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني: "السبب في تكوين البرق هو البرد, فالبرد بتكوينه تتكون الشحنات الكهربائية الموجبة والسالبة، والله يبين لنا هذا في القرآن الكريم: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء﴾.. الضمير يعود على ماذا؟.. فَيُصِيبُ.. بماذا؟ بالبرد.., (وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء)؛ يصرف ماذا؟.. البرد.., (يَكَادُ سَنَا بَرْقِه) أي لمعان برق ماذا؟ برق البرد، فالبرق (سببه).. البرد، هل كان لدى النبي صلى الله عليه و سلم أجهزة..؛ أم كان عنده العلم الذي جاءه من الله!".

    صورة لبرج إيفيل في فرنسا أثناء تعرضه لصاعقة في عام 1902 م
    وقد يصحب البرق ما يسمى بعواصف التورنادو الرعدية Tornadic thunderstorm التي تبدو بهيئة إعصار فيه نار, وقد اُستشكل أن تُصاحب العواصف والأعاصير أية ظواهر نارية باعتبار أنها دوامات مكونة أساساً من ماء مثلج وبَرَدْ, حيث لم يُعرف إلا حديثًاً جدًّاً أن الدور الأساسي في تكوين الشرارة النارية وصدور البرق يرجع إلى البَرَدْ ذاته, ولذا لا مجال إذن لنسبة التعبير الوصفي في القرآن الكريم لبشر في قوله تعالى: ﴿أَيَوَدّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمُ الاَيَاتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ﴾ البقرة: 266.
    وفي أقل من نصف ثانية تحدث 3-4 ضربات برق نراها كلها في ومضة برق واحدة ولا ندرك مرور ورجوع البرق، والحقيقة أن الشعاع الكهربائي يرجع باتجاه الغيمة لكن سرعة العملية تبدي لنا البرق وكأنه يتجه من الغيمة إلى الأرض فحسب, وتفيض دلائل النبوة في حديثه عليه الصلاة والسلام؛ ففي رواية مسلم: "ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين", وتعجب كيف يوصف البرق بالرجوع في زمن لم يُعاين مرور شحنته عائدةً للسحب بشر قبل اكتشاف تقنية التصوير السريع!, وكيف يُوصف الضوء بسرعة محدودة مُثِّلَت بطرفة العين في زمن المتبادر فيه أن الضوء سرعته لا نهائية قبل قياسها حديثًاً!, يقول سعادة الباحث م. عبد الدايم الكحيل: " لم يكن أحد يتخيل أن للضوء سرعة.., وهذه هي أول إشارة نلمسها في الحديث الشريف إلى أن البرق يسير بسرعة محددة, (و)البرق ما هو إلا شرارة كهربائية.. (و)هنالك طورين رئيسيين لا يمكن لومضة البرق أن تحدث من دونهما أبداً؛ وهما طور المرور وطور الرجوع.. Return.., فمن الذي أخبره بأن العلماء بعده بأربعة عشر قرنًا سيستخدمون (نفس) هذه الكلمات.., (و)الزمن اللازم لحدوث البرق.. طرفة عين.. أجزاء قليلة من الثانية (كذلك)!".
    (3) دلائل النبوة تسطع في عصر العلم:
    لقد أذهل القرآن الكريم عند نزوله فرسان البيان وشهد بروائعه حتى المُكابرين, وتضمن دلائل على الوحي للناس أجمعين تكشفها الأيام حينًا بعد حين فيستقر المضمون, قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ﴾ ص: 87و88, وقال تعالى: ﴿لّكُلّ نَبَإٍ مّسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ الأنعام: 67, ولم يقل الأعلام أن إعجازه مقصورٌ فحسب على زمن التنزيل؛ فقد ذخر بوصف ظواهر كونية عديدة في مجالات علمية متنوعة ليست كيفيتها معلومة لبشر زمن التنزيل, وليس من المُعتاد تناولها في أي كتاب آخر يُنسب للوحي؛ مع قابلية مطابقة الكشوف العلمية بوجه يستقيم مع الدلالات في البيئة العربية, فالألفاظ معلومة لكن الكيفية مجهولة؛ حملها بتلطف نظم فريد وادخرتها أمثال توافق مضامينها الواقع المستور زمن التنزيل كدلائل على الوحي للقادمين العالِمين بخفايا التكوين, قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ﴾ العنكبوت: 43, والبرق والرعد والصواعق ظواهر كونية تناولها الكتاب الكريم؛ فورد البرق بشيرًا بالمطر ونذيرًا يشهد للفطين بوحدانية الله تعالى وقدرته وتقديره وبديع صنعه وحكيم تدبيره, وجاء النظم شاهدًا بعلمه مُتَحَدِّيًا المُكابر بدلائل النبوة, يقول العلي القدير: ﴿بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ﴾ يونس: 39.










  4. #64
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [align=center]
    إن المرء ليصدم عندما يسمع ويرى ويقرأ ما يندى له الجبين، وينفطر له القلب، وتتألم بسببه النفس المؤمنة الزكية من هذا الانفلات الاخلاقي غير المسبوق لكثير من ابناء هذه الأمة صغارها وكبارها، شبابها وكهولها، فتياتها ونسائها، وكأن هؤلاء جميعا في سباق محموم نحو التبرؤ من كل مظهر اسلامي، والتجرد من كل خلق وفضيلة!

    لقد خلعوا “برقع الحياء”، بل لقد مزقوه تمزيقا، وإنك لتعجب أشد العجب وتدهش اشد الدهشة وأنت تسمع النكات الجريئة البذيئة على ألسنة الفتيات في المدارس، والاطفال في تجمعاتهم، والشباب في نواديهم، وتتأذى نفسك حين تمشي في الشارع حيث تتطاير الى مسامعك الألفاظ والعبارات التي تخدش الحياء لقد فاحت رائحة عفن التحلل الاخلاقي حتى أضحت تزكم الأنوف، ووصلت الى درجة من الفساد والفجور لا يمكن السكوت عنها، ولا الصبر عليها، ولا إهمالها.

    سرطان الفساد

    إن الفساد الاخلاقي ليضرب بقوة جسد هذه الأمة الاسلامية حتى بات سرطانا ينهش في جسدها، وينتقل من موضع الى موضع في سرعة مخيفة!
    نعم.. لقد عمت مظاهر الفساد والتحلل كثيرا من المجتمعات الاسلامية على اتساع أراضيها، وتباعد اطرافها، حتى إنك لا تكاد تصدق أحيانا أنك في بلاد اسلامية محافظة أو من المفترض ان تكون محافظة على مبادئها وعاداتها وتقاليدها واخلاقها الاسلامية الرفيعة. وأنا لا أقصد بلدا بعينه، لأن الخطب حينئذ سيكون هينا إذ تمكن السيطرة عليه بسهولة وعلاجه بسرعة، وانما أتكلم عن كثير من البلاد الاسلامية وذلك من خلال ما سمعت وقرأت ورأيت، وبين يدي الكثير من الاحصائيات التي تدل على عمق الانفلات الأخلاقي في تلك البلاد.
    قد يخالفني الكثيرون، ويعتبرون كلامي نوعا من المبالغة، ان لم يكن ضربا من الخيال ولكني اقول: يجب ألا نخفي رؤوسنا تحت الرمال مثل النعام، بل ان نعترف بصدق، ونقر بشجاعة بما آلت اليه الاخلاق في بلادنا الاسلامية.

    ومظاهر الفساد الاخلاقي اضحت للأسف الشديد كثيرة في بلاد المسلمين، ومنها ما تراه عيناك من شباب فاسق ماجن تبرأ من رجولته تبرؤ الذئب من دم ابن يعقوب، ولقد رأيت بعض هؤلاء وهم يسدلون شعورهم على اكتافهم، ويضعون المساحيق على وجوههم، والأقراط في آذانهم، والسلاسل الذهبية والفضية حول رقابهم، ناهيك عن ميوعتهم وتكسرهم، والأدهى والأمر أنهم يرتدون الملابس النسائية أو ما يشبهها. كما ترى كثيرا من الفتيات والنساء كاسيات عاريات بما يرتدين من ملابس شفافة ضيقة تبرز المفاتن، وتلهب الغرائز، كما ترى منهن من تشبهت بالرجال في ملبسها وبعض افعالها! أين الغيرة يا أولياء الأمور على اعراض بناتكم؟! أين الحمية أيها الازواج على نسائكم؟ أين الحزم أيها الآباء مع ابنائكم؟! أين دوركم أيها العلماء في التصدي لهذا الفساد؟!!

    هؤلاء لعنهم الرسول

    لقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء”. وفي رواية: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال”. رواه البخاري. واقرأ إن شئت ايضا حديث ابي هريرة رضي الله عنه حيث قال: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لِبْسَة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل”. رواه ابن داود.

    إن هؤلاء الرجال ملعونون، لأنهم يشوهون صورة المسلم الحق النظيف في اقواله وافعاله وسلوكه، وهؤلاء النسوة والفتيات ملعونات؟ لأنهن يمزقن “ثوب الحياء” الذي هو زينة الفتاة والمرأة المسلمة. ملعونات، لأنهن من جنود ابليس، فهن سبب في فساد الشباب المسلم وتجرئه على انتهاك حرمات الله. انهن محرومات ان لم يتبن الى الله، ويقلعن عما هن فيه من ريح الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : “صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر بضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا” رواه مسلم. والكاسية العارية هي التي تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه، وقيل: تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها.

    المجاهرون بالمعاصي

    ومن أشد مظاهر الفساد الاخلاقي التي بدأت تطل برأسها في بعض مجتمعاتنا الاسلامية اعلان المعصية، واظهارها، بل والتباهي بها جهارا نهارا عيانا بيانا من دون مراعاة لمشاعر أو التزام بآداب!
    ايها المجاهرون بالمعصية، احذروا غضب ربكم، واسمعوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :”كل أمتي معافى إلا المجاهرين. وان من المجانة ان يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه” متفق عليه.

    وهذا الحديث الشريف يبين لنا عظيم فضل الله تعالى على عباده، ورحمته بهم، حيث فتح أمام عباده العاصين ابواب الأمل والرجاء في عفوه سبحانه ومغفرته إن هم تابوا اليه توبة صادقة وأنابوا. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم “كل أمتي معافى” أي يعفون من المؤاخذة بذنوبهم بشرط توبتهم. وقد جاء الاستثناء في الحديث “إلا المجاهرين” ليطرد هذا الصنف من العصاة من عفو الله وستره، وذلك لجهرهم بالمعصية، وعدم سترها، فهم ارتكبوا إثما فوق إثم، لأنهم ارتكبوا بجانب معصيتهم معصية أخرى أشد ألا وهي استهانتهم بمشاعر الناس، واستخفافهم بهم وتحديهم للأخلاق الفاضلة، والآداب الرفيعة.

    إن هذا المجاهر بالمعصية فقد حياءه من ربه ومن رسوله ومن المسلمين الذين ينتسب اليهم، وفقد المبالاة بالقول والفعل “وهذا معنى المجانة”، لذا كان جزاؤه نكالا وفاقا ان يحرم من ستر الله عليه في الآخرة ومن عفوه ومعافاته سبحانه لأن هذا الصنف من الناس من دعاة الرذيلة يشجعون بجهرهم بالمعصية غيرهم من ضعاف الايمان على الوقوع فيها. قال تعالى: “ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون” (النور: 19).

    واسمع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر بعين الغيب الى ما سيحل بأمته، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا. ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا اتخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا. ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم” رواه ابن ماجة في كتاب الفتن.

    اتقاء الفتنة

    فعلى علماء الأمة ومصلحيها وأولي الأمر فيها ان يقوموا بواجبهم إزاء هذا الفساد الأخلاقي المستشري استشراء النار في الهشيم، وان يبادروا الى بيان ما حل بالأمة من خراب ودمار نتيجة ابتعادها عن الدين منهجا وحُكْما وحَكَما وسلوكا، وان يمنعوا أهل الفساد من إفسادهم بالحكمة والموعظة الحسنة وعلى ولاة أمر المسلمين ان يأخذوا بحزم وعزم وقوة على أيدي هؤلاء العابثين المفسدين المستهترين بمشاعر الناس، وأن ينتصروا للفضيلة والاخلاق الكريمة فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، لأنهم ان توانوا في التصدي لهذا الانفلات الأخلاقي، فسرعان ما يعم الفساد وينتشر، لأنه كالجرثومة وحينئذ يصعب اقتلاعه من النفوس، وهذا الاختلال، وذاك الاضطراب يفسدان على أهل الصلاح صلاحهم وينغصان عليهم حياتهم، وهذا دليل على ان الفتنة اذا نزلت بساحة قوم أو أمة أو مجتمع فإنها لا تصيب الظالم خاصة، وانما يتطاير شررها ويعم شرها، فتصيب الجميع الصالح والطالح، ومن أجل هذا يجب على الكل اقتاؤها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن أضرارها تصيب الجميع، وصدق الله تعالى: “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب” (الانفال: 25).

    تأمل التنكير في قوله: “فتنة” وما فيه من دلالة على أنها فتنة عظيمة من نوع غريب خاص. فهذه فتنة دنيوية قد تكون عقابا منه سبحانه ومن خصائص تلك الفتنة انها لا تخص المجرمين اذا كان الغالب على الناس هو الفساد والفجور والفسق، فعن زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم” اذا كثر الخبث ثم يحشرون على نياتهم” رواه مسلم.

    لذا فأنا اعلنها صرخة مدوية من هذا المنبر الحر المستنبر، واخلعها من رقبتي واضعها في رقبة كل عالم ومصلح وحاكم مسلم، اذا كنتم تبتغون النصر والعزة لدينكم، والتمكين في الأرض فحاربوا الفساد الاخلاقي في بلادكم، فعار علينا جميعا ان نكون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء ليتمم مكارم الاخلاق، وفينا من يتشبه بأعداء محمد صلى الله عليه وسلم في عاداتهم وتقاليدهم الماجنة الفاسدة. وانتم يا من ضللتم طريق محمد صلى الله عليه وسلم واتبعتم شياطين الإنس والجن فأضلتكم وأغوتكم، وفي مهاوي الرذيلة رمتكم، أما آن لكم ان تثوبوا الى رشدكم، وان تعودوا الى دينكم، وإلى التمسك بسنة نبيكم؟ أما آن للباطل ان يرعوي؟ وللفساد ان ينزوي؟ مازلت اخاطب فيكم الفطرة النقية السوية، فربكم يناديكم بقوله: ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون” (الحديد:16). فهل أنتم مجيبون؟ أما آن لكم ان تقولوا: سمعنا وأطعنا؟ وأدعو الله لنا ولكم بالهداية وحسن الخاتمة. قال تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مر دله وما لهم من دونه من وال” (الرعد:11).

