[align=CENTER][table1="width:95%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
يحجم كثير من الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحرمون أنفسهم من هذا الخير بحجة أنهم ليسوا أهلاً لذلك، بل لم يكتفوا بهذا حتى أخذوا يثربون ويحرجون ويوبخون الآمرين الناهين بأنهم غير مؤهلين للقيام بذلك، لتقصيرهم في بعض الواجبات، أولانغماسهم في بعض المحرمات والمنكرات، هذا الوهم حرم الكثيرين من الإسهام في هذا الأمر المهم، الذي هو سبب لصلاح الدين والدنيا، وسبيل إلى النجاة في الآخرة، وخذل وثبط طائفة من الأمة عن القيام بهذا الواجب.
سبب هذا الوهم التوبيخ الذي ورد في ترك الطاعة وفعل المعصية
هذا الوهم والخلط مرده للتوبيخ والتقريع الذي ورد في بعض الآي والأحاديث والآثار على ترك الآمر للمعروف الذي أمر به، وارتكابه للمنكر الذي نهى عنه، إذ هذه الآثار لم توبخ وتزجر وتقرع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما واجبان، وإنما وبخت وزجرت على ترك فعل المعروف والانتهاء عن المنكر وهما واجبان كذلك، فهذه أربعة أمور مطالب بها كل مكلف، وهي:
1. أداء الواجبات والمندوبات.
2. الانتهاء عن المحرمات والمكروهات.
3. الأمر بالمعروف.
4. النهي عن المنكر.
فإذا فعل اثنين من هذه الأربعة أمر ونهى يؤجر ويثاب عليهما، وإذا قصر في الآخرين أداء الواجب وترك المنكر عوقب على ذلك أوسومح.
الآيات والأحاديث والآثار التي وبخت الآمرين على ترك المعروف والناهين على ارتكاب المنكر
الآيات هي:
1. قوله تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ".
2. وقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ".
3. وقوله على لسان شعيب عليه السلام: "وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ باللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".
أما الأحاديث فمنها:
1. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور ال**** في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تك تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".
2. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة أسري بي مررت على ناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الخطباء من أهل الدنيا – في رواية: من أمتك – يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم".7
3. وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه".8
أما الآثار فمنها:
1. قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فقال له ابن عباس: "إن لم تخش أن تفضحك هذه الآيات الثلاث9 فافعل، وإلا فابدأ بنفسك".
2. وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: "إني لأكره القصص لثلاث آيات"، الآيات السابقة الذكر.
3. وقال أبو الأسود الدُّؤلي:
لا تنه عن خلـق وتأتي مثلـه عار عليك إذا فعلت عظيم
وابدأ بنفسك فانهها عن غيهـا فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى بالقـول منك وينفع التعليم
4. وقال منصور الفقيه:
إن قومـــاً يأمرونــــا بالذي لا يفعلــــــونا
لمجـــــــانين وإن هم لم يكونوا يصــــرعونا
5. وقال أبو العتاهية:
وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى وريح الخطايا من ثيابك تسطع
6. خرج أبو عثمان الحيري الزاهد وقعد على موضع الذي كان يقعد عليه للتذكير، فسكت حتى طال سكوته، فناداه رجل كان يعرف بأبي العباس: ترى أن تقول في سكوتك شيئاً؟ فأنشأ يقول:
وغير تقي يأمر النـاس بالتقى طبيب يداوي والطبيب مريض
الآثار التي وردت عن السلف تحض وتحث على الأمر والنهي على كل حال
وردت آثار كثيرة من علماء أجلاء فقهاء حكماء تدل على أن العدالة ليست شرطاً في الآمر الناهي، وتحث وتحرض الجميع على الأمر والنهي، من غير التفات إلى تقصيرهم في فعل المعروف أوارتكابهم للمنكر، منها:
1. قال الحسن البصري رحمه الله لمطرف بن عبد الله: عظ أصحابك. فقال: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل! قال: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول! ود الشيطان أنه قد ظفر بهذا فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
2. وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخه: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء!
3. وقد أحسن القائل:
لئن لم يعظ العاصين من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمـد
4. وكذلك القائل:
من ذا الذي ماساء قط ومن له الحسنى فقط.
5. وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي:
اعمل بعلمي وإن قصرت في عملي = ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
6. خطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله يوماً، فقال في موعظته: إني لأقول هذه المقالة، وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه.
وكتب إلى بعض عماله على بعض الأمصار كتاباً يعظه فيه، وقال في آخره: وإني لأعظك بهذا، وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لكثير من أمري، ولو أن المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم نفسه إذاً لتواكل الخير، وإذاً لرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذاً لاستحلت المحارم، وقل الواعظون والساعون لله بالنصيحة في الأرض.
