صفحة 8 من 12 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 71 إلى 80 من 120

الموضوع: •°ღ°• قَهَوةْ عَلَىَ اَلَمَفَرَقْ •°ღ°•

  1. #71
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [align=CENTER][table1="width:100%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]






    قصيدة المساء
    لـــ إيليا أبو ماضى








    السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين

    والشمس تبـدو خلفها صفراء عاصبة الجبين

    والبحر ساجٍ صامــتٌ فيه خشوع الزاهدين

    لكنما عيناك باهتتان في لأفق البعيد



    سلمى …بماذا تفكرين؟

    سلمى …بماذا تحلمين؟



    أرأيت أحلام الطفولة تختفي خلف التخوم؟

    أم أبصرتْ عيناك أشباح الكهولة في الغيوم؟

    أم خفتْ أن يأتي الدُّجى الجاني ولا تأتي النجوم؟

    أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنما أظلالها في ناظريك

    تنم ، ياسلمى ، عليك إني أراك كسائحٍ في القفر ضل عن الطريق

    يرجو صديقاً في الفلاة ، وأين في القفر الصديق

    يهوى البروق وضوءها ، ويخاف تخدعهُ البروق

    بلْ أنت أعظم حيرة من فارسٍ تحت القتام



    لا يستطيع الانتصار

    ولا يطيق الانكسار



    هذي الهواجس لم تكن مرسومة في مقلتيك

    فلقد رأيتك في الضحى ورأيته في وجنتيك

    لكن وجدتُك في المساء وضعت رأسك في يديك

    وجلست في عينيك ألغازٌ ، وفي النفس اكتئاب



    مثل اكتئاب العاشقين

    سلمى …بماذا تفكرين



    بالأرض كيف هوت عروش النور عن هضباتها؟

    أم بالمروج الخُضرِ ساد الصمت في جنباتها؟

    أم بالعصافير التي تعدو إلى وكناتها؟

    أم بالمسا؟ إن المسا يخفي المدائن كالقرى



    والكوخ كالقصر المكينْ

    والشـوكُ مثلُ الياسمين



    لا فرق عند الليل بين النهر والمستنقع

    يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجعِ

    إن الجمالَ يغيبُ مثل القبح تحت البرقعِ

    لكن لماذا تجزعين على النهار وللدجى



    أحلامه ورغائبه

    وسماؤُهُ وكواكبهْ؟



    إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها

    لم يسلب الزهر الأريج ولا المياه خريرها

    كلا ، ولا منعَ النسائم في الفضاءِ مسيرُهَا

    ما زال في الوَرَقِ الحفيفُ وفي الصَّبَا أنفاسُها



    والعندليب صداحُه

    لا ظفرُهُ وجناحهُ



    فاصغي إلى صوت الجداول جارياتٍ في السفوح

    واستنشقي الأزهار في الجنات مادامت تفوح

    وتمتعي بالشـهب في الأفلاك مادامتْ تلوح

    من قبل أن يأتي زمان كالضـباب أو الدخان



    لا تبصرين به الغدير

    ولا يلذُّ لك الخريرْ



    مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات

    إن التأمل في الحياة يزيد إيمان الفتاة

    فدعي الكآبة والأسى واسترجعي مرح الفتاةْ

    قد كان وجهك في الضحى مثل الضحى متهللاً



    فيه البشاشة والبهاءْ

    ليكن كذلك في المساءْ

    [/align][/cell][/table1][/align]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  2. #72
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [align=right]
    مثل مرآة إذا استقبلت**أظهرت الشئ كما يظهر

    لكن إذا ما غاب عن وجهها**لا تفضح السر ولا تنشر
    كن مثل شمس منحت نورها**لكل مخلوق ولا تشكر

    آمالنا مثل الرمال**عطشى وتسقيها البحار
    يخلقها ليل الخيال**يمحقها نور النهار
    [/align]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  3. #73
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    ألم يبق في الناس إلا المكر والملق = شوك ، إذا لمسوا ، زهر إذا رمق
    فإن دعتك ضـرورات لعشرتهـم = فكن جحيماً لعل الشـوك يحتـرق



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  4. #74
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]



    الفُكاهة في مقامات بديع الزمان الهمذاني
    أول من أنشأ فن المقامات(1) ووضع نواتها بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة ( 398 هـ )(2) كما أن الخليل بن أحمد الفراهيدي أول من وضع علم العروض في صناعة الشعر والشافعي أول من وضع علم أصول الفقه في كتابه المشهور " الرسالة " . ثم تتابع بعد ذلك التأليف في فن المقامات الجديد على الأدب الإسلامي الرفيع وتوسع إلى الغاية . ولكن أبو القاسم الحريري المتوفى سنة ( 515 هـ )(3) في مقاماته الأدبية قد تفوق على بديع الزمان وغيرهُ ممن ألف في هذا الباب وأصبح هو فارس المقامات بدون منازع وإليه يُشار بالبنان . إلاّ أن الأضواء لم تختفي عن مقامات البديع بالكلية فهي لا تزال تزخر بموروث أدبي كبير لا يستهان به بسبب قوة عارضته وغزارة معرفته للغة والشعر الذي يؤهل المتصدي لتأليف في هذا الفن من إجادة الإنشاء وتركيب الكلمة المستحسنة مع السجع المُطرب للسامع .

    وفي ظني أن البديع تأخر عن الحريري بسبب أنه لم يُسبق إلى الكتابة في هذا الفن من قبل فلم يستفد ممن تقدمه وهذا معروف عند العلماء الذين يبتدعون الجديد في العلم كما قال ابن الأثير : ( إنَّ مبتدىء الشيء لم يسبق إليه ومبتدع أمراً لم يتقدم فيه عليه فإنه يكون قليلاً ثم يكثر وصغيراً ثم يكبر )(4) فهذا هو الذي أنقص منها وجعلها تقصر عن مقامات الحريري ومع هذا فقد اعترف الحريري بالاستفادة من البديع حيث سار سيره وحذا حذوه في مقامته حتى قال : ( فأشار من إشارتهُ حُكم وطاعتهُ غُنم إلى أن أُنشىء مقامات أتلو فيها تلو البديع وإن لم يُدرك الظالعُ شأو الضليع(5)( إلى أن قال ) هذا مع اعترافي بأن البديع – رحمه الله - سباقُ غايات وصاحب آيات وأن المتصدي بعده لإنشاء مقامة ولو أوتي بلاغة قدامة(6) لا يغترف إلا من فضالتهِ ولا يسري ذلك المسرى إلا بدلالته )(7) وكفى بالحريري على علو كعبه في هذا الفن أن يُثني على البديع هذا الثناء الحسن .