    [/align]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  5. #65
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    سـورة التـوبة
    سورة التوبة (مدنية) نزلت بعد المائدة، وهي في ترتيب المصحف بعد الأنفال. عدد آياتها 129 آية، وهي آخر سورة كاملة أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى...
    لقد أنزلت هذه السورة في وقت كان المجتمع الإسلامي يستعد للخروج برسالة الإسلام من الجزيرة العربية إلى شعوب الأرض كلها.
    أنزلت هذه السورة بعد آخر غزوة للنبي، غزوة تبوك، وكان عدد المسلمين فيها ثلاثين ألفاً. واللطيف أنها جاءت في ترتيب المصحف مباشرة بعد الأنفال التي تحدثت عن غزوة بدر (أولى غزوات النبي) حيث عدد المسلمين فيها 313 شخصاً فقط. ولعل الحكمة هي أن يلاحظ قارئ القرآن الفرق بين ظروف الغزوتين وأحكامهما وطريقة القرآن في التعقيب عليهما. غزوة تبوك كانت من أكثر الغزوات التي ظهر فيها أثر النفاق إذ كان مع الجيش منافقون كثر، وتخلف عنها منافقون كثر كما تخلّف عنها بعض المؤمنين بسبب الكسل. كانت نتيجة الغزوة انتصاراً للمسلمين، وأنزلت هذه السورة للتعليق على كل هذه المواقف...
    علامة التميز
    إن سورة التوبة هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بالبسملة كما هو الحال في كل سور القرآن. والمسلم عندما يقرأ القرآن ويبتدئ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) يشعر من بداية حرف الباء أنه يعبر خطاً فاصلاً بين وضع سابق ووضع جديد، يشعر أنه داخل على عالم جديد ليترك الدنيا وما فيها ويتوجّه بقلبه
    لسماع كلام ربه والعيش مع أسماء ربه الحسنى (الرحمن الرحيم).
    وسبب غياب البسملة عن أول سورة التوبة - على قول أغلب العلماء - هو أنها أكثر سورة تكلمت عن الكفار والمنافقين، فحرموا من البسملة ومن معاني الرحمة الموجودة فيها، من أولى كلماتها[بَرَاءةٌ مّنَ ٱلله وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ] (1).
    ولسورة التوبة أسماء أخرى، فقد سميت بالفاضحة لأنها فضحت المشركين، ففيها خمس وخمسين صفة من صفات المنافقين التي كانوا يمارسونها مع النبي صلى الله عليه وسلم. وسميت بالكاشفة لأنها كشفت عيوب الكفار والمتخاذلين عن نصرة الإسلام، وسميت بسورة السيف لكونها أكثر سور القرآن دعوة للجهاد وتحريضاً على القتال وتحذيراً من القعود والتخاذل. فهي سورة شديدة إذاً، وهنا قد يقول قائل: لماذا سميت بسورة التوبة؟
    سبب تسمية السورة
    إن التوبة بالنسبة لنا هي غاية في رقة العلاقة مع الله، فهي تعني العودة إلى الله تعالى واللجوء إليه والإقلاع عن الذنوب والمعاصي. فما علاقة التوبة بصفات المنافقين والمشركين والحثّ على الجهاد؟
    إن هذه السورة هي البلاغ الأخير للبشرية، وقد أنزلت قبل ختام القرآن ووداع النبي r، وبالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين والدعوة الشديدة للمؤمنين إلى الدفاع عن دينهم، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحاً لجميع الناس قبل الوداع. فرغم كون السورة تتكلم عن المنافقين والكفار إلا أنها تدعوهم إلى التوبة في مرات عديدة، فنلاحظ تكرار قوله تعالى [فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ].
    وإذا بحثنا ورود لفظة (التوبة) ومشتقاتها في هذه السورة وفي القرآن كله، نجد أنها تكررت في هذه السورة سبع عشرة مرة وهي أكثر سور القرآن إيراداً لكلمة (التوبة).
    بينما ذكرت في سورة البقرة مثلاً 13 مرة مع أنها أطول سورة في القرآن. وذكرت في سورة آل عمران 3 مرات وفي سورة النساء 12 مرة وفي المائدة 5 مرات وفي هود ستة مرات وفي الأنعام مرة واحدة.
    علاقتها بالسور التي قبلها
    عند تقسيم القرآن إلى ثلاثة أقسام نجد أن القسم الأول يشتمل على السور السبع الطوال ويختتم بسورة التوبة. وكأنها جاءت بعد بيان المنهج ووسائل القيام بالمهمة لتفتح باب التوبة والرحمة لمن بدّل أو غيّر أو قصّر في حق الله. ومن اللطيف أنها من أواخر ما أنزل على النبي صل الله عليه وسلم قبل وفاته، حتى يكون ختام الوحي وختام نزول القرآن بفتح باب التوبة.. هل استشعرت هذا المعنى؟
    بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة لأن ما فيها من شدة وتهديد ووعيد إنما هو لحمل الكفار والمنافقين على التوبة.. فحتى فضح المنافقين كان لحملهم على التوبة، وحتى دعوة المؤمنين للقتال جاء لحمل الكفار على التوبة بعد أن يئسوا من القتال..
    نداءات أخيرة للتوبة
    إن السورة تبدأ بداية شديدة وملفتة، فإضافة إلى كونها لا تبدأ بالبسملة كبقية السور، فإنها تبدأ بكلمة "براءة".. [بَرَاءةٌ مّنَ ٱلله وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ & فَسِيحُواْ فِى ٱلاْرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱلله] (1-2) بداية شديدة ومهلة محددة. ثم أذان من الله ورسوله يقرع الآذان:[وَأَذَانٌ مّنَ ٱلله وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجّ ٱلاْكْبَرِ أَنَّ ٱلله بَرِىء مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ] (3).
    لماذا كل هذه الشدة؟[فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱلله] (3)، فالتهديد إذاً كان من أجل التوبة لا من أجل الانتقام والوعيد، كأن "براءة" و"أذان" هما النداء الأخير للتوبة.
    توبة المشركين المحاربين
    وتصل بنا الآيات إلى الآية الخامسة[فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلاشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ... كُلَّ مَرْصَدٍ] ومع ذلك[فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ] فبعد كل هذا الأمر بالقتال جاء التذكير بالتوبة لحثّ الكفار عليها.. فبقدر ما السورة حادة في مواجهتهم بقدر ما هي حريصة على توبتهم وإنابتهم إلى الله..
    وبعد ذلك تخبرنا بأنه لا بد أن تقام الحجة على الكفار وذلك بدعوتهم وبيان الدين لهم قبل قتالهم [وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱلله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ...] (6).
    وتتابع الآيات على نفس الوتيرة: تهديد، وفي نهاية كل تهديد ووعيد وتذكير بالتوبة. فمثلاً في الآية العاشرة يقول تعالى [لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ] ثم تقول الآية التي بعدها [فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ]. فلم تعفِ عنهم الآيات فحسب بل أوجبت على المؤمنين محبتهم بعد توبتهم لأنهم قد أصبحوا إخواناً لنا.
    ثم عودة للتهديد في حال إصرار المشركين على القتال في الآيات (12) و(14): [وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَـٰنَهُم مّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِى دِينِكُمْ فَقَـٰتِلُواْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَـٰنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ] و[قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ ٱلله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ...]. ثم عودة للتوبة مباشرة في الآية (15): [... وَيَتُوبُ ٱلله عَلَىٰ مَن يَشَاء...]. إنها قمة في توازن ووسطية الإسلام بين الرحمة والرفق من جهة، وبين الواقعية والشدة من جهة أخرى.
    فإن كان الأمر كذلك بالنسبة للكفار والمنافقين، فما الحكم في المؤمنين الذين قد عصوا ربهم... أيتوب تعالى عليهم أم لا... فإن كان تعالى يقول عن الكفار [فَإِن تَابُواْ... فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدّينِ] (11) فما بالك بمن ارتكب بعض المعاصي من المؤمنين؟
    إن سورة التوبة هي من أكثر السور التي تزيد أمل المؤمن ورجاءه برحمة الله تعالى... فإن كان رب العزة بلطفه وإحسانه تعالى قد حثّ الكفار والمنافقين على التوبة وكرّر ذكر كلمة التوبة (17) مرة في السورة، فكيف لا يغفر لمن تاب من المؤمنين العصاة!؟
    توبة المؤمنين المتخاذلين عن نصرة الدين
    نصل إلى الآية (24) التي تخاطب المؤمنين وتحثهم على نصرة دين الله تعالى، فالآية لا تتحدث عن الجهاد بمعنى الحرب فقط بل أن تنصر الدين ويكون أغلى من كل أمور حياتك الدنيوية.
    يقول تعالى:[قُلْ إِن كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوٰنُكُمْ وَأَزْوٰجُكُمْ... ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ] (24).
    لقد ذكرت الآية ثمانية أمور وكلها مباحة، لكنها حذرت من أن تكون سبباَ في البعد عن الله تعالى وترك الجهاد، وهذا يعني أن يكون أمر الله تعالى أولوية في حياتك وفوق كل رغباتك، وإلا فانتظر عقاب الله والعياذ بالله.
    وتنتقل السورة للحديث عن نوع جديد من التوبة، غير التوبة من الذنوب والمعاصي التي نعرفها والتي يقع فيها الناس دائماً (كالنظر إلى الحرام أو تأخير الصلاة). إن السورة تدعو للتوبة من التخاذل عن نصرة الإسلام، وكأنها تشير بأن هذا الفعل الشنيع يحتاج إلى توبة شديدة. فتأتي الآية (38):[يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱلله ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلاْرْضِ... قَلِيلٌ] عتاب رقيق تعقبه لهجة قوية في الآية التي بعدها: [إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ...] (39) فحذار حذار من الاستبدال، لأن الله تعالى ينصر دينه وليس بحاجة إلى أحد[إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱلله...] (40) إلى أن تأتي الآية بالأمر الشامل الكامل الذي لا يستثني أحداً: [ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱلله] (41) فلكي يرتدع الكفار ويلجأوا إلى التوبة لا بد من جهادهم، فكأن جهادك أيها المسلم عون لهم على الرجوع والتوبة، وكأن تخاذل المسلم سبب لتمادي أهل الكفر في غيهم وضلالتهم. فهيا نعمل لديننا ونطرق أبواب الخير لنساعد أنفسنا فننجو ونساعد غيرنا فيتوب.
    التوبة من عدم التوكل على الله
    وخلال الآيات السابقة تتحدث الآيات عن غزوة حنين وكيف أعجب المؤمنون بكثرتهم فلم تغن عنهم شيئاً، فوقع المسلمون في خطأ الاعتماد على العدد وحده ونسيان أن النصر من عند الله وحده.
    [لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱلله فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ... وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ...] (25).
    وهذا الخطأ لا بد له أيضاً من توبة، فتأتي الآية (27) لتشير إلى ذلك:[ثُمَّ يَتُوبُ ٱلله مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاء وَٱلله غَفُورٌ رَّحِيمٌ].
    صفات المؤمنين المستحقين للشهادة
    وفي مقابل الحديث عن المنافقين تنتقل السورة للكلام على صفات المؤمنين الذين عقدوا عقد بيع مع الله تعالى: [إِنَّ ٱلله ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱلله فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ] (111).
    إن السياق القرآني يجعلنا نتشوق لمعرفة صفاتهم، فنقلب الصفحة لنقرأ قوله تعالى: [ٱلتَّـٰئِبُونَ ٱلْعَـٰبِدُونَ ٱلْحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰئِحُونَ ٱلركِعُونَ ٱلسَّـٰجِدونَ ٱلاْمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱلله وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ] (112).
    توبة لصفوة الأمة
    ومن جمال التوبة وحب الله لها، ذكر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام:
    [لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِىّ وَٱلْمُهَـٰجِرِينَ وَٱلاْنصَـٰرِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَّحِيمٌ] (117).
    فالتوبة - كما يقول العلماء - أول منازل العبودية وآخرها. فبداية الإيمان تكون بالتوبة كما أن التوبة مطلوبة في نهاية الحياة. من هنا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
    توبة أخيرة للثلاثة المتباطئين
    وأخيراً توبة خاصة بالثلاثة المؤمنين الذين تخلفوا عن توبة تبوك، فالتقاعس عن نصرة الإسلام - كما أسلفنا - بحاجة إلى توبة.
    [وَعَلَى ٱلثَّلَـٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلارْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱلله إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ ٱلله هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ] (118).
    لاحظ معي روعة الآية: [تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُو]. فلا بد أن يتوب الله عليك ويهيء لك طريق التوبة، فالهداية من عند الله، وهو وحده المعين عليها. أخي المسلم، الزم دائماً هذا الدعاء: "اللهم تب عليَّ لأتوب".
    خير ختام لخير حياة
    إن القارئ لسورة التوبة يحس أن فيها براءة وتهديد ووعيد، لكنها تفعل كل ذلك وهي فاتحة ذراعيها للتوبة. ومن لطف القرآن أن الله تعالى لم يغلب اسم الفاضحة على سورة التوبة لأنه يحب الستر. ومن اللطائف الأخرى أنه بالرغم من أن السورة قد حرمت المنافقين من الرحمة في أول السورة (من خلال عدم البدء بالبسملة والبراءة منهم) لكنها أعطت جميع الناس في آخر السورة رحمة مهداة، والمتمثلة في النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث رحمة للعالمين:
    [لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ] (128).
    وهذه الآية خير ختام للسبع الطوال، وهي أيضاً خير ختام لحياة النبي صلى الله عليه وسلم . فهي آخر سورة أنزلت كاملة على رسول الله. إنها سورة الوداع، وخير وداع في ديننا هو التوبة على كل الناس. فإن أبوا التوبة فإن الآية الأخيرة تقول:
    [فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ ٱلله لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ] (129).
    أخي الكريم. إسأل نفسك: هل ستتوب أم لا؟ فإذا كان باب التوبة مفتوحاً لكل فئات الناس ولكل فئات المجتمع مهما تفاوتت درجة قربهم أو بعدهم عن الدين، فكيف يكون حالك وأنت مؤمن ومحب لكتاب الله؟ لذلك فلنعمل للإسلام ولنعش للإسلام ولنحذر التخاذل والقعود عن نصرة الدين، ولنتيقن أن الله تبارك وتعالى يتوب على من يشاء..
    من لطائف القرآن
    وفي النهاية نشير إلى أن سورتي التوبة والأنفال جاءتا متتاليتين بالإضافة إلى أنهما توافقان الترتيب الزمني لغزوتي بدر وتبوك. فسورة الأنفال تتحدث عن أول غزوة غزاها النبي بينما سورة التوبة تعقّب على آخر غزوة لرسول الله. وقد جاءت السورتان متتاليتين حتى نلاحظ الفرق في المجتمع الإسلامي بين بداية نصرة المسلمين لدينهم ونهاية الانتصار العظيم. فالسورتان تفتحان المجال أمام علماء الاجتماع والباحثين كي يلاحظوا الفروقات بين المجتمعين ويحللوا سنن تطور المجتمعات، وهذا أمر يحتاج من علماء الاجتماع والمحللين والدارسين إلى النظر والتفكير.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #66
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    ســورة هــود
    سورة هود (مكية)، نزلت بعد سورة يونس، وهي بعدها في ترتيب المصحف. وعدد آياتها 123 آية.
    ثلاث سور متتالية بأسماء الأنبياء
    هناك سور عديدة في القرآن سميت بأسماء أنبياء، ومنها ثلاث سور متتالية: يونس، هود، ويوسف. هذه السور تجمعها روابط عديدة، فهي أول سور في القرآن سميت بأسماء أنبياء، كما أنها نزلت بنفس الترتيب الموجود في المصحف، وفي نفس الفترة من المرحلة المكية، وهي فترة اشتداد المحنة على المسلمين وعلى النبي صلى الله عليه وسلم.
    وهنا لا بد من أن نذكر قاعدة من قواعد القرآن في قصص الأنبياء: فعندما يكون اسم النبي هو عنوان السورة، فإن هدف السورة مرتبط لا محالة بقصة هذا النبي (كما رأينا في سورة يونس عليه السلام التي كان محورها التسليم لقضاء الله وقدره، وكانت قصة قوم يونس مثلاً رائعاً لفهم حكمة الله وتدبيره).
    وهناك قاعدة قرآنية أخرى تشعرك بعظمة هذا الكتاب وروعته، وهي أن كل قصة نبي من أنبياء الله تختتم بآية أو مجموعة آيات تبين لك العبرة من القصة. فإذا أردت أن تعرف الرسالة الربانية التي تحملها السورة، فاقرأ آخر سطر من قصة النبي الذي سميت السورة باسمه، قاعدة رائعة تتكرّر بشكل معجزة في القرآن.
    زلازل البلاء
    نزلت السورة على النبي صلى الله عليه وسلم في أحلك الأوقات وأصعبها، بعد عشر سنوات من البعثة. الاضطهاد في مكة شديد، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه بالهجرة
