أخترته لكم ..



قال الله تعالى : " وحشر لسيلمانَ جنوده من الجنِّ والإنس والطير فهم يوزعون . حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون . فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين . وتفقَّد الطير فقال ماليَ لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين . لأعذِّبنَّه عذاباً شديداً أو لأذبحَّه أو ليأتينِّي بسلطان مبين . فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإيقين . إنّي وجدت امرأة تملكهم واوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم . وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم فصدَّهم عن السبيل فهم لايهتدون . ألاّّ يسجدوا لله الذي يخرج الخبءَ في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون . الله لا إله إلاّ هو رب العرش العظيم ."
سورة النمل : الآيات 17 ـ 27

الدُّروس المستفادة من القصَّة :

· أدب النملة مع نبي الله سليمان حيث قالت : " وهم لا يشعرون ." فلم ترد أن تنسب الظلم لنبي من أنبياء الله عليهم السلام ، وهو الأمر الذي جعل سليمان عليه السلام يتبسم من قول هذه النملة وأدبها .
· إيجاز العبارة فيه دلالة على الهيبة والحزم ، وأن هذه النملة كانت مُهابة في بني جنسها من النمل .
· أن لبعض الحيوانات إدراكات تتميز بها عن قريناتها من الحيوانات أو من جنسها ، فهذه النملة كان لها إدراكاً أكثر من قريناتها ، فهي أدركت أن القادم هو سليمان وجنوده بخلاف قريناتها .
· تقسيم المهام والأعمال في المجموعة الواحدة ، فالنمل منهم الذي يجمع الحبوب ومنهم المكّلّف بامراقبة وتأمين الطريق ...
· شرف العلم ومكانته ، ويظهر هذا في جانبين من القصة :
أ / من جانب النملة فإنها فُضِّلة على قريناتها بسبب ماعندها من العلم والإدراك .
ب / من جانب الهدهد الذي كان العلم له حصناً من أن يُنزل به نبي الله سليمان العقوبة ، فلمّا كانت له مزيَّة من علم عفا عنه ورحم .
· العمل للدين واجب الجميع ، فهذا الهدهد لم يكتف أن يكون من جند نبي الله سليمان ، بل رأى أن له دوراً في نشر التوحيد والعمل لهذا الدين ، وهو الأمر الذي يدل على أنه لايكفي من الإنسان أن يكون تابعاً لأهل الدين الحقفحسب بل لابد وأن يكون له مشاركة في الدعوة على قدر ما يستطيع .
o فقه الهدهد في تغليب المصلحة الشرعية على المصالح المادية ، فالهدهد شكا لسليمان عليه السلام عبادتهم لغير الله ، ولم يشكوا إليه عظمة مُلْكِها وجندها . ومن هنا يُعرف أنه مهما بلغ الإنسان من الحضارة والتقدم والمنعة والتمكين فإن كل ذلك لاقيمة له إذا لم يحُقق توحيد الله في الأرض .
· شكر النعم يزيدها ، قال تعالى :" لئِن شكرتم لأزيدنكم .." ، فلمّا شكر سليمان عليه السلام ما أعطاه الله من النعم زاده الله نعماً ظاهرة وباطنة ، فمن بركت شكر النِّم أن يعطي الله العبد المهابة والوقار حتى البهائم توقَّره .

من مميزات القائد النَّاجح :

· الترتيب والتنظيم في صفوف المجموعة ، مع مراعاة الأجناس والقُدرات ، وهذا مانلمسه من جند سليمان عليه السلام ، فقد كانت مهمة الهدهد مناسبة له من مراقبة الطريق وتقصِّي الأخبار .
· تفقّد أحوال المجموعة والسؤال عن الغائب منهم ومعرفة السبب ، فإن ذلك أدعى لترابط المجموعة ووحدتها ، وعدم التفرق ، وأيضاً هذه المتابعة سبب من أسباب حصول الألفة بين أفراد المجموعة وقائدهم ، كما إن في هذا التفقُّد والسؤال منعاً للإتجالية في اتخاذ المواقف من الأحداث التي تواجه الأفراد .
· عدم الظلم والتسرُّع في إنزال الأحكام ، " ..لأعذبنّه عذاباً شديداً أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطان مبين "
فإن من نجاح القائد أن لايتسرّع في إنزال الحكم على المخطىء حتى يسمع دعواه .
· الإنصات والتّريُّث وعدم مقاطعة الحديث ، حتى يتم المخطىء دعواه ، فعلى القائد الناجح أن يُحسن الإستماع للمتكلم حتى تتكون له صورة الأمر واضحة جليّة ، حتى يكون قراره صائباً . وانظر في ذلك حال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد غزوة تبوك ، فما كان صلى الله عليه وسلم وقعاً عقوبة التّخلُّف على أحد من الذين تخلَّفوا عن الغزوة حتى يسمع عذره .
· ضبط النفس وعدم الإنتقام للذّات ، واسمع إلى قول الهدهد لنبي الله سليمان عليه السلام : " .. أحطت بما لم تحط به .." ، ومع أن الهدهد موقفه موقف المخطىء ، ومع ذلك يقول لنبي الله سليمان عليه السلام : أحطت بما لم تحط به ..!! فلم ينتقم منه سليمان غضباً لنفسه ، وأنه نسب إلى نفسه مزيّةً لم تكن لنبي الله سليمان عليه السلام
وهذا مما ينبغي على القادة أن يعوه ، وأن لاتكون قراراتهم منصبّة في خدمة ذواتهم ، وإنما الحزم كل الحزم أن يكافأ لمحسن ، ويعاتب المخطىء على قدر خطأه من غير ظلم أو تشفِّي .