    وأما عن أسلوب البديع القصصي في مقاماته فقد رسم في كل قصة شخصيتان رئيسيتان وهميتان . الأول : وهو الراوي للقصة وسماه عيسى بن هشام , والثاني : أبي الفتح الإسكندري الذي يقوم بدور البطل وتدور عليه الأحداث التي غالباً ما تكون في الكُدية ( التسول ) فأنشأ بذلك إحدى وخمسين مقامة سمى كل مقامة على أسم ما تدور عليه القصة .

    ومن الجميل الممتع في هذه المقامات - غير السجع الجميل المتناسق والشعر العذب والفصاحة التي تدل على تمكنه من اللغة - الفُكاهة التي لا تفارق كثيراً من مقاماته بحيث جعلت منها صور أدبية متفرقة تبهج القارىء وتزيده من علوم مختلفة ومتنوعة في الأدب الإسلامي الذي يحسن بالمرء المسلم أن يُطالعه ويغترف منه ولاسيما النشء .

    والجدير بذكر ومن المهم التنبيه عليه أن مقامات البديع هي كغيرها من كتب الأدب الذي لا يخلو من المخالفات في العقيدة مثل الحلف بغير الله أو ذكر ما هو متصل بكبائر الذنوب كأم الكبائر ( الخمر ) أو المجون والفسق إلى غير ذلك مما لا يسلم منه كتاب في الأدب القديم الذي لم يتحرى مُؤلفوها إلا نقل الأخبار والمُلح والفُكاهة بغض النظر عن الأحكام الشرعية لهذه الأعمال .

    وقد اخترنا ما استحسناه للقارئ مما نرجو أن يكون فيه المتعة والفائدة المرجوة فيحدثنا البديع في المقامة ( المضيريَّة ) نقلاً عن محدثه الوهمي عيسى بن هشام أنه كان مع أبو الفتح الإسكندري رجل الفصاحة في البصرة في وليمة وقد قُدم فيها مضيرة - وهي نوع من الطعام يُتخذ من اللحم واللبن الحامض مع التوابل - يصفها بأنها شهية قد أُعدة جيداً تتشوف النفوس إلى أكلها فإذا أبو الفتح يذمها ويشتمها أمام الحضور ويمقت آكلها وينتقص طابخها ! فتبادر للناس في بادئ الأمر أنه يمزح ولكن تبين أنهُ جاداً في ذلك فأبعدت المضيرة والأبصار ترقبها وقد تعلقت القلوب بها إرضاءً له فلما سُؤل عن سبب ثلبها قال : (( دعاني بعض التُجار إلى مضيرة وأنا ببغداد ولزمني ملازمة الغريم وال*** لأصحاب الرقيم(8) إلى أن أجبتهُ إليها وقمنا فجعل طول الطريق يثني على زوجته ويفديها بمهجته(9) ويصف حذقها في صنعتها وتأنقها في طبخها ..)) .

    كل هذا من أجل ترغيب أبو الفتح في المضيرة التي تنتظره غير متغافل هذا التاجر عن مدح زوجته في عمل البيت وإعداد الوليمة فيكمل ويقول : (( .. وهي تدور في الدور من التنور إلى القدور ومن القدور إلى التنور تنفث بفيها النار وتدق بيديها الأبزار(10)..)) .

    حرصاً منها على إتقان عملها المتعلق بهذا الفن من الطعام وطاعةً لزوجها الذي بينه وبينها علاقة زوجية جيدة بسبب المحبة المتبادلة وصفاء العيش ثم يُكمل : (( .. وأنا أعشقها لأنها تعشقني ومن سعادة المرء أن يُرزق المساعدة من حليلته وأن يسعد بظعينته(11) ولاسيما إذا كانت من طينته وهي أبنة عمِّي لحَّا(12) طينتها طينتي ومدينتها مدينتي وعمومتها عمومتي وأرومتها أرومتي(13) لكنها أوسع مني خُلقاً وأحسن خلقاً .. وصدعني بصفات زوجته حتى انتهينا إلى محلته(14) ثم قال : يا مولاي ترى هذه المحلة ؟ هي أشرف محال بغداد يتنافس الأخيار في نزولها ويتغاير الكبار في حلولها ثم لا يسكنها غير التجار وإنما المرءُ بالجار وداري في السِطة(15) من قلادتها والنقطة من دائرتها كم تقدر يا مولاي أنفق على كل دارٍ منها ؟ قُلهُ تخميناً إن لم تعرفه يقيناً ؟ قلت : الكثير ، فقال : سبحان الله ! ما أكبر هذا الغلط تقول الكثير فقط ؟! وتنفس الصعداء(16) وقال : سبحان من يعلم الأشياء وانتهينا إلى باب داره فقال : هذه داري كم تُقدِّر يا مولاي أنفقت على هذه الطاقة ؟ أنفقت والله عليها فوق الطاقة ووراء الفاقة كيف ترى صنعتها وشكلها ؟ أرأيت بالله مثلها ؟ انظر إلى دقائق صَّنعتها فيها ، وتأمل حُسن تعريجها فكأنما خُطّ بالبركار(17) ..)) .

    ومع هذا الهذر عن زوجه وبيته وحيّه وشُباك منزله يتابع هذا التاجر الوصف الدقيق عن بقيت متاعه لضيفه أبو الفتح الذي لم يكن يرغب هذا الأسلوب نوعاً ما في هذه الوليمة ثم يواصل فيقول : (( .. انظر إلى حذق النَّجار في صنعة هذا الباب اتخذه من كم ؟ قل .. ومِنْ أين أعلم ؟ هو ساج من قطعةٍ واحدةٍ لامأروضٌ ولاعفن(18) إذا حُرك أنَّ(19) وإذا نقر طنَّ(20) من اتخذهُ ياسيِّدي ؟ اتخذهُ أبو إسحاق بن محمد البصري وهو والله رجل نظيف الأثواب بصير بصناعة الأبواب خفيف اليد في العمل لله درُّ ذلك الرجل بالله لا استعنت إلا به على مثله وهذه الحلقة تراها اشتريتها في سوق الطرائف من عمران الطرائفي بثلاثة دنانير معزية(21) وكم فيها يا سيدي من الشَّبه؟(22) فيها ستةُ أرطال وهي تدور بلولب في الباب بالله دورها ثمَّ انقرها وأبصرها ..)) .

