صفحة 10 من 16 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 الأخيرةالأخيرة
النتائج 91 إلى 100 من 152

الموضوع: 乂 تأملات قـرآنيــــة 乂

  1. #91
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    19-وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
    يخبر تعالى عما يثبت به المصدقين والمصدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة « وأقرضوا الله قرضا حسنا » أي دفعوه بنية خالصة ابتغاء مرضاة الله لا يريدون جزاء ممن أعطوه ولاشكورا ولهذا قال « يضاعف لهم » أي يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها ويزاد على ذلك بسبع مئة ضعف وفوق ذلك « ولهم أجر كريم » أي ثواب جزيل حسن ومرجع صالح ومآب حسن وقوله تعالى « والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون » هذا تمام لجملة وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وقال العوفي عن ابن عباس قوله تعالى « والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون » هذه مفصولة « والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم » وقال أبو الضحى « أولئك هم الصديقون » ثم استانف هذا الكلام فقال « والشهداء عند ربهم » وهكذا قال مسروق والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى « أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم » قال هم ثلاثة أصناف يعني المصدقين والصديقين والشهداء كما قال تعالى « ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين » ففرق بين الصديقين والشهداء فدل على أنهما صنفان ولا شك أنالصديق أعلى مقاما من الشهيد كما رواه الإمام مالك بن أنس رحمه الله في كتابه الموطأ عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكواكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين اتفق البخاري « 3256 » ومسلم « 2831 » على إخراجه من حديث مالك به وقال آخرون بل المراد من قوله تعالى « أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم » فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء حكاه ابن جرير عن مجاهد ثم قال ابن جرير حدثني صالح بن حرب أبو معمر حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عجلان عن زيد بن أسلم عن البراء بن عازب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مؤمنو أمتي شهداء قال ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية « والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم » هذا حديث غريب وقال أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون في قوله تعالى « والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم » قال يجيئون يوم القيامة معا كالإصبعين وقوله تعالى « والشهداء عند ربهم » أي في جنات النعيم كما جاء في الصحيحين إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع عليهم ربك إطلاعة فقال ماذا تريدون فقالوا نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فتقاتل فيك فنقتل كما قتلنا أول مرة فقال إني قد قضيت أنهم إليها لا يرجعون قوله تعالى « لهم أجرهم ونورهم » أي لهم عند الله أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال كما قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن أبي يزيد الخولاني قال سمعت فضالة بن عبيد يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشهداء أربعة رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله فقتل فذاك الذي ينظر الناس إليه هكذا ورفع رأسه حتى سقطت قلنسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلنسوة عمر والثاني مؤمن لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح جاءه سهم غرب فقتله فذاك في الدرجة الثانية والثالث رجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الثالثة والرابع رجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافا كثيرا لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الرابعة وهكذا رواه علي بن المديني عن أبي داود الطيالسي عن ابن المبارك عن ابن لهيعة وقال هذا إسناد مصري صالح ورواه الترمذي « 1644 » من حديث ابن لهيعة وقال حسن غريب وقوله تعالى « والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم » لما ذكر السعداء ومآلهم عطف بذكر الأشقياء وبين حالهم



