ظــاهـــرة» الـعـبـيـكـان
«ظــاهـــرة» الـعـبـيـكـان
د.محمد الهرفي / أكاديمي وباحث سعودي - 1/5/2008
معضلة الاستاذ عبدالمحسن العبيكان انه محسوب على تيار 'المشايخ' وان 'فتاواه' التي يصعب هضمها تحسب عليهم وتسيء لهم، هذه المعضلة حاول الاستاذ ان يتخلص منها بشتى 'الفتاوى' لكنها ابت ان تفارقه فأصبح لا هو من هؤلاء ولا من هؤلاء وهنا لب مشكلة الاستاذ الكريم.. مارس الاستاذ 'الرقصة النجدية' بحجة انها احل من الماء الزلال، وان الفرح هو الاساس في مناسبات الاعراس، ولم ينس ان يشن حملة قاسية على منتقديه وإلصاق ابشع الاوصاف بهم. الاستاذ يعرف ان احدا لم يقل ان 'العرضة' حرام ولا مكروهة لا من 'المشايخ' ولا من سواهم، ويعرف -ايضا- ان اظهار الفرح في الاعراس امر يقوله الجميع بل ان اظهار الفرح في المآتم امر مشروع للتخفيف عن المصاب فالاسلام دين التفاؤل لايحب اليأس ويقاومه كذلك. لكن الاستاذ يعرف -ايضا- ان هناك عرفا في المجتمع لايسمح للمشايخ بممارسة 'العرضة' ولعله لم ينس ان العرف في الشرع له اعتباره ومن هنا هاجمه القوم وليس من باب التحريم ولو عرفوا 'استاذيته' لما فعلوا ذلك.
الاستاذ -حفظه الله - اباح الذهاب للسحرة وكذلك فك السحر بمثله مدعيا ان هذا العمل حلال لاشبهة فيه، وقد افرحت فتواه السحرة في طول الارض وعرضها واظن ان كل واحد منهم قد علق فتواه في كل زاوية من منزله، وربما امر 'شياطينه' بتوزيعها في كل زوايا الارض فربما لايتيسر لهم بعد ذلك مثلها..
ومن طوامّ الاستاذ تحريمه مقاطعة المنتجات الدنمركية وكأن كل ما فعله اولئك القوم لايستحق في نظره حتى مقاطعة تلك البضائع، وفي هذا السياق افتى كذلك بعدم جواز مقاطعة البضائع المحلية المرتفعة الاسعار ظنا منه -حفظه الله - ان الناس مثله اغنياء يستطيعون دفع كل ما يطلب منهم!!
واخر ما سمعناه منه تأكيده على حلِّ الاختلاط في العمل, وربما أطربه التصفيق وكلمات الثناء التي صاحبت تلك الفتوى التي طارت بها ركبان فئة من الناس كانوا ينتظرونها منه على احر من الجمر ولم يخيب - سعادته - ظنهم به ورغم ان الاستاذ انكر جملة مما قال, ورغم انه ادعى ان هناك من اضاف كلاماً على كلامه الا ان هذا كله لم يجعل منتظري تلك الفتوى يتوقفون عن الاشادة بها وبقائلها لدرجة ان بعضهم أكد ان مؤتمر الحوار كله ليس له اية قيمة عدا كلمة 'الشيخ' فهل نفعه انكاره؟؟.. فإنكار الاستاذ العبيكان كذبته صحيفة الحياة, الصادرة يوم الاثنين 1429/4/22هـ واكدت انه لم يكن صادقاً في نفيه فماذا سيقول الآن؟ وهل سيرفع دعوى على الصحيفة ام سيصمت؟
الاستاذ - كعادته - يقول كلاماً عاماً لا يختلف معه احد عليه لكن يغيب عنه - كعادته - ان الشيطان يكمن في التفاصيل..
خروج المرأة الى الاسواق قديماً وحديثاً لا ينكره احد, ومشاركتها في القضايا العامة في مجتمعها قديماً وحديثا لا ينكره احد ايضا, ووجود اسواق نسائية يغشاها الرجال في بعض مدن المملكة امر معروف لكل احد, ولكن هذا كله هل يجعل القول بأن الاختلاط في العمل حالياً بمواصفاته التي يعرفها الجميع, امر مباح لاشيء فيه؟! هل مواصفات الاختلاط حالياً هي نفس مواصفاته قديماً ؟؟
تأمل يا استاذنا هذه الشواهد ثم افتنا في حكمها؟ وهي - بالمناسبة - شواهد واقعية وهي لا تمثل كل الحقيقة بل تمثل جزءا قليلا جداً منها.. رئيس الدائرة سيوظف 'سكرتيرة' هذه الموظفة ستتردد على مكتب رئيسها باستمرار, وستكون معه بمفردها طويلاً, وبطبيعة الحال ستكون - غالباً - بكامل زينتها, فهل هذا اختلاط حلال؟؟ وهل تضمن ان لا يقود هذا'الاختلاط الحلال!!' الى اشياء محرمة؟!.. موظفة مع زميلها في مكتب واحد يقضيان حوالى ثماني ساعات معاً يتحدثان في العمل وسواه, ويألف بعضهما البعض الآخر, فهل نضمن ان لا تقود هذه العلاقة 'الحلال' الى علاقة اخرى قد لا تكون حلالاً؟؟
حتى لو كان في المكتب الواحد أكثر من موظفة وأكثر من موظف, وكل واحد منهم يعمل جاهداً, ان يظهر اجمل ما عنده للآخر, وكل انواع الحديث مباح لأن 'الكلفة' زالت بين الزملاء فهل نضمن يا استاذنا ان لا تعود هذه العلاقة الى شيء آخر محرم شرعاً؟
يجب ان لا نغمض اعيننا عن واقع الحال الذي نراه في كل دول العالم - الاسلامية وسواها - ولو قرأنا ما يكتب عن قضايا التحرش والاغتصاب لترددنا كثيراً قبل الحديث عن الاختلاط في العمل واباحته!!
بعض الشركات التي توظف النساء تشترط عليهن ان يخلعن النقاب لأنه - كما يقولون - يتنافى مع طبيعة العمل في شركاتهم, وبعض الشركات كذلك تختار الجميلات لوضعهن في المكاتب الامامية بهدف كسب زبائن اكثر.. أليس هذا استغلالا بشعا لجسد المرأة؟
وهل هذا العمل حلال أم حرام؟
صحيفة 'عـكاظ' في عددها يوم الجمعة 19/ 4/ 1429هـ طرحت قضية النقاب بين الرفض والقبول في القطاع الخاص, وكانت نتيجة هذه الدراسة ان 78% من النساء اعترفن بوجود معاناة حقيقية لطالبات العمل من المنقبات, وسبب ذلك ان ارباب العمل يرفضون توظيفهن بسبب النقاب, وهؤلاء يقولون -بحسب عكـاظ- 'مادامت المرأة قبلت ان تعمل في مكان مفتوح فلابد ان تقبل بكشف الوجه!!' كيف تفسر هذه الحالة ياسيدي الاستاذ؟؟ ثم ماهي الفتوى المناسبة ازاءها؟
الذين تحدثوا عن الاختلاط وعدم حرمته تحدثوا في الجوانب العامة لهذا الموضوع الذي لا يختلف معهم احد عليه لكنهم تعمدوا ألا يدخلوا في التفاصيل التي يعرفون سلبياتها كما يعرفها كل احد سواهم.
سمو الامير نايف وزير الداخلية قال كلاما جميلا في هذه المسألة بحسب صحيفة الاقتصادية الصادرة يوم السبت 20/ 4/ 1429هـ فقد اوردت كلام الدكتور غازي القصيبي خلال الحوار الوطني السابع حيث أكد ان سموه شدد على أهمية وجود ضوابط لعمل المرأة في الشركات او سواها منها: ان يكون العمل ملائما لطبيعة المرأة, وان لايؤدي الى ضرر اجتماعي او خلقي وان تؤدي عملها في مكان لا يوجد فيه رجال.
لا احد يقول ان المرأة يجب ان لا تعمل, المرأة تحتاج احيانا الى العمل كما يحتاجه الرجل ايضا البطالة منتشرة بين الجميع, واثار البطالة المدمرة تجتاح المرأة كما تجتاح الرجل سواء بسواء, والبطالة اساس كل المفاسد بكل انواعها, لا احد ينكر هذا ولكن الحل ليس بدفع المرأة واستغلال حاجتها لتعمل في اجواء غير صالحة.
اذا كانت النوايا جادة لتوظيف المرأة فلماذا لا تلتزم الشركات بوضع اماكن خاصة للنساء؟ هل الاختلاط هدف أم انجاز العمل هو الهدف الاساس؟ ثم لماذا لا تقوم وزارة العمل ووزارة المالية بواجباتهما تجاه بطالة المرأة والرجل؟
معظم النساء في بلادنا يرفضن الاختلاط لانهن يعرفن نتائجه, ولا فرق في هذا بين امرأة 'متدينة' ام غير 'متدينة' لان المرأة تحب ان تمارس حياتها الطبيعية اثناء العمل وهذا لا يتحقق لها امام الرجال.
ولعلي اذكر هنا ان اثنينية السيد عبدالمقصود خوجة عندما كرّمت الكاتبة 'الاسلامية' سهيلة زين العابدين حماد طرحت سهيلة مسألة اختلاط الحاضرين مع الحاضرات لكن الحاضرات خيّبن أملها برفضهن هذه الفكرة لانها لا تتفق مع رغباتهن!!
أخيرا اقول للاستاذ عبدالمحسن ليتك تتوقف عن اصدار هذا النوع من الفتاوى لانك رأيت بأم عينيك ان البعض مازال يردد فتواك حتى بعد ان انكرتها, وسيبقى آخرون يرددونها شئت أم أبيت.. الكلمة تملكها قبل ان تقولها اما بعد ذلك فأنت ملك لها..
د.محمد الهرفي
* أكاديمي وباحث سعودي
المفضلات