    بلا شك أن هذا التعامل مع الضيف ليس من آداب الضيافة فكان أبو الفتح يتصبّر لعل هذا التاجر يكف عن هذا الكلام الذي لم يُبقي ولم يذر و يتابع أبو الفتح الاسكندري رواية القصة مع هذا التاجر المهذار قائلاً : (( .. ثم قرع الباب ودخلنا الدهليز(23) وقال : عَمَّركِ الله يا دار ولا خربك يا جدار فما أمتن حيطانك وأوثق بُنيانك وأقوى أساسك تأمل بالله معارجها(24) وتبيَّن دواخلها وخوارجها وسلني : كيف حصَّلتها ؟ وكم من حيلةٍ احتلتها حتى عقدتها ؟ .. كان لي جار يُكنى أبا سليمان يسكن هذه المحلَّة وله من المال مالا يسعه الخزن ومن الصامت(25) مالا يحصرهُ الوزن مات وخلف خلفاً أتلفه ..)) .

    لم يعلم أبى الفتح أن التاجر قد أشترى هذا البيت بعد قصة طويلة كان في غنى عن سماعها وأولها إتلاف مال الورث من أبن صاحب المنزل الأصلي أبى سليمان في المنكرات والمحرمات ثم الحيلة عليه في شراء الدار منه و يُتابع فيقول : (( .. وأشفقت أن يسوقه قائد الاضطرار إلى بيع الدار فيبيعها في أثناء الضجر أو يجعلها عرضةً للخطر ثم أراها وقد فاتني شراها فأتقطعُ عليها حسرات إلى يوم الممات فعمدتُ إلى أثواب لا تنضُّ تجارتها فحملتها إليه وعرضتها عليه وساومتهُ على أن يشتريها نسيَّةً(26) والمدبرة يحسبُ النَّسيَّة عطية والمختلف(27) يعتدها هدية وسألته وثيقة بأصل المال ففعل وعقدها لي ثم تغافلت عن اقتضائهِ حتى كادت حاشيةُ حاله ترق فأتيتهُ فاقتضيتهُ واستمهلني فأنظرتهُ والتمس غيرها من الثياب فأحضرتهُ وسألته أن يجعل دارهُ رهينة لدي ووثيقةً في يديَّ ففعل ثم درجتهُ بالمعاملات إلى بيعها حتى حصلت لي بجدٍّ صاعدٍ(28) وبخت مساعدٍ وقوة ساعدٍ ورب ساعٍ لقاعدٍ وأنا بحمد الله مجدودٌ وفي مثل هذه الأحوال محمود وحسبك يا مولاي أني كنت منذ ليالٍ نائماً في البيت مع من فيه إذ قُرع علينا الباب فقلت : من الطارق المنتاب ؟ فإذا امرأة معها عقد لآلٍ في جلد ماءٍ ورقة آلٍ(29) تعرضهُ للبيع فأخذتهُ منها إخذة خلسٍ واشتريته بثمنٍ بخسٍ وسيكون له نفع ظاهر وربح وافر بعون الله تعالى وإنما حدثتك بهذا الحديث لتعلم سعادة جدِّي في التجارة والسعادة تنبط الماء من الحجارة الله أكبر ..لا ينبئك أصدق من نفسك ولا أقرب من أمسك اشتريت هذا الحصير من المنادات(30) وقد أخرج من دور آل الفرات وقت المصادرات وزمن الغارات وكنت أطلب مثلهُ منذ زمن الأطولِ فلا أجد والدهر حبلى ليس يدري ما يلد ثم اتفق أني حضرت باب الطاق وهذا يعرض في الأسواق فوزنت فيه كذا وكذا ديناراً تأمل بالله دقته ولينه ولونه فهو عظيم القدر لا يقع مثلهُ إلا في الندر وإن كنت سمعت بأبي عمران الحصري فهو عملهُ وله ابن يخلفهُ الآن في حانوته لا يوجد أعلاق الحصر إلا عنده فبحياتي(31) لا اشتريت الحصر إلا من دكانه فالمؤمن ناصح لإخوانه لاسيما من تحرَّم بخوانه(32) .. ونعود إلى حديث المضيرة فقد حان وقت الظهيرة يا غلام الطست والماء , فقلت : الله أكبر ربما قرب الفرج وسهل المخرج .. وتقدم الغلام فقال : ترى هذا الغلام ؟ إنه رومي الأصل عراقي النشء تقدم يا غلام واحسر عن رأسك وشمر عن ساقك وانض(33) عن ذراعك وفتر عن أسنانك وأقبل وأدبر ففعل الغلام ذلك وقال التاجر : بالله من اشتراه ؟ اشتره والله أبو العباس من النخاس(34) ضع الطست وهات الإبريق .. فوضعه الغلام وأخذه التاجر وقلبهُ وأدار فيه النظر ثم نقرهُ , فقال : إلى هذا الشَّبهِ كأنه جذوة اللهب أو قطعة من الذهب(35) شبه الشام وصنعة العراق ليس من خلقان الأعلاق(36) قد عرف الملوك ودارها تأمل حسنه وسلني متى اشتريتهُ ؟ .. )) .

    كان أبو الفتح متضجراً من كلامه فكيف يسأله وهو يريد الخلاص منه ؟! ولكن هذا التاجر يفتح الأبواب ويخترع السؤال والجواب ثم يتابع فيقول : (( .. اشتريته والله عام المجاعة وادخرته لهذه الساعة يا غلام الإبريق .. فقدمه وأخذه التاجر فقلبه ثم قال : أنبوبه(37) منه لا يصلح هذا الإبريق إلا لهذا الطست ولا يصلح هذا الطست إلا مع هذا الدست(38) ولا يحسن هذا الدست إلاَّ في هذا البيت ولا يجمل هذا البيت إلا مع هذا الضيف أرسل الماء يا غلام فقد حان وقت الطعام . بالله ترى هذا الماء ما أصفاهُ أزرق كعين السنور(39) وصافٍ كقضيب البلور؟(40) .. استقي من الفرات واستعمل بعد البيات(41) فجاء كلسان الشمعة في صفاء الدمعة وليس الشَّانُ في الإناء لا يدلك على نظافة أسبابه أصدق من نظافة شرابه وهذا المنديل سلني عن قصته فهو نسيج جرجان وعمل أرجان(42) وقع إلىَّ فاشتريته ..)) .

