هذا كلام الشيخ محمد ابن صالح العثيمين غفر الله له
أهل الزكاة هم الجهات التي تصرف إليها الزكاة، وقد تولَّى الله تعالى بيانها بنفسه فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَـاكِينِ وَالْعَـامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَـارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }{سورة التوبة 60}.
فهؤلاء ثمانية أصناف:
الأول: الفقراء، وهم الذين لا يجدون من كفايتهم إلا شيئاً قليلاً دون النصف، فإذا كان الإنسان لا يجد ما ينفق على نفسه وعائلته نصف سنة فهو فقير فيعطى ما يكفيه وعائلته سنة.
الثاني: المساكين، وهم الذين يجدون من كفايتهم النصف فأكثر ولكن لا يجدون ما يكفيهم سنةً كاملة فيكمل لهم نفقة السنة.. وإذا كان الرجل ليس عنده نقود ولكن عنده مورد آخر من حرفة أو راتب أو استغلال يقوم بكفايته فإنه لا يعطى من الزكاة لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «لا حظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب»(24).
الثالث: العاملون عليها، وهم الذين يوكلهم الحاكم العام للدولة بجبايتها من أهلها، وتصريفها إلى مستحقيها، وحفظها ونحو ذلك من الولاية عليها، فيعطون من الزكاة بقدر عملهم وإن كانوا أغنياء.
الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم رؤساء العشائر الذين ليس في إيمانهم قوة، فيعطون من الزكاة ليقوى إيمانهم، فيكونوا دُعاة للإسلام وقدوة صالحة، وإذا كان الإنسان ضعيف الإسلام ولكنه ليس من الرؤساء المطاعين بل هو من عامة الناس فهل يعطى من الزكاة ليقوى إيمانه؟
يرى بعض العلماء أنه يعطى لأن مصلحة الدين أعظم من مصلحة البدن، وها هو إذا كان فقيراً يعطى لغذاء بدنه، فغذاء قلبه بالإيمان أشد وأعظم نفعاً، ويرى بعض العلماء أنه لا يعطى لأن المصلحة من قوة إيمانه مصلحة فردية خاصة به.
الخامس: الرِّقاب، ويدخل فيها شراء الرقيق من الزكاة وإعتاقه ومعاونة المكاتبين وفكُّ الأسرى من المسلمين.
السادس: الغارمون، وهم المدينون إذا لم يكن لهم ما يمكن أن يوفوا منه ديونهم، فهؤلاء يعطَون ما يوفون به ديونهم قليلة كانت أم كثيرة، وإن كانوا أغنياء من جهة القوت، فإذا قدر أن هناك رجلاً له مورد يكفي لقوته وقوت عائلته، إلا أن عليه ديناً لا يستطيع وفاءه، فإنه يعطى من الزكاة ما يوفي به دينه، ولا يجوز أن يسقط الدين عن مدينه الفقير وينويه من الزكاة.
واختلف العلماء فيما إذا كان المدين والداً أو ولداً، فهل يعطى من الزكاة لوفاء دينه، والصحيح الجواز.
ويجوز لصاحب الزكاة أن يذهب إلى صاحب الحق ويعطيه حقَّه وإن لم يعلم المدين بذلك، إذا كان صاحب الزكاة يعرف أن المدين لا يستطيع الوفاء.
السابع: في سبيل الله، وهو الجهاد في سبيل الله فيعطَى المجاهدون من الزكاة ما يكفيهم لجهادهم، ويشترى من الزكاة آلات للجهاد في سبيل الله.
ومن سبيل الله العلم الشرعي، فيعطى طالب العلم الشرعي ما يتمكن به من طلب العلم من الكُتُب وغيرها، إلا أن يكون له مال يمكنه من تحصيل ذلك به.
الثامن: ابن السبيل، وهو المسافر الذي انقطع به السفر فيعطى من الزكاة ما يوصله لبلده.
فهؤلاء هم أهل الزكاة الذين ذكرهم الله ـ تعالى ـ في كتابه وأخبر بأن ذلك فريضة منه صادرة عن علم وحكمة والله عليم حكيم.
ولا يجوز صرفها في غيرها كبناء المساجد، وإصلاح الطرق، لأن الله ذكر مستحقيها على سبيل الحصر، والحصر يفيد نفي الحكم عن غير المحصور فيه.
وإذا تأملنا هذه الجهات عرفنا أن منهم مَن يحتاج إلى الزكاة بنفسه ومنهم من يحتاج المسلمون إليه، وبهذا نعرف مدى الحكمة في إيجاب الزكاة، وأن الحكمة منه بناء مجتمع صالح متكامل متكافئ بقدر الإمكان، وأن الإسلام لم يهمل الأموال ولا المصالح التي يمكن أن تبنى على المال، ولم يترك للنفوس الجشعةِ الشحيحةِ الحريةَ في شُحِّها وهواها، بل هو أعظم موجِّهٍ للخير ومصلح للأُمم، والحمد لله رب العالمين
المفضلات