عقد في المنامة مؤتمر بعنوان ''معالم التنمية الوطنية في الخطاب الإسلامي'' نظمته وزارة العدل والشؤون الإسلامية.
هذا المؤتمر هو الثالث ضمن سلسلة مؤتمرات سنوية تنظمها الوزارة. الأول كان بعنوان ''الخطاب الإسلامي تجديد ووسطية'' عقد في العام ,2006 والثاني بعنوان ''الخطاب الإسلامي وأمن الأمة'' عقد في العام .2007
معالم التنمية الوطنية في الخطاب الإسلامي، يبدو أن أحداث الشارع فرضت نفسها على عنوان المؤتمر لهذا العام. وهي صور المظاهرات والشوارع التي بها أدخنة ونيران يتصاعد من سيارات الأمن العام. ثمة حضور وإن غابت الصورة.
غير أن هناك تسليماً بأن هذا السلوك مصدره بالأساس خطاب ما. خطاب جاء ليحرك دوافع معينة ويخمد أخرى. خطاب كانت نتيجه بناء ونهضة ورقي، وآخر كانت آثاره حرقا وتكسيرا وهدما، وكلاهما خطاب.
وفي حالة فقدان البوصلة والاتجاه تكون النتيجة ''ضياع'' الطريق هي البارزة. وضياع الطريق أو فقدانها قد تؤدي إلى حالة من اليأس والانكسار والتي تتشكل في سلوك عدواني بعضه إرادي والآخر غير إرادي. ولكنه عدواني ولا يبرر إلا كذلك.
ومعضلة الخطاب وخاصة الإسلامي، إن لم يكتمل ولم يحمل قيم ومبادئ البناء، ستكون معاول الهدم هي الأدوات الأساسية في صنعه وصياغته.
يهدف المؤتمر إلى بيان العلاقة الوثيقة بين قواعد التنمية الوطنية ومقاصد الشريعة الإسلامية، وإحياء دور الخطاب الإسلامي المتوازن في تحقيق التنمية الوطنية.
كما يهدف إلى تأسيس نهج تربوي لغرس مفهوم حب الوطن في نفوس الناشئة، وإلى تعزيز دور الخطيب والداعية في تحقيق التنمية الوطنية.
تمحورت مواضيع المؤتمر على عرض قواعد التنمية الوطنية وعلاقتها بمقاصد الشريعة، وبيان دور الخطاب الإسلامي التجديدي في تحقيق التعايش السلمي والتنمية الوطنية.
إضافة إلى بيان الأنماط السلبية وأثرها على التنمية، وتوضيح دور الخطيب والداعية في التنمية الوطنية وتعزيز ثقافة الحوار. وأخيراً الدعوة إلى المواطنة الصالحة وربط دورها المؤثر في التنمية الوطنية.
الشيخ خالد بن علي آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية يرى في كلمته أن ''التنمية بصفة عامة والوطنية منها بصفة خاصة لا يمكن أن تكون بمعزل عن الخطاب الإسلامي''. حيث يصفه بأنه المحفز والباعث على العمل والانتاج والإبداع.
ويرى الوزير ان الخطاب هو ''المهيمن على الفكر المنحرف والسلوك المتطرف الذي يعطل مسيرة التنمية ويقطع الطريق على مريدي الإصلاح والطامحين في مزيد من التقدم والتنمية لمجتمعاتهم وأوطانهم وأمتهم''.
كما يشد الوزير على يد كل مصلح يريد الخير لوطنه، ويعمل لمستقبل أمته، ويدعو جميع المخلصين للالتفاف حول علمائهم وقادتهم لصياغة مستقبل واعد مفعم بالتفاؤل والأمل يعيد للأمة مجدها وريادتها.
مسببات النتائج السلبية للخطاب الديني
حول مسببات النتائج السلبية للخطاب الديني قدم الشيخ عبداللطيف آل محمود ورقة في المؤتمر بعنوان ''الأنماط السلوكية للخطاب الديني وأثرها على التنمية''. وقسمها إلى سلبية وإيجابية.
يعرف آل محمود التنمية بأنها كل نشاط عقلي أو عملي يؤدي إلى مردود إيجابي على الشخص الصادر منه وعلى المتلقي عنه وعلى البيئة التي تتلقى عنه.
والتنمية بهذا المعنى تشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية النفسية والبدنية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والتربوية وغيرها من مناحي الحياة، ومن أهمها التنمية الدينية التي لها التأثير الكبير على الحضارة الإسلامية الدنيوية.
والتنمية بهذا المفهوم أساس التقدم الحضاري لأنها تقدم الجديد الذي يضاف إلى الإنسان وإلى الناس مما يؤدي إلى مزيد من العطاء للإنسانية.
وما الحضارات البشرية سوى مردودات متجمعة إيجابية جديدة أو متجددة من أفراد المجتمع نحو أنفسهم ومجتمعاتهم في جميع جوانب الحياة.
وبالنسبة للخطاب الديني فهو يقسمه إلى نوعين الإيجابي والسلبي، فالإيجابي هو الخطاب الذي يجعل المتلقي عارفا به أو مقبلا عليه أو مقتنعا به أو معتقدا إياه أو محبا له.
أما الخطاب السلبي وهو الخطاب الذي يجعل المتلقي غير عارف به أو غير مقبل عليه أو غير مقتنع به أو غير قابل للاعتقاد به أو نافرا منه.
الخطاب السلبي يحوي عددا من أوجه السلوك الذي يتخذه ملقيه، وهي بحسب آل محمود خمسة أساليب.
الأول أسلوب الإفراط في تزكية النفس، وهو أسلوب يشعر المتلقي أنه أفضل الناس وأخيرهم وأن الجنة لا تفتح إلا له ولجماعته، وأن غيره لا يمكن أن يبلغ مبلغه من التقوى والتدين وبالتالي فإن الجنة إنما أعدها الله تعالى لهم وحدهم. وسلبية هذا النوع من الخطاب أنه لا يكتفي بأوصاف التزكية لجماعته التي تصل بهم إلى الغرور وإنما تتعدى سلبيتهم إلى وصف غيرهم بأوصاف مرذولة أو غير مقبولة كالكفر والابتداع والفسق وغير ذلك من المصطلحات الدينية التي تجعل المتلقي نافرا عنها وغير مستعد للقبول به، مما يثير البغضاء بينهم وبين غيرهم.
الثاني أسلوب التربية العدائية، وهو أسلوب يعتمد أصحابه على تزكية النفس وعلى اعتبار غيرهم أعداء لهم، وأن غيرهم دائم الكيد لهم، وبالتالي يجب الحذر منهم والابتعاد عنهم وعدم التعاون معهم والاستعداد لمواجهتهم في أي وقت من الأوقات. وسلبية هذا الخطاب أنه يجعل الجماعة منغلقة على نفسها وغير متعاونة مع غيرها وتنظر إلى غيرها نظرة ترقب وخوف وحذر، وتأوّل كل عمل يقوم بها غيرهم على أنها موجه ضدها، بل وأحيانا يستعد أصحابها للمواجهة الدامية إن وجدت الوقت مناسبا لها حتى من غير داع ولكنها الحالة التربوية التي تربوا عليها.
الثالث، أسلوب التربية العدوانية، وهو أسلوب يعتمد أصحابه أيضا على تزكية النفس، ويربي أصحابه على النظر إلى غيرهم أنهم على الباطل وأنهم وحدهم على الحق، وأن عليهم واجب تغيير الآخرين إلى ما هم عليه عقيدة وعبادة وسلوكا، ولذا يعملون على النيل من غيرهم ويصبحون غرضا لهم في مدارسهم ومجالسهم ومنتدياتهم، فهم في حالة عداء مستديم وقائم، ويوجهون لغيرهم التهم بالخروج على مقتضيات الإيمان، ويرون أن واجبهم تصحيح آراء الغير ليكونوا على رأيهم، ولذا تقوم التربية لديهم على إبطال رأي الغير دون اعتبار لما بينهم وبين الآخرين من مشتركات عقدية ودينية واجتماعية. وسلبية هذا الخطاب أنه يجعل الجماعة مثل الجماعة العدائية منغلقة على نفسها وغير متعاونة مع غيرها، لكنها في حالة حرب دائمة فكرية واجتماعية على غيرها، وأكثر من يبتلى بغاراتهم هم الأقرب إليهم معتقدا ومشتركات، ويمكن أن تتطور مواجهاتهم إلى مواجهات دامية.
الرابع، أسلوب الإفراط في الترهيب، وهو أسلوب يعتمد على الخوف من ترك الواجبات والخوف من فعل المحرمات، وعدم الاهتمام بما في فعل الطاعات وترك المحرمات من جزاء حسن.
وسلبية هذا الخطاب أنه يعتمد على زرع الخوف في نفس المتلقي للحرص على فعل الواجبات والتنفير من فعل المحرمات، فينتج في العادة ينتج شخصية سلبية في تدينها، تقيم العلاقة بينها وبين الله تعالى على الخوف والهلع.
الخامس، أسلوب الإفراط في الترغيب، وهو أسلوب يعتمد على التحبيب في فعل الواجبات والتحبيب في ترك المحرمات. لكنه لا يهتم ببيان عقوبات ترك الواجبات وفعل المحرمات. وسلبية هذا الخطاب أنه ينتج في العادة شخصية إيجابية في تدينها تقيم العلاقة بينها وبين الله تعالى على الحب المغالى فيه والذي يشعر المتدين بأنه في مأمن من عقوبة الله تعالى مما قد يؤدي به إلى عدم المبالاة بأمور كثيرة من الدين.
وأشد هذه الأساليب سلبية على المجتمعات الإسلامية بحسب وجهة نظر الشيخ عبداللطيف هو أسلوب التربية العدائية وأسلوب التربية العدوانية، لأنها تؤدي إلى تفكيك المجتمع الإسلامي الواحد، وإيجاد الصراع الدائم بين أتباع المذاهب والطوائف والملل والنحل، ويصبح هذا المجتمع محلا للمغرضين من الداخل والخارج للنيل منه ومن استقلاله مما يؤدي إلى تفتيته وتمزقه والتناحر بين أبناء المجتمع الواحد بل المنتمين إلى دين واحد، فكيف إذا كان في المجتمع أديان متعددة؟ بينما سلبية الأنواع الأخرى تتعلق بالأشخاص أنفسهم أكثر من تأثيرها السلبي على غيرهم إلا بطريق غير مباشر.
إنسانية المواطن أولى مقاصد التنمية
لكل خطاب هدف ومعنى ومقصد، لذلك فالخطاب الديني بحسب البداهة فإنه يستمد أفكاره ورؤاه من الإسلام، ومبادئ القرآن والسنة، لذلك فقد كان لهذا المحور حضور أوراق المؤتمر. وهي ورقة قدمها وأعدها الشيخ عصام أحمد البشير وزير الإرشاد والأوقاف السابق بجمهورية السودان والأمين العام للمركز العالمي للوسطية ورقة حول ''مقاصد التنمية الوطنية في الرؤية الإسلامية''. تحوي ورقته العديد من المبادئ التي تنادي بها منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، كحقوق الحرية والكرامة وعدالة توزيع الثروة وغيرها كمقاصد يهدف نحوها التنمية في الرؤية الإسلامية.
من أولَى مقاصد التنمية في الإسلام احترام إنسانية المواطن أو تحقيق إنسانية الإنسان، ويرتبط مفهوم التنمية في هذا السياق بتنمية الإنسان من حيث هو هدف ووسيلة. ويتأكد مفهوم التنمية حين يرتبط بتنمية قدرات الإنسان على سد حاجاته المادية والمعنوية والاجتماعية. وإذ تتركز استراتيجيات تحقيق التنمية البشرية على إحداث تغييرات في البيئة القانونية والمؤسسية التي يعيش في كنفها البشر ؛ يبقى الأساس في ذلك دائماً توسيع خيارات الإنسان، وبذلك يتسع فضاء حريته، وهو ما يتضمن البعد الاقتصادي للتنمية دون أن يقتصر عليها .
صيانة الحريات
لا يحق لأي إنسان أن يسلب حرية غيره وإرادته أو يقيدهما، فلقد جاء الإسلام برسالة تحريرية على جميع الأصعدة، وفي مقدمتها صعيد الفكر والفهم والعلم والتدين. وإذا كان لا يوجد في القرآن الكريم مصطلح ''الحرية'' بحرفه، فإن الشرع كله مليئاً بمعاني الحرية، وبالقواعد المؤسسة لها، وبالقيم والتوجيهات التي تدعمها.
ولعل الفقهاء القدامى لم يجعلوا الحرية مقصداً شرعيًّا مستقلاًّ بذاته مع الكليات الخمسة في الضروريات؛ لأنها داخلـةٌ بالبداهة في ضمنها، من حيث كونها أساساً لها، ومهاداً لحقوق الإنسان كافـةً، ولأن غاية الشريعة هي تحقيق المصالح الكبرى للبشرية (من حفظ للدين والنفس والعقل والمال والنسل)، والحرية فطرة بشرية لا تتحقق هذه المقاصد الضرورية الخمس لحياة الإنسان إلا بها.
فحفظ الدين أساسه عدم الإكراه في الإيمان به، إذ لا إكراه في الدين، ولا ينتفي الإكراه إلا بحرية الاعتقاد .وحفظ النفس لا يتحقق إلا بحريتها في التصرف في جميع شئون الحياة بعيداً عن الإكراه والاستعباد، فلا معنى لحياة إنسان مقيد في تصرفاته أو أسير رغبات سيده .
وحفظ العقل لا يتحقق إلا بحرية الاختيار، وشرط صحة لجميع التصرفات. فالعقل والحرية هما جوهر الأمانة التي تشرّف بحملها الإنسان، وهما مناط المسؤولية والتكليف كما يقول الأصوليون، وذلك أثر لتكريم الله للإنسان هذا التكريم يجعل للفعل الإنساني قصداً قائماً على الاختيار بين عبادة الله عن وعي وإرادة، وبين عبادته عن عَيٍّ وبلادة.
وحفظ المال لا يتحقق إلا بحق الإنسان في التملك، وحرية التصرف في أمواله وأملاكه بما يراه في حدود الشرع والقانون. وحفظ النسل لا يتحقق إلا بحرية الإنسان في اختيار الشريك الذي به يكمل حياته، ويعزز مسيرة الإنسانية، ويحفظ بقاءها.
إن مقصد الحرية كان طوال قرون طويلة يطلق ويقصد به أولاً مواجهة الرق المادي، إلا أن المفهوم الأعم لمقصد الحرية الآن هو حرية الإنسان في التفكير، ثم في التعبير، ثم في التنقل، ثم في الاختيار السياسي.
ويلخص البشير أنه يمكن تحديد الحريات الأساسية، الفردية والاجتماعية والسياسية، في النقاط التالية:
.1 حرية العقيدة والإيمان، والرأي والاجتهاد .
.2 حرية الفكر والتعبير، والكتابة والنشر .
.3 حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني: الهيئات، والنقابات، والجمعيات.
.4 حرية المعرفة والاتصال والإعلام.
.5 حرية الاجتماع وتكوين الجمعيات وإنشاء البنوك والمؤسسات والشركات.
.6 حق التعليم والعمل، وحق الصحة، والسكن .. وسائر الخدمات.
.7 حق التنقل والانتقال (الأشخاص ورؤوس الأموال والبضائع والسلع) .
.8 الحق في الأمن، وحُرمة المسكن وسرية المراسلات (وسائر ما صار يُعرف اليوم بحقوق الإنسان ضمن ما يتفق عليه المتعاقدون) .
.9 الحق في الحوار وفي الاختلاف، وفي إبداء وجهات النظر.
يتبع الحلقة المقبلة
المفضلات