    لقد عرَّف هذا التاجر جميع ما في بيته لأبي الفتح مبتدأً بقصة شرائه للمنزل إلى المنديل الذي يُتخذ في تنشيف الأيدي بعد الغسل ! حتى أصبحت هذه المضيرة بغيضة لأبي الفتح بسبب ما يعانيه من هذا التاجر الذي تبين لاحقاً أن لديه الكثير من الكلام في وصف متاعه وحاجياته وأنه لا يمل ولا يكل من هذه الرعونة في التعامل مع الضيف ثم يُكمل فيقول : (( .. يا غلام الخوان فقد طال الزمان و القصاع فقد طال المصاع(43) والطعام فقد كثر الكلام .. فأتى الغلام بالخوان وقلبه التاجر على المكان ونقره بالبنان وعجمه بالأسنان , وقال : عَمَّرَ الله بغداد فما أجود متاعها وأظرف صُنَّاعها تأمل بالله هذا الخوان وانظر إلى عرض متنه وخفة وزنه وصلابة عوده وحسن شكله , فقلت : هذا الشكل فمتى الأكل ؟! فقال : الآن عَجِّل يا غلام الطعام .. لكن الخوان قوائمه منه , قال أبو الفتح الإسكندري : فجاشت نفسي(44) وقلت : قد بقي الخبز وآلاتهُ والخبز وصفاته والحنطة من أين أُشتريت أصلاً وكيف اكترى لها حملاً وفي أي رحى طحن وإجَّانةٍ(45) عُجن وأي تنور سُجر وخبازٍ استأجر وبقي الحطب من أين أحتُطب ومتى جُلب وكيف صُفف حتى جُفف وحُبس حتى يبس وبقي الخباز ووصفه والتلميذ ونعتهُ والدقيق ومدحه والخمير وشرحه والملح وملاحته وبقيت السكرجات(46) من أتخذها وكيف انتقذها ومن استعملها ومن عملها والخل وكيف انتقي عنبه أو اشتري رطبه وكيف صهرجت معصرته واستخلص لبه وكيف قير حبه وكم يُساوي دنه(47) وبقي البقال كيف احتيل له حتى قطف وفي أي مبقلة رصف وكيف تؤنق حتى نظف وبقيت المضيرة كيف اشتري لحمها ووفي شحمها ونصبت قدرها وأُججت نارها ودقت أزارها حتى أُجيد طبخها وعقد مرقها !! وهذا خطب يطم(48) وأمرٌ لا يتم فقمت , فقال : أين تريدُ ؟ فقلت : حاجةً أقضيها فقال : يا مولاي تريد كنيفاً(49) يزري بربيعي الأمير وخريفي(50) الوزير قد جصص أعلاه وصهرج أسفله وسطح سقفه وفرشت بالمرمر أرضه يزل عن حائطه الذر فلا يعلق ويمشي على أرضه الذباب فيزلق عليه باب غيرانه(51) من خليط ساج وعاج مزدوجين أحسن ازدواجٍ يتمنى الضيف أن يأكل فيه ؟! فقلت : كُل أنت من هذا الجراب لم يكن الكنيف في الحساب .. وخرجت نحو الباب وأسرعتُ في الذهاب وجعلت أعدو وهو يتبعني ويصيح : يا أبا الفتح المضيرة .. وظن الصبيان أن المضيرة لقب لي ! فصاحوا صياحه فرميت أحداهم بحجر من فرط الضجر فلقي رجل الحجر بعمامته فغاص في هامته فأخذت من النعال بما قدم وحدث ومن الصفع بما طاب وخبث وحشرت إلى الحبس فأقمتُ عامين في ذلك النحس فنذرتُ أن لا آكل مضيرة ما عشت فهل أنا في ذا يالهمذان ظالم ؟ قال عيسى بن هشام : فقبلنا عذره ونذرنا نذره وقلنا قديماً جنت المضيرة على الأحرار وقدمت الأراذل على الأخيار )).

    لقد كان أبو الفتح معذوراً في موقفه من هذه المضيرة التي أخرجته إلى هذا الحد من الغضب بحيث حمل حجراً ورمى به بعض الأولاد في الطريق الذين كانوا ينادونه بـ" مظيرة " - يظنون أنها لقب له ! – فما كان إلا أن أصابت رأس أحد المآره فكادت أن تقتله فكان عقابه السجن لمدة عامين .


    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  5. #75
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
    [align=center]


    القيم الخلقية في شعر الزهد في الأندلس


    تعد الدعوة إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة والتمسك بالخصال الحميدة مبدأ جوهرياً من مبادئ الإسلام وتعاليمه، فقد أحاط الإسلام المجتمع بمنظومة من القيم الخلقية، ووضع للأخلاق قواعد يتم على أساسها تربية النفس وتهذيبها منها: القناعة والتوكل على الله والصبر والتقوى التزام الصدق والوفاء والحياء والسخاء، كما أنه ذم النقائص الخلقية التي ينزلق إليها ذوو النفوس الضعيفة مثل: الحسد والتكالب على موارد الرزق والإقبال على الدنيا والكبر والحقد والجبن والكذب وسوء الظن بالنفس وبالغير.

    والزهد قيمة إسلامية خالصة يستمد أصوله من مفاهيم الإسلام ومبادئه، وهو فى معناه اللغوي يدور حول معان عدة منها: أنه ضد الرغبة، والزهيد هو: القليل الحقير، والازدهاد: القليل، يقال:ازدهد العطاء استقله، أما الزهد في معناه الشامل، فيعني: الاتجاه إلى الله، وعدم الاشتغال بالدنيا، والانقطاع عن الشهوات، ونهي النفس عن الهوى، والقناعة والغنى، والاكتفاء بالحاجة والعودة الى منابع الدين الحنيف والتحلي بأخلاقه"

    المتأمل فى المعنيين: اللغوي والاصطلاحي للزهد، يتبين له أن نصيباً كبيراً من الزهد يتعلق بالأخلاق الإسلامية، وأن هناك علاقة وطيدة بينهما، فالزهد يعد أحد العوامل التي تقوي إرادة الإنسان، وتمنحه الثقة بالنفس، والأمل بالمستقبل، وقد اعتمد عليه الإسلام في سعيه إلى تهذيب السلوك الإنساني، وتربية النفس الإنسانية على القيم الإنسانية العليا والمثل السامية.

    والزهد من الأغراض الشعرية التي راجت في الشعر الاندلسي وازدهرت ازدهاراً ملحوظاً، حتى غدا تياراً واسعاً وعميقاً، فقد كثر من قال فيه كثرة لافتة، تكاد تفوق مَنْ قال فيه من شعراء المشارقة، فمنهم من قصر شعره على مذهب الزهد، ولم يتجاوزه إلى غرض آخر، ومنهم من تناوله ضمن أغراض أخرى، وكان ذلك ثمرة لتضافر مجموعة من الأسباب والبواعث المحفزة التي عملت على تقوية هذا الغرض الشعري، وترسيخه في نفوس الأندلسيين، لاسيما الباعث الديني من ورع وتقوى الذي كان عاملاً أصيلاً في تقوية نزعة الزهد في نفوس الأندلسيين، فضلاً عن عوامل أخرى سياسية واجتماعية وثقافية ونفسية.

