[mark=#FFFFFF]
[align=right]
ما يمر به البلد من أجواء مليئة بالأحداث من حل لمجلس الأمة وطرح قانون التجمعات وسحبه مرة أخرى وإثارة النعرات الطائفية والقبلية وتعرّض الناس في بعض المناطق لصرامة الحكومة في منع الفرعيات وازالة الدواوين، كل هذه الأحداث جعلت الأجواء في البلد مشحونة، سواء بين الناس والحكومة، أو بين الناس والأعضاء السابقين أو بين المرشحين والحكومة. كل هذه الأحداث صاحبت ما يسمى في البلد بالعرس الديموقراطي من انتشار المقرات الانتخابية في المناطق وإطلاق المحاضرات والندوات، واكتظاظ المحطات الفضائية والصحف اليومية بإفرازات هذا العرس. لذلك لن نجد أفضل من هذه الأجواء لنقف وقفة عميقة ولو بعجالة، نبحث من خلالها هذه الديموقراطية، ومدى صلاحيتها لرعاية شؤون الناس، وهل هي عملية للتطبيق أم شعارات براقة تتغنى بها الحكومة وتصدقها الرعية.
مفهوم قديم
بداية لا بد من إلقاء الضوء على مفهوم الديموقراطية وكيف ظهر هذا المفهوم، فالديموقراطية كمفهوم ليست جديدة، بل هي قديمة يعود أصلها الى الثقافة اليونانية بمعنى حكم الشعب، الا ان بلورة هذا المفهوم وتجسيده كنظام للحكم قد برز مع الثورة الصناعية في أوروبا، ليكون نظام الحكم في المبدأ الرأسمالي وليد النزاع ما بين رجال الكنيسة ومفكري أوروبا، ولأن فرنسا هي متزعمة هذه الثورة فكان دستورها له القدر الأعلى من بين الدساتير الديموقراطية، ما جعله يُترجم وتؤخذ أصوله في دساتير الدول العربية بعد ما أسموه بالاستقلال.
والديموقراطية بمفهومها العام هي حكم الغالبية، دون التقيد بأي أمر آخر سواء دين أو عادة أو تقليد او عرف، لذلك كانت هي المناسبة كنظام للحكم في المبدء الرأسمالي الذي قام على فصل الدين عن الحياة، فهم أي الغربيين بعد النزاع الدائر بين الكنسيين والملوك أرادوا أن ينفضوا كل ما هو متعلق بالدين، لكي لا يتدخل في حياتهم، فانعكس ذلك على نظام الحكم عندهم، فالناس والشعوب هم الذين يضعون قوانينهم بأنفسهم دون الرجوع للدين أو غيره، وهم الذين يقومون بتغيير هذه القوانين حسب رغباتهم وأهوائهم، والمعيار في ذلك هو رغبة الغالبية، سواء كانت النتائج صائبة أم خاطئة، فالغالبية هي المعيار، كما عبر عنها رئيس أميركي سابق «إذا كانت القرود هي الغالبية فلتحكمنا القرود»، وعندما أرادت الغالبية أن توصل «مومس» الى قبة البرلمان الايطالي أوصلتها. فكل شيء في الديموقراطية قابل للطرح مادامت الغالبية تقبل به.
حكم بشري
وبمجرد مرورنا السريع على هذا المفهوم نتوصل الى ان الديموقراطية حكم بشري، بمعنى أن عقل الانسان هو الذي يحدد فيه الصالح وغير الصالح، يبيح ويحرّم كما يرى من مصلحة. وهذا بلا شك يتخالف تماماً مع عقيدتنا الاسلامية، فالذي يحل ويحرم هو الله سبحانه وتعالى لا غير، وليس للإنسان اي تدخل في هذا الأمر، قال عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) (الأحزاب:36). لذلك يجب أن يحكم الناس بما أنزل الله لا بما تقره الغالبية، فالله سبحانه يقول: و«أن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك» (المائدة:49). هذا من جهة تشريع القوانين، أما من ناحية كون الديموقراطية نظاما للحكم في المبدأ الرأسمالي، فإن هذا يخالف الاسلام، لأن نظام الحكم في الاسلام هو الخلافة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أقر أن بعد النبوة ستكون خلافة بقوله: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم) (رواه الشيخان)، وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون...) (مسند أحمد)، وأمر المسلمين أن تكون في أعناقهم بيعة لخليفة ما يدل على أن الخلافة هي نظام الحكم في الاسلام بقوله: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) (رواه مسلم).
هذا من جهة أن الديموقراطية تخالف أصل الاسلام وعقيدته، فالديموقراطية تجعل الإنسان هو المشرّع، والاسلام يجعل الله هو المشرّع، والديموقراطية هي نظام الحكم في الرأسمالية، ونظام الحكم في الاسلام هو الخلافة.
تعاسة القوانين
أما من جهة صلاحيتها لرعاية شؤون الناس فنحن ندرك أن الإنسان مخلوق ناقص ومحدود في تفكيره، لذلك لا يمكن بل يستحيل أن يضع قوانين تعالج مشاكل البشرية جمعاء بشكل يحقق لهم الطمأنينة والاستقرار، وهذا ما تنطق به كبرى دول الديموقراطية سواء أوروبا أو أميركا، فنتائج تطبيق المبدأ الرأسمالي ومن ضمنه الديموقراطية كانت مأسوية على المجتمعات الأوروبية والأميركية، فمن تمزق اجتماعي وتميز طبقي الى تفكك أسري وتفرق عنصري، الى تفسخ أخلاقي وفقد روحاني، كل هذا بسبب تعاسة القوانين الوضعية التي يسنها الانسان لنفسه، أما القانون الذي يضعه خالق الإنسان العالم بحاجاته وغرائزه ومستقبله حتماً يكون هو الصالح المستقر المطمئن، فكما أنه عز وجل الخالق فأمره هو الأقدر والاصلح، يقول الله عز وجل: «ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين» (الأعراف:54).
أما من جهة تطبيق هذه الديموقراطية هنا في الكويت، فهي ينطبق عليها ما ينطبق على الديموقراطية الغربية بكونها تشريعاً يقوم به البشر من دون الله، وسن قوانين وضعية وإلزام الناس بها، لذلك ينطبق عليها أنها مخالفة للشريعة الاسلامية وان طُرح بها ما يوافق الشرع، ففي الثمانينات مثلاً طُرح في المجلس قانون منع الخمور من الفنادق وصوت الأعضاء عليه ومنعوه، وبذلك يكون قد منع لأن الغالبية أرادت منعه لا لأن الله حرّم الخمر وهذا لا يجوز، فالأصل هو تطبيق القانون الرباني في منع الخمر لا أخذ رأي الناس في حكم الله، وهذا ينطبق على معظم التشريعات التي يتم التصويت عليها، فالمديونيات مثلاً كانت عبارة عن قانون ربوي بحت، الأصل فيه الحرمة لقول الله عز وجل: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله» (البقرة: 278-279)، ولكن لأن الحكومة أرادت تمريره أوعزت للغالبية الموافقة عليه وإن خالف حكم الله عز وجل وتم تمريره بالفعل. لذلك كان الالتزام بالديموقراطية وتطبيقها هو اقصاء للاسلام ولأحكام الله من الحياة، وفصلاً للدين عن الحياة والدولة، ولأن البلد مسلم وأهله مسلمون توجد هذه الديموقراطية شيئاً من التناقض ما بين عقيدة الناس الإسلامية وسن القوانين الوضعية ما توجد عدم الطمأنينة والاستقرار في المعيشة، قال الله تبارك وتعالى: «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً» (طه:124).
إعادة النظر
لذلك علينا ألا نقع في المأزق الذي وقع فيه الغربيون، فعندما عجزت الديموقراطية عن حل مشاكلهم برروا ذلك بسوء اختيار حكامهم لكي يخفوا عوار نظامهم الرأسمالي، أما نحن فعلينا ألا نربط تخبط القرارات في البلد أو سوء الرعاية سواء في الصحة أو التعليم أو الاسكان بسوء اختيار الوزراء أو الحكومة، بل لا بد أن نعيد النظر بالديموقراطية التي ثبت عجزها عن حل مشاكلنا الحياتية، وطرح الاسلام كبديل بأنظمته الكاملة في الاقتصاد والاجتماع والحكم والعقوبات والسياسات الداخلية والخارجية، خاصة وأن الديموقراطية هي الدخيلة علينا وعلى ديننا وعقيدتنا، بعكس الغرب الذي يعتبر الديموقراطية نتاج تفكيره وعقيدته الرأسمالية.
التاريخ:03/05/2008الكاتب أو المصدر:حسن عبدالله الضاحي/الرأي الكويتية
[/align]
[/mark]
المفضلات