وقـع أهدفـي مع الهـــلال في مرمـى المنافسيــن لا يزال عالقاً في ذاكرتــي
ريفالينو في حوار لـ ( الشرق الأوسط ) : هل لاعبوكم لا يأكلون أم لا يتدربون ولماذا حماستهم غائبـة ؟
* ما جد عبدالله لا يشبه أحداً وركضت خلف بريك لأنتصر لكرامتــي
حوار رياضــي _ مشاري الفهـد _ عالم الرياضة _ الشرق الأوسط _ 23-9-1430هـ
في ليلة رمضانية دافئة و هادئة جاء صوت ذلك العجوز خافتاً و بدأ أن السنين قد أنهكته ليحيل الحديث إلى الذكريات العابقة بالحنين و الناضجة بالبدايات الحقيقية لنهضة كروية سعودية كان ذلك العجوز هو أحد أبطالها فمنذ أن وطأت قدماه القويتان أرض الملاعب السعودية حتى غادرها ظل صدى قذائفه الموجعة و التي أثخن فيها حصون دفاعات منافسيه يتردد في المكان الذي تحالف مع الزمان ليعلن وفائه للأساطير التي لازلت حية بين ظهرانينا و كان ذلك الشاب القوي آنذاك لا يتردد في ممارسة "فحولته الكروية" ليفض عذرية شباك منافسيه بلا رحمة، يساعده في ذلك طيشه الكروي الباذخ بنكهة السامبا.
لا تذهبوا بفكركم بعيداً فالعجوز هو بطل ذلك الزمن الجميـل ، والذي حضـر آنذاك من أقصـى القارة اللاتينية لينثر إبداعاته التي إختزلهـا من سنين عمــرهـ في ملاعبنا السعـودية تلك التي كانت فتية آنذاك تنتظر بشوق من يأخذ بيدها إلى جادة التطور وفعلها قبل ذلك البرازيلي الساحر المدعو روبيرتو ريفالينو ( 63 عاماً ) ، والذي يحل ضيفاً على أعينكم وعقولكم في الحوار التالي ، والذي لن نقتطف منه أي شيء لنضمنه هذه المقدمة ، وذلك لنجبركم على قراءته كاملاً ، كما أجبرنا ( وهذا الريفالينو ) على الاستماع إلى حديثه بإنصات وقبل الإبحار في أعماق كلام هذا البرازيلي الحانق على الزمن الحالي لكرة القدم ، لا بد أن نزجي التقدير للشاب اللبناني المحب لريفالينو ( سعيد عنتـر ) والذي قام مشكوراً بدور الترجمة لما ستقرؤونه من أسطــر :
* ريفالينو لندع أمر الحديث عن ذكرياتك جانباً ، فتاريخك أوضح من أن يتم تعريفه في أسطـر للمتابع الرياضي ، وبالأخص السعودي والذي يعلم عنك أدق التفاصيل وأسمح لي أن أسألك ما الذي تقوم بعمله الآن بعد أن تقاعدت كلاعب كرة قدم و علقت قميصك الكروي ؟
- حالياً أقوم بمزاولة التدريب في أحد الأكاديميات الرياضية الخاصة في مقاطعة ساوباولو والتي تعتني بتنشئة الفتية البرازيليين كروياً بشكل محترف ، وجاءت هذه الخطوة بعد أن توقفت عن مزاولة التدريب مع الأندية حيث كانت لي تجربة باليابان مع نادي شيميزو بولسه ، لم تغرني للتحول إلى التدريب في ساوباولو بشكل محترف كما أن مهنة التعليق الرياضي لم ترق لي ، حيث لم أحس فيها بذاتي ، الأمر الذي دفعني للمكوث بجانب هؤلاء الفتية ومراقبة تطورهم وهذا الأمر يشعرني بانتمائي الحقيقي لكرة القدم .