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #92
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    21-سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
    يقول تعالى موهنا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها « إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد » أي إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا كما قال تعالى « زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب » ثم ضرب الله تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال « كمثل غيث » وهو المطر الذي يأتيبعد قنوط الناس كما قال تعالى « وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا » وقوله تعالى « أعجب الكفار نباته » أي يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نيت بالغيث كما يعجب الزراع كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها « ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما » أي يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرا بعدما كان خضرا نضرا ثم يكون بعد ذلك كله حطاما أن يصير يبسا متحطما هكذا الحياة الدنيا تكون أولا شابة ثم تكتهل ثم تكون عجوزا شوهاء والإنسان يكون كذلك أول عمره وعنفوان شبابه غضا طريا لين الأعصاف بهي المنظر ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه ويفقد بعض قواه ثم يكبر فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى قليل الحركة يعجزه الشيء اليسير كما قال تعالى « الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير » ولما كان هذا المثل دالا على زوال الدنيا وانقضاءها وفراغها لامحالة وأن الآخرة كائنة لامحالة حذر من أمرها ورغب فيها من الخير فقال « وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور » أي وليس في الآخرة الآتية القريبة إلا إما هذا وإما هذا إما عذب شديد وإما مغفرة من الله ورضوان وقوله تعالى « وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور » أي هي متاع فان غار لمن ركن إليه فإنه يغتر بها وتعجبه حتى يعتقد أن لا دار سواها ولا معاد وراءها وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى الدار الآخرة قال ابن جرير حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا المحاربي حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا « وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور » وهذا حديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة والله أعلم وقال الإمام أحمد « 1/387 و 442 » حدثنا ابن نمير ووكيع كلاهما عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنة أقرب إلى أحدكم إلى شراك نعله والنار مثل ذلك انفرد بإخراجه البخاري في الرقاق « 6488 » من حديث الثوري عن الأعمش به ففي هذا الحديث على اقتراب الخير والشر من الإنسان وإذا كان الأمر كذلك فلهذا حثه الله تعالى على المبادرة على الخيرات من فعل الطاعات وترك المحرمات التي تكفر عنه الذنوب والزلات وتحل له الثواب والدرجات فقال تعالى « سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض » والمراد جنس السماءوالأرض كما قال تعالى في الآية الأخرى « وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين » وقال ههنا « أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم » أي هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم كما قدمنا في الصحيح « خ843 م595 » قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور بالدرجات العلى والنعيم المقيم قال وما ذاك قالوا يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولانعتق قال أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولايكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ماصنعتم تسبحون وتكبرون وتحمدون دبركل صلاة ثلاثا وثلاثين قال فرجعوا فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال ففعلوا مثلهم فقال رسول اله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #93
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    24-الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
    يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال « ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم » أي في الآفاق وفي نفوسكم « إلا في كتاب من قبل أن نبرأها » أي من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة وقال بعضهم من قبل أن نبرأها عائد على النفوس وقيل عائد على المصيبة والأحسن عوده على الخليقة والبرية لدلالة الكلام عليهاكما قال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية عن منصور بن عبد الرحمن قال كنت جالسا مع الحسن فقال رجل سله عن قوله تعالى « ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها » وسألته عنها فقال سبحان الله ومن يشك في هذا كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة وقال قتادة ما أصاب من مصيبة في الأرض قال هي السنون يعني الجدب « ولا في أنفسكم » يقول الأوجاع والأمراض وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولانكبة قدم ولاخلجان عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر وهذه الآيةالعظيمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق قبحهم الله قال الإمام أحمد « 2/169 » حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا أخبرنا أبو هانئ الخولاني أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ورواه مسلم « 2653 » من حديث عبد الله بن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن زيد ثلاثتهم عن أبي هانئ به وزاد ابن وهب وكان عرشه على الماء ورواه الترمذي « 2156 » وقال حسن صحيح وقوله تعالى « إن ذلك على الله يسير » أي أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله عز وجل لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون وقوله تعالى « لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم » أي أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها وتقديرها للكائنات قبل وجودها لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم وما أخطئكم لم يكن ليصيبكم فلا تأسوا على ما فاتكم لأنه لو قدر شيء لكان « ولا تفرحوا بما آتاكم » أي جاءكم وتفسير آتاكم أي أعطاكم وكلاهما متلازم أي لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا تفتخرون بها على الناس ولهذا قال تعالى « والله لا يحب كل مختال فخور » أي مختال في نفسه متكبر فخور أي على غيره وقال عكرمة ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا ثم قال تعالى « الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل » أي يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه « ومن يتول » أي عن أمر الله وطاعته « فإن الله هو الغني الحميد » كما قال موسى عليه السلام « إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد »



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  4. #94
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    25-لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
    يقول تعالى « لقد أرسلنا رسلنا بالبينات » أي بالمعجزات والحجج الباهرات والدلائل القاطعات « وأنزلنا معهم الكتاب » وهو النقل الصدق « والميزان » وهو العدل قاله مجاهد وقتادة وغيرهما وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة كما قال تعالى « أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه » وقال تعالى « فطرة الله التي فطر الناس عليها » وقال تعالى « والسماء رفعها ووضع الميزان » ولهذا قال في هذه الآية « ليقوم الناس بالقسط » أي بالحق والعدل وهو اتباع الرسل فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا به فإن الذي جاءوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق كما قال « وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا » أي صدقا في الإخبار وعدلا في الأوامر والنواهي ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوؤا غرف الجنات والمنازل العاليات والسرر المصفوفات « الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق » وقوله تعالى « وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد » أي وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية وكلها جدال مع المشركين وبيان وإيضاح للتوحيد وبينات ودلالات فلما قامت الحجة على من خالف شرع الله الهجرة وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآنوكذب به وعانده وقد روى الإمام أحمد « 2/50 » وأبو داود « 4031 » من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي المهلب الجرشي الشامي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم ولهذا قال تعالى « فيه بأس شديد » يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان والنصال والدروع ونحوها « ومنافع للناس » أي في معايشهم كالسكة والفأس والقدوم والمنشار والأزميل والمجرفة والآلات التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ والخبز وما لا قوام للناس بدونه وغير ذلك قال علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال ثلاثة أشياء نزلت مع آدم السندان وال***تان والميقعة يعني المطرقة رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقوله تعالى « وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب » أي من نيته في حمل السلاح نصرة الله ورسوله « إن الله قوي عزيز » أي هو قوي عزيز ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  5. #95
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    27-ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
    يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحا عليه السلام لم يرسل بعده رسولا ولانبيا إلا من ذريته وكذلك إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن لم ينزل من السماء كتابا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده إلا وهو من سلالته كما قال تعالى في الآية الأخرى « وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب » حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من بعده بمحمد صلوات الله وسلامه عليهما ولهذا قال تعالى « ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وأتيناه الأنجيل » وهو الكتاب الذي أوحاه الله إليه « وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه » وهم الحواريون « رأفة » أي رقة وهي الخشية « ورحمة » بالخلق وقوله « ورهبانية ابتدعوها » أي ابتدعتها أمة النصارى « ما كتبناها عليهم » أي ما شرعناها لهم وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم وقوله تعالى « إلا ابتغاء رضوان الله » فيه قولان « أحدهما » أنهم قصدوا بذلك رضوان الله قاله سعيد بن جبير وقتادة « والآخر » ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم رضوان الله وقوله تعالى « فما رعوها حق رعايتها » أي فما قاموا بما التزموه حق القيام وهذا ذم لهم من وجهين « أحدهما » الابتداع في دين الله ما لم يأمر به الله « والثاني » في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل وقد قالابن أبي حاتم حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي حدثنا السندي بن عبدويه حدثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن مسعود قلت لبيك يا رسول الله قال هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة لم ينج منها إلا ثلاث فرق قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم عليه السلام فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت فنجت ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين ذكر الله تعالى « ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم » وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا داود بن المحبر حدثنا الصعقبن حزن حدثنا عقيل الجعدي عن أبي إسحاق الهمداني عن سويد بن غفلة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف من كان قبلنا على ثلاث وسبعين فرقة نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم وذكر نحو ما تقدم وفيه « فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم » هم الذين آمنوا بي وصدقوني « وكثير منهم فاسقون » وهم الذين كذبوني وخالفوني ولا يقدح المتابعة لحال داود بن المحبر فإنه أحد الوضاعين للحديث ولكن قد أسنده أبو يعلى عن شيبان بن فروخ عن الصعق ابن حزن به مثله ذلك فقوي الحديث من هذا الوجه وقال ابن جرير وأبو عبد الرحمن النسائي « 8/231 » واللفظ له أخبرنا الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن سفيان بن سعيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان ملوك بعد عيسى عليه السلام بدلت التوراة والإنجيل فكان منهم مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل فقيل لملوكهم ما نجد شيئا أشد من شتم يشتمونا هؤلاء إنهم يقرءون « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » هذه الآيات مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم فدعهم فليقرأوا كما نقرأ وليؤمنوا كما آمنا فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا ما تريدون إلى ذلك دعونا فقالت طائفة منهم ابنوا لنا اسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم وقالت طائفة دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا في أرضنكم فاقتلونا وقالت طائفة ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحرث البقول فلا نرد عليكم ولانمر بكم وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى « ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها » والآخرون قالوا نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لاعلم لهم بإيمان الذين اقتدو بهم فلما بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا القليل انحط منهم رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب الدير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله عز وجل « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته » أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم ونصب أنفسهم والتوراة والإنجيل وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقهم قال « ويجعل لكم نورا تمشون به » القرآن واتباعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال « لئلا يعلم أهل الكتاب » الذين يتشبهون بكم « أن لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم » هذا السياق فيه غرابة وسيأتي تفسير هذين الآيتين الأخيرتين على غير هذا والله أعلم وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي « 3694 » حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا عبد الله بن وهب حدثني سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير وهو يصلي صلاة خفيفة وقعه كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها فلما سلم قال يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شيء تنفلته قال إنها المكتوبة وإنها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ثم غدوا من الغد فقالوا نركب فننظر ونعتبر قال نعم فركبوها جميعا فإذا هم بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا خاوية على عروشها فقالوا أتعرف هذه الديار قال ما أعرفني بها وبأهلها هؤلاء أهل الديار أهلكهم البغي والحسد إن الحسد يطفئ نور الحسنات والبغي يصدق ذلك أو يكذبه والعين تزني والكف والقدم واللسان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وقال الإمام أحمد « 3/266 » حدثنا يعمر حدثنا عبد الله أخبرنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لكل نبي رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل ورواه الحافظ أبو يعلى « 4204 » عن عبد الله بن محمد بن أسماء عن عبد الله بن المبارك به ولفظه لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله وقال الإمام أحمد « 3/82 » حدثنا حسين هو ابن محمد حدثنا ابن عياش يعني إسماعيل عن الحجاج بن مروان الكلاعي وعقيل بن مدرك السلمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا جاءه فقال أوصني فقالت سألت عما سألت عنه رسولالله صلى الله عليه وسلم من قبلك أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء وعليك الجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض تفرد به أحمد والله تعالى أعلم



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #96
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    29-لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
    قد تقدم في رواية النسائي عن ابن عباس أنه حمل هذه الآية على مؤمني أهل الكتاب وأنهم يؤتون أجرهم مرتين كما في الآية التي في القصص وكما في حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم اعتقها وتزوجها فله أجران أخرجاه في الصحيحين « خ97 م154 » ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك وعتبة بن أبي حكيم وغيرهما وهو اختيار ابن جرير وقال سعيد بن جرير لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله تعالى عليه هذه الآية في حق هذه الأمة « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين » أي ضعفين « من رحمته » وزادهم « ويجعل لكم نورا تمشون به » يعني هدى يتبصر به من العمى والجهالة ويغفر لكم ففضلهم بالنور والمغفرة رواه ابن جرير عنه وهذه الآية كقوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم » وقال سعيد بن عبد العزيز سأل عمر بن الخطاب حبرا من أحبار يهود أفضل ما ضعف لكم حسنة قال كفل ثلاث مئة وخمسين سنة قال فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين ثم ذكر سعيد قول الله عز وجل « يؤتكم كفلين من رحمته » قال سعيد والكفلان في الجمعة مثل ذلك رواه ابن جرير ومما يؤيد هذا القول ما رواه الإمام أحمد « 2/6 » حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عملا فقال من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ألا فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ألا فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ألا فأنتم الذين عملتم فغضبت النصاري واليهود وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال هل ظلمتكم من أجركم شيئا قالوا لا قال فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء قال أحمد « 2/11 » وحدثناه مؤمل عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر نحو حديث نافع عنه انفرد بإخراجه البخاري « 2268 » فرواه عن سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب عن نافع به و « 3459 » عن قتيبة عن الليث عن نافع بمثله وقال البخاري « 2271 » حدثني محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استعمل قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لاحاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل فقال لهم لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا واستأجروا آخرين بعدهم فقال أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار يسيرا فأبوا فاستأجروا قوما أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس فاستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور انفرد به البخاري ولهذا قال الله تعالى « لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله » أي ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رد ما أعطاه الله ولا إعطاء ما منع الله « وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم » قال ابن جرير « لئلا يعلم أهل الكتاب » أي ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها لكي يعلموكذا عطاء بن عبد الله وسعيد بن جبير قال ابن جرير لأن العرب تجعل لا صلة في كل كلام دخل في أوله وآخره جحده غير مصرح فالسابق كقوله « ما منعك ألا تسجد » « وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون » بالله « وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون »




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  7. #97
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    يقول الله تعالى : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة 261

    ومِن أعظم ما ينتفع به المؤمنون الإنفاقُ في سبيل الله. ومثل المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة زُرِعتْ في أرض طيبة, فإذا بها قد أخرجت ساقًا تشعب منها سبع شعب, لكل واحدة سنبلة, في كل سنبلة مائة حبة. والله يضاعف الأجر لمن يشاء, بحسب ما يقوم بقلب المنفق من الإيمان والإخلاص التام. وفضل الله واسع, وهو سبحانه عليم بمن يستحقه, مطلع على نيات عباده.التفسير الميسر



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #98
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    في كل سنبلة مائة حبة


    الحمد لله الكريم المنان، الملك القدوس السلام، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
    الاية و الله اعلم هي:اية 261
    فقد ضرب الله في القرآن أمثلة كثيرة، بأساليب مختلفة، وبصور متعددة، ليكون لها الأثر البالغ في النفوس؛ وليتم مقارنة المعنى بالمحسوس، حتى يكون قريب الفهم إلى عقل الإنسان. ومن هذه الأمثلة التي ضربها لنا في القرآن ما جاء في قوله تبارك وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة(261).
    فيمن نزلت هذه الآية؟:
    روي أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما-، وذلك أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما حث الناس على الصدقة حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك جاءه عبد الرحمن بأربعة آلاف، فقال: يا رسول الله كانت لي ثمانية آلاف، فأمسكت لنفسي ولعيالي أربعة آلاف، وأربعة آلاف أقرضتها لربي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت))1، وقال عثمان: يا رسول الله علي جهاز من لا جهاز له، فنزلت هذه الآية فيهما..
    شرح الآية:
    في هذه الآية ضرب الله لنا مثلاً: "لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله، وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فقال: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} التي اكتسبوها من طرق مشروعة، وأنفقوها في طرق مشروعة، ومن ذلك إنفاقها في الجهاد في سبيل الله، وتجهيز المجاهدين في سبيله، ولذلك قال: {فِي سَبِيلِ اللّهِ}، وقد تنوعت عبارات السلف في بيان معنى قوله: {فِي سَبِيلِ اللّهِ}، فقال سعيد بن جبير: "يعني في طاعة الله"، وقال مكحول: "يعني به الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك"، وقال ابن عباس: "الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف"2. والعلم عند الله أن الآية تعم جميع الإنفاق في وجوه الخير، ومن أعظمها الجهاد في سبيل الله.
    قوله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} أي كمثل حبة بذرها إنسان، فأنبتت سبع سنابل {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} فتكون الجميع سبعمائة؛ فالحسنة إذاً في الإنفاق في سبيل الله تكون بسبعمائة؛ وهذا ليس حدّاً، بل قد يضاعف الله ذلك إلى أضعاف كثيرة، لا تعد ولا تحصى.
    وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف؛ فعن عياض بن غطيف قال: دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته بجنبه وامرأته تحيفة قاعدة عند رأسه قلنا: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: والله لقد بات بأجر قال أبو عبيدة: ما بت بأجر وكان مقبلا بوجهه على الحائط فأقبل على القوم بوجهه، وقال: ألا تسألوني عما قلت؟ قالوا: ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضاً أو أماط أذى فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله -عز وجل- ببلاء في جسده فهو له حطة))3.
    وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة))4.
    وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها، وكان بعد ذلك القصاص الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها))5. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف))6.
    وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن ربكم يقول كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والصوم لي وأنا أجزي به الصوم جُنة من النار، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وإن جهل على أحدكم جاهل وهو صائم فليقل: إني صائم))7.
    وقوله: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ} هذه المضاعفة {لِمَنْ يَشَاءُ} أي بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها، ويحتمل أن يكون {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ} أكثر من هذه المضاعفة {لمن يشاء} فيعطيهم أجرهم بغير حساب {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} الفضل، واسع العطاء، لا ينقصه نائل ولا يحفيه سائل، فلا يتوهم المنفق أن تلك المضاعفة فيها نوع مبالغة، لأن الله تعالى لا يتعاظمه شيء ولا ينقصه العطاء على كثرته، ومع هذا فهو {عَلِيمٌ} بمن يستحق هذه المضاعفة ومن لا يستحقها، فيضع المضاعفة في موضعها لكمال علمه وحكمته8.
