بدأت كثير من الشركات الأمريكية والأوروبية اطلاق مئات الأقمار الصناعية لايصال المستخدمين في جميع انحاء العالم بالانترنت دون أي قيود جغرافية. فمثلا بدأت شركة ستار باند Star Band الأمريكية ببث الانترنت عن طريق الاقمار الصناعية وبسرعة تصل إلى 900 كيلو بت في الثانية, أي تقريبا 20 ضعف سرعة الاتصال بالانترنت عن طريق الهاتف. والمذهل ان سعرها هو 60 دولارا أي 225 ريالا في الشهر دون أي رسوم اضافية وباتصال مستمر 24 ساعة في اليوم دون الحاجة إلى أي خط هاتفي, والشركة تطمح لتغطية بقية أنحاء العالم. وهناك شركات أخرى مثل ويلد بلو Wild Blue والتي سوف تبدأ العمل في القارتين الأمريكيتين خلال اشهر وتطمح كذلك لتغطية بقية انحاء العالم. كذلك تعمل شركة تيلي دسك Teledesaic على اطلاق 288 قمرا صناعيا للاتصال بالانترنت من أي مكان في العالم وبسرعات مذهلة تصل إلى 64 ميجابت في الثانية, أي أكثر من ألف ضعف لسرعة الاتصال عن طريق الهاتف.
كذلك يوجد حاليا شركات عالمية لديها اقمار صناعية تغطي المملكة ويوجد وكلاء محليين لهذه الشركات يعطون لمن لديهم ترخيص من الدولة اتصالا بالانترنت عن طريق الاقمار الصناعية بسعر بسيط مقارنة بتكلفة الاتصال بالانترنت عن طريق مزودي الخدمة. فمثلا احدى الجهات المحلية المرخص لها الاتصال بالانترنت عن طريق الاقمار الصناعية حصلت على عرض اتصال بالانترنت على طريق الاقمار الصناعية بسعة 15 ميجابت بسعر 600 ألف ريال في السنة "وليس في الشهر" في حين أن نفس السعة عن طريق مدينة الملك عبدالعزيز ووزارة الاتصالات يكلف أكثر من عشرين مليون ريال سنويا. الفارق بين السعرين بالتأكيد مذهل!!.
وقد كان من نتائج كثرة اعطال الاتصال بالانترنت وارتفاع أسعارها في المملكة ان قام بعض مزودي الخدمة بالاتصال بالانترنت عن طريق الاقمار الصناعية وبتكلفة تصل الى ربع أو خمس تكلفة الاتصال بالانترنت عن طريق المدينة وقد استمر هؤلاء المزودون في الاتصال بالانترنت عن طريق الاقمار الصناعية إلى أن أصدرت وزارة الداخلية قرارا يمنعهم من استخدام الاقمار الصناعية. وسبب لجوء بعض مزودي الخدمة إلى الأقمار الصناعية هو ارتفاع تكلفة الاتصال بالانترنت عن طريق المدينة وشركة الاتصالات. ومن الطبيعي انه لو كان هناك أي مبالغة كبيرة في سعر أي سلعة أو خدمة أن يلجأ الناس إلى طرق ملتوية لتلافي ذلك. فمثلا لو وضعت الدولة ضرائب على كيس الرز بحيث اصبح سعره ثلاثة آلاف ريال بدلا من 150 ريالا فمن المتوقع ان يلجأ الكثير إلى تهريب الرز بطرق غير مشروعة نظرا للمبالغة في سعره. وهذا هو الوضع المتوقع للانترنت في المملكة.
وقد سعت شركة الاتصالات في الفترة الأخيرة لحماية سوقها وذلك بالمطالبة بوضع قوانين صارمة تعاقب من يقوم باستقبال الانترنت عن طريق الاقمار الصناعية في المملكة. طبعا وجود العقوبات سوف تقلل من انتشار الاتصال بالانترنت عن طريق الاقمار الصناعية, ولكن من المتوقع ان يكون هناك من يحاول مخالفة الانظمة. ومتابعة المخالفين سوف تكون صعبة وخصوصا عندما يكون استقبال الانترنت عن طريق جهاز الرسيفر الخاص بدش التلفاز.
الواضح ان التوجه العالمي هو ايصال الانترنت لأي مكان في العالم عن طريق الانترنت والوضع الحالي للانترنت في المملكة لا يساعد على الوقوف اما هذا الزحف. ان الواقع الحالي للانترنت في المملكة لا يساعد على الوقوف امام هذا الزحف. ان الواقع الحالي للانترنت في المملكة سوف يجعل التاريخ يعيد نفسه في المملكة إلى ما قبل عشر سنوات عندما بدأ انتشار استقبال القنوات الفضائية عن طريق الأقمار الصناعية, حيث سيلجأ مستخدمو الانترنت إلى الاقمار الصناعية.
السؤال هو لو كان الاتصال بالانترنت متوفرا في المملكة وبسعر منخفض وبسرعات عالية هل سوف تجد الشركات التي توفر الاتصال بالانترنت عن طريق الأقمار الصناعية سوقا رائجا في المملكة؟ بالتأكيد لا ولكن تكون المملكة سوقا مغرية لتلك الشركات.
مشكلة شركة الاتصالات انها تفكر في الربح أولا دون النظر إلى مستقبل المملكة الاقتصادي والتقني. إذا استمر الوضع كما هو عليه فلا نستغرب ان تغزونا الانترنت عن طريق الاقمار الصناعية بسرعة أكبر مما يتوقع الكثير كما غزت القنوات الفضائية المملكة بسرعة لم نكن نتوقعها. من النتائج السلبية لهذا الاتجاه ليس فقط عدم القدرة على منع المواقع غير المرغوب فيها, ولكن ايضا له آثار سلبية اقتصادية وتقنية وسياسية نلخصها في ما يلي:
1ـ سوف يكون من الصعب اقتصاديا بناء شبكة معلوماتية تغطي المملكة. فعندما يكون الاتصال بالانترنت عن طريق الأقمار الصناعية متوفر لدى أغلب الناس فلن يكون مجد اقتصاديا إنشاء شبكة اتصالات معلوماتية تغطي المملكة.
2ـ عدم سرية المعلومات الوطنية عند انتقالها عن طريق الأقمار الصناعية.
3ـ عدم امكانية منع المواقع غير المرغوب فيها.
4ـ بطء الاتصالات بين المواقع المحلية بسبب الاتصال عن طريق الاقمار الصناعية.
5ـ ابتعاد الشركات المحلية عن استخدام نطاق الانترنت المحلي com. sa .
6ـ تسرب الأموال المحلية إلى شركات خارجية حيث ان المستخدمين للانترنت في المملكة سوف يقومون بدفع تكلفة الاتصال لتلك الشركات بدلا من دفعها لشركات محلية.
7ـ استضافة مواقع الشركات المحلية عند شركات خارج المملكة.
واختتم هذا المقال بذكر ان الحل العاجل جدا لمعالجة هذا الخطر يكمن في فتح الشركات المعلوماتية المحلية لبناء شبكات اتصال معلومات محلية تغطي المملكة بدلا من حكرها على شركة الاتصالات, فشركة الاتصالات ـ وان قامت بتخفيض أسعارها ـ لن تستطيع بناء شبكات معلوماتية تفي بحاجة المملكة المستقبلية.
المفضلات