[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;border:6px double orange;"][CELL="filter:;"][ALIGN=right][ALIGN=CENTER][TABLE1="width:70%;background-color:orange;border:4px solid deeppink;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]نار[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:70%;background-color:orange;border:2px solid black;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]قصة في حلقات[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:orange;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]الحلقة الاولى[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
القصيدة التي ستاتي قريبا هي ترجمة امينة لاحاسيس اضرمتها بداخلي فتاة عذبة ذات عينين حورائين ، ووجه خمري،وشعر فارع.لها سذاجة طفل وحنان ام.كنت القاها كل يوم في كلية الادارة والاقتصاد بالجامعة المستنصرية ، واعود الى مسكني ظامئا لم ارتوِ من النظر اليها .ومحنتي مع تلك المعشوقة مختلفة عن محن جميع العاشقين الذين يشكون بعدا او صدا او عاذلين .فنحن نلتقي كل يوم ضمن شلة من زملائها.نجلس في النادي ، وندور في الحدائق، ونزور المرسم الذي كان منافسي الوحيد عليها. وكلما فصلتنا اجراس الدروس ساعة، اذنت لنا ذات الاجراس باللقاء من جديد .
محنتي ان نار، ورغم انوثتها الفياضة ،كانت كمن تجهل انها انثى.لا تبدو معنية بما يعني اترابها من بنات المراهقة اللهوب. ببساطة..لاتدري تلك (النار) بمن يحترق بين ألسنة لهيبها .لقد إنتبه جميع من حولنا الى وجهة عواطفي إلا هي لم تنتبه . ويئست من امكانية تنبيهها بالكلمات الملغمة والاشارات الذكية والايحاءات التي تتلقفها بنات حواء بالفطرة .ونشأ مع الايام جدار يحول دون الحديث معها بصراحة .كلما مرت الايام ازددنا قربا من بعضنا وارتفع ذلك الجدار . فأصبحتُ كما قال الشاعر القديم:
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
وأشد ما لاقيت من ألم الجـــوى
قرب الحبيب وما اليه ســـــبيلُ
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماءُ فوق ظهورها محمــولُ[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
الذي يمنعني من مصارحتها بما في نفسي هو عدم إطمئناني الى حقيقة مشاعرها . كنت خائفا ًمن الاعراض الذي سيقضي بفظاظة على ذلك الحلم الجميل والامل الخفاق . فلا مكان لي بعد الرفض في طول المستنصرية وعرضها . إذ أنني في جامعة بغداد ، والرابط الوحيد الذي يشدني الى المستنصرية هو تلك (النار)المشتعلة ابداً كالشمس .
اخذت ارسم كل ليلة خطة لمكاشفتها عند الصباح . لكن ما إن تلقاني برشاقتها الآسرة وهيئتها اللأنيقة المحتشمة ورموشها الوارفه وتلكما الغمازتين على خديها آية ً مذهلة ً للابتسام ، حتى تتبدد جميع الخطط وأستسلم لجمال اللحظة ولسان حالي يقول إن الكنوز النفيسة لايـُغامر بها).
وفي أحد الصباحات وفدت الى المستنصرية كعادتي .فوجدت (نار)وأقرانها ينتظرونني في النادي ليطلبوا مني المشاركة في مهرجان ٍ للشعر سيقام بعد أيام .لم يخطر لي قبل ذلك الصباح ان أزج بنفسي في أنشطة هذه الجامعة التي لا تعرفني . وترددتُ ، لكنهم أصروا .. وكانت نار أكثرهم حماساً. وإذا بي أنقلب فجأة ً الى النقيض وأقرر المشاركة . ثم يخطر لي أن أجعل (نار) ذاتها موضوع القصيدة .وخلال الساعات اللاحقة من النهار كانت أبيات الشعر تراودني جماعات ووحدانا ً . فلم أنم ليلتي تلك إلا وقد إكتملت القصيدة بالشكل الذي ستقرأونه،عدا بضعة أبيات ضاعت من ذاكرتي .وفي اليوم التالي قدمت النص الى (الاتحاد الوطني للطلاب) الذي يتولى تنظيم المهرجان .وكلما سألني أفراد المجموعة عن القصيدة المرتقبة زعمت لهم أني لم أكتبها بعد.
