" الرومانسية والحب "
نفحه من نفحات الزهور التي ثبت عطرها في جنبات التاريخ
وهي من إبداعات الشاعر الراحل طلال الرشيدالله يرحمه
اخترت أن أكتب عن هذا الموضوع وأنا وبكل صراحة لا أعرف كيف أتهجى هذه الكلمة أهي (رومانسية) أم (رومنسية) والفرق أنها في الأولى تقف على قدم الألف كأنها فلاّح يحرث الأرض وفي الثانية تستلقي وكأنها غادة هيفاء تنام على شاطئ رملي في جزيرة بعيدة رملها أبيض وماؤها فيروز، وأظن أن عدم معرفتي بكتابة هذه الكلمة يعود لأنني لم أتعلم كتابتها في المدرسة. وللأمانة كان بإمكاني سؤال المصحح اللغوي في إدارة
التحرير إلا أنني فضلت أن تأتي كتابتي بتلقائيتها وللمصحح بعد هذه الأسطرة تصحيح ما يراه. فأنا لست مدرس قواعد وأرجو أن تتقبلون طيشي اللغوي في الكتابة.
وأظن أن الرومانسية كلمة من كلمات معدودة مثل الحب والإنسانية، والوفاء التي أتمنى أن نعرف معناها ونعمل به أهم من أن نعرف كيف نكتبها ونقرأها فقط!!
والغريب المؤلم في مدينة الغرام الحالمة أن الحب والرومانسية ليسا وجهان لعملة واحدة وليتهما كذلك فالمحب ليس بالضرورة هو فيلسوف في الرومانسية، كما أن الرومانسي قد لا يجد من يحب فإذا أحب الرومانسي بدل ملامح مدينة محبوبته وأمست أنوار شوارعها شموعاً تذوب على الطرقات وأسوار بيوتها من الياسمين وصارت مبانيها أكواخاً جميلة وقمرها دائماً بدراً لا يعترف بتاريخ الأيام، ليلها ساكن ونجومه ملونة يحفها البحر من إحدى الجهات ويمر النهر على جانبها الآخر عصافيرها ملونة وحمامها أبيض. باختصار أنا أقول إن الرومانسية هي حساسية مفرطة في التعامل مع الأشياء والأجواء والآخرين.
قبل أسبوع دعاني صديق عزيز إلى منزله وأخذني إلى غرفة الجلوس مكان لم أر فيه «لمبة واحدة» أرضها خشب داكن وجدرانها بيضاء مضاءة بالشموع بها كرسي طويل (صوفة) وثلاثة كراسي صغيرة وباقة ورد جافة في الزاوية البعيدة بها أكثر من خمسين شمعة كان مضاء منها خمس قبل جلوسنا ثم أضاءها جميعاً فأصبحت هذه الدار في نظري عاصمة الرومانسية، صديقي هذا شفاف جداً يحب الرسم ولكنه لا يعطيه وقتاً، لذا فهو مبدع مهمل سألته هل تحب قال لي: لا، قلت: ولم تحب من قبل؟ قال: كنت أحب أنثى كانت ترى كل ما أفعله أو أقوله ضرباً من الجنون وكانت تتهمني بعدم الواقعية. عندما أردت أن أخبرها أنني أحبها أرسلت لها باقة ورد وبها قفص خشبي به عصفوران من عصافير الحب الجميلة تخيل أنني سألتها عن العصفورين بعد ثلاثة أيام فقالت لي لا أدري من زارني وأخذهما ليقدمهما لأطفاله.
قلت له: أنت تبالغ ولا أظن أن لحواء بنتاً تتصرف مع من يحبها بهذا الشكل ولا تحب الرومانسية بل تموت من أجلها، قال لي: يا طلال أنا تورطت بحب امرأة كنت أضع على مكتبها وردة حمراء في كل صباح كانت تبدي لي شكراً جافاً في البداية، ومثل هذا التصرف لا يحتمل الشكر وبعد ذلك نصحتني بأن أوفر قيمة الورد، لأن وردة واحدة كانت تكفي، وأخبرتني أن من يقول لك إن الورد رسول حب مخطئ.. المهم انتهت قصة حبي الجافة ووضعت في بيتي هذا النصب تذكارياً لها وأشار إلى باقة الورد المجفف.
انتهت رواية صديقي وودعته بعد أن قدمت له العزاء في حبه وتمنيت له حبيبة تتنفس الهيام وتتوسد الأحلام، لتعيش في بيته الجميل وتضيء الشمعة الأكثر جاذبية في صدر صديقي الحالم.
****
المفضلات