[frame="15 98"]
[align=center]
رسالة في ليلة التنفيذ (شعر: هاشم الرفاعي )


أبتاه، ماذا قد يخط بناني والحبل والجلاد منتظران

هذا الكتاب إليك من زنزانة مقرورة صخرية الجدران

لم تبقَ إلا ليلة أحيا بها وأحس أن ظلامهاأكفاني

ستمر يا أبتاه – لست أشك في هذا – وتحمل بعدهاجثماني

***

الليل من حولي هدوء قاتل والذكريات تمور في وجداني

ويهدني ألمي، فأنشد راحتي في بضع آيات من القرآن

والنفس بين جوانحي شفافة دب الخضوع بها فهز كياني

قد عشت أومن بالإله ولم أذق إلاأخيرًا لذة الإيمان

شكرًا لهم، أنا لا أريد طعامهم فليرفعوه، فلست بالجوعان

هذا الطعام المر ما صنعته لي أمي، ولا وضعوه فوق خوان

كلا،ولم يشهده يا أبتي معي أخوان لي جاءاه يستبقان

مدوا إليّ به يدًا مصبوغةبدمي، وهذي غاية الإحسان

والصمت يقطعه رنين سلاسل عبثت بهن أصابع السجان

ما بين آونة تمر.. وأختها يرنو إليّ بمقلتي شيطان

من كوةبالباب يرقب صيده ويعود في أمنٍ إلى الدوران

أنا لا أحس بأي حقد نحوه ماذاجني؟ فتمسه أضغاني

هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي لم يبد في ظمأ إلىالعدوان

لكنه إن نام عني لحظة ذاق العيال مرارة الحرمان

فلربما وهوالمروع سحنة لو كان مثلي شاعرًا لرثاني

أو عاد – من يدري؟ – إلى أولاده يومًا وذكر صورتي لبكاني

وعلى الجدار الصلب نافذة بها معنى الحياة غليظةالقضبان

قد طالما شارفتها متأملاً في الثائرين على الأسىاليقظان

فأرى وجومًا كالضباب مصورًا ما في قلوب الناس من غليان

نفس الشعور لدى الجميع وإن همو كتموا، وكان الموت في إعلاني

ويدور همس في الجوانح ما الذي بالثورة الحمقاء قد أغراني؟

أولم يكن خيرًا لنفسي أن أرىمثل الجميع أسير في إذعان؟

ما ضرني لو قد سكت، وكلما غلب الأسى بالغت في الكتمان

هذا دمي سيسيل، يجري مطفئًا ما ثار في جنبي من نيران

وفؤادي الموار في نبضاته سيكف في غده عن الخفقان

والظلم باق، لن يحطم قيده موتي،ولن يودي به قرباني

ويسير ركب البغي ليس يضيره شاة إذا اجتثت من القطعان

***

هذا حديث النفس حين تشف عن بشريتي.. وتمور بعدثوان

وتقول لي: إن الحياة لغاية أسمى من التصفيق للطغيان

أنفاسك الحرى وإن هي أخمدت ستظل تغمر أفقهم بدخان

وقروح جسمك وهو تحت سياطهم قسمات صبح يتقيه الجاني

دمع السجين هناك في أغلاله ودم الشهيد هناسيلتقيان

حتى إذا ما أفعمت بهما الربا لم يبق غير تمرد الفيضان

ومنالعواصف ما يكون هبوبها بعد الهدوء وراحة الربان

إن احتدام النار في جوف الثرى أمر يثير حفيظة البركان

وتتابع القطرات ينزل بعده سيل يليه تدفق الطوفان

فيموج.. يقتلع الطغاة مزمجرًا أقوى من الجبروت والسلطان

أنالست أدري، هل ستُذكر قصتي أم سوف يعروها دجى النسيان؟

أم أنني سأكون في تاريخنا متآمرًا أم هادم الأوثان؟

كل الذي أدريه أن تجرعي كأس المذلة ليس في إمكاني

لو لم أكن في ثورتي متطلبًا غير الضياء لأمتي لكفاني

أهوىالحياة كريمة.. لا قيد.. لا إرهاب.. لا استخفاف بالإنسان

فإذا سقطت سقطت أحمل عزتي يغلي دم الأحرار في شرياني

***

أبتاه، إن طلع الصباح علىالدنى وأضاء نور الشمس كل مكان

واستقبل العصفور بين غصونه يومًا جديدًا مشرقالألوان

وسمعت أنغام التفاؤل ثرة تجري على فم بائع الألبان

وأتىيدق كما تعود – بابنا سيدق باب السجن جلادان

وأكون بعد هنيهة متأرجحًا في الحبل مشدودًا إلى العيدان

ليكن عزاؤك أن هذا الحبل ما صنعته في هذي الربوعيدان

نسجوه في بلد يشع حضارة وتُضاءُ منه مشاعل العرفان

أو هكذازعموا، وجيء به إلى بلدي الجريح على يد الأعوان

أنا لا أريدك أن تعيش محطمًافي زحمة الآلام والأشجان

إن ابنك المصفود في أغلاله قد سيق نحو الموت غيرمدان

فاذكر حكايات بأيام الصبا قد قلتها لي عن هوى الأوطان

وإذا سمعت نشيج أمي في الدجى تبكي شبابًا ضاع في الريعان

وتكتم الحسرات في أعماقهاألمًا تواريه عن الجيران

فاطلب إليها الصفح عني، إنني لا أبتغي منها سوىالغفران

ما زال في سمعي رنين حديثها ومقالها في رحمة وحنان

أبنيَّ: إني قد غدوت عليلة لم يبق لي جلد على الأحزان

فأذق فؤادي فرحة بالبحث عن بنت الحلال ودعك من عصياني

كانت لها أمنية.. ريانة يا حسن آمال لهاوأمان!

غزلت خيوط السعد مخضلا ولم يكن انتقاض الغزل في الحسبان

والآن لا أدري بأي جوانح ستبيت بعدي أم بأي جنان

***

هذا الذي سطرته لك ياأبي بعض الذي يجري بفكر عان

لكن إذا انتصر الضياء ومزقت بيد الجموع شريعةالقرصان

فلسوف يذكرني ويكبر همتي من كان في بلدي حليف هوان

وإلى لقاءتحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان


[/align]
[/frame]