    وقد شبه الله في هذه الآية نفقة المنفق في سبيله: "بمن بذر بذرا، فأنبتت كل حبة منه سبع سنابل؛ اشتملت كل سنبلة على مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء فوق ذلك بحسب حال المنفق وإيمانه وإخلاصه وإحسانه، ونفع نفقته وقدرها ووقوعها موقعها، فإن ثواب الإنفاق يتفاوت بحسب ما يقوم بالقلب من الإيمان والإخلاص والتثبيت عند النفقة، وهو إخراج المال بقلب ثابت قد انشرح صدره بإخراجه، وسمحت به نفسه، وخرج من قلبه قبل خروجه من يده، فهو ثابت القلب عند إخراجه غير جزع ولا هلع ولا متبعه نفسه ترجف يده وفؤاده، ويتفاوت بحسب نفع الإنفاق ومصارفه بمواقعه، وبحسب طيب المنفق وزكاته.
    وتحت هذا المثل من الفقه أنه سبحانه شبه الإنفاق بالبذر؛ فالمنفق ماله الطيب لله لا لغيره باذر ماله في أرض زكية، فمغلة بحسب بذره وطيب أرضه، وتعاهد البذر بالسقي، ونفي الدغل، والنبات الغريب عنه، فإذا اجتمعت هذه الأمور ولم تحرق الزرع نار ولا لحقته جائحة جاء أمثال الجبال"9. والله الموفق.
    بعض الفوائد المستفادة من الآية:
    1.في هذه الآية إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله -عز وجل- لأصحابها كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة10.
    2.في هذه الآية دليل على أن اتخاذ الزرع من أعلى الحرف التي يتخذها الناس والمكاسب التي يشتغل بها العمال11.
    3.فضيلة الإنفاق في سبيل الله؛ لأنه ينمو للمنفق حتى تكون الحبة سبعمائة حبة.
    4.الإشارة إلى الإخلاص لله في العمل، وموافقة الشرع في ذلك؛ لقوله تعالى: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} بأن يقصدوا بذلك وجه الله -عز وجل-.
    5.وجه الشبه في قوله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}؛ فإن هذه الحبة أنبتت سبع سنابل؛ وشبهها الله بذلك؛ لأن السنابل غذاء للجسم، والبدن؛ كذلك الإنفاق في سبيل الله غذاء للقلب والروح.
    6.أن ثواب الله، وفضله أكثر من عمل العامل؛ لأنه لو عُومل العامل بالعدل لكانت الحسنة بمثلها؛ لكن الله يعامله بالفضل، والزيادة؛ فتكون الحبة الواحدة سبعمائة حبة؛ بل أزيد؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}.
    7.أن الله له السلطان المطلق في خلقه؛ ولا أحد يعترض عليه؛ لقوله تعالى: {يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ}؛ ولهذا لما تناظر رجل من المعتزلة، وآخر من أهل السنة قال له المعتزلي: أرأيت إن منعني الهدى، وقضى علي بالردى أحسن إلي أم أساء؟ -يريد أن يبين أن أفعال العباد لا تدخل في إرادة الله؛ لأنه إذا دخلت في إرادة الله فإن هذا الذي قضى عليه بالشقاء، ومنع الهدى يكون إساءة من الله إليه، فقال له السني: إن منعك ما هو لك فقد أساء؛ وإن منعك فضله فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ فغُلب المعتزلي؛ لأنه ليس لك حق على الله واجب؛ والله -سبحانه وتعالى- يؤتي فضله من يشاء.
    8.الحث والترغيب في الإنفاق في سبيل الله؛ يؤخذ هذا من ذكر فضيلة الإنفاق في سبيل الله، فإن الله لم يذكر هذا إلا من أجل هذا الثواب؛ فلا بد أن يعمل له12. وغير ذلك من الفوائد المستفادة من هذه الآية. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (الشرح للاية و الفوائد المستفادة منقول من التفاسير)



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  9. #99
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    سورة يوسف (مكية)، نزلت في توقيت مقارب لنزول السورتين اللتين قبلها، يونس وهود، وفي نفس الظروف. وهي أطول سورة تحتوي على قصة في القرآن، فقد احتوت على قصة سيدنا يوسف عليه السلام من بدايتها لنهايتها. عدد آياتها 111 آية.



    أحسن القصص



    قال عنها علماء القصص أنها احتوت على جميع فنون القصة وعناصرها، من التشويق، وتصوير الأحداث، والترابط المنطقي، واستخدام الرمز.



    فعلى سبيل المثال، نجد أن هذه القصة قد بدأت بحلم رآه سيدنا يوسف عليه السلام وانتهت بتفسير ذلك الحلم. ونرى أن قميص يوسف الذي استُخدم كأداة براءة لإخوته، كان هو نفسه الدليل على خيانتهم... هذا القميص استُخدم بعد ذلك كأداة براءة ليوسف نفسه، فبرَّأه من تهمة التعدي على امرأة العزيز!!



    ومن روعة هذه القصة أن معانيها وأحداثها متجسِّدة أمام قارئها وكأنه يراها بالصوت والصورة، وهي من أجمل القصص التي يمكن أن تقرأها ومن أبدع ما تتأثر به. نحن لا نحتاج لشهادة علماء القصة فيها، لأن الله نفسه هو الذي يشهد على جودتها وروعتها:



    ]نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا
    ٱلْقُرْءانَ[ (3).