هكذا سوفت الى أن حان الموعد ، ودخلنا قاعة الاحتفالات الكبرى في الجامعة ، وقد غصت بالحاضرين . وبينما كان الشعراء يلقون قصائدهم تباعا ً ، والجماهير تقطـِّع أيديها تصفيقا ، كانت نار تنظر نحوي بقلق وإشفاق . كانت تجلس الى جواري فأسمع وجيب قلبها كأنها هي التي ستصعد المسرح بعد قليل وليس سواها . وتسألني بلا إنقطاع هل أنت واثق من نفسك ؟)..(هل تحفظ القصيدة جيدا ً؟)..(هل سبق لك أن ألقيت قصيدة ً أمام حشد ٍ كهذا؟)....الخ.كانت تشعر بالذنب يتفاقم لأنها ساهمت بإقحامي في هذه الورطة التي تبدو ساحقة .
وأخيرا ً.... وبعد دهر ،دُعيتُ الى المسرح.
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
أُســــافرُ ثم يقعدني الســــــــــفار
الــى نـــاءٍ قــريبٍ لا يـــــــــزارُ
وأَنشُرُ مهجتي الظمأى شـــراعاً
فتنشَــــفُ دون َوائلـــــتي البحارُ
وأَصــــبرُ ثمّ أضـجرُثمَّ اشــــقى
ولا ضــجرٌ يُفــيدُ ولا اصـــطبارُ
انا رجــــلُ ترجَّـــلَ عن جــــوادٍ
وحــــالتْ دونَ بغيــــتهِ القـــــفارُ
عصرتُ كواعباً وهصرتً غيـداً
وطـوَّقني الزُّمـــرَّدُ والنضــــــارُ
وبعدَ غوايتـي وطــويل ِلهــــوي
بدا لي في دجى لــيلي منــارُ
كريم ٌفوقَ نورِ الشـــــمس ِجوداً
شــــحيحُ لا يُبــاعُ ولا يُـــعارُ
بعيني َظــــبيةٍ كـنســــتْ بقــلبي
لـــها فــي هتكهِ أرَبٌ وثــــارُ
عـلـى فيــها عنــاقــيدٌ تـلاقت
وأزهــــارٌ وأقـــداحٌ تــــــــُدارُ
ورودٌ ما رأيتُ لها مــثيـــلا
وجنيٌ لـيـــسَ تـُشبههُ الثمــــارُ
فلا بيضاءَ تخشى سَبقَ بيض
ولا سمراءَ يـُدنيها السَّــــــــمارُ
معتـَّقة ُ الخدودِ بدنِّ خـــــــمر
كأنَّ شَــــــــعاعَ طلعتها جـِمارُ
وما يُخفي الإزارُ أشــدُّ بطشاً
فويلُ لي إذا نطـــــــقَ الإزارُ
الا يا ليتَ ذاتَ الـــدَّلِ تدري
بأني من دفاتِــــــــــــرها أغارُ
وأني كلــــما ازمعتُ امــــرا
يشُل ُّ عزائمي هـذا الوقــــــارُ
فعاقرتُ الهــــــمومَ وعاقرتني
وطـــــيفا ً لايقر ُّ لــهُ قـــــرارُ
ألم ُّ جواهرا ً ًفي كل ِ لـــــيل
وأفقدُها إذا طلعَ النـّــــــــــَهارُ
فؤادي صارَ يذبلُ حينَ يُسقى
ويَروى إذا تراءَتْ فيهِ (نارُ)
سواها لم يَعُدْ في حُضن ِ قلبي
مضى الماضي وعُطـِّلـَتِ العِشارُ
لها حطباً حشاشاتي وروحـــي
ولي منــــها التـّــــَوَقـُدُ والاوارُ[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:orange;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]( الحلقة الثانية)[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
صفقت لي (نار) مع المصفقين، ليس لأن القصيدة أعجبتها ، ولا لأنها فهمت منها أي معنى ، بل لأنها قصيدة زميل تعتز به ويصفق له الجميع فلتصفق هي ملء راحتيها الناعمتين .
لقد أمعنت النظر الى عينيها ، بعد المهرجان ، أتلمس صدى للقصيدة هناك . فلم أقع على أثر . إنها لم تر َ في قصيدتي أكثر من قصيدة القيت أمام الجموع فاستحقت الإعجاب . والحقيقة أن الجمهور بأسره لم يفطن الى ما في القصيدة من خصوصية . فهي عندهم واحدة من قصائد الغزل التي قيلت . وما أكثر تلك القصائد ،حتى أنها جُمعت في كراس مطبوع وُزّع على الطلبة. فلم أُعيدت قراءة القصائد توقف الذين يعرفون إسم (نار) عند البيت القائل:
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
فؤادي صار يذبل حين يُسقى
ويروى إن تراءت فيه (نارُ)[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
وأخذ بعضهم ينبه بعضا ً، وتُقرأ ُ القصيدة مرة بعد مرة ،ويتسع الاهتمام بها ، الى أن باتت حديث الوسط الطلابي . ولعل نار كانت آخر من إكتشف فحوى القصيدة . ويضايقها أن بعض الطلبة يتعمدون ترديد بيت القصيد بالقرب منها . فعاتبتني عتابا حييا ً رقيقا ً على ما سببته لها من حرج . إنني اليوم ، وبعد نحو ثلاثة عقود من ذلك الموقف ، لا أكاد أصدق أن تفتح هي الموضوع الذي يقض مضجعي ولا أستغله للبوح بمكنونات نفسي . لقد تهربت ُأمامها كما يليقُ بالفتاة ان تتهرب . ولذت بالمزاح ، بينما كانت هي جادة ومهمومة وحزينة . كانت تطالبني بوعد صريح أن لا أعود لذكر إسمها في قصيدة . لأنها ترى في ذلك ، عكس بنات جنسها قاطبة ، إساءة ً لها . فحيرتني سذاجتها وبساطتها وتيمتني . وأعطيتها الوعد الذي تريد ملفوفا ً بغشاء من المزاح . كان مزاحا مصطنعا إستعنت به لمواجهة موقف لا أستطيع مواجهته . وعدت ذلك اليوم حزينا غاية الحزن . إنه حزن العاجزين ، ولوعة المحبين. وشيئا فشيئا تصالحتُ مع المرسم بعدما كان لي عدوا لدودا . فنار لا تتغيب عن محاضرة مهما كانت الاسباب . وفراغ ما بين المحاضرات تنفق معظمه على ممارسة هوايتها المحببه في الرسم . وكم كنت أضيق ذرعا بذلك المرسم المقيت . غير أنني ، وبعدما إستفحل الهيام في قلبي ، اضطررت الى زيارة المرسم ، على مبدأ :
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
ومن نكد الدنيا على الحر ان يرى
عدوا له مــــــا مــن صـــداقته بـدُّ
يروحُ ويغدو كارها ً لوصــــــالهِ
وتضــــــطرّهُ الأيامُ والزمنُ النكدُ [/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
لقد اكتشفت أني أظلمه باتخاذي إياه خصما ً. إذ لم أجد فيه إلا خيرا.حيث وفر لي نعمة النظر الى وجه محبوبتي نظرا لم أكن أجرؤ عليه خارج المرسم . فأمام الواح الخشب ، وحيث عشرات الهواة يقفون الساعات الطوال ، يستطيع المتفرج أن يقف ما شاء من الوقوف ، دون أن يلتمس أعذارا لوقوفه . وإذا كان الآخرون ينظرون الى الرسم كنت أنا انظر الى الراسم . فهو أروع اللوحات على الإطلاق .
في المرسم تغيب نار عني وعن جميع المتفرجين غيابا كليا خلال تفاعلها مع الالوان والاصباغ فيسعدني غيابها . لا أمل مراقبة رموشها الوارفة تهدأ قليلا وهي تتأمل اللوحة ، ثم تهجم على بعضها في إغماضات متلاحقة عندما تشعر أنها أخطأت في شيء. كنت أتمنى أن لاتنقطع أخطاؤها كي لا تنقطع رعشة عينيها الحورائين .
وقبيل إمتحانات الفصل الأول أقامت الجامعة إحتفالا كبيرا شارك في إحيائه مطربون بارزون وفرق فنية منوعة . وبين فقرات الاحتفال الوافرة كان هناك قصيدة وحيدة موقعة بإسمي .
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:orange;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
(الحلقة الثالثة)[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
اعترضتُ طريقها دون المرسم،وحولت وجهتها نحو القاعة. مانعت باديء الأمر ، فرحت أعدد لها أسماء المطربين الذين سيحضرون .. فاضل عواد، رياض أحمد، أمل خضير، أديبة ،حسين نعمة.. الخ.
كان يكفي ذكر رياض أحمد لتغيير وجهتها من المرسم الى الاحتفال . فهو مطربها المفضل.
دخلنا القاعة بين أوائل الداخلين . وانتخبنا مجلسنا في الصف الثاني، حيث الصف الاول محجوز للضيوف. وبعد ساعة لم يبقَ كرسي واحد معطلا . بل رأيت الوافدين الجدد يتزاحمون وقوفا على الجانبين . وحينما كان الدكتور سلطان الشاوي، رئيس الجامعة آنذاك، يدشن بكلمته الاحتفال كان طلاب يميزون أعضدهم بشرائط خضر يستعرضون الصفوف موزعين برنامج الاحتفال. وقد مروا بنا فاختطفتُ الورقة بلهفة لأطمئن على وجود إسمي بين الفقرات. كان موجوداً،فتنفست الصعداء. في حين راحت نار تقرأ الورقة بدون اكتراث،الى ان فوجئت بإسمي عند منتصف الجدول. واذا بها تنتفض كالملسوع،ويشحب وجهها، ويتلاحق ارتعاش رموشها بسرعة اجنحة الفراش.وتنهض قائلة بحدة انها لن تبقى هنا.لم اتصور قط ان اراها على هذا المدى من الفتنة والسحر.فانا لم ارها غضبى قبل هذا الموقف. وليتني في ظرف يسمح بمسايرتها والاستمتاع بهذا الجمال الاخاذ. بيد ان الوقت كان مضغوطا الى درجة لا تسمح بتبديد ثانية واحدة.فأمسكت يدها بكلتا يدي ولجمتها في المكان. ورجوتها رجاءً حازما ان تجلس لحظة لنتفاهم. قالت وهي تجلس على وجل تريد ان تفضحني بين الطلاب).نطقت ذلك بنبرة تشبه التهديد .وكانت الورقة في يدها ترتعد كقلبي الهائج.وشفتاها الشهيتان تختلجان بصورة خارجة عن ارادتها.واخذ محياها البهيج يحمر وتبزغ من صفحته الشفافةحبيبات العرق.قلت بغضب مفتعل اناطح به غضبهاوماذا عرفت ِ عن موضوع القصيدة؟).قالت بتأكيد: (مثل تلك المرة).فأفرجتُ عن يدها ورحت استخرج من جيبي ورقة القصيدة.وهي ترقبني باهتمام متقد ، واجنحة عينيها لا تكف عن الخفقان.
ناولتها الورقة بثقة الابرياء امام ربهم.فقرأتْ بقنوت،وانا اركض معها من بيت الى بيت مستدلا باشارة رمشها المتوثب:
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
منفــــيٌّ من قبل النـــــــــــــــافي
وحريقٌ تحت الصفــــــــــصافِ
وقطـــــيعُ ذئابٍ جائـــــــــــــــعةٍ
يتخــــفى لقطــــــــــــــيع خرافِ
والحارسُ امسى محروســـــــــــاً
في القصـــــر بعــــــــشرةِ آلافِ
أمجـــادٌ لم يبــقَ منــــــــــــــــــها
الا الــــاريخ الجغــــــــــــــــرافي
وبقايا لحنٍ غنـــــــــــــــــــــــــته
فيروزٌ ووديــــعُ الصــــــــــــافي
..........
...........
يكفينا بؤســــــــــا ياوطــــــــــني
حكـــــــــــــــامٌ مثل القــــــــذافي
فاللغة الفصــحى عاجـــــــــــزةٌ
عن وصـــف اولاد الجــــــــيّافِ[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
تنهدت ملء رئتيها، واسندت ظهرها على المقعد. قلت محاكماهل وجدتِ ما يضير ؟).رأيتها تلملم انفعالاتها لتنحيها جانبا.وعادت الى الورقة المكتوبة بخط يدي تفتش عن أي مادة للاعتراض كي لاتكون هزيمتها شاملة.فأشارت الى كلمة (حريق) في البيت الاول مبدية مخاوفها من ان تؤول الى (نار) .شطبت الكلمة بلا تردد، وكتبت فوقها كلمة باردة،وانا ابتسم بجذل. وسألت هل هناك شيء آخر؟).لم تجد الا الكلمة الاخيرة.فتساءلتأليست هذه كلمة عامية؟). قلتوهل أنت مسؤولة عن سلامة اللغة العربية؟).إبتسمتْ،وعدت انظر الى العالم من حولي.كانت جلبة العزف والغناء تزلزل أركان القاعة.والتقت عيوني بعيون كثيرة يبدو انها كانت تراقب الزوبعة التي مرت بنا.
والتفتَ نحوي الرجل الجالس امامي،وبيده برنامج الاحتفال،مستفسرا عن امر فيه. رجل وقور في اواسط العمر،ليس من منتسبي الجامعة . سألني وهو يشير الى اسمي على الورقةهل صحيح ان هذا الشاعر من طلاب الجامعة ويحب احدى الطالبات؟).قلتنعم).كان الجالسان الى جانبه يرهفان السمع دون ان يلتفتا.فأضاف بطريقة إستفهاميةيقولون انه مغرم بتلك الطالبة الى حد الجنون..ويتغزل بها في كل مناسبة!).إختلستُ نظرة خاطفة من وجه رفيقتي فألفيتها تبتسم لمداراة الخجل،وقد إصطبغت وجنتاها بحمرة قشيبة، وتراقصت رموشها بلا انتهاء.قلتصحيح).بدا الرجل مغتبطا .وسألني بحبور وأمل (هل تعتقد انه سيتغزل بها اليوم ايضا؟). قلت جازماًبالتأكيد). فعاد الى صحبه يبشرهم بالذي سمعوا.وعدتُ انا الى نفسي استنفرها لمواجهة الامتحان الصعب الذي لم يعد بيني وبينه سوى دقائق.وعادت نار تمشطني بحنانها الثر مخافة ان افشل في مهمتي الوشيكة.
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:orange;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center](الحلقة الرابعة)[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
الفرق بين الحياة ووصفها ان الوصف يتحكم به ناقلوه، كما اتحكم انا الآن بتفاصيل هذه الاحداث القديمة. فأكتفي بالوقوف عند محطاتها الرئيسية، بينما الحقيقة ان الامور كانت لاتعرف التوقف ، والتفاصيل اليومية البسيطة تتراكم باستمرار لينشأ منها صرح مرتفع يعرفه الذين عايشوها في ذلك الزمن .اقول هذا لاني لا استطيع الاحاطة بمجريات ما حدث.بل ولا اجد من الحصافة الاسهاب في التفاصيل التي بوسع المتابع اللبيب تصورها من خلال السياق العام.
المهم ان عريفة الحفل، التي كانت احدى مذيعات التلفزيون، ظهرت وارتجلت عبارات ادبية بليغة لاادري من لقنها اياها . وخلصت منها الى ذكر اسمي سيدا للفقرة القادمة. واندلع التصفيق قبل ان تفرغ من ذكر الاسم، وبشدة لم اكن اتخيلها حتى في الخيال. فنهضت وانا مشفق من ان تخذلني ركبتاي . كنت اتعثر باقدام الجالسين على طريقي، فيعتذرون هم مني ولا اجيبهم. نسيت اني نسيت القصيدة بيد نار . وانتبهت هي فهتفت لي على بعد خطوات. والحقتني الورقة. فاتحدت التعليقات من كل حدب وصوب في همهمة مدوية. فالجميع،باستثنائي ونار، لا يشكون في ان تلك الورقة المهرولة في اثري تضم بين طياتها قصيدة غزل طال انتظارها.
علوت المسرح فتجدد لي التصفيق ليمنحني هدنة كنت بامس الحاجة اليها كي التقط انفاسي، واضبط المايكرفون على قامتي. كان العازفون والفنيون يتناوأون من وراء الكواليس بفضول، لرؤية هذا المتحدي المفاجيء على اعجاب المتفرجين. وامعنت النظر امامي نحو البحر المتلاطم من البشر. وبلا وعي وجدتني ابحث عنها. فوجدتها ملقية نحوي بل جوارحها. وبدا الآخرون من حولها هالة تشكلت لتزيدها بهاءً.
انقطع التصفيق. وضج الصمت يطلب مني الكلام. فوضعت الورقة في جيبي ،وتنحنحت لاهتزاز الثقة بحنجرتي والمايكروفون معا.ثم قلت:
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]يانارُ انتِ جنتي ونعيمي..[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
فصفقوا، واكبت نار مستغشية راحتيها.لم يتسن لي سماع شهقة لا اشك في انها صدرت من اعماقها. واسترسلت بقصيدتي التي اعددتها مسبقا وحفظتها عن ظهر قلب:
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
يا نـــارُ انتِ جنـــتي ونعــــــــيمي
ونهــــاية التحلـــــيل والتــحريـــــمِ
من لي بشـــــــــــيطانٍ اليكِ يزلني
كرفـــــيقِ آدمَ في الزمــــانِ رجيـمِ
كل الكـــبائرِوالصـــــغائرِ جئتــــها
ولســـــــــوء حظــي لم افز بجحيمِ
*******
قالوا اقتصد في الاقتصـاد محاسنٌ
عزت على الاحصــــاءِ والتـرقــيمِ
وقصـدتُ مـا ذكروا وكنت مغرراً
مـا كـنتُ فـي آلائـها بعلــــــــــــــيمِ
فرأيتُ ناراً كالســــعيرِ لهـيــبـــــها
يمــتد مـن قلبـــي لشـــــــــعبةِ جيمِ
ممـشـــــوقةٌ عـيـنـاء ذاتُ نكـــــايةٍ
في قطفِ واستــدرار كلِ كتـــــــيمِ
صــبحٌ يطلٌّ من الجبينِ على مدى
ليلٍ من الشــــــعرِ الظليلِ بهـــــــيمِ
ياليتني ذاك القمــــيصُ منعــــــــماً
فوق الترائبِ نـــــــامَ غيــرَ اثــــيمِ
او كنتُ غمضةَ عينــها او شعرها
او كنت بعدَ الخلقِ محضَ رمــــيمِ
قذفت بروحي شــعلةً مشـــــــبوبةً
فاقـت نـواصـي قادمٍ وقديــــــــــــمِ
عصفت باسلحتي ارقُّ شــــــغافها
حتفُ الضــــراغمِ في عيونِ الريمِ
ما خلتُ ان النـــــــارَ يحرقُ بعدها
ودنوها طلُّ بكف نســــــــــــــــــيمِ
كابرتُ دهراً ثمَّ ضقت بســـــــرها
وانهارَ تحت عنادها تصــــمـيمــي
فأتيتُ افضحُ من لواعــجِ مهجـتـي
ما لم أقلها ســـــــــالفاً لنديـــــــــــمِ
وعظيمُ أبصرتُ الصوابَ بعيــــنهِ
من قالَ:انثى خلفَ كلِ عظيــــــــمِ
ـــــ ــــــ ـــــــــ
يا نــارُ انَّ الكي آخـــــــــرُ مبريءٍ
ان طالت الشكوى بصدرِ ســــــقيمِ
لا تأخذنَّكِ بالغــــــرورِ مزاعــــــمٌ
دنياكِ هـــــــذي لـم تدمْ لزعـــــــيمِ
حفرت جفونكِ بارتعاشِ رموشـها
لكِ في فؤادي موقــــــداً فأقيــــمي
كوني ســــــــــلاماً في حياتكِ مرةً
لموحـــدٍ من آلِ إبــراهيــــــــــــــمِ[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
( [ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:burlywood;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]الحلقة الخامسة)[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
أكملت القصيدة. وخرجت من الباب الخلفي للقاعة. وتركت الجامعة برمتها، يفعمني شعور بالانتصار لا يكدره الا انني اقترفت غدراً قبيحا بحق انسان وثق بكلماتي.
لبثت موزعا بين الشعور بالسعادة الغامرة والشعور بالذنب حتى الصباح التالي عندما قصدت المستنصرية مبكرا. وجلست في النادي حيث اعتدنا ان نلتقي مطلع كل يوم. كان صوت فيروز يملأ الأثير، والطلبة يتوافدون.وكلما دخل احدهم رماني بنظرة فاحصة ومضى. ودخلت نار بكل هدوئها الجذاب وطفولتها اللذيذة. ونظرت الي نظرة وجدت صعوبة في التجلد امامها. وعبرت الى الجهة البعيدة من الصالة. وانشطر اعضاء المجموعة الى نصفين بيني وبينها. وانا معول عليهم في رأب الصدع. وحضر احد الناشطين في ( الاتحاد الوطني) ينشد نسخة من قصيدة الامس لتوزيعها. قلت معتذرا الانسة زعلانة الآن..ونبحث عما يخفف زعلها لا ما يزيده).
ويبدو ان مسؤول النادي كان ينتظر وصول نار بعدما وصلت انا، ليوقف شريط فيروز عن الدوران ويضع مكانه تسجيلا لقصيدتي. فوجئت وفوجيء الجميع. فلم يكن احد يدري بأنها سجلت . واتجهتْ كل الانظار تلقائيا الى نار التي بدت ثائرة وقامت الى العامل المسؤول عن جهاز التسجيل . ومن الواضح انها تحتج على اذاعة القصيدة. ومن الواضح ايضا ان العامل يرفض الاستجابة لها. فأحسستُ بتعاطف لا يطاق معها. واغتنمت وجود المسؤول الطلابي لأرجوه ان يتدخل. فذهب ، وتوقفت القصيدة. وعادت نار باتجاه مجلسها متئدة ترشقها الابصار من جميع الجهات. وقبل ان تصل كرسيها انطلقت في فضاء الصالة اغنية(زعلانة وانتِ المنى) كانت يومذاك آخر اغنيات صلاح عبد الغفور، وانجح اغنيات الموسم. وما ان اضطر صاحب النادي على اسكات القصيدة حتى وضع تلك الاغنية كأفضل تعبير عن الموقفزعلانة وانتِ المنى .......وانتِ غرامي انا.......من غبتِ غاب الهنا.......واللحظة صارت سنة.........عيني منى عيني.......... عيني منى).
أُخذت نار على حين غرة. وتسمرت على مقربة من الطاولة التي يتحلق حولها زملاؤها. ونظرت فرأت كل العيون محدقة بها. فما كان منها الا أن ابتسمت او ضحكت رغما عنها. وصفق بعض الموجودين. وتفاءلت انا خيرا . لكن تفاؤلي لم يكن في محله. فقد رفضت نار جميع الوساطات. وأصرت على القطيعة بعناد لم يتوقعه كل من عرف رقتها وبساطتها. وكان اكثر المثابرين في طلب الصلح اثنان من أعضاء شلتنا هما :ـ طالب فلسطيني اسمه سميح وطالبة من كركوك اسمها نضال. كلاهما مقرب مني ومنها . لم يكفا عن بذل مساعيهما الحميدة عندما يئس غيرهما من الوسطاء.
كنت اعتقد، كما يعتقد الآخرون، ان ذكرها في القصائد ليس انتقاصا منها. بل على العكس تمييزا لها عن غيرها من البنات. وتتويجا لها بما تتمناه كل فتاة . اما منطقها هي فلم اكن اعرفه. ولم يعد بوسعي التعرف عليه مذ حلت بيننا القطيعة. بيد ان الوسيطين نقلا لي عنها ان المشكلة لا تتعلق بها نفسها وانما بذويها الذين سيعمدون الى منعها من مواصلة الدراسة بمجرد ان ينم الى مسامعهم ورود اسمها في قصيدة.
وجدت حجتها مقنعة، ومبشرة بخير. وحلفت للسميحين اغلظ الايمان ان لا اعود لذكرها في قصيدة. الا ان نار قالتلا أثق به) واصرت على الجفاء. فحز في نفسي عميقا ان اكون إمرأً غير موثوق به. وغشيتني الكآبة. وتكالبت عليّ الاشواق القاسية. لكن الامتحانات بدأت، فحالت دون رؤيتها ولو من بعيد. وبعد الامتحانات حلت العطلة الربيعية كما تحل المصائب على التعساء. فرحلت عن بغداد الى موطني في اقصى البلاد. التمس عند اهلي السلوى. ولكن هيهات!. فقد رافقني طيفها لينغص كل متعة تسنح لي. واستطال اسبوعا العطلة الى اقاصي الصبر. وبين الفينة والفينة يخامرني احساس رطب بأن الامور لن تظل حالكة الى النهاية. وان نورا باهرا لابد آت في نهاية المطاف. [/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
المفضلات