خدعوك بالاعتزال يا تمياط !!
عيسى الجوكم
صامتة .. عاجزة .. تستغيث فلا مغيث .. وتستجير فلا مجير .. عبثا .. حاولت أن تصرخ لملء المكان .. كنت أرقبها ترمح
فارسا يعلو بها في بروج النثر تارة .. وبين وسادة الشعر تارة أخرى .. يا لها من كلمات ترتاب من رؤية «الرحيل».
كنا متقابلين .. أنا وكلماتي .. نمنمات أحرف تدندن .. وسلالات من الصمت تعلو .. وما بينهما ذاكرة لا تغفو .. تنتفض لتشعل بركان العام 2000م صورة «لدالي» بكل تفاصيلها الصغيرة.
تناجينا دون كلام .. نعم حتى الكلمات صمتت إيمانا منها بروعة الفارس الذي أعلن الرحيل .. لكنها ذهبت ترسم فوق جباه التاريخ طقوس الفرح مع وداع 2000 عام .. وأخفت بين جوانحها كتابا من ذاكرة الوقت .. يقرأه أولئك الذين لا يمكنهم نسيان نواف التمياط فارس الأخلاق والفن والمهارة والأناقة , وكل الأشياء الجميلة لشاب عرف حدود شرع الله .. فكان قدوة للآخرين .. يحبه الصغير والكبير .. ويحترمه الجميع على اختلاف ميولهم ومشاربهم .
هو نواف التمياط إذا .. هو الإنسان الهادئ .. الذي سكن القلوب فلم يخرج منها .. واستقر في عقولنا .. ليتعلم منه الكثير من الأجيال المتعاقبة .. ان النجومية ليست فنا داخل المستطيل الأخضر فقط .. بل هي فن في التعامل مع الآخر .. فن في الأخلاق.. فن في الثقافة .. فن في الحراك الاجتماعي لفئات
محرومة داخل المجتمع من اليتامى وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم ممن يحتاجون اليد الحانية .
لقد ركز النجم نواف التمياط هذه القيم في نفوس الكثير من اللاعبين والنجوم , وحرص عليها , وتفاعل معها , وكان بحق نموذجا لنجم صاحب تفرد وتميز , لذلك أحبه الجميع , وقلما تجد حتى في أوج التعصب الإعلامي بين حملة القلم من هو مختلف مع هذا النجم .
ولأن التمياط متفرد بخصال قلما توجد في نجم آخر .. فلم يضجر من مقعد الاحتياط في مراحله الأخيرة مع معشوقته كرة القدم .. كانت الأضواء تستحثه لإحداث برق هنا وأمطار هناك في الإعلام المرئي والمقروء , لمظلومية يعتقدها محبوه وأنصاره , أو لعاطفة متوقدة من عشاقه باعتراضهم على جلوسه في مقاعد الجير .. لكنه كان يعي بعمق وإدراك أن الركض بقوة وبواسطة وباسم (كان) في المستطيل الأخضر .. أمر لا يناسبه ..
وان السير خلف الإعلام لإظهار قوته .. خصلة ليست من أخلاقه .. لذلك قرر الرحيل ليحل البديل الجاهز .
التمياط غادر ساحة الإبداع مبكرا .. فاشتعل صوت من أحبه بمقولة «ذهب الذين نحبهم» .. ألا سامح الله الإصابات التي حرمت العيون من مشاهدة قمر الملاعب .. وحرمت العقول من التعلم في مدرسة الفتى الذهبي , كتبها ودفاترها وأقلامها وكل أدواتها تربط نجومية المستطيل الأخضر بالأخلاق التي تسمو بالإنسان .
لقد غادر الساحة النجم الذي جمع المجد من كل أطرافه .. رفع كؤوسا .. وحمل ألقابا .. وكانت أفضليته تغرد بوسام أفضل لاعب آسيوي وعربي للعام 2000م .. لم ينس محبوه وعشاقه صولاته وجولاته في بيروت , وهو عامه الأميز في نهائيات كأس أمم آسيا قبل أن تحرمه الإصابة في العام التالي من مواصلة رحلة الإبداع .
في الثاني من يناير المقبل .. موعد آخر لدمعة الفرح والحزن .. دمعة لأولئك الذين سيرددون أغنية عبد الكريم عبد القادر «حسيت اني بنحرم شوف .. ما أقدر أوادع قطعة من يوف» وهي بالتأكيد دمعة حزن لوداع نجم لم يخلفه حتى الآن أي لاعب
بمميزاته الفنية (لياقة .. تسديد .. وعي .. تسجيل .. تمويل) .. يقدم الكل على حساب الجزء .. انه باختصار يذوب في المجموع وينكر الأنا .. أما دمعة الفرح فهي لعشاقه بالتأكيد الذين يحلو لهم مشاهدة قمرهم في ليلة شتاء , ليمنحهم وقتا من البنفسج لتوقد المدفأة في قلوبهم ذكريات العام ألفين وما قبل ..!!
في الثاني من يناير .. سيقول أهل الوفاء كلمتهم .. لشاعر المستطيل الأخضر .. ولأستاذ الملاعب .. ولدكتور العقول والقلوب .. بأن الفرح الذي منحهم إياه سيكون حاضرا بقوة في المدرجات .. سيكون رد الجميل بأفضل منه .. سيكون الوفاء كبيرا لنجم بحجم التمياط فنا وخلقا وأدبا .
وداعا لنجم ابتعد .. فطالبه الآخرون بالعودة .. ولنجم فضل ألا يأخذ زمانه وزمان غيره .. ولنجم ترفع عن التفاهات في محنته .. ولنجم استثنائي يتصاعد محبوه حتى وهو بعيد عن المستطيل الأخضر .. ولنجم في مسيرته فضاء واسع من التسامح .. ولنجم لم ينحن لأمواج الإصابات المتتالية ولم تلغ تلك الإصابات ألق الأشرعة المترعة في قاربه برائحة الحب , لكل من شاهده أو سمع عنه .
موعدنا في الثاني من يناير مع نواف والانتر .. والأهم مع أهل الوفاء في يوم الوفاء .
المفضلات