(1)
حاولت أن أفهم ما يحدث في الاقتصاد العالمي هذه الأيام، وقرأت الكثير من المقالات التي تتحدث عن
أزمة الرهن العقاري وتداعياته.. ومما شاهدته:
اشتراكيون مبتهجون بما يحدث ويرددون مقولات ماركس، وإسلاميون يتحدثون عن الربا، وقوميون
يهللون لنهاية الإمبريالية!
وطبعا، ليبراليون حزانى يدعون الرب: اللهم أحفظ أمريكا.
(2)
هذا ما تقوله السوق الحرة وما تؤمن به: دعه يمر.. دعه يعمل.
ويبدو أنه لا يهمها هذا الذي سيمر عليها هل هو لص؟.. نصاب؟.. مراب كبير؟.. لا يهم.. دعوه يمر،
فالعمل سينتج العمل، والسوق تحرك السوق.
(3)
تخيلوا أن أحدهم " مرّ " على النهر و" عمل " على اصطياد السمك ولأنه يقف بجانبه " مدير مبيعات "
جيّد وذكي وظريف قام هذا المدير ببيع السمك قبل اصطياده. هناك من فكر بتأسيس شركة مساهمة
لتعليب الأسماك. هناك من قرّر المساهمة فيها، هناك من اشترى أسهم الأسماك، هناك من ضارب بها
وكسب من ورائها الملايين.... والأسماك لا تزال في النهر!
من جهة أخرى:
هناك من قام بتوقيع عقد لشرائها طازجة من الرجل الذي " يعمل " على اصطيادها. وهو بدوره باعها
على تاجر جملة. وتاجر الجملة باعها على صاحب مطعم أكلات بحرية. وصاحب المطعم قام بحجز
إحدى الطاولات لأحد المواطنين لكي يقوم نهاية الأسبوع بتناول السمك برفقة عائلته... والأسماك لا
تزال في النهر!
و.. " دعوه يمر.. دعوه يعمل ".
(4)
الأمر ببساطة، ودون تعقيدات الأرقام، وما يرافقها من مصطلحات اقتصادية أن: الرأسمالية الجشعة
(غير المنضبطة) التهمت كل شيء حولها، تلفتت حولها بحثا عن شيء جديد تلتهمه ولم تجد سواها..
فقامت بالتهام نفسها!
والسؤال هو: هل ما فعلته هذه الرأسمالية غير المنضبطة بنفسها وبغيرها سيصل أذاها إلى بقية
الأشكال الرأسمالية.. حتى إلى الشكل الأكثر انضباطا ً فيها؟.. الإجابة تكاد تكون: نعم.
(5)
عندما تـُفلس " محفظة " الفكرة - أي فكرة - هل يعني هذا إفلاس " الفكرة " نفسها؟!
الشيوعية ما تزال تتنفس.. والدليل " الحفلة " المرافقة للحدث!
(6)
ما الذي يهمني بهذا المقال، خاصة ما يمس الشأن المحلي؟
الذي يهمني: أتخيّل مواطنا ما، في مطعم ما، ينتظر وجبة " سمك " ستأتيه من نهر وهمي لا وجود له
على الخارطة.. بعد أن قام بدفع ثمن الوجبة مقدما ً!
والذي يخيفني: أن أحدهم قد قام باستثمار أموالنا في مصنع " تعليب الأسماك " المذكور أعلاه!
والذي يرعبني أكثر وأكثر: أن مؤسسة ما قد قامت بشراء " النهر " الوهمي!
وبكل حالاته الرطيان يعجبني
لكم الود
المفضلات