    لكن هذه السورة لم تأت في القرآن لمجرد رواية القصص، لأن هدفها يتلخص في آخر سطر من القصة وهو قوله تعالى: ]إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱلله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ[ (90).


    فالمحور الأساسي للقصة هو:




    يعلم ولا نعلم



    إن هدف سورة يوسف هو إعلامنا أن تدبير الله تعالى للأمور يختلف عن النظرة البشرية القاصرة، وكأنها تقول لنا: (ثِق في تدبير الله، واصبر ولا تيأَس).



    إن الأحداث في سورة يوسف غريبة، وهي تسير بعكس الظاهر، فيوسف ولدٌ محبوبٌ من والده، وهذا الأمر بظاهره جيد ولكن نتيجة هذه المحبة كانت أن ألقاه إخوته في البئر. ومع أن إلقاء يوسف في البئر هو في ظاهره أمر سيئ، لكن نتيجة هذا الإلقاء كانت أن أصبح في بيت العزيز. ووجود يوسف في بيت العزيز هو أمر ظاهره جيد، لكنه بعد هذا البيت ألقي في السجن. وكذلك سجن سيدنا يوسف أمر في غاية السوء، لكن نتيجة هذا السجن كانت تعيينه في منصب عزيز مصر...



    فالله سبحانه وتعالى يخبرنا من خلال قصة يوسف عليه السلام بأنه هو الذي يدّبر الأمور، وقد تكون نظرة المرء للأحداث التي تصير معه على أنها سيئة، لكن هذه النظرة قاصرة عن إدراك تقدير الله تعالى وحكمته في قضائه.



    أنت عبد فيهما



    فإذا مرّت عليك، أخي المسلم، فترات ضيق أو بلاء، فتعلَّم من سيدنا يوسف عليه السلام، الذي كان متحلياً بالصبر والأمل وعدم اليأس رغم كل الظروف. وبالمقابل، تعلَّم منه كيف تواجه فترات الراحة والاطمئنان، وذلك بالتواضع والإخلاص لله عز وجل...



    فالسورة ترشدنا أن حياة الإنسان هي عبارة عن فترات رخاء وفترات شدة. فلا يوجد إنسان قط كانت حياته كلها فترات رخاء أو كلها فترات شدة، وهو في الحالتين، الرخاء والشدة، يُختبر.



    وقصة يوسف عليه السلام هي قصة ثبات الأخلاق في الحالتين، فنراه في الشدة صابراً لا يفقد الأمل ولا ييأس، ونراه في فترات الرخاء متواضعاً مخلصاً لله عز وجل.



    بين السورة والسيرة



    وكما ذكرنا سابقاً، فقد أنزلت سورة يوسف في نفس الظروف التي أنزلت فيها سور يونس وهود، أي عند اشتداد البلاء على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته. هذه الظروف كانت مشابهة لتلك التي واجهها يوسف عليه السلام.



    فسيدنا يوسف ابتعد عن أبيه، والنبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه السورة في السنة العاشرة من بعثته كان قد فقد عمه أبو طالب وزوجته خديجة. سيدنا
    يوسف ترك فلسطين بلد أبيه وذهب إلى مصر وتغرّب عن أهله، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد سنتين من نزول السورة ترك مكة وهاجر إلى المدينة. فسورة يوسف كانت تؤهل النبي لما هو مقدمٌ عليه من محن وابتلاءات، وتهيء المؤمنين جميعاً لأوقات الشدة التي سيواجهونها خلال حياتهم، لذلك يقول عنها العلماء: "ما قرأها محزون ٌإلا سُرِّي عنه!!!".



    يوسف الإنسان



    ومن الملاحظات المهمة أن السورة ركّزت على حياة يوسف البشرية، أي على يوسف الإنسان لا على يوسف النبي. وتسليط الضوء على يوسف عليه السلام كنبي كان في سورة غافر حين قال موسى لقومه: ]وَلَقَدْ جَاءكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيّنَـٰتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكّ مّمَّا جَاءكُـمْ بِهِ...[ (34). فتجربة يوسف في هذه السورة هي تجربة إنسانية بحتة، وكانت نهايتها نجاحاً كاملاً في الدنيا والآخرة: فلقد نجح في الدنيا وتفوّق في حياته عندما أصبح عزيز مصر، ونجح في الآخرة حين قاوم امرأة العزيز وقاوم مغريات نساء المدينة. فالسورة هي باختصار قصة نجاح إنسانية. إنها قصة نجاح إنسان صبر ولم ييأس بالرغم من كل الظروف التي واجهها، والتي لم يكن لإنسان أن يتوقع نجاحه، فمن السجن والعبودية وكراهية إخوته له إلى الغربة، إلى مراودة امرأة العزيز له عن نفسه، إلى تحمّل الافتراء والاتهامات الباطلة...



    أين المعجزات في القصة؟



    وإلى جانب ذلك، نلاحظ أن السورة لم تشر إلى تأييده بمعجزة خلال هذه الظروف التي واجهته، (قد يرد البعض بأن الرؤيا هي معجزة) لكننا نقول إن أي إنسان قد يرى رؤيا، ولكن الذي حصل وركّزت عليه السورة أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ له الظروف وهيأ له فرصة النجاح كما يهيَّأ لكل شخص منا (كتعليمه تفسير الرؤى كما قال تعالى: ]وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلاْحَادِيثِ[ (6))، لكن نجاح سيدنا يوسف كان في الاستفادة من المؤهلات التي أعطاه الله إياها لينجح في حياته.



