-وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
مقدمة تفسير سورة لم يكن بسم الله الرحمن الرحيم سورة لم يكن وهي مدنية قال الإمام أحمد « 3/489 » حدثنا عفان حدثنا حماد هو ابن سلمة أخبرنا علي هو ابن زيد عن عمار بن أبي عمار قال سمعت أبا حبة البدري وهو مالك بن عمرو بن ثابت الأنصاري قال لما نزلت « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب » إلى آخرها قال جبريل يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرأها أبيا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة قال أبي وقد ذكرت ثم يا رسول الله قال نعم قال فبكى أبي « حديث آخر » وقال الإمام أحمد « 3/130 » حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب إن الله أمرني أن أقرأ عليك « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب » قال وسماني لك قال نعم فبكى ورواه البخاري « 3809 » ومسلم « 799 » والترمذي « 3792 » والنسائي « صحابة134 » من حديث شعبة به « حديث آخر » قال الإمام أحمد « 5/123 » حدثنا مؤمل حدثنا سفيان حدثنا أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أمرت أن أقرأ عليك سورة كذا وكذا قلت يا رسول الله وقد ذكرت هناك قال نعم فقلت له يا أبا المنذر فرحت بذلك قال وما يمنعني والله يقول « قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون » قال مؤمل قلت لسفيان القراءة في الحديث قال نعم تفرد به من هذا الوجه « طريق أخرى » قال أحمد « 5/131 » حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا حدثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال فقرأ « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب » قال فقرأ فيها ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا ولو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره ورواه الترمذي « 3793 » من حديث أبي داود الطيالسي عن شعبة به وقال حسن صحيح « طريق أخرى » قال الحافظ أبو القاسم الطبراني « كبير1/539 » حدثنا أحمد بن خليد الحلبي حدثنا محمد بن عيسى الطباع حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا المنذر إني أمرت أن أعرض عليك القرآن قال بالله آمنت وعلى يدك أسلمت ومنك تعلمت قال فرد النبي صلى الله عليه وسلم القول فقال يا رسول الله أذكرت هناك قال نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى قال فاقرأ إذا يا رسول الله هذا غريب من هذا الوجه والثابت ما تقدم وإنما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة تثبيتا له وزيادة لإيمانه فإنه كما رواه أحمد « 5/114 » والنسائي « 2/154 » من طريق أنس عنه ورواه أحمد « 5/124 » وأبو داود « 1477 » من حديث سليمان بن صرد عنه ورواه أحمد « 5/114 » عن عفان عن حماد عن حميد عن أنس عن عبادة بن الصامت عنه ورواه أحمد « 5/127 » ومسلم « 821 » وأبو داود « 1478 » والنسائي « 2/152 » من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه كان قد أنكر على إنسان وهو عبد الله بن مسعود قراءة شيء من القرآن على خلاف ما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما وقال لكل منهما أصبت قال أبي فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره قال أبي ففضت عرقا وكأنما انظر إلى الله فرقا وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه فقال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف فقلت أسأل الله معافاته ومغفرته فقال على حرفين فلم يزل حتى قال إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف كما قدمنا ذكر هذا الحديث بطرقه ولفظه في أول التفسير فلما نزلت هذه السورة الكريمة وفيها « رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة » قرأها عليه رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وتثبيت وإنذار لاقراءة تعلم واستذكار والله أعلم وهذا كما أن عمر بن الخطاب لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عن تلك الأسئلة وكان فيما قال أو لم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قالبلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا قال لا قال فإنك آتيه ومطوف به فلما رجعوا من الحديبية وأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح دعا عمر بن الخطاب فقرأها عليه وفبها قوله « لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين » الآية كما تقدم وروى الحافظ أبو نعيم في كتابه أسماء الصحابة من طريق محمد بن إسماعيل الجعفري المدني حدثنا عبد الله بن سلمة بن أسلم عن ابن شهاب عن إسماعيل بن أبي حكيم المدني حدثني فضيل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله ليسمع قراءة لم يكن الذين كفروا فيقول أبشر عبدي فوعزتي لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى حديث غريب جدا وقد رواه الحافظ أبو موسى المديني وابن الأثير « أسد الغابة5/31 » من طريق الزهري عن إسماعيل بن أبي حكيم عن نظير المزني أو المدني عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يسمع قراءة لم يكن الذين كفروا ويقول أبشر عبدي فوعزتي لا أنساك على حال من أحوال الدنيا والآخرة ولأمكنن لك في الجنة حتى ترضى-أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب ومن العجم وقال مجاهد لم يكونوا « منفكين » يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق وهكذا قال قتادة « حتى تأتيهم البينة » أي هذا القرآن ولهذا قال تعالى « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة » ثم فسر البينة بقوله « رسول من الله يتلو صحفا مطهرة » يعني محمد صلى الله عليه وسلم وما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتتب في الملإ الأعلى في صحف مطهرة كقوله « في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة » وقوله تعالى « فيها كتب قيمة » قال ابن جرير أي في الصحف المطهرة كتب من كتب الله قيمة عادلة مستقيمة ليس فيها خطأ لأنها من عند الله عز وجل قال قتادة « رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة » يذكر القرآن بأحسن الذكر ويثني عليه بأحسن الثناء وقال ابن زيد « فيها كتب قيمة » مستقيمة معتدلة وقوله تعالى « وما تفرق الذين أوتو الكتاب إلا من بعد ماجاءتهم البينة » كقوله « ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم » يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم واختلفوا اختلافا كثيرا كما جاء في الحديث المروي من طرق إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة وإن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا ومن هم يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي وقوله تعالى « وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين » كقوله « وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لاإله إلا أنا فاعبدون » ولهذا قال « حنفاء » أي متحنفين عن الشرك إلى التوحيد كقوله « ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت » وقذ تقدم تقرير الحنيف في سورة الأنعام بما أغنى عن إعادته ههنا « ويقيموا الصلاة » وهي أشرف عبادات البدن « ويؤتوا الزكاة » وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج « وذلك دين القيمة » أي الملة القائمة العادلة أو الأمة المستقيمة المعتدلة وقد استدل كثير من الأئمة كالزهري والشافعي بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان ولهذا قال « وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة »
المفضلات