    إلى الحبشة، وأما من بقي من الصحابة في مكة فقد ظل يتعرّض لشتى أنواع العذاب. أما رسول الله فلم تكن الظروف التي يمر بها أفضل حالاً من الصحابة، فلقد مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه، وماتت زوجته خديجة بنت خويلد التي كانت تواسيه، وليس هذا وحسب بل إن النبي توجه إلى الطائف لدعوة أهلها فردوه ورموه بالحجارة ولم يعد أحد من أهل مكة يدخل في الإسلام ورفضت كل القبائل أن تنصر النبي صلى الله عليه وسلم وأن تقبل هذا الدين.
    ما أشبه الليلة بالبارحة
    فالظروف التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله تعالى عليهم شديدة للغاية، وهي مشابهة كثيراً لما نمر به نحن من شدة على الإسلام والمسلمين. فجو السورة هذا مفيد جداً للشباب المتدين، فافتح معي عقلك وقلبك لفهم مراد ربنا من هذه السورة.
    فعندما يعيش البشر في الضغوطات التي مر بها الصحابة، أو التي نمر بها اليوم، يصيبهم أحد هذه الأمور الثلاثة:
    1. فقدان الأمل وتضييع الهمم وتوقف السير للإصلاح وترك العمل للإسلام.
    2. التهور واللجوء إلى العنف والتصرفات غير المحسوبة من أجل التغيير بالقوة.
    3. الركون للأعداء والارتماء في أحضانهم والاستسلام الكامل لهم مع العيش في ظلهم.
    ألا ترى مثل هذه الأنواع في مجتمعنا؟ فما الحل؟ وماذا تقول السورة لهؤلاء؟
    هدف سورة هود: التوازن
    السورة تعالج هذه الظواهر الخطيرة في آية محورية، تخاطب مشاعر المتدينين الذين يتألمون لما يحدث للإسلام من ظلم، وتخاطب الشباب المحبّ لدينه والمتحمّس لفعل أي شيء لنصرة الإسلام، لتقول لهم:
    ]فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ & وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ ٱلله مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ[ (112 - 113) لقد وردت هذه الآية في آخر السورة بعد أن ذكرت كل قصص الأنبياء قبلها لتأمرنا بثلاثة أوامر:
    أ. الاستقامة: ]فَٱسْتَقِمْ[، هي الاستمرار في الدعوة والصبر. فلا ينبغي على الداعية أن يتوقف عن الدعوة أو أن يفقد الأمل إذا واجهته المصاعب. والدعوة إلى الاستقامة تعالج المشكلة الأولى من المشاكل التي ذكرناها، وهي فقدان الأمل وضياع الهمم والتوقف عن الإصلاح.
    ب. عدم الطغيان: ]وَلاَ تَطْغَوْاْ[، وهذا هو التعبير القرآني عن التهور واللجوء إلى العنف.
    ج. عدم الركون: ]وَلاَ تَرْكَنُواْ[، وهذا هو التعبير الشرعي القرآني عن الركون إلى الأعداء والارتماء في أحضانهم، والاستسلام للحضارات الأخرى، والتقليد الأعمى، وأن يشعر المرء بفقدان الهوية وعدم الإنتماء لحضارته ودينه وإسلامه.
    "شيبتني هود"
    فهذه الأوامر الثلاثة هي العلاج للمشكلات الثلاث التي تصيب البشر حين يواجهون الأزمات والهزائم والأوضاع الحالكة المظلمة. فالتوازن مطلوب من المؤمن حين تواجهه الأزمات، دون طغيان وتهور، ودون الركون للأعداء. ويتحقق التوازن بالاستقامة على الحق كما أمر والاستمرار في طريق الدعوة والإصلاح رغم كل الظروف، وذلك من خلال تنمية مجتمعه وتقديم الخير للفقراء والمساكين، والنجاح في الحياة العملية.
    ولأن الأمر بالتوازن صعب على النفس البشرية، لا بد للناس عموماً وللدعاة خصوصاً أن يتقووا بالصحبة الصالحة المعتدلة التي تعين على التوازن، لذلك نرى في الآية المحورية قوله تعالى: ]وَمَن تَابَ مَعَكَ[.
    قف بينهما
    وللحسن البصري كلام رائع في هذه الآية، حيث يقول: (سبحان الذي جعل اعتدال هذا الدين بين لاءين) وهي ]لاَ تَطْغَوْاْ[ و]لاَ تَرْكَنُواْ[، وهي من اعتدال الإسلام وتوازنه في التعاطي مع مشاكل الحياة.
    إن هذه السورة تعالج الوضع الذي نعيشه نحن اليوم تماماً، وهذا دليل على صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان. فكأنها تخاطبنا نحن لتقول: ]لاَ تَطْغَوْاْ[... ]لاَ تَرْكَنُواْ[... ]فَٱسْتَقِمْ[... فرسالة السورة إلى المسلمين في كل زمان ومكان هي: اصبروا، واستمروا في الإصلاح، بتوازن واعتدال، دون أي تهور أو ركون.
    بداية السورة: كتاب أحكمت آياته
    بدأت السورة بقوله تعالى: ]الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ ثُمَّ فُصّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ[ (1).
    ومن لطائف ترابط سور القرآن، أن السورة السابقة (سورة يونس) افتتحت أيضاً بالحكمة: ]الر تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ[ (يونس: 1). فالسورتان بدأتا بالحكمة، لكن ما الفرق بينهما؟
    سورة يونس ركّزت على حكمة الله في قضائه وقدره كما رأينا، أما سورة هود، فتحدثت عن حكمة الله في كتابه وآياته لتركّز على حكمة المؤمن في التعامل مع الواقع الشديد، من خلال الاستعانة بآيات الله الحكيم.
    الإصرار على الدعوة بتوازن
    والآية الثانية تظهر بوضوح معنى الإصرار على الدعوة بتوازن ]أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱلله إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ[. ثم تنتقل الآيات إلى إظهار تكذيب الأعداء للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يعيش قارئ القرآن مع الجو المحيط لنزول السورة ]أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ...[.
    وفي خضم هذه الآيات، تأتي الآية السابعة بمعنى لطيف: ]وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ...[ فما علاقة خلق السماوات والأرض بجو السورة؟ إن التدرج سنة كونية في ملك الله تعالى، ولذلك خلق السماوات والأرض في ستة أيام مع أنه كان يقدر تعالى أن يفعل ذلك في لمح البصر، وذلك لكي يعلمنا التدرج في الأمور والصبر وعدم الاستعجال.
    والآية 11 تشير إلى نفس المعنى أيضاً: ]إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ...[ مع أن أكثر آيات القرآن تأتي بقوله تعالى: ]ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ[. أرأيت كيف أن وراء كل كلمة بل كل حرف من القرآن حكمة وكيف تتكامل آيات السورة الواحدة حول موضوع واحد. كيف لا والله تعالى يقول في أول السورة ]كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَـٰتُهُ...[.
    ومن شدة التكذيب، تأتي الآية (12) لتقول للنبي r: ]فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ...[. فهل تخلَّى الرسول عن بعض وحي الله، أو ضاق صدره عن تبليغ الدعوة؟ لا! وحاشا لله أن يحدث هذا... ولكن هذه الآية تهدف إلى تثبيته صلى الله عليه وسلم ، وتثبيت المؤمنين من بعده في كل زمان ومكان. فالمعاندون المكذِبون يجادلون الدعاة جدلاً بلا جدوى، ولكن أيُّها المُحب لدين الله ]إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَٱلله عَلَىٰ كُلّ شَىْء وَكِيلٌ[ (12) فأنت تعمل أجيراً عند الله، وعليك أن تبلِّغ ما أُمرت به دون أن تنظر إلى النتائج، فالله وحده هو الذي بيده تحقيق النتائج ]وَٱلله عَلَىٰ كُلّ شَىْء وَكِيلٌ[.
    وتمضي أول 24 آية من هذه السورة لتكون رسالة واضحة للدعاة: التكذيب شديد، وله تأثير عليكم، فاثبتوا على دعوتكم، وابذلوا جهدكم، ثم دعوا الأمر لله وتوكلوا عليه!!
    نماذج للاستقامة
    وبعد هذه الآيات تسير السورة كلها بنفس الطريقة: ذكر قصص مختلفة لأنبياء الله تعالى، (نوح وهود وصالح وشعيب وموسى عليهم السلام)، والتركيز في كل قصة على تطبيق النبي للأوامر الثلاثة (الاستمرار ]فَٱسْتَقِمْ[ - عدم التهور ]لاَ تَطْغَوْاْ[ - عدم الركون ]لاَ تَرْكَنُواْ[).
    نوح عليه السلام: 950 سنة
    وأول قصة تأتي لتخدم معنى الاستقامة والثبات هي قصة نوح عليه السلام. وتجدر الإشارة أن سورة هود تحتوي على أطول قصة لسيدنا نوح في القرآن (حتى أنها أطول من سورة نوح نفسها)، فلماذا؟ لأن سيدنا نوح بقي 950 سنة في دعوة قومه دون أن يستجيبوا لـه، فيكون بذلك مثالاً وقدوة في الاستقامة وعدم اليأس.
    ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ & أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱلله إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ[ (25 - 26) فالكلمات التي وجّهها نوح إلى قومه هي نفسها التي افتتحت بها السورة: ]أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱلله إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ[ (2) وكأنها تقول للدعاة: الرسالة واحدة والدعوة واحدة، والظروف التي واجهت كل الأنبياء هي نفسها، فاستقيموا واثبتوا كما ثبت نوح عليه السلام.
    البعد عن التهور في قصة نوح
    إذا وضعت بنفس الظروف التي ووجه بها سيدنا نوح، وقيل لك:
    ]فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا[ (32)، ماذا ستفعل؟ هل ستتهور؟ هل ستضربهم؟ ماذا سيكون جوابك؟ أنظر كيف كان خطاب نوح مع قومه بعيداً عن التهور والعنف: ]قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱلله إِن شَاء وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ & وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱلله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[ (33 - 34).
    إنها لهجة رقيقة لا تهوّر فيها ولا عنف، فليس بيني وبينكم مشكلة، لكن الله تعالى هو الذي يأتيكم بالعذاب إن شاء.
    لا ركون حتى للولد
    لعلك الآن تسأل نفسك: أين عدم الركون في قصة نوح؟ وأين تطبيق قوله تعالى ]وَلاَ تَرْكَنُواْ[؟ والجواب على ذلك في قصة ابن نوح، والتي لم ترد في القرآن كله إلا في هذه السورة، فلماذا؟
    لأن نوحاً قال: ]رَبّ إِنَّ ٱبُنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَـٰكِمِينَ[ (45).
    فماذا كان الجواب الرباني؟
    ]قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـٰلِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِـى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ & قَالَ رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى وَتَرْحَمْنِى أَكُن مّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ[ (46، 47).
    إن السورة تحذِّر من الركون لغير الحق، ولذلك تذكر لنا تبرؤ نوح من ابنه الذي مات على الكفر. فعاطفة الأبوة قد تدفع بالبعض إلى الركون لأبنائهم ]فَقَالَ رَبّ إِنَّ ٱبُنِى مِنْ أَهْلِى...[ على الرغم من الأخطاء التي يقع فيها الأبناء، فأتت السورة لتعلمنا أنه لا ركون للباطل، ولو كان هذا الباطل معنا في عقر دارنا وبين أبنائنا الذين هم من صلبنا، وكان سيدنا نوح مثالاً وقدوة في التبرؤ من الباطل وعدم الركون إليه.
    التعقيب: فاصبر
    وكما ذكرنا سابقاً، فإننا سنقرأ في آخر كل قصص الأنبياء تعليقاً على القصة وتعقيباً عليها في آخر آية منها. وفي قصة نوح نقرأ قوله تعالى:
    ]تِلْكَ مِنْ أَنْبَاء ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَـٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ[ (49).
    فالرسالة التي تحملها القصة هي قوله تعالى: ]فَٱصْبِرْ...[، صبراً إيجابياً فيه عمل وإنتاج دون تهور أو ركون.
    أنبياء الله تعالى والتوازن
    وكل قصص الأنبياء المذكورة في السورة (شعيب وصالح ولوط وهود) تخدم نفس المعنى، وتشكّل تطبيقاً عملياً للآية المحورية في السورة (الآية 112)، بمحاورها الثلاثة:
    1. ]فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ...[ (112).
    2 ]وَلاَ تَطْغَوْاْ[ (112).
    3 ]وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ...[ (113).
    فإذا أخذنا مثلاً قصة شعيب - مع العلم أنك تستطيع أن تطبق هذه القواعد على كل القصص - فإننا سنرى فيها ما يلي:
    الاستقامة على الثبات والإصلاح بتوازن ]إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ[ (88).
    وحدة المنهج الذي دعا إليها كل أنبياء الله (وحتى استعمال نفس الكلمات)، ]وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ[ (90).
    شدة الوضع والتكذيب ]قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ...[ (91).
    عدم التهور في الرد ]قَالَ يٰقَوْمِ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ ٱلله[ (92)، والملاحظ أنه استخدم نفس أسلوب سيدنا نوح في رد الأمر إلى الله، فهو الذي سيحاسبهم ]إِنَّ رَبّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[ (92).
    وبالمقابل، عدم الركون أو المداهنة يتجلى واضحاً في قوله ]وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنّى عَـٰمِلٌ[ (93).
    إلى أن جاءت الآية (94) بنصر للنبي والمؤمنين معه ]وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا...[.
    فيا شباب، يا من تحبون الإسلام وترغبون بخدمته ونصرته، تعلموا من هذه السورة الكريمة ومن قصصها العديدة كيفية التوازن في الدعوة عند اشتداد المحن والابتلاءات.
    لماذا سميّت السورة بسورة هود؟
    ويبقى سؤال أخير: لماذا سميّت السورة بسورة هود، مع أن قصة نوح أطول من قصة هود (عليهما السلام) في هذه السورة.
    الجواب: إن المحاور الثلاثة في السورة (الاستقامة وعدم الطغيان والتهور وعدم الركون) قد ظهرت في قصة هود بشكل قوي وواضح أدى إلى تسمية سورة التوازن وعدم الركون باسمه.
    فقد قال لقومه بعد أن اشتدّ التكذيب: ]... قَالَ إِنِى أُشْهِدُ ٱللهَ وَٱشْهَدُواْ أَنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ & مِن دُونِهِ فَكِيدُونِى جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ[ (54 - 55). أرأيت كلمة في التحدي أقوى من هذه الكلمة؟
    وإلى جانب ذلك تتجلّى استقامة سيدنا هود وثباته على الطريق المستقيم في قوله:
    ]إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱلله رَبّى وَرَبّكُمْ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبّى عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ[ (56).
    ثم ]فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبّى عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَفِيظٌ[ وهنا يظهر عدم التهور والعنف.
    فقد جمعت هذه الكلمات بقوة محاور السورة كلها: لا تهوّر أو لا طغيان، لا ركون واستقامة، ووضعت المسؤولية على كل من سيأتي بعد سيدنا هود في الإصرار على الدعوة ورفع الظلم وعدم الركون، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "شيبتني هود"، وذلك لقوة الكلام فيها في الحثِّ على الاستقامة على طريق الله ومنهجه، ولقوة سيدنا هود في كونه مثالاً على التوازن في الاستقامة دون تهور ولا ركون.
    أمور تعين على الاستقامة
    ويأتي ختام السورة، وفيه الآيتين المحوريتين اللتين ذكرناهما:
    ]فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ & وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ ٱلله مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ[ (112-113).
    فما الذي يعين على الاستقامة وعلى تنفيذ هذه الأوامر الثلاثة؟ كيف يبقى المرء ثابتاً وصابراً ويأخذ بيد الناس من غير تهوّر ولا ركون؟
    الجواب: ]وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ & وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱلله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ[ (115).
    يعينك أيها الشاب على ]فَٱسْتَقِمْ[:
    العبادة ]وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ[.
    الصبر ]وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱلله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ[ (115).
    العمل والإصلاح والدعوة إلى الله ]وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ[ (117).
    والملاحظة أن سورة يونس وسورة هود وسورة يوسف نزلت سوياً في فترة واحدة، وترتيبها في المصحف هو نفس ترتيب نزولها. نزلت في محنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بمكة بعد وفاة خديجة وأبو طالب وكلها تعالج مشاكل متقاربة. وسبب اختيار اسم نبي لعنوان كل سورة من السور الثلاث هو أن قصته فيها العبرة وهي تصب في محور السورة وهدفها. وهذه السور الثلاث تكلمنا الآن لأننا في نفس المرحلة ونفس الشدة والظلمة فلنستقم على طاعة الله، ولنحذر التهور واللجوء إلى العنف، ولنحذر كذلك الركون إلى حضارات أخرى والارتماء بأحضانها ونستسلم ونعيش في ظلها وننسى انتماءنا لإسلامنا ونفقد هويتنا، هذا هو محور سورة هود.