    (لاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱلله)



    إن قصة يوسف قصة نجاح إنسان مرّت عليه ظروف صعبة، لم يملك فيها أي مقوم من مقومات النجاح، لكنه لم يترك الأمل وبقي صابراً ولم ييأس. وآيات السورة مليئة بالأمل، ومن ذلك أن يعقوب عليه السلام عندما فقد ابنه الثاني، أي عندما صارت المصيبة مصيبتين، قال: ]وَلاَ تَايْـئَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱلله إِنَّهُ لاَ يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ ٱلله إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ[ (87).



    هذه الآية لا تعني أن اليائس كافر، بل إن معناها أن الذي ييأس فيه صفة من صفات الكفار، لأنه لا يدرك أن تدبير الله سبحانه وتعالى في الكون لا يعرفه أحد، وأن الله كريمٌ ورحيمٌ وحكيم في أفعاله.



    النجاح من الله



    ومن عظمة هذا النبي الكريم، أنه حين نجح في حياته ووصل إلى أعلى المناصب، لم تنسه نشوة النصر التواضع لله ونسبة الفضل إليه سبحانه. فقال في نهاية القصة: ]رَبّ قَدْ اتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلاْحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ أَنتَ وَلِىّ فِى ٱلدُّنُيَا وَٱلاْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ[... (101).



    وانظر إلى تواضعه في قوله ]وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ[، وكأن الصالحين سبقوه وهو يريد اللحاق بهم. وهكذا نرى أن سيدنا يوسف نجح في امتحان السراء بشكر الله تعالى والتواضع لـه، كما نجح في امتحان الضراء بالصبر والأمل...



    خلاصة التجربة



    ونصل في نهاية السورة إلى قاعدة محورية، قالها سيدنا يوسف عليه السلام بعد أن انتصر وبعد أن تحققت جميع أمنياته: ]إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱلله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ[ (90).



    إن قصة يوسف تعلّمنا أن من أراد النجاح ووضع هدفاً نصب عينيه يريد تحقيقه فإنه سيحققه لا محالة، إذا استعان بالصبر والأمل، فلم ييأس، ولجأ إلى الله ]إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱلله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ[ (90). إن سيدنا يوسف - في هذه الكلمات - يلخص لنا تجربته في الحياة، والتي هي كما قلنا، تجربة إنسانية بشرية.



    فمن أراد النجاح في الحياة فعليه بتقوى الله أولاً، واللجوء إليه،
    والصبر على مصائب الدنيا لا بل وتحدي المعوقات من حوله والتغلب عليها. إن الصبر المطلوب هنا هو صبر إيجابي ومثابر، لا يضيع صاحبه أي فرصة لتعلم مهارة ما، لا بل ينتظر كل فرصة تسنح لـه كما فعل سيدنا يوسف عليه السلام، (فهو استفاد من وجوده في بيت العزيز مثلاً في تعلم كيفية إدارة الأموال، وهذا سبب قوله بعد ذلك: ]قَالَ ٱجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَائِنِ ٱلاْرْضِ إِنّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ[ (55)).



    يا شباب، تعلّموا من سيدنا يوسف النجاح في حياتكم العملية، والتفوق في الدنيا والآخرة، بالعلم والعمل من جهة، وبمقاومة الشهوات والصبر عنها، لتفوزوا بإذن الله بجنة النعيم.






    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #100
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك ربى ونستهديك ونستغفرك ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ونصلى ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم.
    ترى هل لازال الإحباط يلازمنا ..أم أن عزائمنا ارتفعت واشتدت ؟؟ إن الله يحب هذه الأمة ..إنها أمة حبيبه إلى الله ...لوراجعنا آيات القرآن لوجدنا أن الله سبحانه و تعالى بعد غزوة بدر يشتد على المسلمين فبعد النصر قد يأتى العجب : تقول سورة الأنفال : {يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول}....آية 1
    أما بعد غزوة أحد و جراح الألم شديدة كانت الآيات مُرطِّبة مُهَدِّئة : {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} .....سورة آل عمران...آية 155
    إن عفو الله أقرب مما نتصور ... ولأن رسول الله كان متعباًومتألماً قال له تعالى : {فاعف عنهم واستغفر لهم و.شاورهم فى الأمر}...سورة آل عمران...آية 159
    فكيف يصيبكم الإحباط وبينكم رسول الله : {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.....سورة آل عمران...آية 164

    معنى آخر أردنا أن نؤكد عليه قبل أن نغير من أنفسنا هذا اليوم .إن شعب العراق شعب أصيل وما حدث ويحدث ليس عنواناً عليه .إنَّه من علامات عدم النضوج تعميم الحدث ..وهم مازالوا بحاجة لدعائنا أكثر من ذى قبل.
    من مجامع التغيير حُسْنُ الخُلُق : من الكلمات الصعبة التى نسمعها أحيانا حين يدخل أجنبى إلى الإسلام الحمد لله أن أسلمنا قبل أن نرى المسلمين .هذه كلمة جارحة لأنها تعنى أننا لا نمثل حقيقة الأسلام و جوهره.