7. جلس ابن الجوزي رحمه الله يوماً في مجلس الوعظ، فنظر على من حوله وهم خلق كثير، وما منهم إلا من رق قلبه أودمعت عينه، فقال لنفسه: "اللهم إن قضيت عليَّ غداً بالعذاب فلا تعلم هؤلاء بعذابي صيانة لكرمك، لا لأجلي، لئلا يقال: عذب في الدنيا من كان في الدنيا يدل عليه. إلهي قد قيل لنبيك صلى الله عليه وسلم: اقتل ابن أبي المنافق، فقال: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؛ فامتنع عن عقابه لما كان في الظاهر ينسب إليه، وأنا على كل حال فإليك أنسب".
8. ومن قبل قال ابن مسعود لتلاميذه: لو تعلمون من نفسي ما أعلم ما وطئ عقبي أحد منكم، وفي رواية: لرجمتموني بالحجارة.
قلت: هؤلاء الأخيار يقولون ذلك ورعاً وتعليماً لنا وإرشاداً، ونحن نقول ذلك بلسان الحال حقيقة فإلى الله المشتكى، وله العتبى حتى يرضى، ولا حول ولا قوة إلا بالعلي الأعلى.
أقوال أهل العلم في التوفيق بين الآثار التي وردت في توبيخ المقصرين من ناحية وحضهم وحثهم على ذلك مع تقصيرهم من ناحية أخرى
التأليف والتوفيق بين النصوص والآثار التي يظهر تباينها واختلافها من أول وهلة من صنيع العلماء الربانيين، والفقهاء الحاذقين، أما رد بعض النصوص ودفعها وعدم التوفيق والجمع بينها فمسلك بعض المتسرعين القاصرين غير المدققين.
· قال الحافظ ابن كثير في تأويل آية البقرة السابقة: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..": (الغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع، ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به، ولا يتخلف عنهم.. فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب، ولا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف، وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيف، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية، فإنه لا حجة لهما فيها.
والصحيح: أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، ولكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة، وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم، ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك).
· وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تأويلها كذلك: (اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر، لا بسبب الأمر بالبر، ولهذا ذم الله تعالى في كتابه قوماً كانوا يأمرون بأعمال البر ولا يعملون بها، وبخهم به توبيخاً يتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة).
· وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله بعد أن أورد الآيات والأحاديث والآثار في توبيخ الآمرين الناهين المقصرين في العمل: (ومع هذا كله فلابد للإنسان من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعظ والتذكير، ولو لم يعظ إلا معصوم من الزلل لم يعظ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، لأنه لا عصمة لأحد بعده).
· وقال ابن عاشور في "تفسير التحرير والتنوير" في تفسير آية البقرة: (وبهذا يعلم أنه لا يتوهم قصد النهي عن مضمون كلا الجملتين، إذ القصد هو التوبيخ على اتصاف بحالة فظيعة ليست من شيم الناصحين، لا قصد التحريم، فلا تقع في حيرة من تحير في وجه النهي عن ذلك، ولا في وهم من وهم فقال: إن الآية دالة على أن العاصي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر كما نقل عنهم الفخر – الرازي – في التفسير، فإنه ليس المقصود نهي ولا تحريم، وإنما المقصود تفظيع الحالة، ويدل لذلك أنه قال في تذييلها: "أَفَلاَ تَعْقِلُونَ"، ولم يقل "أفلا تقون" أونحوه).
لا شك أن الأكمل والأولى للآمر الناهي أن يأتمر بما يأمر وينتهي عما عنه نهى وزجر، وأن هؤلاء أثرهم في الأمر والنهي لا شك أجدى وأنفع، ولكن لا يعني ذلك أن يتقاعس المقصرون عن ذلك ويحرموا أنفسهم من الأمر والنهي، فكل ميسر لما خلق له، ورب مبلغ أوعى من سامع.
اللهم اجعلنا خيراً مما يظنون، واغفر لنا ما لا يعلمون، اللهم إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك وهو الشرك، فاغفر لنا ما دون ذلك، اللهم يسرنا لليسرى، وانفعنا بالذكرى، وصلى الله وسلم على خير من أمر ونهى، وبشر وأنذر، وعلى آله، وأصحابه مصابيح الدجى، وعلى من سلك سبيلهم واقتفى أثرهم فنجى.[/align][/cell][/table1][/align]
المصدر:صوت الإسلام
المفضلات