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  7. #67
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    سورة ابراهيم ...،،
    هدف السورة: نعمة الإيمان ونقمة الكفر


    كثير من الناس إذا سئل: ما هي أعظم نعم الله عليك؟ سيجيب بالأمور المادية (الزوجة أو الأولاد أو البيت أو المال)، وإذا سئل بالمقابل عن أعظم مصيبة، سيذكر المشاكل الدنيوية وخسارة المال وضياع التجارة... فتأتي سورة إبراهيم لتصحّح هذا المفهوم وتوضح أن أعظم نعمة في الوجود هي نعمة الإيمان وأن أسوأ نعمة هي نعمة الكفر والبعد عن الله تعالى...


    هل تستوي الظلمات والنور...


    لذلك فإن السورة هي عبارة عن مقابلة مستمرة بين الحق والباطل، بين أهل الإيمان وأهل الكفر، بين النور والظلمات.. وبدايتها واضحة في هذا المعنى: ]الر كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ[ (1) وكأن المعنى: أيّها الإنسان أنظر إلى الظلمات والنور، وتأمّل نعمة الله تعالى واختر بينهما..


    وجهان ليوم واحد


    وتؤكد الآية الخامسة على نفس المعنى في قصة موسى عليه السلام: ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱلله إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[ (5) فما علاقة أيام الله بالصبر والشكر؟ إن أيام الله هي الأيام التي أهلك الله فيها الظالمين في كل قوم من الأقوام ونجّى فيها الصالحين، فكانت نعمة على المؤمنين ونقمةً على
    الكافرين. والمؤمن يتخذ من تلك الأيام عبرة تعينه على الصبر وتحمل الأذى كما تحثّه على الشكر على نعمة الإيمان ]إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[.


    فمضى سيدنا موسى ليبلغ رسالة ربه كما أمر وليذكّرهم بأعظم نعم الله عليهم:


    ]وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱلله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِى ذٰلِكُمْ بَلاء مّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ[ (6).


    طريق الله نعمة وعزة، والبديل لا يكون إلا صغاراً وذلاً في الدنيا، كما بينت الآية على لسان سيدنا موسى.


    (لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ)


    ثم تأتي قاعدة عامة ووعد رباني لكل من يشكر نعم الله ]وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ[ (7).


    ومع أن الآية تنطبق على كل نعم الله، لكن ورودها في وسط الآيات التي تتحدث عن نعمة الإيمان، يشير إلى أهمية شكر نعمة الإيمان بشكل خاص، حتى يزيدنا الله من هذه النعمة، وإلا فإن الله غني عن العالمين: ]وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلاْرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱلله لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ[ (8).


    رسالة الأنبياء


    وتبدأ الآيات بعد ذلك في الكلام على المواجهة بين أهل الإيمان وأهل الكفر، ولأن موضوع السورة هو نعمة الإيمان ونقمة الكفر، فإنها لا تتكلم عن كل نبي لوحده، وهذا يخالف منهج السور السابقة التي كانت تتحدث عن كل نبي مع قومه، أما هذه السورة فإنها تصوّر كل الأنبياء مع كل الكفّار، كما في قوله تعالى: ]قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ[، ]وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ[. ]قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى ٱلله شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ[ (10).


    هل تفكّرت يوماً في أهمية هذه النعمة؟ ان الله تعالى بعزته وجبروته يناديك ويدعوك ليغفر لك ذنوبك وهو الغني عنك؟


    واسمع إلى تأكيد الرسل مرة ثانية على أن ما هم فيه من إيمان
    ومعرفة بالله تعالى هو أعظم النعم ]... وَلَـٰكِنَّ ٱلله يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ...[ (11).


    نعم... ونقم


    وتتوالى أنواع النعم والنقم في السورة:


    فيأتي قوله تعالى: ]وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلاْرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ[ (14).


    وتأتي مقابلها آيات شديدة في التحذير من نقمة الله:


    ]مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاء صَدِيدٍ & يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ & مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ...[ (16-18).


    آيات كثيرة تتواصل، إلى أن تصل بنا إلى خطبة إبليس في جهنم، والتي هي بمثابة قمة نقمة الكفر على أصحابه.


    خطبة إبليس


    ]وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلاْمْرُ إِنَّ ٱلله وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقّ
    وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى[ (22).


    تخيّل حسرة من سيسمع هذا الكلام! كيف تستجيب له وهو سيتبرأ منك بهذه الكلمات...


    ]فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إِنّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (22)... فهل هنالك نقمة أشدّ من ذلك؟!..


    الكلمة الطيبة..


    وتصل الآيات إلى آية محورية تشير إلى أن أعظم نعمة هي نعمة الإيمان، يضرب الله لنا فيها مثلاً: ]مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ[ ولقد ضرب الله هذا المثال لأن الناس يظنون أن نعم الله إنما هي مادية، فيعلمنا الله تعالى بأن كلمة واحدة، نعمة واحدة، هي أعظم من كل النعم الماديّة التي يراها الإنسان... ]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱلله مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَاء & تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا وَيَضْرِبُ ٱلله ٱلامْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ[ (24 – 25) فكما أنّ الشجر يثمر ثماراً طيبة، فكذلك شجرة لا إله إلاّ الله، الراسخة الجذور، العالية الفروع، تثمر أشخاصاً مؤمنين (كأهل القرآن والدعاة إلى الله والإيجابيين وغيرهم من أهل الخير المؤمنين..). وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، حسنات وأعمالاً صالحة، تبقى لصاحبها صدقة جارية بعد موته.


    وبالمقابل فإن كلمة الكفر هشّة، خبيثة، لا جذع لها ولا أصل: ]وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلاْرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ[ (26).


    (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱلله لاَ تُحْصُوهَا)


    وتعدد السورة نماذج أخرى من نعم الله:


    ]ٱلله ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء...[ و]وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ[ (32).


    ]وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلانْهَـٰرَ & وَسَخَّر لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَائِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ...[ (33).


    كل هذه النعم مسخّرة تحت أيدينا، لماذا؟ حتى نعرف الله تعالى ونستشعر فضله ونسلك منهجه.


    واللطيف أن الآية (34) تقول: ]وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱلله لاَ تُحْصُوهَا[. فلم تقل الآية وإن تعدوا نعم الله، بل أننا لو حاولنا أن نعدّد خصائص نعمة واحدة فقط (كنعمة الشمس مثلاً) لما قدرنا على إحصائها، فما بالك بأعظم نعمة؟ نعمة الإيمان بالله ومعرفة منهجه؟...


    نموذج إبراهيم


    ويأتي ختام السورة، وهو مقارنة بين نموذجين، نموذج لإنسان عاش في نعمة الله (سيدنا إبراهيم عليه السلام) واستشعر نعمة الإيمان، وبالمقابل نموذج لأشخاص عاشوا بعيدين عن الله وهم ظالمين لأنفسهم ومجتمعاتهم التي حولهم...


    فسيدنا إبراهيم كان شكره واضحاً على النعمة: ]ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ ٱلدُّعَاء[ (39).


    فكان دعاؤه الرائع ورجاؤه إلى الله أن يتم عليه نعمة الولد بنعمة أعظم منها وأجل: أن يحفظ الله دينه ودين ذريته بالصلاة:


    ]رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء & رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ[ (40 – 41).


    وانظر لهذا الحنان من أبينا إبراهيم، وهو يدعو لنا ولأولادنا أن يثبتوا على الصلاة.


    (وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ)


    وبعد ذلك تختتم السورة بأشد آيات القرآن على الظالمين والبعيدين عن الله ]وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلله غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلابْصَـٰرُ & مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء & وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ[ (42-44).


    هل بعد هذا من نقمة ومهانة وذل؟


    إن أعظم نعمة في الوجود هي أن تنجو من هذا الموقف، وأسوأ نقمة في الوجود أن تكون مع من قال الله فيهم: ]وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلاْصْفَادِ & سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ[ (49 – 50)...


    هذه سورة إبراهيم، سورة نعمة الإيمان ونقمة الكفر، سميت باسم سيدنا إبراهيم كنموذج لمن استشعر نعمة الله الكاملة وأدّى حق شكرها. من فضلك اقرأ هذه السورة واشكر ربنا على هذه النعمة العظيمة، لأن شكرك له سيرقيك في مراتب الإيمان ]لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ[ (7).