    إن أى حضارة حتى تستمر تحتاج إلى ثلاث دعامات :
    ماديات , روحانيات وأخلاق وقد تميزت حضارة الإسلام أنها مزجت بين هذه الدعامات وبالتالى استمرت تحكم العالم 1300 عام
    قال شوقى أمير الشعراء : إنَّما الأُمَمُ الأخلاق ما بَقِيَت فإن هُمُ ذهبت أَخْلاقُهُم ذَهَبُوا فمادامت هناك أخلاق فهناك أمة و هناك حضارة

    يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنَّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق .... الهدف من بعثته إتمام الأخلاق .. حديثه هذا نفسه من أكبر مكارم الأخلاق , لم يقل بُعثت لأعلمكم الأخلاق و لكن لأتممها أى أنها موجودة
    سيقول البعض الهدف الأساسى من الدين معرفة الله ... بالتأكيد . وكيف نتعرف على الله ؟
    بمعرفة أسمائه و صفاته .. الحليم , الكريم , الصبور , الرؤوف ........
    والبعض يقول إن أهم ما فى الإسلام العبادة : بالتأكيد فأركان الإسلام خمسة .. ولكن تعالوا ننظر إليهم : الصلاة : قال تعالى : {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}...سورة العنكبوت...آية 45
    فى حديث قدسى : إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتى ولم يستطل بها على خلقى ..
    ويقول صلى الله عليه و سلم : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فلا صلاة له بالنسبة للزكاة : بسم الله الرحمن الرحيم : {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}...سورة التوبة...آية 103

    والتزكية إصلاح النفس بحسن الخلق .
    وهناك مفاهيم إسلامية للصدقة وردت فى الأحاديث مثل : تَبَسُّمُك فى وجه أخيك صدقة , وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل فى أرض غريبة صدقة و بصرك للرجل ردئ البصر صدقة ...إذن الصدقة كلها أخلاق فإذا نظرنا للصيام فتكفينا كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يدع قول الزور و العمل به فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه
    وفى حديث آخر : إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق يعنى يقول لنفسه مرة إنى صائم فيذكرها بأخلاق الصائم ويقول لمن أمامه إنى صائم فلن أرد عليك..
    أمَّا الحج فطوال الأيام المخصصة له لارفث و لا فسوق ولا جدال فى الحج وإلا .....
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه إذن فالعبادات كلها تسعى لهدف واحد ..حسن الخلق. هذه هى الثمرة حين أرسل الله سيدنا موسى إلى فرعون وهو من هو قال تعالى : {اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى} ...سورة النازعات...آية 17 ، 18 ، 19
    وسيدنا جعفر بن أبى طالب حين سأله النجاشى عن حقيقة هذا الدين الذى جاء به رسولهم قال فى كلمة موجزة : كنا قوم.....
    فبدأ بعرض سوء أخلاق العرب فى الجاهلية ثم صفات الرسول صلى الله عليه و سلم ثم ما آل إليه حالهم من مكارم أخلاق بعد إسلامهم ...لأن سيدنا جعفر كان يفهم جوهر الدين لم يضيع وقتا فى شرح العبادات لقد أصبح لدينا نوع من الانفصام ... والناس صنفان :
    متدين سئ الخلق أو حسن الخلق على غير دين وكلاهما أثره أسوأ من الأخر
    فهذا الشاب المتدين المصلى الصائم لو أساء إلى جيرانه وأزعج من حوله بصوت كاسيت سيارته ..أو باصطحابه مجموعة من البنات كل هذا مثال سئ للمسلم والفتاة المحجبة ذات الملابس الضيقة والضحك بصوت عال والخوض فى سير الناس مَثَال أسوأ

    أما العزيز صاحب الخلق الحميد و لكنَّه لا يصلى ولايتعبد فأثره أيضا سئ فكلا النوعين يؤدى إلى فتنة الناس فى الدين سلبا أو إيجابا.

    ذكروا عند رسول الله إمرأة بصلاتها وقيامها غير أنها تؤذى جيرانها فقال هى فى النار وأخرى ليس لها رصيد كبير من صلاة و قيام و لكنها تُحْسن إلى جيرانها فقال هى فى الجنة وفى أحاديث كثيرة نجد : الحياء والإيمان قرناء جميعا إذا رُفِع أحدهما رُفِع الآخر
    وأيضا : لا إيمان لمن لا أمان له ولادين لمن لاعهد له . أى الذى إذا غضب لا تستطيع أن تأمن ما قد يفعل ولا يهتم بوفاء عهوده.
    وفى حديث آخر الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان

    إن أحد العناصر الأساسية لقيام الأمم الأخلاق ...
    لقد ورد فى القرآن صفات عباد الرحمن ولو نظرنا إليهم لوجدنا أن الجزء الأكبر هى أخلاقهم : يمشون على الأرض هونا فليسوا متكبرين ولا يجادلوا السفهاء ويبتعدوا عن مواضع العراك والمشاكل ولهم عباداتهم التى تعينهم على شهادة الحق والبعد عن اللغو وهكذا
    ومسك الختام حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم أقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا !!!



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 10 من 16 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. 乂صعوة 乂 شقردي 2000 مبروك 乂
    بواسطة شام في المنتدى مضيف الإهداءات
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 15-09-2009, 13:48
  2. مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 23-08-2009, 02:40
  3. 乂乂 لذائذ العيد المضائفية 乂乂
    بواسطة شام في المنتدى فـنـون الـمـطبخ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 18-10-2007, 22:54
  4. مشاركات: 35
    آخر مشاركة: 13-09-2006, 09:30
  5. 乂乂 دغدغة مسامع فقط 乂乂
    بواسطة النجم في المنتدى المضيف العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-10-2005, 05:46

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته