يحلو لبعض المسؤولين، ومعهم بعض الكتاب والباحثين، فى الآونة الأخيرة أن يلقوا باللوم على الشعب المصرى فيما يعانى منه أفراد هذا الشعب، وذلك من أجل الإيحاء بأن ما نعانى منه جميعاً هو من صنع أيدينا نحن، وأن الدولة لا تستطيع أن تفعل أكثر مما تفعله من أجل خير هذا الشعب!!! ولكنه العيب الذى فينا.. وهم فى ذلك الاتجاه يصفونه بأقوال كثيرة، سوف أتوقف عند بعضها للتحليل والتأمل.. من أجل تحديد المسؤولية.
* شعب كسول ومتواكل:
وقد شاعت فى هذا المجال مقولة أن المصرى لا يعمل إلا دقائق معدودة يومياً، وهى مقولة خاطئة وظالمة بكل المقاييس ودعونا نلقى نظرة سريعة على المصريين العاملين فى كل بلاد العالم من حولنا، وسوف نرى أنهم يضربون المثل فى الصبر والعزيمة، والعمل الجاد، والأمانة.. أما ما نراه على أرض الواقع فى مصر فهو فى حقيقته انعكاس للوضع العام المتردى من حيث تدنى مستوى الأجور، وغياب الرقابة الحقيقية، وانتشار الواسطة والمحسوبية، واختفاء مبدأ الثواب والعقاب، وغيرها من مظاهر الفساد الإدارى المتمكن، الذى لابد أن يترك بصماته على سلوك المواطن المصرى المطحون.. حيث يتساوى من يعمل مع من لا يعمل، بل قد يكون الأول أكثر عرضة للحساب والعقاب.
* شعب لا يعرف معنى فريق العمل..
وهذه الصفة يلاحظها الكثير من المصريين العاملين فى الداخل والخارج، مقارنة بأقرانهم من الجنسيات الأخري. وهذه الملاحظة السلبية هى نتيجة طبيعية ومنطقية لحكم عسكرى دام أكثر من خمسين عاماً، تركز فيه الاهتمام وتمحور حول القائد والزعيم والملهم ورب العائلة، وانتشرت ثقافة الوشايات والمصالح المتبادلة، ولذلك أصبح كل فرد منغلقاً على نفسه، لا يأمن جانب رفيقه خاصة أنه يعلم علم اليقين أنه لن يصل إلى ما يصبو إليه بعمله، وإنما فى الأغلب الأعم بقدر قربه وتقربه من هذا المسؤول أو ذاك..
خلاصة القول: إن كل ما يتردد من صفات سلبية للشعب المصري، ويحلو لبعض المسؤولين أن يعلقوا عليها شماعة فشلهم هى فى حقيقتها المحصلة الطبيعية لحكم سلطوي، وإدارة مركزية غاشمة فشلت على مدى سنوات طويلة، فى خلق مناخ ديمقراطى حقيقى يسمح لهذا الشعب أن يختار من يحكمه، وأن يدير شؤون حياته، وبدلاً من ذلك أقامت كياناً هُلامياً تحت مسمى الحزب الوطني، الذى لا يختلف فى شيء عن الكيانات المشوهة السابقة من الاتحاد القومى وحتى الاتحاد الاشتراكي.. ولذلك فقد المصريون حماسهم، وكل انتمائهم، وفترت همتهم، وهم يشعرون كل يوم أن مصر ليست بلدهم ولكنها بلد مجموعة محدودة العدد، مسلحة بكل أسلحة البطش والإرهاب، وتحاول امتصاص ثروات هذا البلد حتى آخر قطرة..
* شعب لا يهتم بالنظافة..
والرد البسيط على هذه المقولة السخيفة هو ما نراه بأعيننا فى معظم شوارع مصر المحروسة، فى المدن والقري، كبيرها وصغيرها، من كل أنواع الإهمال، والقذارة، والتلوث، وكلها تشير بإصبع الاتهام الرئيسى إلى مسؤولى المحافظات على جميع مستوياتهم وأجهزتهم المحلية والشعبية.. فهؤلاء جميعاً وصلوا إلى مناصبهم مكافأة لهم على ما قدموه من خدمات للنظام الحاكم أو مكافأة نهاية الخدمة لبعض المقربين والمتزلفين.. وكانت النتيجة الحتمية ما نراه من أسوأ أنواع الإدارة المحلية، الذى انعكس بطبيعة الحال على سلوك المواطن المصري، الذى لم يخلق كارهاً للنظافة، ولكنها التربة غير النظيفة التى ولد فيها، والتى لا يمكن أن تنبت إلا ما هو غير نظيف.
* شعب مستكين ولا يثور..
والحقيقة فى هذا المجال أن الشعب المصرى يتعرض طوال حياته وبصورة يومية لضغوط نفسية غاية فى الصعوبة، فهو فى حالة بحث دائم عن لقمة العيش له ولأسرته، كما أنه فى حالة خوف دائم من تعسف الأجهزة الأمنية المختلفة، التى تحيط به من كل جانب، بحيث تسد عليه منافذ الحركة والتعبير.. ولكنها على أى حال فترة مؤقتة فى تاريخ الشعوب المغلوبة على أمرها.. وسيعلم المتسببون فى هذه الحالة - وقت نفاد الصبر قريباً - أنهم أخطأوا وأجرموا فى حق أنفسهم قبل أن يجرموا فى حق هذا الشعب.
إن مصر بلد كبير.. والمصريون الذين أقاموا أكبر وأعظم حضارة عرفها التاريخ لقادرون بإذن الله، وفى خلال سنوات قليلة، أن يعيدوا مجدهم وقوتهم، وعزتهم حين يتولون حكم أنفسهم بأنفسهم وحين يترك لهم حرية اختيار حكامهم.
وعندها.. وعندها فقط سوف يظهر معدن المصريين الحقيقى أمام أنفسهم، وأمام العالم أجمع. شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
المفضلات