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #68
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    تأملات في سورة تبارك
    نقف هنا أمام أول أربع آيــات من ســورة الملك و هي آيات تـسوق الأدلة والبراهين العقلية و العلمية و المنطقية بـما نراه من حولنا أنه لا إله إلا الله...
    حقيقة ناصعة و ظاهرة جاءت بالكلمات والمعاني والآفاق التي لا يقدر على سبر أغوارهـا أهل الأرض و لو اجتمعوا لهـا... يقول الحق: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير،الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمـلا وهـو العزيز الغفور، الذي خلق سبع سموات طباقـا مـا ترى في خلق الرحمن من تفـاوت فارجع البصر هل ترى من فــطور، ثم ارجع البصـر كرتين ينقلب إليك البصـر خـاسـئا و هو حــسـير.
    أول مــا تبدأ به هذه الآيات هو أن هذا الكون بمـا فيه و من فيه هو ملك لله الواحد الأحد... ثم إن إدارة هذا الملك له وحده... و كمـا أن كل سـيارة أو باخرة أو طـائرة لهـا مـالك مسئول عنهـا و قائم على قيادتهـا و تسييرهـا... فكذلك هذا الكون المترامي الأطراف و المتـسع اتساعاً لا نهائياً و مـا فيه من بلايين المجرات والنجوم و الكواكب التي تسير في أفلاك محددة لا تخرج عنها... و من مخلوقات و أرزاق و رياح و سحاب يسير كل منها بقدر محسوب و منتظم.. يعلن سبحانه أنه هو وحده مالك هذا كله و القائم عليه و بيده تسير أموره و أن كل هذا الانتظام في الخلق و الدقة في تسيير هذا الكون تتم بإرادته... فهو الخالق الواحد الأحد مالك الملك... و قد جاءت هذه الآية في البداية بهذا القول الجامع لتؤكد هذه الحقيقة الناصعة الآخذة في الحق...
    " تبارك الذي بيده الملك "... نعم .. تباركت يا ربنـا و تعاليت... فكم تعطلت السيارة وكم جنحت الباخرة و كم تحطمت الطائرة.. و لكن ملكك على اتساعه و لا نهائيته لا يتعطل و لا يجنح و لا يتحطم... فكل شيء يسير بانتظام و امتثال و التزام لأن له مالك قدير وعزيز وعظيم قائم عليه و مهيمن على أدائه يعلن عن نفسه بهذه الكلمات المحددة في خاتم كتبه... فمن ينظر إلى الأرض بجمالهـا و امتدادهـا و اتساعهـا ودورانها... وإلى الشمس واحتراقها و جريها و ضيائهـا...و إلى النجوم و البروج والمجرات وحـارات الكون اللانهـائية... يجد الالتزام و الانتظام في كل هذا الكون... يشعر حقا أنه أمـام مـالك عظيم واحد أحد لا يسير كل هذا إلا بعظمته و رحمته و قدرته التي لا تحدها حدود... وحتى لا يضل العقل البشرى في عصرنا هذا الذي تتكشف بعلومه بعض الأسرار و نحاول أن نضع نظريات طائشة دون إثبات جاء هذا الإعلان في سر هذا الانتظام بهذا القول القرآني الشامل و المعجز و البديع..
    تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير...
    إنهـا حقـاً آيات تعبر عن مدى حب الله لبشره و خلقه حتى يجعلهم يباركونه بآياته وهو المانح لكل بركة و كل نعمة... و لكن هكذا يعطى الخالق المثل الأعلى لخلقه فيعطيهم هذا القول الجدير به كي يتلونه في كل وقت و حين تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير. ... فهل يسع أحد يرى هذه القدرة التي وسعت كل شيء رحمة و علماً و قدرةً إلا أن يبارك الخالق بهذا القول آلاف و ملايين المرات
    ثم نأتي إلى الآية التالية و تضع هذه الآية حقيقة أخرى عن حكمة الحياة و الموت بقوله سبحانه و تعالى الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا... هكذا تأتى الآية الثانية بـأن الموت و الحياة ليسـا إلا مراحل من حلقات الوجود الإنساني... قدرها مانح الحياة و مقدر الموت بمشيـئته... والهدف منهـا هو الحساب على مـا يقدمه الإنسان من أعمـال.. فتسجل له أو تسجل عليه... و إن الحياة مرحلة تنقضي لاختبار هذا المخلوق الذي ميزه خالقه بنعمـة العقل، و صورة في أحسن صورة، و أنعم عليه بالسمع و البصر و الفؤاد، و أسبغ عليه كل النعم، و سخر له هذا الملك و الملكوت... فهل يقابل الإنسان كل هذا الإحسان بالإحسان... فيستحق مـا أعده له الله من نعم أخرى في حياة ممتدة كامتداد هذا الكون اللانهائي... هذه هي حكمة الحياة على الأرض جـاءت بآيــات الكتاب في أنصع و أكمل نص لتضع ردا على حيرة الإنسان عندمـا يفكر عن أسرار الحياة و الموت... جاءت بهذا النص الكامل بكلمة فريدة ليبلوكم... فليست الحياة إلا بلاء من مانح الحياة ومقدر الموت و ابتلاء لخليفة الله على الأرض... إنه نص كامل من كلمة واحدة تضع نهـاية لتيه الفلاسفة و ضلال المارقيــن عن معنى وهدف الحياة... لقد صاغت هذه الآيـة معاني كثيرة في سهولة و يسر و إعجاز... ولا مجـال للاسترسال هنا بما أدركه من العلوم الهندسية التي أعي منهـا قدراً محدوداً.. و لكن علمـاء الفلسفة يمكن أن يضيفوا بما يعرفونه من نظريات الكثير على ما في هذه الكلمات من إعجـاز عن فلسفة الحياة التي أوردتهـا الآية بأنها مرحلة من مراحل لوجود الإنسان... و جـاء الموت في الآية الكريمة مؤكداً للحياة و متقدما عليهـا، لأن كل منها مرحلة من مراحل تكمل بعضها البعض في دائرة مغلقة لخالق قدير... يخرج ألحى من الميت و يخرج الميت من الحي.. ثم جاءت بهدفـاً سـامياً للحياة يستطيع أن يعيه كل البشـر... و هو السبق في أداء صـالح الأعمـال، و أن يرفعوا شعار الإحسان حتى يتحقق لهم اجتياز اختبار المرحلة الأولى أو الحياة التي نعرفها إلى مرحلة الموت ثم إلى الحياة مرة أخرى... و هكذا يجب أن تـكون حياة المسلم و حياة البشر في الخير ومن أجل الخير... فهل جاءت فلسفة بمثل هذا.. إنه الكمال و الإبداع في الحكمة من خلق الإنسان جاء بها القرآن استكمالا لكمال هذا الكون بجماله و إبداعه حين تصير لوحة الوجود مكتملة للخالق المصور الرحمن الواحد الأحد... لوحة يعمها الانسجام و التجانس و الرحمة في آن واحد.
    ثم نأتي إلى الآية التالية في تسلسل هذه الآيات... و قد جـاءت تستكمل الأدلة و البراهين على وحدانية الله عز وجل، و على رحمته في إظهـار هذه الأدلة أمام كل من له عقل أو بصر، فيقول الحق الذيخلق سبع سموات طباقا، مـا ترى في خلق الرحمن من تفاوت.. إن من يتعمق ببصره في بناء هذا الكون و ينظر إلى السماء الممتدة فوقه، يجد التطابق و التمـاثل سمة كل شيء، و عندمـا نتوقف عند الرقم 7 في الآية الكريمة نرى أن هذا الرقم يفيد التعداد التكراري في دورات لا تنتهي كمـا اعتاد العرب أن يستخدموه... كما نراهم في استخدام هذا الرقم في تكرار أيام الأسبوع التي تتكرر في دورات لا تنتهي كل منهـا سبعة أيام... وهكذا استخدم القرآن هذا الرقم في تعداد السماوات التي تتكرر دوراتها و أعدادهـا و مجراتها و بروجها و نجومها مئات و ملايين و مليارات المرات... و في صور مختلفة ومتعددة و مجموعات قطبية و نجمية و مجرات و حارات و نظم متعددة لا نعلم منها إلا القليل و لم تصل علومنا و أبصـارنـا لفهمـا بعد و لكن جـاء ذكرهـا في كتاب الله بهذا القول الشامل و الجامع... الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا...و كما أن الأعداد عند العرب كانت تقف عند الألف، فلا يوجد رقم معجز يتسع لأعداد بالمليارات سوى هذا الرقم التكراري اللانهائي ... و في كل مجموعة نجمية نجد نجم يدور حوله مجموعة من الكواكب، و كل نجم هو كرة هـائلة من الهيدروجين تحترق في اندماج نووي لتخرج لنا هذا الضوء الذي تبعثه إلينا كما تبعث الشمس الضوء و الحرارة، و كل نجم له دورات، و كل مجموعة من النجوم تشترك في مجرة هـائلة الحجم تدور فيهـا النجوم حول مركز للمجرة، و تدور المجرات نفسهـا في حـارات كونية هـائلة الامتداد حول مركز للكون بأبعـاد لا يتخيلهـا عقل و تتحرك بسرعة هائلة كأنها تندفع إلى مصير و نهاية لا يعلمها إلا خالقهـا الذي يحدثنا سبحانه و تعالى عنها بأحكم و أكمل الكلمات... و كل هذه الكواكب و النجوم و المجرات... بل كل حـارات الكون التي يصل عددهـا كما ذكرنا إلى بلايين و بلايين تدور أيضـا و تتكرر و تتطابق جميعهـا في مـادتهـا و أشكالهـا و أطوارهـا و أعمارهـا و القوانين السارية عليهـا و التي تـطيعهـا و تلتزم بالمثول أمامهـا، كواكب تتطابق في مادتها و نشأتها و دورانها حول بعضها و حول نجم محدد لكل مجموعة منها...و نجوم تتطابق في مادتها و نشأتها و حياتها و موتها و حركتها و التفافها و إشعاعهـا و في مجرات كل منها ما تدور حوله و معه و إليه و عنه... و مجرات تتطابق و حارات تتطابق في دورات لا تنتهي، وتتكرر و تتكرر هذه الدورات حتى يصل أعداد كل منهـا إلى بلايين و بلايين، كل هذه المعاني نستشفها في هذه الإشـارة القرآنية المعجزة بقول الحق دون إسراف يتعب الأولين و الآخرين أو يصعب فهمه و إدراكه على أي إنسان مهمـا بلغ علمه من البساطة أو التعقيد... الذي خلق سبع سماوات طباقـاً ... أي إعجـاز هذا و أي إبداع و أي إيجـاز و أي إلمـام بهذا القول كــإعلان شامل و كامل من الله سبحانه وتعالى.
    إن مـا أثبتته العلوم الحديثة التي تبنى عليهـا الاختراعات و الأجهزة و المعدات العلمية و الهندسية و الطبية أن جميع المواد و الأجسام التي جاء منها صنع السماوات و الأرض و كل ما حولنـا تتكون من أجسام دقيقة و متناهية في الصغر تسمى الذرات، و أن ذرات جميع المواد متشابهـة في خلقهـا و تكوينهـا و الحركة التي تتم بداخلهـا... إنهـا جميعـا تتكون من نواة في مركز الذرة... و تتركز في هذه النواة كتلة الذرة و شحنتهـا الموجبة.. و تدور حول هذه النواة جسيمـات صغيرة جدا تسمى الإلكترونات و لهـا شحنة سالبة.. و تدور هذه الجسيمات حول نواة الذرة دون أن تلتصق بهـا و كأنهـا تسبح لخالقهـا الرحمن.. و من دوران هذه الجسيمـات حول نواة الذرة يصير للذرة حجمـا و للمـادة وجود... أي لولا دوران هذه الجسيمات داخل الذرة لمـا كان لمـا حولنـا من جبال و مباني حجم أو وجود يذكر و لتحول الجمل بحجمه الضخم إلى مقدار شعرة رأس و تمكن من أن ينفذ بكتلته هذه الهائلة من ثقب المغزل... و كل مـا في هذا الوجود من أقمـار و كواكب و نجوم و شموس و حديد و نحاس و مـاء و هواء و صخور و تلال يتكون من ذرات تستقر هيئتهـا على هذا المنوال الثابت فيهـا جميعـاً و كأنهـا تقوم جميعاً بالتسبيح الواحد المتوحد لجلال الله بنغمة واحدة و نظام واحد و تشكيل واحد، نظمه خالق هذا الكون و ارتضاه أسلوباً لخلقه في التسبيح بعظمته و السجود لجلاله، بلا تفاوت أو اختلاف بين ذرة تراهـا في قاع محيط أو على قمة جبل أو في المريخ أو من الشمس... و لا تجد شيء له وجود في هذا الكون دون أن يأتي بناؤه من ذرات على هذا المنوال و بهذا الأسلوب الواحد في التسبيح... فالكل من خلق إله واحد هو الرحمن و يسبح له بنظام ثابت و تشكيل لا يتغير و لا يتبدل في كل بنيان أو تكوين... و هكذا جاء هذا البرهان على وحدانية و رحمة الله في كتابه بهذه الكلمات السبعة المضيئة و المعجزة.. ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت... حقاً، لا يوجد أي اختلاف في خلق الله، و كل هذا الكون من خلق الله الذي جاء برحمته متوحداً في ناموسه وسننه و قوانينه و أطواره و أشكاله و تكوينه و وحدات بنائه و إعماره و دوراته... يحمل علامة الرحمة التي لا يملكهـا سواه... فهو خلق الرحمن، الذي أوجد هذا التوحد برحمته حتى لا تكد العقول في الإيمان بوحدانيته... و هذه الذرة التي تعد وحدة البناء و إحدى العلامات المميزة لخلق الرحمن تقف دليلاً على رحمته و وحدانيته بالتطابق في كل شيء و التماثل في كل ما حولنا دون وجود أي خلق بوحدة أخرى غير هذه الذرة.
    إننـا لو امتدت أبصارنـا إلى المجموعة الشمسية فسنجد أن حجمهـا الهـائل يأتي من دوران مجموعة الكواكب التـابعة لهـا حول الشمس.. و أن كتلة المجموعة الشمسية تتركز أسـاسـاً في الشمس... و لهذا تنجذب هذه الكواكب في دورانهـا إلى الشمس تمـامـا مثل مـا تتركز كتلة الذرة في نواتهـا و تنجذب الإلكترونات في دورانهـا إلى النواة... هكذا تتمـاثل المجموعة الشمسية و كل المجموعات النجمية التي جاء منها بناء السماء مع أي ذرة في هذا الكون و التي جـاء منهـا بناء كل مـا نراه كما جاء منهـا بناء النجوم و الكواكب و كل ما نراه من جبال و محيطات و أجسام أيضـا..
    فـلولا التفاف الكواكب حول نجومها و الـتـفاف النجوم حول مركز المجرة لما كان للكون أيضـاً هذه الأبعاد الهـائلة... ثم نرى أن كل مـا يسرى على أفلاك الكواكب حول الشمس من قوانين و علاقات يسرى أيضـاً على أفلاك الإلكترونات حول النواة... إنهـا قوانين و سنن سنهـا خـالق واحد برحمته كي يدلنـا على وحدانيته.. يخضع لهـا كل شيء دون تفاوت مهمـا كان حجمه متناهيا في الصغر أو موغلا في الكبر.. فالكل من خلقه و الكل خـاضع لمشيئته... و الكل يسعى برحمته.
    و إذا رجعنـا بالبصر مرة أخرى فسنجد أن جميع الأجسام و الأشياء من حولنـا تتشكل من عدد محدود من ذرات عناصر كيميائيه تمكن العلمـاء من حصرهـا فيما لا يزيد عـن مـائة و عشرون عنصر.. و قد وجد أن جميع الذرات في هذا الكون الممتد تتشابه في تركيبها و تكوينها و مكوناتها و حركتها و قوانينها و أفلاكهـا و نشاطها و خمولها، و لكن تختلف في عدد جسيمات داخل نواة هذه الذرات تسمى البروتونات، ويستتبعها أعداد جسيمات أخرى مرتبطة بأعداد هذه البروتونات تسمى النيوترونات و الإلكترونات.. وبهذا الاختلاف تتغير الصفات عنصر عن عنصر آخر.. و لكن ذرة الهيدروجين على الأرض و في الشمس و في القمر و في كل النجوم لها نفس التركيب و نفس الأعداد للجسيمات داخل ذرتهـا و كذلك جميع العناصر الأخرى و التي تم حصرها في بضع و مائة عنصر... و قد وجد العلماء انه بترتيب هذه الذرات بحسب أعداد البروتونات فى نواة كل عنصر في دورات سباعية ( أو سبعة مجموعات )... فإن خصائص عناصر كل مجموعة تتكرر و تتماثل في صورة دورية...حيث تتشابه توزيع إلكترونات هذه الذرات في أفلاكهـا حول النواة و تتشابه أيضاً عناصر كل مجموعة من هذه المجموعات في طرق اتحادهاً بالعناصر الأخرى و حالتهـا في كل درجة حرارة و نشاطهـاً و ارتباطهاً و الخواص الطبيعية و الكيميائية لهذه العناصر.. إنهـا مرتبة و معدة بيد خـالق رحيم في هذه المجموعات السبعة... ألا يحمل هذا الرقم الذي حدده الخالق عددا لمراحل خلقه ثم جعله في كل الأجناس و الأزمان و الأديان عددا لأيام الأسبوع ثم وضعه في كتابه رمزاً لتعدد سماواته سراً لوحدانيته... لقد وجدنا بعد ترتيب العناصر بهذا الأسلوب الالتزام الكامل لكل منهـا حسب قوانين ثابتة تخضع لهـا جميعـهاً دون اختلاف أو تفـاوت.. و بهذه القوانين التي سنهـا الخـالق تتحد و تتآلف الذرات من مختلف العناصر بطرق ثابتة و محددة لتكون آلاف المركبات التي تملأ السماوات و الأرض... فصخور القمر و رمـال الأرض و غـازات الشمس و كواكب مثل الزهرة و المريخ و عطارد كلهـا جميعـا جـاءت من هذه العنـاصر المحددة و بطرق ثابتة دون تفـاوت.. فالكل من خلق إله واحد هو الرحمن... و الكل يقيم بنائه و وجوده بالتسبيح لخالقه الرحمن بلغة موحدة و بتسبيح محدد... سبحانه و تعالى.. و لو توقف تسبيحهـا أو حركتها التي تجعل لها حجماً و وجوداً لانهـارت السماوات و الأرض.. و يحضرنا في هذا السياق أن نتذكر هذه الآية من سورة الإسراء حيث يقول الحق تسبح له السماوات السبع و الأرض و من فيهن و إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا.
    و كما تتراص هذه الذرات بأعداد محدودة لتكون المركبات الغير عضوية مثل الصخور و الرمال و الجبال و المياه... فإنهـا تتراص أيضـاً و بصورة موحدة أيضا لتكون المركبات العضوية أو التي تكون الأعضاء التي نراهـا في كل كائن حي... و مـا يبهر حقاً أنك ترى أن أي مركب من هذه المركبات يتكون من ملايين من الذرات و قد تراصت و ترتبت بترتيب ثابت دون اختلاف بإعجـاز و إبداع.... إنهـا حقـا تدل كل من له عقل أن بناؤهـا قد تم بيد إله واحد و خالق واحد.. هو الرحمن