    وتمثل الدعوة إلى التحلي بالأخلاق النبيلة، والآداب الإسلامية السامية اتجاهاً بارزاً من اتجاهات شعر الزهد في الأندلس، فلقد أذاع شعراء الزهد دعوة واسعة إلى القيم الخلقية، وانتصروا لها، وفاضت قرائحهم بقصائد شعرية عديدة فيها، وشكلت تلك الدعوة منطلقاً أخلاقياً بارزاً في أشعار كثير من زهاد الأندلس، فللأخلاق فى حياة الزهاد شأن عظيم، لارتباطها الوثيق بمفهوم الزهد ونزعته العامة، إذ إن كثيراً من شعراء الزهد هم شعراء أخلاق وآداب إسلامية.

    وما دامت الحياة فانية، وكل شيء فيها إلى زوال، فلتكن الأخلاق هي الزاد الذي يتزود به الزاهد في رحلة الحياة الدنيا، والجسر الذي يعبر عليه إلى عالم الآخرة، فقد وجد الزهاد في الأخلاق العزاء لما فقدوه في مجتمعهم من مُثل وقيم، وألفوا في التحلي بها المفر من وجه الحياة المتجهم.

    ومما لاشك فيه أن الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، والآداب الإسلامية تمثل جوهر رسالة الزاهد التي تنبع من حرصه الشديد على إحياء العنصر الخلقي الرفيع الذي دعت إليه التعاليم الإسلامية، إلى جانب رسالته السامية في الكشف عن النقائص الخلقية والآفات الاجتماعية السيئة المنحرفة عن المفهوم الإسلامي التي أفضت إلى اضطراب المجتمع الأندلسي وفساده.

    فالزهد عند الزاهد أبي عمران المارتلي ليس مظهراً خارجياً يتبدى في ارتداء الثياب البالية، وإنما هو التقوى والورع، والأدب الحسن والخلق الرفيع:

    ما الزهد يا قوم – فلا تجهلوا –
    بلبــس أسمالٍ وأخلاقِ
    لكنه لبس ثيـــاب التـــــــــقى
    في حسن آدابٍ وأخلاقِ
    أما الزاهد سالم بن صالح، فقد تمثل القيم الخلقية الفاضلة في شعره من تقوى وطهارة قلب وفعال حسنة، إذ يقول:

    حسن فعالك واجنح للتقى أبــــداً
    وسل من الله حسن الخلْق والخلُقِ
    وطهر القلب من شك ومن دنس
    فآفة الثـــوب أن يطوى على خَلَقِِ

    ومن القيم الخلقية البارزة التي جسدها شعراء الزهد في أشعارهم قيمة القناعة والتعفف؛ لاتصالها ا****د بنزعة الزهد من حيث نبذ الحرص على الدنيا، والميل إلى العفاف، والرضا بما قسم الله من الرزق.

    وقد استوحى شعراء الزهد كثيراً من مضامينهم في القناعة من مصادر الشريعة الإسلامية: القرآن الكريم والحديث شريف، والأقوال المأثورة لبعض الوعاظ الزهاد والقصاص، وربطوا ذلك كله بتجاربهم الذاتية، ونظرتهم الخاصة إلى الحياة، فضلاً عن أن مفهوم القناعة لديهم كان انعكاساً لأحداث المجتمع وتقلباته الاجتماعية والسياسية.

    فالقناعة عند الزاهد المارتلي تعني بساطة العيش، والرضا بالكفاف من العيش، وهي تصدر عنه اختياراً وطوعاً، وترتبط بحساب الآخرة، فخفيف الأموال في الدنيا، ثقيل الأجر والثواب والميزان في الآخرة؛ لذا فهو يكفيه بيت متواضع يأوي إليه، ورغيف خبز مع جرعة ماء، وثوب يكتسي به، وإذا كان الله قد أعطاه حاجاته الأساسية، فهو يشعر بأنه أكثر سعادة من الأمراء ذوي القصور المنيفة، وقد صور ذلك في أسلوب شعري يفيض بصدق التعبير، في بساطة وعفوية، وقد صبه في لغة هي أقرب ما تكون إلى لغة عامة الناس، يقول المارتلي:

    سليخة وحصيــر
    لبيت مثلي كثير
    وفيــه شكر لربي
    خبز وماء نميـر
    وفوق جسمي ثوب
    من الهواء ستيـر
    إن قلت: إني مقل
    إنــي إذاً كفــــور
    قررت عيناً بعيش
    فدون حالي الأمير
    إن نظرة الشاعر إلى الحياة مستوحاة من إيمانه الذاتي بفكرة القناعة التي اتخذها فلسفة خاصة في حياته الزاهدة، ومذهباً في الحياة يقيم عليه، وقد طبق هذا المنهج الخلقي على نفسه تطبيقاً عملياً، فحقق لها طمأنينة نفسية قوية، فقد روي عنه أن كان متقللاً من الدنيا، قانعاً باليسير منها، حريصاً على أن يكون مطعمه من حلال، متعففاً، لا يقبل من أحد شيئاً، يكسب قوت يومه بكد يمينه،" إذ كان يعمل الخوص بيده في خلوته، ويبيع ما يعمل به، ويتصدق منه، لأنه كان يرى كراهية البطالة عن شغلٍ لمثله".

    ويتناول الزاهد محمد بن مفضل الفكرة ذاتها، ويعلل سر دعوته إلى القناعة والانقباض عن الناس بقوله:

    أملي في الدنيا المباحة كسرة
    أبقي بها على رمقي ودار نابيهْ
    قد أضرب الزمان عن سكانها
    فكأنها في القفـر دار خاليـــــــهْ

    أما الزاهد أبو اسحق الإلبيري، فالقناعة عنده لا تصدر عن فقر وعوز وحاجة، وإنما عن إيمان ببساطة العيش في ظل الثراء والغنى والسعة، فحين يعاتبه صديق له بقوله:" لو سكنت داراً خيراً من هذه، لكانت أولى لك"، فأجابه قائلاً:

    قالوا: أتستجد بيــتاً
    تعجب من حسنه البيوت
    فقلت:ما ذلكم صواب
    حفش كثير لمن يموت
    لولا شتـاء ولفح قيظ
    وخوف لص وحفظ قوت
    ونسوة يبتغيـن ستراً
    بنيــت بنيـان عنكبــــــوت
    أما الزاهد أبو وهب العباسي، فقد أكثر في شعره من الدعوة إلى القناعة والتواضع في المسكن والملبس مازجاً إياها بالثقة بالله يقول في مقطعة زهدية مشهورة له:

    أنا في حالتــي التي قد تـراني
    أحسن الناس إن تفكرت حالا
    منزلي حيث شئت من مستقر الـ
    أرض أسقى من الميـاه زلالا
    ليس لي كســــوة أخاف عليها
    من مغيـر ولا ترى لي مالا
    أجعل الساعد اليميــــن وسادي
    تم انثني إذا انقلبـت الشمالا
    وترتبط الدعوة إلى القناعة عند بعض الزهاد بداعي تقييم النفس وعدم إهانتها بالتذلل أمام أبواب أهل اليسار من الأغنياء، وذلك بالتوجه إلى الله ـ عز وجل ـ في طلب الرزق، يقول الزاهد محمد بن حبيب:

    لا تسأل الناس حب خردلة
    وسل إلهاً براك من طين
    فرزقه للعبـــــــــاد ذو سعة
    ليـس بفان ولا بممنون
    أما الشاعر السميسر، فإنه في إطار فلسفته الزهدية يدعو إلى القناعة وعيش الكفاف والكسب الحلال والعفاف، ويذم الحرص على الجاه والمال، وقد صاغ معانيه في أسلوب نثري يغلب عليه الطابع التعليمي التهذيبي:

    دع عنك جاهاً ومالاً
    لا عيش إلا الكفاف
    قوتٌ حلالٌ وأمنٌ
    من الردى وعفاف
    وكل ما هـو فضلٌ
    فإنـــه إســـــــراف
    ويرى الزاهد ابن محرز البلنسي أن العبد القانع الصابر هو أغنى الناس؛ لأنه متيقن من أن الأرزاق مقسومة، ولا حيلة في تغيير ما خطته الأقدار:

    اقنع بما أوتيــته تنل الغنى
    وإذا دهتك ملمة فتصبر
    واعلم بأن الرزق مقسوم فلو
    رمنا زيادَة ذرةٍ لم نقدر
    والحقيقة أن دعوة الزهاد إلى التزام القناعة وإلحاحهم على الحث على حياة التقشف والحرمان، قد نالهم من ورائها نقد كثير، إذ رأى فيها خصومهم ميلاً لحياة الخمول، وقعوداً عن طلب الرزق، وانصرافاً عن التطلع لحياة أفضل.

    بيد أن المتتبع حياة أولئك الزهاد ومسلكهم العملي في الحياة، يلمس أن القناعة في مفهومهم ليست سوى غني النفس، ورضاها بما قسم الله لها من الرزق، وأن دعوتهم إلى القناعة لا تعدو كونها دعوة إلى التجمل في طلب الرزق، وعدم الإلحاح عليه. وهو مبدأ يتساوق مع روح الإسلام وتعاليمه، فقد ورد عن الرسول الكريم قوله:" أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها" وقوله: صلى الله عليه وسلم:"اقنع بما رزقت، تكن أغنى الناس".

    وبرغم إيمان الزاهد بأن الأرزاق مكفولة من عند الله، فإن الزاهد يدعو إلى الأخذ بالأسباب لبلوغ الرزق، يقول الزاهد أمية بن أبي الصلت:

    لا تقعدن بكسر البيت مكتئبــاً
    يفنى زمانك بين اليأس والأمل
    واحتل لنفسك في شيء تعيش به

    فإن أكثر عيـش الناس بالحيـل

    ولا تقل إن رزقي سوف يدركني
    وإن قعدت فليس الرزق كالأجل
    ويدعو الزاهد إلى التحلي بالفضائل الإسلامية، والتمسك بالمثل العليا، ويحض على القناعة والرضا بالقليل، وينفر من الطمع والجشع، ويحث على احتقار المال وعُبّاده الحريصين على جمعه وضمه بدلاً من إنفاقه فى وجوه البر والإحسان يقول الزاهد المارتلي ذاماً الدرهم وحرص الناس على جمعه:

    إن المؤنة والحساب كليهما
    قرنا بهذا الدرهم المذموم
    كلف الأنام بذمه وبضمه
    فتعجبوا من لمذمم مضموم
    أما الزاهد ابن قسوم، فالقناعة عنده ترتبط بفكرة الإيمان بأن الرزق ما دام مقدراً ومكفولاً من الخالق، فينبغي على الإنسان أن يسعى للحصول عليه بالكسب الحلال، ويتجنب الطمع والحرص الشديد على الدنيا؛ لأنه إن لم يسع إلى الرزق، لسعى الرزق إليه، يقول

    عليك بالقصدِ في ما أنت كاسِبُه
    فأفضلُ الناس عَبْد طابَ مَكْسَبُهْ
    لا يَسْتَفٌزكَ حرصُ لا ولا طَمَعُ
    فالرزقُ يَطْلُبُنَا لا نَحْنُ نَطْلُبُـــهْ
    ويرادف الدعوة إلى خلق القناعة لدى شعراء الزهد الحضُّ على خلق التقوى، والتزود لها بالعمل الصالح، فهي أهم عناصر الخلق الكريم، يقول الشاعر محمد بن إسماعيل:

    واعْمَل لأخراكَ فـي دُنْياك مُجْتَهداً
    قَبْلَ الرٌحيل ولازِمْ أُهْبَـة العجلِ
    وخيُر زادِك تقوى اللهِ في ظَعَــنٍ
    فَلْتدَخِـــرْ من تُقَـاه زَادَ مُرتْحَـلِ
    والتقوى هي المدد الذي يواجه به المسلم الصعاب في رحلته الطويلة إلى الحياة الآخرة، يقول أبو محمد بن سعيد:

    تَزَوٌد وما زاد اللبيب سوى التقوى
    عساك على الهول العظيم بها تقوى
    فمن لم يعمر بالتقى جدثــــــــــا له
    فمنــــــــزله في خلده منـــزل أقوى
    ومن القيم الخلقية التي تغنى بها شعراء الزهد، وأشاعوها بين الناس الصبر، ففي الصبر خلاص للنفس البشرية من الضجر الذي ينتاب الإنسان من جراء التفكير الطويل في حب المال والجاه، وهو سيد الصفات التي يتحلى بها الزاهد إذا ما حزبه الأمر، وحلت بساحة المصائب، يقول الزاهد أمية بن أبي الصلت

    يقولون لي: صبراً وإني لصابـر
    على نائبـات الدهر وهي فواجع
    سأصبر حتى يقضي الله ما قضى
    وإن أنا لم أصبر فما أنا صــانع


    ويشيد الزاهد أبو زيد الفازازي بقيمة الصبر، ويتحدث عن وجوب التحلي به إذا ما تعرض الإنسان لمكروه، ويحث على ترقب الفرج من عند الله، ويستلهم من صبر الأنبياء العظة والعبرة، كل ذلك بأسلوب يغلب عليه طابع الوعظ والإرشاد والنصح:

    وإن غدت أزمة فاصبر لشدتها
    إن الشدائــد تأتي ثم تــــنقرض
    والعسر يتلوه يسر إن صبرت له
    ضدان: هذا وهذا عندنا عرض
    سفين صبرك نحو الأمر يدفعها
    فاصبر قليلا فمن قدامك الفرض
    في شأن يوسف إن فكرت معتبر
    وهو الدليل الذي ما فيه معترض
    وإلى جانب الحث على الصبر والتجمل وضبط النفس حذر الغضب، فالدعوة إلى التسليم للقضاء والقدر، وترك الأمور للمقدور، والرضا بما قدره الله برزت واضحة جلية في كثير من الشعر الزهدي، يقول ابن الأبار:

    أما أنــه قد خط في اللوح ما خطا
    فلا تعتـقد للدهر جورا ولا قسطا
    ولا تسخط المقدور وارض بما جرى عليك به أن الرضا يفضل السخطا


    ومن يتأمل بعض أشعار الزهاد، يجدها تضع أسس السلوك المثالي فى المجتمع الذي يتعين على أفراد المجتمع فى عصره انتهاجها، ومن هذه القواعد السلوكية المبنية على أسس التربية الإسلامية التسامحُ وغفران زلة الصديق، والتحريض على بذل الصدقات للسائلين المحتاجين، والمبادرة بمجاهدة النفس وترويضها، وبيان آداب الزيارة الإسلامية، يقول الزاهد المارتلي:

    إلمام ثقيل قد أضر بنا
    نروم نقصهم، والشيء يزداد
    ومن يخف علينا لا يلم بنا
    وللثقيل مع الساعات ترداد
    وهذه النصائح والحكم والمواعظ، وإن كانت مستقاة من القيم الإسلامية، فإنها تنبع عن دوافع ذاتية خالصة، وتعبر عن تجربة عميقة، وهى ثمرة من ثمار خبرة الزاهد الطويلة فى التعامل مع الناس، فجاءت فى مجملها نظرات صائبة فى الحياة والناس.

    ومن أبرز المضامين الزهدية فى أشعار الزاهد ابن قسوم ما أورده من حكم خلقية هي نتاج تجربة ذاتية، وخبرة طويلة فى الحياة، مكنته من أن يستخلص من أحداثها دروساً مستفادة، وعبراً معيشة، وهو يبسطها فى معرض ديني، ويتناولها من وجهة نظر الزهاد والمتعبدين، فقد ٍأكثر من الدعوة إلى الفضائل الرفيعة، والمثل الخلقية العليا، وحض على تجنب الرذائل، وذميم الفعال، هادفاً إلى تهذيب النفوس وإصلاحها، وتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس.

    فمن محاسن الأخلاق التي أكثر من الدعوة إليها التحلي بمبدأ الشورى بحسبانها قيمة خلقية عظيمة، توفر للمجتمع الإسلامي فى عهده القوة والسلامة، فى الوقت الذى كان استبداد ولاة الأمر من الحكام والأمراء بآرائهم، وانصرافهم عن الأخذ بمبدأ الشورى سبباً من أسباب انهيار الأندلس وسقوط قواعدها الكبرى فى حجر حملة الصليب:

    شاور أخا الحزم إن نابتك معضلة
    فالرأي للرأي منجاة من الغرر
    لا تصدعن برأي مـنــك منفردا
    حتى تشاور أهـل الحلم والنظر
    وابن قسوم من الزهاد الذين يعتمدون فى مضامينهم الخلقية على التجربة العملية، لا على المعلومات الدينية، فيحذر من مبدأ التناقض بين القول والفعل؛ لأن الزاهد الحقيقي لا يخالف قوله فعله، وسره علانيته، وهو يعمل بما تعلم، فثمرة العلم العمل به، يقول محذراً الذين يكتمون العلم،ويتكبرون على الناس بعلمهم
    [/align]



    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  6. #76
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78




    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  7. #77
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [align=CENTER][table1="width:100%;background-color:black;"][cell="filter:;"][align=center]











    سأرتدي جواربي واربط الحذاء
    لا لن أعود ..
    إلا بصيحات الجنود
    والطينِ والرثاء


    بدر بن عبدالمحسن








    [/align][/cell][/table1][/align]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  8. #78
    مراقب المضايف الاسلامية الصورة الرمزية ابو ضاري


    تاريخ التسجيل
    03 2007
    الدولة
    الجبي
    العمر
    45
    المشاركات
    15,733
    المشاركات
    15,733
    Blog Entries
    1


