الرحالة «خالد بن عيسى البلوي» مؤلف كتاب «تاج المفرق في تحلية علماء المشرق» الذي ينتسب إلى قبيلة بلي، المنتشرة في عدة بلاد إسلامية، كجزيرة العرب والأندلس والمغرب.
سافر من موطنه الأندلس إلى المشرق، وأثناء رحلته هذه كتب المؤلف كتابه، «الأقطار» فوصف ما شاهد من الأقطار وتحدث عمن اتصل بهم من الرجال، وقيد مذكراته فلما عاد نقح كتابه، واطلع عليه رجال الفكر والثقافة.
ومن غريب المصادفات أن يكون «البلوي» قد رحل في السنوات التي رحل فيها «ابن بطوطة» الذي لم يكتب أثناء رحلته وإنما سجل ملاحظات وقد اشتهر المغاربة والأندلسيون بتأليف كتب الرحلات ويرجع ذلك لبعدهم عن «مكة المكرمة» ورغبتهم في أداء فريضة الحج.
ولعل رحلة «البلوي» احد أهم الكتب التي وصلت إلينا من القرن الثامن الهجري، الذي يكاد مؤرخو الفكر المغربي والأندلسي، أن يتفقوا على انه كان قرنا خصب الفكر، كثير الإنتاج، عميق البحث.
والكتاب يعطي صورة لصناعة النثر الأندلسي وتطوره في القرن الثامن الهجري وكانت تجربته الشخصية ووقوفه بنفسه على المشاهد والآثار هي المصدر الحق لرحلته، كما أن ملاحظاته الأدبية وانطباعاته الشخصية هي جزء أساسي من تعبير ذلك العصر وأفكاره.
تبدأ رحلة البلوي بمقدمة وبعدها سرد عن خروجه من الأندلس ووصوله إلى «تلمسان» فالجزائر فبجاية ثم تونس التي غادرها إلى مالطة، فقبرص فالإسكندرية فالقاهرة حيث دخلها سنة 737 هجرية في عهد «الناصر محمد قلاوون» التي كانت علاقته حسنة مع الأندلس والمغرب.
ثم يصف خروجه من القاهرة إلى غزة، فبيت المقدس فتبوك فوادي القرى، إلى المدينة المنورة، ثم إلى مكة المكرمة، وكذلك طريق العودة.
وقد سلك «البلوي» نفس الطريق التي سلكها «ابن بطوطة» بل إنهما سافرا معا، عن طريق «تلمسان والجزائر وبجاية حتى تونس» حيث افترقا، فسافر «البلوي» إلى الإسكندرية بحرا، على حين تابع «ابن بطوطة» طريق البر.
ويتفقان معا في وصف كل الأماكن المقدسة، وقد شغف كل منهما بملاقاة الرجال، غير أن البلوي يبحث عن كبار علماء الحديث والأدب، ويتعرف عليهم ويتصل بهم ويأخذ عنهم ويروي سندهم، بينما نرى «ابن بطوطة» يعني بمعرفة اسمائهم وألقابهم غير حافل باختصاصاتهم ويبدو ان «البلوي» كان مطلعا على كتب الجغرافيا، عارفا بعلومها، وقد ورد في كتابه ذكر لعدد كبير من الذين ألفوا في فن الرحلات ليعطينا مفتاحا لمعرفة هذا الفن.
تعتبر رحلة البلوي، رحلة ادبية، لما في اسلوبها من نثر محكم، وعبارات منتقاة، وقد استوفت شروط الرحلات الادبية حيث اهتم بالمدن والقرى والجزر البحرية بشكل خاص، وبذلك فان ما قدمه يعد معجما جغرافيا لعدة مدن اقام بها في طريقه الى الحج وهو يضبط اسم المدينة كتابة ويشكلها.
كما يذكر عددا من كتب الشروح والفهارس والاسانيد ودواوين الشعر مما يدل على المامه بثقافة عصره، واطلاعه على المصادر المعروفة في وقته بل ان وظيفة القضاء التي تسلمها لم تمنعه من الاشتغال بالادب ومخالطة شعراء الاندلس، وما رحلته الا حلقة من سلسلة الرحلات التي عرف بها المغاربة والاندلسيون منذ فجر التاريخ الاسلامي وهي لا تقل شأنا عن رحلات «ابن رشد وابن بطوطة» في جوانبها الجغرافية والتاريخية والادبية والاجتماعية، فهو كما قال عنه ابن الخطيب: هذا الرجل من اهل الفضل، كثير التواضع، حسن الاخلاق، جميل العشرة محبب في الادب».
ومؤلفنا لم يأت من فراغ، فقد نشأ في اسرة علمية متدينة، ثم رحل الى غرناطة ودرس فيها، وكان مولعا برواية الشعر العربي وحفظه وبخاصة الشعر الاندلسي، وكتابه مليء بمحفوظاته في هذا الباب وقد روى لنفسه كثيرا من القصائد والمقطوعات، ومنها قصيدته الرائعة التي انشدها، لما تراءت له المدينة المنورة، كما انه عالج الموشحات، وكان له فيها شأن يذكر، كما كان «البلوي» حسن الخط، يكتب بسرعة واتقان، حيث قيل عن خطه: يتنافس فيه السمع والبصر، وكان اضافة لذلك، حسن الصوت يتحلى الناس برنين انشاده، وقد كان محتدما بين علماء المشرق والمغرب.
منقوووول
المفضلات