    إن أصغر و أدق كائن حي هو الخلية الحية... و كمـا أن الذرة بشكلهـا الثابت الذي أرتاه العلماء هي وحدة البناء الأساسية لكل مادة في هذا الكون... كذلك نجد أن الخلية الحية بشكلهـا الذي يراه العلمـاء هي وحدة البناء الأساسية لكل المخلوقات الحية.. شكل واحد بمركبات واحدة و بأنماط و أطوار واحدة لخـالق واحد، هو الرحمن... هذه الذرات التي ينشأ منهـا مركبات الطين و التراب في الأرض هي التي تراصت في سلاسل كيميائية بارعة و باهرة الخلق و الصنع لتبنى تكوينا و خلقـا آخر يشابه أيضـا الذرة أو وحدة البـناء الأولى من حيث الشكل العـام... كما في وسط الذرة نواة تحدد بأعداد بروتوناتها صفات كل ذرة أو كل عنصر... نجد في وسط الخلية نواة تتحدد بأعداد جسيماتها صفات الخلية و المهـام و الوظـائف لكل منها... و تتكون الخلية من مركبات تسمى الأحماض النووية و كلهـا جـاءت من ذرات العناصر المعروفة و بترتيب معجز و ثابت في كل مخلوقات الله عليها خاتم الصانع الذي سمي خلقه بهذا الاسم "خلق الرحمن".. و تسبح هذه النواة في وسط سـائل هلامي يحيط بهـا و يدور حولهـا و ينفذ مـا تمليه عليه النواة من مهـام... و يتكون هذا الوسط أيضـا من جزيئات عملاقة يصل تعداد ذراتهـا إلى الملايين و البلايين التي تراصت أيضـا بترتيب ثابت و معجز في جميع الخلايـا الحية و يطلق عليهـا اسم الأحماض الامينية... و في هذه الأحمـاض المكونة التي جـاءت من الطين توهب الحياة... كيف ؟ و مـا هي مـادة هذهالعلمـاء.تي وهبهـا الخـالق لهـا جميعـا لتحي جميعهـا بصورة واحدة ؟ هنـا يعجز العلم و العلمـاء.. و ليس أمامهم إلا أن يؤمنوا و يقروا بمـا جـاء بإعلان الخـالق سبحـانه بهذه الكلمـات المعجزة في قرآنه الكريم ماترى في خلق الرحمن من تفاوت... إنه الرحمة و خلق الرحمن
    إن تماثل وحدة البـنـاء في كل المخلوقات الحية دليل قائم على وحدانية الله و رحمته... و كما أن ذرة كل عنصر تتماثل مع عناصر الذرات الأخرى في التركيب و التشكيل و القوانين و الحركات و الأفلاك و تختلف من عنصر إلى آخر في عدد تلك الجسيمات داخل نواة الذرة و التي تسمى البروتونات... كذلك نجد أن كل الخلايا الحية تتحد في أشكالها و قوانينها و تنفسها و إخراجها و غذائها و موتها و حياتها و تكاثرها.. و تختلف أيضا في أعداد جسيمات داخل النواة و تسمى الكروموسومات... و تتماثل أعداد هذه الكر وموسومات في كل مخلوق حي... فخلية الإنسان بها 46 كروموزوم، و القطة بها 24 و الفأر بها 28، و هكذا لكل مخلوق حي... و يتكون كل كروم وزم من مئات آلاف الجينات... وتتماثل هذه الجينات أو الشفرات حيث تحمل الصفات الوراثية و السجل لجميع الوظائف و المهام لكل إنسان و لكل عضو أو نسيج أو خلية بالتحديد...و بحسب كلام العلماء فإنه مطلوب لتسجيل شفرات الخلية الواحدة عدة ملايين من الصفحات، و هذا في اعتقادهم سوف يستغرق عدة أجيال لاكتشاف أسراره.. إذا لم يخيب ظنهم
    شكل افتراضي لذرة وتدور حولها الإلكترونات
    و عندما تتراص هذه الخلايا بجانب بعضهـا بترتيب خـالقهـا تـنشأ الأنسجة الحية.. و تتراص هذه الأنسجة لتكون أعضاء المخلوقات الحية... و من مجموع هذه الأعضـاء تأتى جميع المخلوقات الحية... و يمكن أن تحيى الخلية الحية منفردة في هذا الكون كما يمكن أن تحيى أعظم المخلوقات الحية مثل الإنسان أو الأسد... فكلاهمـا يقوم بنفس الوظائف الحيوية من غذاء و تنفس و إخراج و تكاثر و إحساس... خالق واحد يعدد مخلوقاته من وحدة واحدة و بأسلوب موحد بإبداع و قدرة ورحمة حتى نهتدي إليه و نسبح قائلين و معلنين و مؤذنين لا إله إلا الله... الرحمن.
    و لو نظرنا إلى المخلوقات الحية التي تسير و تتحرك و يطلق عليهـا العلمـاء المملكة الحيوانية و من أعضـائهـا الإنسان.. سنجد أنهـا أيضا تتكون من نفس الأنسجة و الأجهزة و الأعضاء الثابتة و المتشابهة في تكوينها و تركيبها... و تتمـاثل أيضا في وظـائفهـا و بنائهـا و تناسقهـا، و لنقف أمام بعض الأجهزة في أجسام المملكة الحيوانية... فنرى كل جهاز يتكون من مجموعة من الأنسجة المتشابهة في كل أعضاء المملكة... و لو قمنا بفحص مجهري لأنسجة معدة الإنسان نجدها تتشابه مع الأنسجة في معدة القط و الفأر و كذلك أمعاء الفيل مع أمعاء الأرنب... و لو نظرنا في كل أعضاء المملكة الحيوانية و نرى أن لها جميعاً الجهاز الهضمي الذي يحول ما نـتـناوله إلى غذاء يمكن امتصاصه في خلايا الجسم و إلى الجهاز التنفسي و هو يستخدم الهواء الجوى ليمد الجسم بالأكسيجين اللازم لاحتراق الغذاء داخل خلايا الجسم فيحصل الجسم و خلاياه على الطاقة اللازمة للدفء و الحركة... و الجهاز الدوري و هو يوزع هذا الأكسيجين و الغذاء على خلايا الجسم فيمدها باحتياجاتها... و الجهاز التناسلي الذي يحفظ لمخلوقات الله نوعهـا... و الجهـاز العصبي الذي يتعامل به الجسم مع المؤثرات الخارجية... و الجهـاز السمعي الذي يتعامل به المخلوق مع أفراد أمته... و الجهـاز البصري الذي يدرك به المخلوق ما حوله .. و نرى كيف تستمع كل المخلوقات الأصوات التي لهـا نفس الترددات و ترى بالضوء الذي له نفس أطوال الموجـات وتميزها بنفس الطريقة و الأسلوب... و كيف تتنفس جميعا نفس الأكسيجين الموجود في الهواء... و كمـا أن لكل أعضاء المملكة الحيوانية نفس الأنسجة و الوظائف نجد أنهـا أيضـا لهـا نفس الأعضـاء... فالكل له رأس و أقدام و يدان.. و بالرأس فم و أنف و عينان و مخ بفصوصه و تكوينه الثابت... و الكل له بطن و صدر و أعضاء تناسلية و جلد... و في الطير تتحول اليدان إلى جناحان و تتحول في الأسماك إلى زعانف.. إنهـا جميعـا خلق واحد لإله واحد أنشأ خلقه كله بناموس واحد.. بلا تفاوت.. فكانت رحمته الثابتة في كل شيء.. و كمـا يتميز كل صـانع بصفة ثابتة تجدهـا في صنعته.. فكذلك يتميز خلق الله بالرحمة و الوحدانية التي تجدهـا في كل شيء.. خلقـا واحدا يشيع فيه رحمة ثابتة من خلية واحدة بتكوين ثابت و أنسجة واحدة وأجهزة واحدة و أعضاء واحدة جاءت كلها بصناعة يد رحيمة واحدة
    إن اتحـاد و تآلف الذرات جميعـا لتكوين هذه المركبات و الأحماض رحمة.. و اتحـاد الخلايا لتكون هذه الأنسجة التي تحقق الحياة الكاملة و البقاء المستقل رحمة.. و البصر رحمة و السمع رحمة و الأبوة رحمة و الأمومة رحمة و البنوة لرحمة و الماء رحمة و الهواء رحمة و القرآن رحمة و كل ما حولنـا رحمة ومن خلق الرحمن و لن يسعنـا في تعداد رحمة الله التي جاءت بسنة واحدة تأكيدا لوحدانيته كل مجلدات الأرض كي نعطى هذه الآية الكريمة حقها مما أفاض لله به على البشرية من رؤى و علوم.
    إنـنـا لو تجولنـا بأبصـارنـا مرة أخرى إلى تلك المخلوقات التي يكسوهـا الله باللون الأخضر و تسمى بالمـمـلكة النباتية فسنجد أنهـا جاءت أيضـا جميعهـا برحمة الله لتؤدى دوراً مطلوبا لحياة أعضـاء المملكة الحيوانية و بقائهـا... فقد جـاء خلق المملكة النبـاتية بنفس وحدة البنـاء التي تقيم المملكة الحيوانية و هي الخلية الحية بنفس التركيب و الأحمـاض.. ثم تميزت هذه المملكة بالأوراق الخضراء التي تقوم بأهم عملية لبقـاء النبات و الحيوان معـا.. حيث تعد هذه الأوراق الخضراء غذاء كل الأحياء من الهواء و المـاء و ضوء الشمس و ما تمتصه الجذور من مركبات الأرض و طينهـا
    إن النبات يمتص غـاز ثاني أكسيد الكربون الناتج من تنفس الحيوان و يخرج له مرة أخرى غـاز الأكسيجين الذي يحتاجه الحيوان أو الإنسان ليحترق به الغذاء داخل جسمه مرة أخرى... هكذا يعيش هذا على هذا و كلاهمـا بنفس التركيب... ثم يوفر النبات للإنسان أو الحيوان بغاز ثاني أكسيد الكربون و ضوء الشمس ما يحتاجه من طاقة يتحركون و يستمتعون بهـا.. إنه التكامل و الترابط و توزيع الأدوار بيد الله الخـالق الواحد دون تفـاوت.. إن تكامل المملكة النباتية و الحيوانية و تشابكهـا و تآلفهـا دليل أنهـا حقـا جـاءت من إله واحد أو أنهـا جميعـا خلق الرحمن
    ثم لهـارنـا مرة أخرى إلى أعضاء المملكة النباتية فسنجد أن جميع النباتات مع اختلاف أشكالهـا و أطوالهـا و مذاقهـا و يصل عددهـا إلى ملايين الأنواع و الأشكال و الأصناف تتكون جميعهـا من جذور تمتص مـاء واحد و مـا يذيبه هذا المـاء من مركبات الأرض... ثم لهـا سيقان و أوراق خضراء تقوم جميعهـا بنفس الوظـائف .. المـاء واحد و اللون واحد و الوظائف واحدة.. كلهـا جـاءت لتتفق مع إعلان الخالق في خاتم كتبه ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت
    هكذا نرى أيضـا أن كل مـا حولنـا من ظواهر طبيعية و حركات و سكنات تخضع جميعـاً لقوانين ثـابتة يكتشف منهـا العلمـاء شيئـاً جديداً في كل يوم.. إن خضوعهـاً و التزامهـا جميعاً بهذه القوانين التي وضعهـا الخالق سبحـانه و تعـالى ينشأ منهـا هذا الانتظام الكامل في الكون رغم امتداده اللانهائي زمناً و وجوداً... وهذا هو أعمق دليل على وحدانية الله و رحمته
    إن من يتعمق في القوانين الطبيعية التي نكتشفهـا يجد أن كل شيء مهما كان حجمه أو وزنه يخضع لهـذه القوانين بكل التزام... فلا يسعـنا إلا أن نقر برحمة الخالق بنـا و في كل خلقه.. قانون الغـازات المثالية الذي يخضع له كل الغـازات على اختلافهـا و ألوانهـا و أشكالهـا و أوزانهـا، بل و كل مواد الأرض، فمـا من مـادة إلا و يمكن أن تجدهـا في الحـالة الغازية التي تخضع لهذا القانون... من الذي أخضع كل شيء لقانون واحد ثابت لا يخضع لقياساتنـا و لكنه ثابت أمام كل طرق القياسات.. إنجليزية أو فرنسية أو عالمية... و الثلاثة أوجه التي تجد عليهـا المواد هي في كل خواصهـا عندمـا تكون غـازية أو سائلة أو صلبة.. فالحديد الصلب كالثلج الصلب و النيتروجين الصلب و عندما ينصهر الحديد تجده سائلا مثل الماء و مثل النيتروجين سائلاً... و عندما يتحول الحديد إلى أبخرة تجد له نفس خواص بخار الماء و النيتروجين و تسرى عليهـا نفس القوانين... و قوانين الحركة التي تخضع لهـا كل حركات و سكنات كل الأشياء في هذا الكون من حولنـا.. كرة المضرب و الكرة الأرضية... الذرة في المفاعل النووي و الذرة في باطن الشمس... الـطائرة و الطـائر... السمكة و الباخرة... الإلكترون حول النواة و الأرض حول الشمس... قوانين انتقال الحرارة و الطاقة و المـادة و كمية الحركة التي تتمـاثل جميعـاً و يخضع لهـا كل تغير يحدث في هذا الكون.. وإذا مـا كتبت هذه القوانين بالصورة التي لا تخضع لمـا يضعه البشر من أوزان و أطوال.. تجدهـا سـارية على كل الظواهر و التغيرات في كل الكون و مـا يسرى به أو عليه...و يطلق العلمـاء على القوانين التي تستنتج بهذه الكيفية قوانين التمـاثل و تنشأ من ظـاهرة التمـاثل بين كل شيء و في كل شيء و أن كل شيء في هذا الكون محكومـاً بلا تفاوت... فما يجده العلماء في أنبوبة صغيرة يماثل مـا يحدث في أكبر الأنهـار... و مـا يجدونه في معمل صغير يمـاثل مـا يحدث في الكون الممتد، و ما يحدث في ذرة صغيرة يماثل ما يحدث في أعتى المجموعات الكونية... الترابط و الانسجام و الوحدة الكاملة بين كل حلقات هذا الكون الممتد بلا تفاوت حقيقة ماثلة يراهـا البسطاء و العلمـاء برحمة الله و هدايته
    ... ثم أن العلوم الحديثة قد اكتشفت قانون بقاء الطاقة ثم قانون بقاء المادة ثم جـاءت النظرية النسبية لتقول أن المـادة و الطـاقة جـاءتا من جوهر واحد لهمـا نفس الطبيعة... فالمـادة طور من أطوار الوجود لا يعلم نهـايتهـا و بدايتها إلا الله الذي يدبر بقائها برحمته و بدون تفاوت
    و كمـا ذكرنـا فيما سبق أن وحدة بناء كل هذا الكون هي الذرة و وحدة بناء كل الأحياء هي الخلية الحية.. و لكن من في هذا الكون يستطيع أن يخلق ذرة رغم صغر حجمهـا.. يتحرك فيهـا عالم من الإلكترونات و النيوترونات و البروتونات دون توقف أو تداخل في الاختصاصات.. و لو توقفت أو تداخلت لكان انهياراً للكون بقوانينه و أحجامه و وجوده... أو من يستطيع أن يخلق خلية من هذه الذرات رغم معرفتنـا بتركيبهـا و أن يهب لخلية واحدة القدرة على أن تحيى و تتحرك و تتنفس و تتكاثر و تخرج و تؤدى مهام لها و لجيرانها..
    إنه إعجـاز خـالق وصف خلقه بأنه خلق الرحمن... و الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى اختص به نفسه و لم يطلق على أحد سواه.. فكل هذا من صنع خالق نسج برحمته و قدرته كل هذا الخلق و كل هذا الكون من نفس اللبنات و بنفس الوحدات... فجـاء هذا التوافق و الانسجام و الترابط و الالتحام... هذه الوحدة التي تدل على وحدانيته برحمته و بالفطرة التي فطرنا عليها... ثم جاء رسوله بالهدى و هذا النور الكامل و الشامل يضيء لنـا برحمته الهداية إلى وحدانيته حتى نشهد أنه لا إله إلا هــو سبحـانه و تعالى رحمة منه و فضلا به و له.
    لقد أمرنا الخالق في الآية الثالثة أن نرجع البصر... لنرى هل هناك فبما نراه حولنا ما يدل أن هناك خالق غير الله... أم أن هذا الكون كله جاء بيد واحدة دون أي اختلاف كما ذكرنا ثم نأتي إلى الآية الرابعة في تسلسل هذه الآيات حيث يأمرنـا الله عز و جل بأن تمتد أبصـارنـا إلى أقصى مـا ندركه فيمـا حولنـا.. بدءا من أقرب أو أصغر الأشياء و انتهاء بأبعدهـا أو أكبرهـا... و إذا مـا ابتدأنـا بما يمكن أن نعيه بأبصارنا و هو الجبال و رأينا قدرة الله في تثبيتها في الأرض ارتفاعهـا رغم كل ما يقيمه البشر من عمارات ينهار.. ثم تجولنا إلى الأصغر فالأصغر حتى نصل إلى الذرة و هي أصغر الأشياء... فسنجد مداركنـا و أبصـارنـا تعجز حقاً عن أن تصل إلى مـا يحدث فيهـا وما يدور في أفلاكهـا، و كل مـا نقوله عنهـا هو محض افتراضات يؤيدهـا النتائج و ليس المشاهدات.. و هكذا نقر بأن أبصارنـا تنحسر عن تعدي حدود حددهـا الله لنـا حتى في هذه الأشياء التي تتكون منهـا أجسامنا و كل مـا حولنـا، و لكن تبنى نظرياتنا على ما نفترضه فيها من أجسام و أشكال و تحركات و طاقات و انبعاثات، و لا يمكن لأعظم مجهر أن يتغلغل داخل الذرة كي نرى بأبصارنا ما تؤكده نظرياتنا و تعتمد عليه كل علومنا... هكذا تعتمد العلوم على عدم رؤية لأساس هذه العلوم... ألا يكون هذا واعظاً لمن ينكرون وجود الله لأنهم لا يرونه رغم اعتماد كل العلوم على ما لا ترى... هكذا اقتضت حكمة الله أن تكون لأبصارنا حدودا تنحسر دونها في هذا الكون القائم بحكمته كما جاءت في الآية الرابعة.
    ثم ارجع البصر كرتين، ينقلب إليك البصر خـاسئا و هو حسير..... ثم تعالوا ننفذ أمر الله و تمتد أبصارنا لما هو أكبر من الجبل... إلى هذا الكون الذي يمتد إلى مـا لا نهـاية لـه زمـانـا و مكـانـا... فهـل تستطيع أبصـارنـا و مداركنا أن تدرك هذا الكون أو مـا ليس له حــدود... لقد خلقنا الله بأبعاد محددة و أعمـار محدده.. فهل يمكن أن يدرك المحدود اللامحدود ... هنا يأتي اعترافنا بالعجز و الانحسار... أي ينحسر بصرنا عن تعدى الحدود التي حددهـا الخـالق بعداً كما انحسرت قرباًَ... لقد أثبتت العلوم الحديثة أن هناك نـجومـاً في السمـاء على بعد من الأرض يبلغ آلاف ملايين السنين الضوئية.. و السنة الضوئية تمثل أبعـاداً و مسافات.. معنى هذا أن الضوء الذي نرى به هذه النجوم قد أرسلته إلينـا منذ هذه السنين التي لا تعد و أخذ الضوء كل هذه الدهور السحيقة حتى يقطع هذه المسافات الفاصلة و يصل إلينـا... أي أن هذا النجم كان موجودا هناك قبل خلق الأرض و مـا عليها و من عليهـا منذ بلايين السنين.. هل تستطيع حقـا عقولنـا أن تستوعب هذه الأبعاد مكانـا و أزمنة... ثم هل لهذا الكون غلافا يغلفه... أو أنه كون مفتوح حتى المالا نهاية.. و كيف تكون هذه المالا نهاية... لا قدرة لعقولنا على استيعاب هذه الأبعاد و لا قدرة لأبصارنا رغم وجود اعتي التلسكوبات أن ترى حتى هذه الأبعاد... و هكذا تأتى الآية الرابعة لتعيد الإنسان إلى معرفة قصوره و عجزه بقول الحق
    " ثم ارجع البصر كرتين، ينقلب إليك البصر خـاسئا و هو حسير "... هذا هو الإنسان.. محدود في رؤيـاه صغراً أو كبراً... و محدود في مداركه... بعداً أو قربـاً... زمنـاً أو مكـانـاً... فلا مجـال لغروره عندما يعلن أنه اكتشف مـا اكتشف.. و لكن عليه دائمـاً أن يقر أنه إذا مـا تطـاول في أي مجـال، فإنه سيرتد ببصره و بنفسه خـاسئا أمام عظمة خلق الرحمن من حوله و هو حسير.. ينحسر و لا يتطاول إلى ما لا قدرة له عليه صغراً و كبراً... لهذا جاء قول الحق كرتين...كرة لما هو أصغر فأصغر حتى يصل إلى تلك البذرة الضئيلة التي بنى علها نظرياته، و كرة إذا ما ذهب إلى الأكبر فالأكبر فيصل إلى الكون الذي لا يتخيل أبعاده... فكيف به يتطاول و يقول " أرنا الله جهرة "... و كان أولى به أن يعلم أنه عاجز ببصره و بصيرته أن يرى أصغر خلق الله ثم هذا الكون الذي خلقه الله و الممتد بعلم الله و قدرته.
    و أخيرا و قد وقفنـا أمـام أربع آيـات من كتاب الله العزيز الرحيم... و اهتدينـا بمعـانيهـا و أرسلنـا البصر في هذا الكون مرات و مرات لنرى أوجه الإعجـاز التي لا تعد في هندسة الكون و هذا البنـاء و رأينـا كيف حوت هذه الآيات معاني لا تعد و لا تحصى... ثم رأينـا أنه لو اجتمع علمـاء الأرض بمـا عرفوه فلن يستطيعوا يأتوا بأدق و أشمل و أجمل من هذه الكلمات و الآيات التي تعطى البرهان و الحقائق و تهدى إلى الحق و التوحيد دون أن يأتيهـا الباطل في الماضي أو الحـاضر و المستقبل مصداقـا لقول اله عز و جل:
    قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا "... " فبأي حديث بعد يؤمنون "