    وطِرْ
    عُدْ بقلبٍ منكسرْ
    ربما داهمك الغيبُ بأمرٍ قد قُدِر
    يا أبا الجُرحِ العراقيِّ تحمَّلْ واصطبِر
    أنت منذ ابتدأتْ حربُكَ فينا تَنْحَدِر
    كنت في دوَّامة الحرب علينا، تَنْدَحِرْ
    كنتَ تُلقي خُطَبَ الموتِ على الدنيا وفي عينيك شيء يحتضرْ
    إنها أحلامكَ الكبرى على وجهك كانت تنتحرْ
    كنت –واللهِ- أراها تَنْدَثِرْ
    أنتَ ما سُقت جنوداً حينما جئت تُحاربْ
    إنِّما سُقت الأفاعي والعقاربْ
    كلُّهم يؤمن أن القتلَ والتخريبَ واجبْ
    يا أبا الجرح العراقي رأينا ما حَصَل
    فرأيناه جزاءً كان من جنس العَمَلْ
    إنَّه معنى القِصَاصْ
    ما لكم عنه وإنْ طالت لياليكم مَنَاصْ
    كم رأينا في بيوتِ اللهِ آثار بساطيرِ الجنودْ
    داست الناسَ وهم فيها سجودْ
    لو نبشنا مَن دفنتم في اللُّحودْ
    لرووا أخبار محتلٍ حقودْ
    جيشُه الغاشمُ بالرَّكلِ يسودْ
    كم بُغاةٍ من جنودِ الاحتلالْ..
    ركلوا شيخًا عراقيا بأعقابِ النِّعالْ
    كم رأيناهم يُهينون نساءً...
    ويدوسون الرِّجالْ
    ويقودون كرامَ القومِ للسجن بأطرافِ الحِبالْ
    كم أسالوا في بيوتِ الله أنهار الدِّماءْ
    ومشوا فوق الضحايا مشيةً مفعمةً بالكبرياءْ
    مزَّقوا فيها المصاحفْ
    ومشوا فيها كما تمشي الزَّواحفْ
    أجْهَزُوا فيها على الجرحى بروحٍ باردةْ
    وقلوبٍ جامدةْ
    أيها الساري على غير هُدى
    ضاعت الأحلام في الدَّرب سُدَى
    إنَّها لَلْغَفْلة الكبرى التي تُرْسِلُ الغافِلَ في دَرْبِ الرَّدَى
    يا أبا الجرحِ الذي يشكو العَفَنْ
    قصَّةٌ في سردها معنى العَلَنْ
    قصَّةٌ تختصر الجُرْحَ العراقيَّ وأخبارَ الفِتَنْ
    نحن لا –والله- لا نرضى خطابَ الأحذيَةْ
    غير أنَّ الناس قد ضاقوا بطول التَّضحيَةْ
    برِمُوا بالقتلِ والتشريدِ هَدْم الأبنيَةْ
    تعبوا من قسوة الحرب وآثار الدَّمار المؤذيَةْ
    كم وَطِئتُم رأسَ شيخٍ وركلتُم أرْمَلَةْ
    ونشرتم في ربوع الرَّافدين المهزلَة
    وشربتم كأسَ خمرٍ باليد اليُسْرى..
    وباليُمنى رميتم قنبلَةْ
    نحن، لا – ولله- لا نتقن ألفاظ الحِذََاءْ
    إنما أنتم بدأتم لُغَةَ الَّركلِِ وتمزيقَ الحياءْ
    أيها القادم في يوم الوداعْ
    ربما كان جميلاً لو خلا من لُغَةِ النَّعل..
    وتأجيجِ الصراعْ
    لم تكن ضيفاً، وإلاَّ لاعتذرنا..
    إنما كنتَ لنا رَمْزَ الخداعْ
    إنَّها حربٌ من الله على كل مكابِرْ
    يتمادى غافلاً عنها، ويمضي ويبادرْ
    ويُرابي ويُقامِرْ
    وعلى متن الأباطيل يُسَافرْ
    ثم تأتيه النهايات التي يَرْتَدُّ عنها وهو صاغرْ
    يا رئيسَ الدولةِ العظمى يَدُ الظلمٍ قصيرةْ
    ونهاياتُ الذي يحتقر الناسَ خطيرةْ
    هكذا يستقبل الباغي مصيرَهْ
    فخذ النَّعلين منَّا وارتحلْ
    بِعْهما إنْ شئتَ في أيِّ مزادٍ وارتحلْ
    وإذا كانا على مقياس رجليك انتَعِلْ
    أنتَ ممَّا صارَ –والله- خَجِلْ
    غير أنَّ الأمر قد صار كما صارَ عياناً فاحتمِلْ
    هكذا الدنيا –أبا الجرح العراقيِّ- لها حالٌ وحالْ
    عندنا الحكمةُ قالت:
    إنَّما كلُّ مقامٍ فيه للناسِ مَقَالْ
    ومقامُ الظُّلم قد يَحْسُنُ في منطقه رَمْي النِّعالْ










  9. #79
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    عـلـمـتـنـي كـيـف اعـرفـك لـيـن صـرت أجهلـك
    ضـيـعـتـنـي فــي متاهـاتـك 000 وكـنـت ارتـجـيـك
    0 0 0 0
    حـبـيــب الاحــــلام يـابـعــدك ويـامـقـربــك
    حـــرام يـكـفـي تـبعـثـرنـي 000 وانـــا أحـتـويـك



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

  10. #80
    -


    تاريخ التسجيل
    06 2005
    المشاركات
    34,989
    المشاركات
    34,989
    Blog Entries
    78


    [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:100%;background-color:black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]




    خذ من اليوم عبرة .. ومن الأمس خبرة .. اطرح منها التعب والشقاء .. واجمع لهن الحب والوفاء .. واترك الباقى لرب السماء ! إذا استوحشت من الناس فاستأنس بالله .. وإذا أغضبك الخلق لا تنسى الخالق .. واعلم أن الله مفرج هم من سكن الرضا قلبه .. واعطي لله اثمن وقتك تكون مستجاب الدعاء بإذن الله ! أروع القلوب قلب يخشى الله .. وأجمل الكلام ذكر الله .. وأنقى الحب الحب لله فهو الاساس .. تبسم فإن الله ما أشقاك إلا ليسعدك .. وما أخذ منك إلا ليعطيك .. وما أبكاك إلا ليضحكك .. وما حرمك إلا ليتفضل عليك .. وما ابتلاك إلا لأنه يحبك ! جعلك الله ممن نادى بهم الملأ قائلا: إني أحب فلان فأحبوه ! يا من نسيت النار يوم الحساب .. وعفت أن تشرب ماء المثاب .. أخاف إن هبت رياح الردى .. عليك أن يأنف منك التراب! كلما وسعت على النفس باتباع الشهوات وأرحت البدن .. فقد ضيقت على حظ القلب من نور الله وثقلت الروح وهبطت .. وكلما ضيقت على النفس بترك الشهوات ووسعت على القلب .. حتى ينشرح ويرى نور الله وتسعد الروح وتعلو ! اللهم إن من عبادك من يدعونك ويختارون لأنفسهم .. ونحن ندعوك ولا نختار لأنفسنا .. فأختر أنت لنا .. اللهم اقدر لنا الخير حيث شئت وأصلح لنا شأننا كله .. إنك بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير .. ولا حول ولا قوة لنا إلا بك سبحانك .. ربنا نسيناك فذكرتنا .. فلك الحمد ولك الشكر.. سألناك فأعطيتنا .. فلك الحمد ولك الشكر .. نستغفرك فاغفر لنا .. فدائما يا ربنا لك الحمد ولك الشكر ! --
    [/ALIGN]
    [/CELL][/TABLE1][/ALIGN]



    هكذا هم الغرباء يأتون ويرحلون بـصمت ..!

صفحة 8 من 12 الأولىالأولى 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-09-2009, 15:41
  2. مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 10-09-2009, 10:32
  3. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-09-2009, 02:15
  4. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-09-2009, 21:31
  5. @ ღღ ღღ عالم المرأة الخاص ღღ ღღ @
    بواسطة مجد في المنتدى كـــلام نواعــــم
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 10-03-2006, 23:18

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع ما يطرح بالمضايف يعبر عن وجهة نظر صاحبه وعلى مسؤوليته ولا يعبر بالضرورة عن رأي رسمي لإدارة شبكة شمر أو مضايفها
تحذير : استنادا لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية بالمملكة العربية السعودية, يجرم كل من يحاول العبث بأي طريقة كانت في هذا الموقع أو محتوياته