،
* جيد ما تقوله ، وأسمح لي أن أتوقف معك عن نقطة حديثك عن مهنة التعليق والتحليل الرياضي ، لماذا لم ترق لك الفكرة كما تقول ، على الرغم من كون العمل في هذا المجال يعد أمراً سهلاً و لا يكلفك الكثير من الجهد الذي أقله البدنـي ؟
- لا ... العمـل في هذا الحقـل ليس سهـلاً على الإطلاق ، وبالنسبة لي فأنا أحسست حين قمت بذلك بالحرج الشديد فالأمر أشبـه بمسرحية نقوم فيها بالتمثيل على المشاهد فحين يفوز الفريق نقول فاز بسبب روح الجماعة وتدخلات المدرب الفنية الناجحة ، وحين يخسر نرمي بالتهمة على الحكم وعلى الأخطاء التي إرتكبها المدرب أثناء سير اللقاء دون أن يكون في تحليلنا نوع من المنطقية فيما يتعلق بجانب السيكولوجيا الرياضية التي يحتل فيها مفهوم روح الفوز وثقافة الإنتصارات حيزاً كبيراً لذا لم أكمل ما بدأته في هذا المجال وآثـرت الإنسحاب بصمت مع بعض المشاركات الخجولة تحت إلحاح الأصدقاء .
،
* ريفالينو ثورة كروية طبيرة تمكنت من قيادتها إبان حضورك لدينا في السعودية ، وهي محور رئيسي يتفرع منه محاور عدة ولنبدأ بأولهـا .. فحضورك إلى الملاعب السعودية هل كان دافعه المادة ، أم توقف طموحك الكروي في الظهور في منافسات ذات ضغط عالي وبالتالي أثرت القدوم للعب في منافسات كانت آنذاك فتية وسهلة بالنسبة للاعب كان عمرهـ آنذاك يناهز الثانية والثلاثين ربيعاً ؟
- ما تقوله عن المادة هو أمر واقع وهل دفعني للعب في السعودية وترك ما كنت فيه سوى المادة ، فالعرض الذي تلقيته حينها لم يكن لي لإن أرفضه بأي حال من الأحوال ولا أخفيك بأنني كنت أعد نفسي قب الرحيل من فلوميننسي من أجل تقبل اللعب على مستويات منخفضة من الإثارة والصعوبات الفنية ، ولكنني حين بدأت الدخول في الأجواء الكروية تفاجأت بالحماس الذي كان عليه الشبان السعوديون آنذاك والذين كانوا يركلون الكرة بشغف يدفعهم في ذلك ما يلقونه من هتافات وصيحات من أنصارهم والذين كانوا يتوافدون بكثرة في مختلف الملاعب التي لعبت بها .
* هل لك أن تصف أجواء تلك المنافسات بشكل أدق ، وما الذي يميزها عن أجواءنا الحالية ولن نضيق عليك فأختر أي مناحي الحديث شئت لتخبرنا به ؟
- لعلي أخبرك بحادثة حصلت لي مؤخراً ، فقد أرسل لي أحد المدربين الشبان ( من الذين ذهبوا للخليج حديثاً ) مقاطع عدة من محرك البحث التلفزيوني اليوتيوب لمباريات في دورياتكم العربية و حينها طلبت من ابنتي الكبرى أن تقوم بتشغيلها لجهلي بماهية استخدام الإنترنت وحين شاهدت تلك المقاطع وجدت فيها اختلافاً جوهرياً فأجسام اللاعبين الذين كنت ألعب معهم وأصارعهم على الكرة بدت لي أضخم وأقوى من أجسام اللاعبين الحاليين ولا أعلم هل لاعبيكم لا يأكلون جيداً أم أنهم لا يهتمون بمرانهم بالشكل الكافي كما أن جريان مسار الكرة كان أسرع مما رأيت مؤخراً والحماسة أكبــر .
،
*أنت ذكرت الصراعات الكروية وهذا يقودني لأقلب شريط الذكريات معك لنستذكر حادثة طردك مع سعيد بريك في مباراة شهيرة لا زال المؤرخين لدينا يتذكرونها حتى الآن .. ما الذي حصل حينها وأوقفت ثلاثة أشهر بقرار من اتحاد الكرة السعودي ؟
- ضحك مطولاً .. وقال هل هذا الحديث للنشــر ..!
،
* قلت له .. نعم للنشــر ؟
- إذن يجدر بي أن أنتقي كلماتي بحذر ، ما حصل آنذاك هو أن اللاعب بريك كان يضايقني بشكل كبير ويحاول استفزازي في ذلك اللقاء ، ونجح في إخراجي عن طوري بعد أن قام بفعل لا أخلاقي وهو الأمر الذي دفعني للانتصار لكرامتي والثأر لمرؤتي وجعلني أركض خلفه كالمجنون حول أرجاء الملعب وإنتهى الأمر بخروجي وإياهـ من الملعب وكنت حانقاً عليه بشــدة .
،
* وماذا عن الأسماء الكروية السعودية التي كونت لنفسها حيزاً جيداً قي ذاكرتك .. هل تتذكر منه منها شيئاً ؟
- وهل تنتظر من عجوز مثلي أن يظل ذهنه متقداً بتلك الحقبة فذاكرتي مثقوبة ولا يسعني أن أستذكر اسماً بعينه .
،
* هل تود أن تقنعني بعجزك عن تذكر ولو اسم واحد على الأقـل ؟
- لعلك تقوم بمساعدتي في هذا الأمر فأنا أتذكر في ذلك الزمان لاعباً فتياً كان حاضر البديهة وذو كاريزما خاصة به لا يشبه في ذلك أحد من اللاعبين كان أسمر البشرة ونحيل الجسد طويل بما فيه الكفاية ليقاتل في كراته الهوائية التي غالباً ما انتهت بانتصارهـ على من يواجه فيها من منافسيه وكان حينها يلعب للنصـر ذلك النادي الذي يقطن في ذات المنطقة التي ينتمي إليها نادي الهلال الذي كنت ألعب له في تلك الفترة .
،
* هل تعني ماجد عبدالله ؟
- ربما هو ماجد ولتعذرني فأنا لا أتذكر الكثير .
،
* ألهذه الدرجة تشكو ذاركتك من الضعف لتعجز عن تذكر أسماء اللاعبين والأندية ، وهل تعجز ذاكرتك مثلاً عن استرجاع مواقفك مع النادي الذي لعبت لصالحه الهــلال ؟
- لا.. بالتأكيد فالحوادث تختلف بطبيعتها عن الأسماء التي شكلت هوية تلك الحوادث بوجهها العام أسهل نسبياً من تذكر تفاصيلها الدقيقة .
،
* وما الذي يحضر في ذاكرتك من تلك الحقبة الزمنية ؟
يحضر في ذاكرتي ذلك الالتفاف الجماهيري من أنصار النادي من حولي فقد كانوا يمطرونني بوابل من العبارات وكنت أستعين بمن حولي ليترجموا لي ما يقول هؤلاء المشجعون كما أتذكر بوضوح وقع أهدافي التي كنت أحرزها من مسافات بعيدة وكيف كان يتلقاها الجمهور الحاضر بين صمت الحزن ودوي الفرح بها والذاكرة مليئة بالمواقف التي ربما تجدها عند من تمكن من توثيق تلك المرحلة تاريخياً .
،
* وكيف كان تفاعل الإعلام الرياضي في تلك المرحلة ؟
- لم يكن هناك إعلام بمعناهـ الفعلي فأنا لا أتذكر تواجد قنوات تلفزة رياضية آنذاك وكانت أغلب اللقاءات تنقل من المذياع وقليلاً في التلفزيون كما أتذكر ، وصدمت حين وجدت بأن التفاعل الإعلامي مع الأحداث الرياضية حينها شبه غائب فقد كنت أوصي المترجم الخاص بي أن يقوم بإحضار ما يكتب عني في الإعلام المحلي لديكم ولكنه لم يقم بذلك بشكل متكرر لقد كان شحيحاً وإن شهد بعض الكتابات عني في أعداد لا تكاد تذكر .
،
* وهل كنت تبحث حينها عن الثناء ؟
- لا .. الأمر لم يكن كذلك فحين بدأت ركل الكرة مع كورينثاينز كنت أبحث بعد كل مباراة عن ما يكتبه عني ريكاردو نيري صبيحة كل يوم اثنين في الجلوبو سواء أكان الأمر سلبياً أم إيجابياً فقد كان وقع ما يكتب آنذاك قوياً ومؤثراً في الشارع الرياضي البرازيلي وهذا ما افتقدته حين حضرت إلى السعودية .
،
* وما الذي تبقى في قلبك للكرة السعودية من خلال ثلاث سنوات قضيتها من تاريخك الكروي باللعب في منافساتها وهل ما زلت تتبع أخبارها ؟
- اللعب في السعودية كان مرحلة جميلة في حياتي الكروية التي لا يمكن أن أنساها ولكن لأكون صادقاً معك ، فأنا لست حريصاً على تتبع كرة القدم خارج نطاق البرازيل بشكل كبير فأنا أميل لمتابعة الأحداث المحلية هنا في البرازيل ولكن هذا لا يمنع من أن البعض يقوم باستشارتي واستنطاقي من واقع تجربتي ولعل آخرهم هو اللاعب رينان فأنا أعرفه منذ كان طفلاً .
،
* هل علمت مؤخراً بأن المنتخب السعودي فشل في التأهل لكأس العالم ؟
- نعم أخبروني بذلك وشعرت بالأسف حينها وأنت تعرف كما يعرف غيرك بأن كافة المنتخبات تعمل لذات الهدف ولا يمكن العبور بسهولة كل مرة ، فأنا أتذكر بأننا كنا على وشك الخروج من التصفيات في أكثر من مرة على الرغم من أن الجميع يعلم بأن شمس البرازيل لا تغيب عن الإشراق في نهائيات كأس العالم وهنا تحضر إرادة الفوز وتتجلى بوضوح في مثل هذه المواقف المعقدة وربما هذا الأمر لم يحصل عندكم .
،
* كيف تقيم واقع الرياضة الحالي وما الذي اختلف من وجهة نظرك ؟
- لقد تغير الأمر عما كان عليه سابقاً حيث إنحرف الأمر عن كون كرة القدم كمفهوم هي حرفة للاعب ممزجة بالهواية في ذات الوقت لإسعاد المتتبع لها إلى أن أصبحت الأمور الآن معقدة بتحولها إلى صناعة وأقطاب متصارعة ومصالح مشتركة وسوق يباع فيها اللاعب كسلعة لها ثمـن وكذلك زادت العنصرية في ملاعب كرة القدم حول العالم بشكل مثير للاهتمام ولكن ذلك لم يحصل لدينا في البرازيل بشكل كبير فالشعب البرازيلي لا زال على الفطرة فيما يتعلق بحبه لكرة القدم وجنونه بالمنتخب و الشباب لا زالوا يركلون الكرة في الحواري والأزقة وفي الشواطيء بصدق ولكــن ...
لا أخفيك فإن لعب العديد من الشبان في دول مختلفة حول العالم أسهم في نقل بعض العادات التي تتنافى مع مفهوم الحس العفوي بكرة القدم و أضحى الهم المادي يشكل أمراً يتعدى في أحيان الهم الوطني لدى البعض وليس الكــل .
،
* هل تنقم على ما يحصل عليه النجوم حالياً من مبالغ مادية ومن أضــواء ؟
- لا .. لا تفسر إجابتي السابقة بشكل خاطيء ، من خلال سؤالك الذي طرحته فأنا مؤمن بأن الزمن قد تغير والأوضاع اختلفت عما كنت عليه من قبل ، كما أن الأمر بات أكثر صعوبة فيما يتعلق بإيجاد المواهب القادرة على تقديم الفرجة الممتعة للمشاهدين وتحقيق الانتصارات وبالتالي كل موهوب سيحصل على ما يستحق نظير موهبته وتعبه في إظهار موهبته للجميــع .
،
* وهل ترى في لعب المواهب البرازيلية الشابة في الملاعب الخليجية بدلاً عن الإتجاه إلى أوروبا خطراً على الكرة البرازيلية من حيث إنخفاض مستوى التنافس وسطوة المال في إحضار هذهـ المواهـب ؟
- ربما ما تقوله صحيحاً ، ولكن يبقى الخيار في النهاية للاعب وهو الذي يقرر إن أراد اللعب في هذا الدوري أو ذاك وبرأيي أن الذهاب إلى دوريات متقدمة من الصعيد الأوروبي أو البقاء في البرازيل أجدى من اللعب في دوريات أقل مستوى .
،
* ختامــاً أحدث مواهب فلوميننسي تياغو نيفيز حضر لدينا مؤخراً هناك من يردد بأنه ريفالينو آخر أنت كيف تعلق ؟
- لا أعلم هل سيكون ريفالينو آخر أم يتفوق على ريفالينو ، سيبقى ذلك رهناً بما سيقدمه مستقبلاً لأن الفرصة لا زالت سانحة بالنسبة إلى تياغو نيفيـز للظهور بشكل أفضل مني فأنا لعبت في فترة وانتهت ولكن تياغو لا زال في مقتبل مشوارهـ كما أنني أعرف بأن تياغو قوي وصلب ويملك روح عالية أتمنى أن يضع بصمته بشكل جيد و أعتقد بأنه قادر على فعل ذلك مع فريقـي السابـق الهــلال وأتمنى أن يحقق ما حققتـه معــه .
المفضلات