  9. #69
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



    ســورة يـونـس


    سورة يونس (مكية) نزلت بعد الإسراء، وهي في المصحف بعد التوبة، وعدد آياتها 109 آيات.
    هدف السورة
    إنَّ هدف سورة يونس هو الإيمان بالقضاء والقدر...
    ففي الحديث أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أخبرني عن الإيمان، فقال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره... فالسورة تعالج هذا الركن الأخير من أركان الإيمان.
    تساؤلات وتشكيك
    إن هذه السورة تعالج مشكلة عند أشخاص كثيرين، والتي تتجلى في تساؤلات مثل:
    - هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟!
    - لماذا هدى الله هذا الشخص إلى الإيمان ولم يهد ذاك؟
    - لماذا أنجى الله فلاناً ولم ينج فلان؟!
    - ربنا خلقنا ويعلم كيف نتصرف، وفرض علينا ظروفاً هو الذي صنعها، فكيف يحاسبنا يوم القيامة؟
    - الله كتب على البعض عدم الهداية، فلماذا السعي إلى العبادة؟ وبعض الناس نسألهم لماذا لا تصلون؟ فيجيبون: حتى يريد الله تعالى.
    - طالما أن الله تعالى قد كتب عنده إن كنا من أهل الجنة أو من أهل النار، فلم العمل؟ فمهما فعلنا لن يغيّر هذا من الأمر شيئاً!

    الحكيم لا يعبث
    تعالوا إذاً نعرف صفات ربنا سبحانه وتعالى، فإذا فهمنا أنه حكيم غير ظالم، يريد الحق وليس العبث، فهمنا أنه لا محل للسؤال أصلاً.
    إن أفعال الله تعالى في الكون أفعال حكيم مدبّر، يرحم الناس، وليست أفعال ظالم يجبر الناس على أشياء ليس لهم يد فيها... فلا يصدر عنه سبحانه إلا الحكمة والتدبير والعظمة.
    والسورة تؤكد هذا المعنى بطريقة رائعة، عن طريق التدبر في هذا الكون والتفكر في حكمة الله فيه، حتى نعرف هل يصدر عن الله العبث أم لا؟ إن السورة ستظهر لك أن كل ما في الكون إنما هو من حكمة الله وتدبيره، فمحال أن يصدر عنه العبث سبحانه، فثق بحكمته وتوكل عليه.
    الحق عنوانها
    ثم تأتي الآية التي بعدها ]إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱلله حَقّا...[. والحق هو نقيض العبث والصدفة، لذلك تكررت كلمة الحق في هذه السورة - التي تتحدث عن التسليم لقضاء الله وقدره - ثلاثاً وعشرين مرة، وهي أعلى نسبة لورود كلمة الحق في القرآن، 23 مرة في سورة عدد آياتها 109، بينما أكثر سورة ذكراً للحق بعد سورة يونس هي سورة آل عمران، 13 مرة في 200 آية، وبهذا يتضح الفرق الواضح في النسبة، لأن سورة يونس تؤكد على ضرورة التسليم لله الحق في قضائه وتدبيره.
    ونتابع مع الآية (4):
    ]إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱلله حَقّا إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ[.
    فلينظر كل حائر وكل مشكّك إلى ملك الله وليتفكر في تدبيره وإدارته لملكه. فالآية حددت أن سبب تعذيبه لبعض البشر هو كفرهم به تعالى ]... بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ[.
    ما خلق الله ذلك إلا بالحق
    ]هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱلله ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقّ يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ & إِنَّ فِى ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱلله فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ[ (6).
    إنها دعوة للتفكر في خلق الله I وتدبيره في الليل والنهار... فهل يصدر مثل هذا التدبير إلا عن الحق تبارك وتعالى!... فالذي يدبّر ذلك يستحيل عليه العبث، ويستحيل عليه إدخال الناس النار مجبرين.
    عمن تصدر هذه التساؤلات؟
    توضّح الآية السابعة من السورة نوع الناس الذين يعتقدون مثل هذه المعتقدات الباطلة في حق الله:
    ]إَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ & أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ[.
    وهذه ملحوظة مهمة أتت بها السورة: فمن الذي يطرح هذه الأسئلة ويشكك في حكمة الله؟ إنهم غير المتدينين والبعيدين عن طاعة الله، وهم يطرحون أسئلة كهذه ليريحوا أنفسهم. ولم نسمع يوماً بشخص متديّن ينفّذ الطاعات ويشكّك بأن الله تعالى أجبره على الطاعة، لذلك فالمتدينون لا يطرحون أبداً مثل هذه الأسئلة.. والآية السابقة تبيّن لنا أن أصل المرض الذي أصاب هؤلاء هو الغفلة عن آيات الله وعدم استشعار حكمته في أوضح صورها.
    حكمة الله في أفعاله
    وتستمر الآيات لتؤكد على نفس المعنى: الله تعالى لا يصدر عنه العبث، فكل أفعاله حكمة..
    ]قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاْبْصَـٰرَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيّتَ مِنَ ٱلْحَىّ وَمَن يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱلله[ (31)
    فلماذا الشك والريبة ما دمتم تقرون بأن الله يدبر الأمر؟
    ]فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ[ اتقوا الله فيما تقولون... ونعود لنسمع كلمات ]ٱلْحَقُّ[ و]حَقَّتْ[ لتزيد من طمأنة قلوبنا: ]فَذَلِكُمُ ٱلله رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ & كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ[ (32-33).
    وبعد ذلك يقول I: ]قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ قُلِ ٱلله يَهْدِى لِلْحَقّ أَفَمَن يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ[ (34).
    فيا من تتهمون الله بتدبيره... أين التسليم لله، كيف تحكمون! بأي طريقة تفكرون وأنتم تعيشون في هذا الكون... اسمع هذا القسم الرائع من جبار السماوات والأرض:
    ]وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِى وَرَبّى إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ[ (53).
    وبعد ذلك يقول I: ]أَلا إِنَّ لله مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱلله حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ[ (55).
    حشد هائل من الآيات يصب في نفس المعنى ويركز على نفس المحور ليزيل من القلب أي شبهة وتساؤل.
    أفعالكم هي السبب
    إن تركيز الآيات على الحق والحكمة والتدبير يظهر أن ما يحدث للعباد إنما هو بسبب عملهم وسعيهم.
    فلا يقع الهلاك من الله إلا بعد الظلم من البشر.. يقول تعالى: ]إِنَّ ٱلله لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ (13).
    فالناس هم الذين يظلمون أنفسهم، ولا يجوز أن يتهموا الله بالظلم لما يصيبهم من عذاب ومصائب، بل يجب أن ينظروا ماذا فعلوا هم حتى أصابهم الله I بهذا العذاب.
    ويظهر هذا المعنى جلياً في قوله:
    ]وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ...[ (13).
    متى وقع الهلاك؟ عندما ظهر ظلمهم وفسادهم. فأفعال البشر هي السبب الأول لما يحل بهم من العقوبات.
    وتأتي آيات كثيرة لتخدم نفس المعنى: ]وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ جَزَاءُ سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ...[ (27).
    ]هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ...[ (30).
    ]كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ[ (33).
    وبالمقابل، ترينا الآيات أن المثوبة الربانية لا تكون عن عبث، بل إنها رهن بمن استحقها: ]لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ...[ (26).
    الله أعلم بعباده
    وإذا تابعنا قراءة الآيات، وجدنا أن السورة تنتقل إلى مفهوم جديد وسؤال مباغت:
    كيف تتعجبون من قضاء الله وأفعالكم أنتم تجاه قضاء الله وقدره أشد غرابة؟ اسمع معي الآيات:
    ]وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرّ مَّسَّهُ...[ (12)
    هذه الآية تصور لنا مشهدين بشكل رائع: مشهد الإنسان المهموم الذي يدعو الله تعالى بأي طريقة (لجنبه أو قاعداً أو قائماً) وفي هذه الصورة تثاقل وبطء، حتى إذا انتهت الأزمة كان تصرفه وغفلته سريعين (مر)...كأنه مر بدون أن يتوقف ليشكر أو يلتفت ليتدبر.
    وفي آية أخرى:
    ]وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِى ءايَـٰتِنَا قُلِ ٱلله أَسْرَعُ مَكْرًا[ (21).
    فهذه الآية تشرح كيف يقع القضاء والقدر، فإن كان بعض البشر مستغرباً من قضاء الله، فإنه تعالى يعلم من منكم سيشكر ومن منكم سيكفر، وتأتي الآية التي بعدها لتوضح المعنى أكثر ]هُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا...[ (22).
    ولا يصفو القلب لخالقه إلا عند الشدة، ولا يرق إلا في الكوارث، فإذا مرت بسلام نسي اللجوء إلى خالقه من قبل... أنظر بالله عليك، ماذا بعد الريح الطيبة التي فرحت بها القلوب وذهلت عن صاحب النعمة: ]... جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱلله مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ[ (22).
    وما يحدث في أمواج البحر يحدث أيضاً بين أمواج الحياة وتقلباتها.
    فماذا يكون حال ركاب السفينة عند النجاة؟
    ]فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ٱلاْرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ[ وتلك قمة التناقض، وغاية الانحراف عن الحق، لأن الله غني عن البشر ]يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[ (23).
    فما علاقة هذا المثل بهدف السورة؟ كأن المعنى: لا تعجبوا من قضاء الله فيكم لأنه يعلم من منكم سيشكر بعد رفع البلاء ويتوب، ومن سيعود إلى جرمه ثانية!..
    رسائل القدر
    أحيانا يقع قضاء الله وقدره لأنه I أعلم كيف سيتصرف كل إنسان بعد رفع البلاء، لأنه لا يوجد إنسان إلا وقد تعرّض لمواقف قبل أن يأتيه البلاء، ويظهر من خلال المواقف كيف سيكون تصرفه بعد رفعه. فالإنسان يختبر بابتلاءات صغيرة فيدعو الله تعالى، وقد يهلكه الله لأنه تعالى يعلم كيف سيتصرف العبد إذا ما رفع عنه البلاء، كما تصرف في السابق مرات عديدة...
    فالقضاء والقدر إنما هو بحكمة من الله تعالى وليس عبثاً، وقد ندرك هذه الحكمة وقد لا ندركها، وحتى لو لم ندرك الحكمة بعقولنا البسيطة فلا يجوز لنا أن نتهم الله تعالى في حكمته، ولكن ينبغي التسليم والثقة المطلقة بالله والتوكل عليه، واليقين بأنه هو الحكيم العليم الذي لا يظلم أبداً...
    أنبياء الله والتوكل
    لذلك جاءت قصص الأنبياء في هذه السورة لتؤكد على معنى التوكل على الله عند دعوة الأنبياء لأقوامهم:
    نوح: ]... يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ ٱلله فَعَلَى ٱلله تَوَكَّلْتُ...[ (71).
    موسى: ]وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بِٱلله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ & فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱلله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ[ (84-85).
    فرعون وقوم يونس
    ونصل إلى ختام السورة حيث تذكر لنا السورة قصتين لتوضيح ما سبق: فرعون، وقوم يونس.
    فبعد أن أوضحت السورة في كثير من الآيات حكمة الله تعالى وتدبيره، وتصرفات البشر حيالها..ضربت السورة مثالين: الأول لفرعون الذي كذب بآيات الله، والثاني قوم يونس الذين كذبوا بالله أول الأمر.
    وفي المثلين تجد أن النبيين ذهبا إلى البحر: موسى ويونس. وظل القومان على تكذيبهما حتى نزل بهم العذاب جميعاً، لكن الذي جرى هو هلاك فرعون وآله ونجاة قوم يونس...
    يقول الله تعالى : ]وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ[ (90) فيظهر هنا إدعاء الإيمان، فيأتي الرد:
    ]ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ[ (91).
    أما قوم يونس، فقصتهم شبيهة بقصة فرعون، وقد نجوا فيما أهلك فرعون. اسمع الآيات:
    ]فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ[ (98).
    فالعذاب كان قد نزل، ولكن الله كشفه عنهم بإيمانهم، فما الفرق بين فرعون وقوم يونس؟ فكلاهما قال آمنا! وكلاهما تركهم رسلهم لأنهم كذبوا؟ فلماذا أهلك فرعون فيما نجا قوم يونس؟ هل ظلم فرعون وحابى قوم يونس؟ إنها مسألة رائعة في القضاء والقدر...
    لماذا سورة يونس...؟!
    ذكر اسم يونس في هذه السورة في آية واحدة فقط، وهناك سور كثيرة جاء فيها ذكر هذا النبي الكريم أكثر من هنا. ولم يذكر سيدنا يونس في السورة بل ذكر قومه فقط (لأنه تركهم أصلاً وكان في بطن الحوت عند إيمانهم)، فما الحكمة؟
    لقد سميت هذه السورة بسورة يونس حتى يبقى مثل قوم يونس شاهداً على حكمة الله، وأن الإنسان لـه دور فيما يحدث لـه ويقع عليه، لأنهم بعد التوبة استمروا على طريق الهداية رغم غياب نبيهم، كأن القصة شاهد ودليل أن حكمة الله كانت في محلها ]وَكَفَىٰ بِٱلله شَهِيداً[.
    وقد تقول في نفسك: ولم لم يعط فرعون الفرصة، فقد يتوب هذه المرة... راجع الآيات (22 و23). وكأنها تقول لك: ألم تقرأ السورة؟ ولم توقن بحكمة الله؟ إن الله هو أعلم بفرعون منك، والقضاء والقدر لا يكونان إلا بحكمة من الله تعالى، وليس عبثاً، وقد تدرك الحكمة وقد لا تدركها، فثق بأن الله حكيم عليم لا يظلم أحداً، وتوكل عليه.
    كيف تتعامل مع قضاء الله؟
    ثلاثة أوامر تختتم بها السورة لتكون درساً عملياً في الإيمان بالقضاء والقدر:
    سلم له - لا تلجأ إلى غيره - توكل عليه.
    ]وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ & وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱلله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ[ (105-106).
    ولا يضعف إيمانك بالقضاء والقدر مهما كان لأن كل ما يقدره الله هو لخير العباد ورحمتهم:
    ]وَإِن يَمْسَسْكَ ٱلله بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ[... (107) فسلّم لقضاء الله وقدره، تسلم في الدنيا والآخرة.



