مثلا قوله تعالى {إنما المؤمنون أخوة} يعني : المسلمون أخوة، فهو نفس المعنى، كما جاء الحديث (المسلم أخو المسلم) يعني (المؤمن أخو المؤمن) نفس المعنى تماما. كما جاء في الحديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)، ونلاحظ أن هذه كلها، أعني شعب الإيمان مثل الصلاة والزكاة وحسن الخلق وكل شعب الايمان المدلول عليها بهذا الحديث هي نفسها شعب الإسلام ولهذا قال (بني الإسلام على خمس.. وذكر الاركان) وهي كلها داخله في شعب الإيمان.
لكن إن جاء الإسلام والإيمان في سياق واحد، صار المقصود بالإسلام غير عن المقصود بالإيمان:
فالإسلام يكون الاعمال الظاهرة.
والإيمان يكون ما في القلب.
وكما في حديث عمر رضي الله عنه عندما جاء جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ففسره باعمال الظاهرة قال : الشهادتان والصلاة والزكاة والحج والصيام، ولما سأله عن الإيمان فسره بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه.. إلخ.
وهذا مثل قوله تعالى {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات..}، أي الذين انقادوا بالطاعات الظاهرة على جوارحهم، وأتوا بالإيمان الباطن في قلوبهم.
ولهذا يُفسر قوله تعالى {ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم..}، أي قولوا أيها الأعراب : دخلنا في الظاهر في الإسلام، ولكن حتى الان لم تستقر حقائق الإيمان في بواطنكم وقلوبكم.
ومع ذلك فحتى لو ذكر الإسلام والإيمان في سياق واحد، وصار معنى الإسلام الأعمال الظاهرة، فلايكون الإسلام إلا مع جزء من الإيمان في القلب لكي يصح أن يسمى مسلما لكن هذا الجزء من الإيمان الذي يجعله مسلما، لايعني أنه قد أتى بواجبات الإيمان كلها، فيمكن أن يكون الإسلام مع عدم الإتيان بالإيمان الواجب في القلب، يعني يكون مسلما مصدقا بدينه، ولديه خوف قلبي من ربه، وحب قلبي لربه، ولكنه ضعيف ليس إلى الدرجة الواجبة التي تمنعه من فعل كل السيئات كما هو حال المؤمن، بل فيه من ذلك درجة تجعله مسلما ليس مؤمنا.
ولهذا السبب لانستطيع ان نقول عن إنسان : إنه مؤمن، لاننا لانعلم ما في قلبه، إلا إن كان الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه مؤمن، لكن نقول إنه مسلم لاننا نحكم بالظاهر فقط، ولا ندري ما الذي في قلبه، ولاندري هل هل هو مقصر بترك بعض واجبات الإيمان، أو فعل بعض السيئات.
كما لايقول الإنسان عن نفسه إنه مؤمن، حتى لو كان يتق السيئات، ويمتثل الواجبات، لانه لايعلم لعله لم يات بكل الواجبات، أو لم يكن مخلصا في بعضها، ولم يترك كل المحرمات كالمحرمات الباطنة، أو لعله قصر في شيء وهو لايعلم. لكن يقول عن نفسه إنه مسلم لانه يعلم أنه مصدق بدينه، وأنه ينقاد بالطاعات الظاهره، ويجب عليه أن يقول ذلك.
فإذن الإسلام دائرة أوسع، والإيمان دائرة داخلها، والإحسان دائرة داخل دائرة الإيمان.
فالإنسان يدخل دائرة الإسلام بالشهادتين والامتثال الظاهري بأركان الإسلام، فإذا تغلغل الإيمان في قلبه أكثر وصار لايفعل المحرمات ولا يخل بالواجبات - فإن وقع في شيء من ذلك عجل بالتوبة - فهذا يكون قد دخل دائرة الإيمان، فإن زاد على ذلك بأنه يعبد الله كأنه يراه فقد دخل دائرة الإحسان.
فكل محسن مؤمن ومسلم، وكل مؤمن مسلم لكن قد لايكون محسنا، وليس كل مسلم مؤمنا، فضلا عن كونه محسنا.
ولنضرب على هذا مثلا من حياتنا، فالطالب الذي يحصل على أدنى درجة النجاح هذا مثل المسلم، لكنه لما كان مقصرا صار معدله ضعيفا وصار يخشى عليه من الفصل من الكلية لو استمر.
والطالب الذي يحصل على درجة ممتازة فهذا مثل المؤمن الذي حقق أعلى الدرجات ولم يقصر، وأما المحسن فهو الذي حصل على العلامة الكاملة.
هذا كله إذا جعلنا الإسلام والإيمان معا في سياق واحد، أما إن إطلق الإسلام لوحده منفردا، دخل فيه معنى الإيمان، وإذا أطلق الإيمان لوحده دخل فيه معنى الإسلام، مثل البر والتقوى، إذا أطلق البر شمل معنى التقوى، وإذا أطلقت التقوى شملت معنى البر، لكن في مثل قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} يكون البر معناه فعل الواجبات، والتقوى ترك المحرمات
والله أعلم
المفضلات