    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #70
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



    ســورة الأعــراف


    الأعراف (مكية) نزلت بعد سورة (ص) وهي في المصحف بعد سورة الأنعام وعدد آياتها 206.
    قذائف الحق على الباطل
    نزلت السورة في وقت كان الصراع فيه على أشده بين المسلمين والكفار. وبالتحديد في الوقت الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة. إنها مرحلة جديدة، مرحلة فيها الإعلان والمواجهة، وقد يخجل البعض أو يخاف الأذية.. أنزلت السورة في هذا الظرف وهذا الجو، لتتحدث عن الصراع بين الحق والباطل وأن هذا الصراع سنّة كونية دائمة ومستمرة منذ خلق الله الخلق إلى نهاية يوم القيامة.

    فبدأت السورة بالصراع بين آدم وإبليس مع بدء الخليقة وأتبعته بالحوار بين أهل الجنة وأهل النار، وكأن المعنى: هذه هي نتيجة الصراع: فريق في الجنة وفريق في النار. وبعد ذلك رسمت خطاً بيانياً يظهر الصراع في تاريخ البشرية بين كل نبي وقومه، ويظهر أن نهاية الصراع دائماً هي هلاك الظالمين بسبب فسادهم. وبين كل مقطع من هذه المقاطع تسألك السورة: أين أنت من هذا الصراع؟ حدّد موقفك.
    وهذا المحور لمناسب جداً لجو الصحابة في المرحلة المكية كما أنه ينعكس على الناس جميعاً في كل زمان ومكان. ففي كل عصر سيعيش الناس مواقف صراع بين الحق والباطل على مستوى الدول والأمم وعلى مستوى الحياة الشخصية أي بين الإنسان ونفسه.
    ربما أنت السبب..!

    والهدف الذي تدور حوله أحداث السورة ومعانيها هو ضرورة تحديد الموقف وسط الصراع.. حدد موقفك يا مسلم.. في أي الفريقين أنت؟ لا تكن من المتفرجين.
    وهذا المعنى يبدو واضحاً في قصص الأنبياء الواردة في هذه السورة، والتي ركّزت على الفصل بين المؤمنين الذين أنجاهم الله تعالى وبين الكفار، مع عدم ذكر أي فئة سلبية أو متفرجة، لأن الأصل أن يكون للإنسان موقف محدد في حياته. ففي قصة نوح مثلاً نرى أن ختام القصة كان: ]فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ[ (64) وفي قصة هود:
    ]فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ[ (72). وفي قصة لوط: ]وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن
    قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ[ (82) ]فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَه[ُ. وفي قصة شعيب: ]قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ... فِي مِلَّتِنَا[ (88). وفي قصة صالح: ]قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ... لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ[ (75).
    وكأن المعنى في هذا كله إما أن تكون مع (الذين آمنوا معه) وإما أن تكون مع (الذين كذبوا بآياتنا) فلا وجود للفئة المتفرجة في هذه القصص.
    سبب تسمية السورة بالأعراف
    فلماذا سميت السورة بهذا الاسم (الأعراف)؟ يقول تبارك وتعالى:
    ]وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلاْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَـٰهُمْ[ (46) أي بين الجنة والنار يعرفون أهل كل منهما فينادون أصحاب الجنة:]وَنَادَوْاْ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ[(46) ويخافون من النار ]وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـٰرُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ & وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلاْعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَـٰهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ[ (47-48).
    فمن هم أصحاب الأعراف؟ إنهم أناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فهم لم يحسموا مواقفهم وأعمالهم في الحياة. ولأن الجزاء من جنس العمل، فهم يوم القيامة يحبسون في مكان عالٍ (يسمى الأعراف) بين الجنة والنار، ليشرفوا على المكانين. والمترددون يشملون أصنافاً كثيرة من الناس (لذلك هناك أعراف كثر وليسوا عرفاً واحداً)، فإياك أن تكون أحدهم.. أخي المسلم بادر إلى اتباع طريق الحق ولا تكن اعرافياً، بل احسم موقفك لأنك قد تحرم حتى من أن تكون مع أصحاب الأعراف في حال سوء الخاتمة والعياذ بالله.
    آدم وإبليس: فدلاهما بغرور
    ومنذ بداية البشرية يبدأ الصراع بين آدم وإبليس الآيات (20 - 22)، فكيف كان إغواء إبليس لأبوينا؟
    ]فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ[ (22) أي أن طريقة الإغواء كانت بتركهما في حيرة وعدم استقرار، فكان استعمال كلمة (فدلاهما) لتشبيهها بمن يدلو دلوه في البئر ثم يتركه معلقاً وسطه دون أن يحسم مكانه. ولذلك فإن الإيجابية وحسم الأمر من أقوى جند الحق والسلبية والتردد طريق المعصية وإن كان صاحبهما مؤمناً.
    العري: سلاح إبليس
    لاحظ تركيز إبليس على نوع من أنواع الإفساد: العري، وهذا واضح في الآيات:
    ]فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءتِهِمَا[ (20) فماذا كانت النتيجة ]فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءتُهُمَا...[ (22).
    لذلك كان الأمر الإلهي بالستر والتحذير من كل مظاهر كشف العورات: ]يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا[ (26).
    ]يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا..[ (27).

    ]يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ[ (31).
    تعلّموا يا شباب من هذه السورة، أرأيتم كثرة الآيات المحذّرة؟ تعلّموا ستر العورات وغض الأبصار، تعلّموا يا فتيات العفة والحشمة، واحسموا موقفكن من الحجاب بدون تردد، لأن العري سلاح إبليس منذ بدء الخليقة، وانتشاره يساعد على نشر الرذيلة وسهولة المعصية، لذلك كان التعقيب على قصة آدم قوله تعالى: ]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...[ (33).
    آدم وإبليس: فدلاهما بغرور
    ومنذ بداية البشرية يبدأ الصراع بين آدم وإبليس الآيات (20 - 22)، فكيف كان إغواء إبليس لأبوينا؟
    ]فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ[ (22) أي أن طريقة الإغواء كانت بتركهما في حيرة وعدم استقرار، فكان استعمال كلمة (فدلاهما) لتشبيهها بمن يدلو دلوه في البئر ثم يتركه معلقاً وسطه دون أن يحسم مكانه. ولذلك فإن الإيجابية وحسم الأمر من أقوى جند الحق والسلبية والتردد طريق المعصية وإن كان صاحبهما مؤمناً.
    العري: سلاح إبليس
    لاحظ تركيز إبليس على نوع من أنواع الإفساد: العري، وهذا واضح في الآيات:
    ]فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءتِهِمَا[ (20) فماذا كانت النتيجة ]فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءتُهُمَا...[ (22).
    لذلك كان الأمر الإلهي بالستر والتحذير من كل مظاهر كشف العورات: ]يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا[ (26).
    ]يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا..[ (27).
    ]يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ[ (31).
    تعلّموا يا شباب من هذه السورة، أرأيتم كثرة الآيات المحذّرة؟ تعلّموا ستر العورات وغض الأبصار، تعلّموا يا فتيات العفة والحشمة، واحسموا موقفكن من الحجاب بدون تردد، لأن العري سلاح إبليس منذ بدء الخليقة، وانتشاره يساعد على نشر الرذيلة وسهولة المعصية، لذلك كان التعقيب على قصة آدم قوله تعالى: ]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...[ (33).
    قصص الأنبياء: رسم بياني للصراع عبر التاريخ
    وللتأكيد على الرسائل التي تحملها السورة:
    1. أن الصراع بين الحق والباطل دائم ولن يتوقف.
    2 أن الباطل منهزم لا محالة.
    3 أن السبب الأساسي لهزيمة الباطل هو البعد عن الله والفساد بأشكاله المختلفة (الأخلاقي أو الاقتصادي أو الاجتماعي).
    تذكر لنا السورة قصصاً لخمسة أنبياء من أنبياء الله ومواجهتهم لأقوامهم. والملاحظ أن هذه القصص قد ذكرت مرات عدة في القرآن، فما الذي يميّزها هنا؟ إنها تخدم هدف السورة في حسم الموقف من الصراع، من خلال:
    - إظهار أن عناصر المواجهة بين كل الأنبياء وأقوامهم هي تقريباً نفسها (مع نفس الكلمات أحياناً)، وكل هذا لإثبات قدم الصراع وتكراره مع تغيّر الأشخاص والأمم.
    فكانت دعوة الأنبياء كلها واحدة ]يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱلله مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ[ (59).
    ]أُبَلّغُكُمْ رِسَـٰلـٰتِ رَبّى...[ (68) وحتى الحجج ]أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ...[ (69).
    - انتهاء إلى تكذيب الكفار ]إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ[ (60)، ]إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ[ (66).
    - التركيز على نهاية الباطل، تحت قاعدة "الجزاء من جنس العمل".
    فقوم ثمود، مثلاً، كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين، فدعاهم أمنهم إلى الاستكبار على دين الله، فكان عقابهم الرجفة (والتي يرافقها الخوف، لأن الخوف ضد الأمن). هذه القاعدة تنطبق أيضاً على قوم لوط الذين أسرفوا في الشهوة الجنسية مما أدى بهم إلى مخالفة الفطرة الإنسانية والشذوذ، وسبب ذلك الإسراف، كما بينت الآية ]إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ ٱلنّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ[ (81)، لذلك كان جزاؤهم مطراً من الحجارة.
    - التنبيه إلى أن سبب هزيمة الباطل إنما هو الفساد:
    ففي ثمود - قوم صالح - كان فساد الترف الزائد هو الذي أهلكهم (الآية 74)
    أما قوم لوط، فكان فسادهم الأخلاقي وشذوذهم الجنسي سبباً لإهلاكهم الآيات (80 - 81).
    وأما مدين - قوم شعيب - فكان الفساد الاقتصادي هو المستشري فيهم:
    ]فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ...[ (85).
    - التحذير من الاستكبار، لأنه من أخطر أسباب الهلاك:
    فعبارة ]قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ...[ (74) نراها تتكرر مع ثمود ومدين، كما نرى في أوائل السورة التركيز على عبارات ]إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا...[ الآيات (36 و40).
    ولا يمكن أن تتكرر عبارة بحذافيرها في القرآن من دون أن يكون هناك معنى مهم جداً ينبهنا إليه ربنا سبحانه.

    - التركيز على نجاة النبي والذين آمنوا معه وهلاك الكافرين،
    بدون أي ذكر لأي فئة متفرجة أو محايدة. ]فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ...[ ]فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ[
    ]لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَكَ[ الآيات (64 - 72 - 83 - 88).
    حزم بدأ بسجدة
    فعندما أتى السحرة لطلب القرب من فرعون ومواجهة موسى عليه السلام، رأوا الآية الدالة على رسالته، فحسموا موقفهم خلال دقائق وكان حسمهم شديداً وفي منتهى القوة: ]فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ & فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَـٰغِرِينَ & وَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ[ (118-120) بدأ إيمانهم بهذه السجدة المؤمنة وتمسكوا بهذا الإيمان رغم التهديد بالهلاك والتعذيب: ]قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ & رَبّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ & قَالَ فِرْعَوْنُ ءامَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ...[ (121-123).
    وبعد ذلك يقول لهم فرعون ]لاقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لاَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ[ (124) فماذا كان أثر ذلك على موقفهم؟ ]قَالُواْ إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ & وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ ءامَنَّا بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا لَمَّا جَاءتْنَا[ (125-126) هكذا في إصرار وعدم تردد رغم تهديد فرعون ووعيده، بل أنهم استمدوا الصبر والتمسوا حسن الخاتمة من صاحب الحق: ]رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ...[ (126).
    بنو إسرائيل: سلبية وتردّد
    وبالمقابل، ترينا الآيات نموذجاً آخر للتردّد وهم بنو إسرائيل، فعندما قال لهم نبيّهم ]ٱسْتَعِينُواْ بِٱلله وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱلارْضَ لله يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[ (128) فماذا كان جوابهم؟
    ]قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا[ (129).
    فردّ عليهم موسى ليعلمهم حسن الظن بالله والذي هو أمر أساسي من متطلبات الحسم:
    ]قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلاْرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[ (129).
    فالآيتان (128 - 129) تؤكدان على أن الحزم وعدم التردد
    أمران أساسيان في امتحان الاستخلاف على الأرض، وهذا ما لم يفهمه بنو إسرائيل.
    حتى في العقيدة
    ويظهر بنو إسرائيل في مواقف أخرى توحي أنهم يعيشون بلا غاية ولا هدى حتى في أمور العقيدة. ففي الآية 138 نرى قوله تعالى ]وَجَـٰوَزْنَا بِبَنِى إِسْرءيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ[ لقد كانوا منذ قليل يعبرون البحر، وقد رأوا فرعون وجنده وغرقهم، فماذا كان موقفهم التالي: ]قَالُواْ يٰمُوسَى ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ[. هذا السؤال الذي ينمّ عن قمة في الجهل أتى في نفس الآية التي تحكي قصة نجاتهم ليرينا الله تعالى حالة التردد وعدم الثبات عندهم.
    (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا)
    كانت أغلب أوامر الله لبني إسرائيل تحثّ على تطبيق أمر الله ودينه بقوة.
    ففي الآية (145): ]فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا[.
    وفي الآية (171): ]خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ...[.
    فكيف كان أخذهم لأوامر الله؟
    تركهم موسى وذهب للقاء ربه، فماذا فعلوا؟
    ]وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ[ (148).
    فتنكر عليهم الآيات بشدة:
    ]أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ & وَلَمَّا سُقِطَ فَى أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ[ (148-149).
    فهم يشكون من عدم الوضوح والحزم في تديّنهم وعلاقتهم مع الله ،وبذلك يظهر الفارق واضحاً بين السحرة وبين بني إسرائيل، بين تحدي السحرة لفرعون ]فَٱقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ[ (72) وبين ]قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا[ (129).
    بين ]قَالُواْ آمَنَّا بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ[ (121) التي أتت دون تردد من السحرة، وبين ]ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ[ (138) التي صدرت من بني إسرائيل رغم المعجزات الكبيرة التي رأوها.
    فمثله كمثل ال***
    وتقوم السورة قبل ختامها بحشد عدد كبير من الأمثال والآيات لتخدم نفس المعنى وتحذِّر المؤمنين من الغفلة وعدم الحسم مع شرع الله ودينه، فيأتي مثال رهيب:
    ]وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِى ءاتَيْنَـٰهُ ءايَـٰتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ & وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلاْرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث...[ (175-176).مثال رهيب عن من آتاه الله آياته وهدايته، فانسلخ منها كما تنسلخ الحية من جلدها. ولو أنه بقي على تديّنه لأعزّه الله ورفعه، لكنه آثر الدناءة. فهو كال*** يتعب ويلهث سواء أكان حاله الغفلة أم المعرفة. مثال رهيب لا بد أن يوقظ كل نائم وكل غافل.
    اسجدها... بهذا المعنى
    وأجمل ختام للسورة آية فيها سجدة. وهي أول سجدة في المصحف،
    حتى نذكر الحزم والحسم والعزيمة.. نذكر سجدة السحرة الذين تحدّوا
    فرعون بجبروته وظلمه. كما أن الآية تدعونا إلى إظهار الخضوع لله تعالى بشكل عملي لأنّ حركة السجود تنبّه النفس للتطبيق فتزداد استعداداً لحسم موقفها في الحياة.
    بهذا المعنى نسجدها: ]إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ[ (206)..


    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 7 من 16 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. 乂صعوة 乂 شقردي 2000 مبروك 乂
    بواسطة شام في المنتدى مضيف الإهداءات
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 15-09-2009, 13:48
  2. مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 23-08-2009, 02:40
  3. 乂乂 لذائذ العيد المضائفية 乂乂
    بواسطة شام في المنتدى فـنـون الـمـطبخ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 18-10-2007, 22:54
  4. مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 13-09-2006, 09:30
  5. 乂乂 دغدغة مسامع فقط 乂乂
    بواسطة النجم في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-10-2005, 05:46

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته