تعريف الخوف :
1- قيل : الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس .
2- وقيل : الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام .
3- وقيل : الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره .
4- وقيل : الخوف غمّ يلحق النفس ؛ لتوقع مكروه .
أقوال في الخوف :
1- قال أبو حفص عمر بن مسلمة الحداد النيسابوري : الخوف سراج في القلب ، به يبصر ما فيه من الخير والشر ، وكل أحد إذا خفته هربت منه ، إلا الله ـ عز وجل ـ فإنك إذا خفته هربت إليه . فالخائف من ربه هارب إليه .
2- وقال أبو سليمان : ما فارق الخوف قلباً إلا خرب .
3- وقال إبراهيم بن سفيان : إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها ، وطرد الدنيا عنها .
4- وقال ذو النون : الناس على الطريق ما لم يَزُلْ عنهم الخوف ؛ فإذا زال الخوف ضلّوا الطريق .
الخوف المحمود :
الخوف المحمود الصادق : هو ما حال بين صاحبـه وبين محارم الله ـ عز وجل ـ فإذا تجاوز ذلك خِيْفَ منه اليأس والقنوط .
قال أبو عثمان الحِيْري : صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهراً ، وباطناً .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله .
الخوف الواجب والخوف المستحب :
الخوف الواجب : هو ما حمل على فعل الواجبات ، وترك المحرمات .
والخوف المستحب : هو ما حمل على فعل المستحبات ، وترك المكروهات
الجمع بين الخوف والرجاء والحب :
لا بدّ للعبد من الجمع بين هذه الأركان الثلاثة ؛ لأن عبادة الله بالخوف وحده طريقة الخوارج ؛ فهم لا يجمعون إليه الحبَّ والرجاء ؛ ولهذا لا يجدون للعبادة لذة ، ولا إليها رغبة ، فيجعلون الخالق بمنزلة سلطان جائر .
وهذا يورث اليأس والقنوط من رحمة الله ، وغايـتـُه إساءةُ الظن بالله ، والكفر به ـ سبحانه ـ .
وعبادة الله بالرجاء وحده طريقة المرجئة الذين وقعوا في الغرور والأماني الباطلة ، وترك العملِ الصالحِ ، وغايـتُـه الخروجُ من الملة .
وعبادة الله بالحب وحده طريقة غلاة الصوفية الذين يقولون : نعبد الله لا خوفاً من ناره ، ولا طمعاً في جنته ، وإنما حبَّـاً لذاته .
وهذه طريقة فاسدة ، ولها آثار وخيمة ، منها الأمن من مكر الله ، وغايتُه الزندقةُ ، والخروج من الدين .
ولهذا قال السلف ـ رحمهم الله ـ كلمة مشهورة وهي : " مَنْ عبدَ الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروريٌ ـ أي خارجي ـ ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحِّد " .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : " القلب في سيره إلى الله ـ عز وجل ـ بمنزلة الطائر ؛ فالمحبة رأسه ، والخوف ، والرجاء جناحاه ؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيِّـدُ الطيران ، ومتى قطع الرأس مات الطائر ، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائدٍ وكاسر " .
أيهما يُغلَّب : الخوف أم الرجاء ؟
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : " السلف استحبوا أن يُقَوِّي في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء ، وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف ، هذه طريقة أبي سليمان وغيره .
وقال : ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف ، فإذا غلب الرجاء فَسَدَ .
وقال غيره : أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف ، وغلبةُ الحب ؛ فالمحبة هي المرْكَبُ ، والرجاء حادٍ ، والخوف سائق ، والله الموصل بمنِّه وكرمه "
أقسام الخوف :
1- خوف السر : وهو خوف التَّأَلُّه ، والتعبد ، والتقرب ، وهو الذي يزجر صاحبه عن معصية مَنْ يخافه ؛ خشيةً من أن يصيبه بما شاء من فقر ، أو قتل ، أو غضب ، أو سلب نعمة ، ونحو ذلك بقدرته ومشيئته .
فهذا القسم لا يجوز أن يصرف إلا لله ـ عز وجل ـ وصَرْفُه له يعد من أجل العبادات ، ومن أعظم واجبات القلب ، بل هو ركن من أركان العبادة ، ومن خشي الله على هذا الوجه فهو مخلص موحِّد .
ومن صرفه لغير الله فقد أشرك شركاً أكبر ؛ إذ جعل لله نِداً في الخوف ، وذلك كحال المشركين الذين يعتقدون في آلهتهم ذلك الاعتقاد ، ولهذا يُخَوِّفون بها أولياء الرحمن ، كما قال قوم هود ـ عليه السلام ـ الذين ذكر الله عنهم أنهم خوفوا هوداً بآلهتهم فقالوا : ( إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) [هود : 54] .
وكحال عباد القبور ؛ فإنهم يخافون أصحاب القبور من الصالحين ، بل من الطواغيت كما يخافون الله ، بل أشد ؛ ولهذا إذا توجَّهَتْ على أحدهم اليمينُ بالله أعطاك ما شئت من الأيمان صادقاً أو كاذباً ، فإن كانت اليمين بصاحب التربة لم يُقْدِم على اليمين إن كان كاذباً .
وما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أخوف عنده من الله .
وكذا إذا أصاب أحداً منهم ظلمٌ لم يطلب كشفه إلا من المدفونين في التراب ، وإذا أراد أحدهم أن يظلم أحداً فاستعاذ المظلوم بالله لم يُعذه ، ولو استعاذ بصاحب التربة أو بتربته لم يُقْدِمْ عليه بشيء ، ولم يتعرض له بالأذى .
2- الخوف من وعيد الله : الذي توعد به العصاة ، وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان ، وهو درجات ، ومقامات ، وأقسام ـ كما مضى ذكره قبل قليل ـ .
3- الخوف المحرم : وهو أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر بغير عذر إلا لخوف الناس .
وكحال من يفر من الزحف ؛ خوفاً من لقاء العدو ؛ فهذا خوف محرم ، ولكنه لا يصل إلى الشرك .
4- الخوف الطبيعي : كالخوف من سَبُع ، أو عدوٍّ ، أو هدم ، أو غرق ، ونحو ذلك مما يخشى ضرره الظاهري ؛ فهذا لا يُذَمُّ ، وهو الذي ذكره الله عن موسى ـ عليه السلام ـ في قوله ـ عز وجل ـ : ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ) [القصص : 21] ، وقوله : ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ) [طه : 67] .
ويدخل في هذا القسم الخوف الذي يسبق لقاء العـدو ، أو يسبق إلقاء الخطب في بداية الأمر ؛ فهذا خوف طبيعي ، ويحمد إذا حمل صاحبه على أخذ الأهبة والاستعداد ، ويذم إذا رجع به إلى الانهزام وترْكِ الإقدام .
5- الخوف الوهمي : كالخوف الذي ليس له سبب أصلاً ، أو له سبب ضعيف جداً ؛ فهذا خوف مذموم ، ويدخل صاحبه في وصف الجبناء ، وقد تعوذ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الجبن ؛ فهو من الأخلاق الرذيلة .
ولهذا كان الإيمان التام ، والتوكل الصحيح أعظمَ ما يدفع هذا النوع من الخوف ، ويملأ القلب شجاعة ؛ فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه الخوف من غير الله ، وكلما ضعف إيمانه زاد وقوي خوفه من غير الله .
ولهذا فإن خواص المؤمنين وأقوياءهم تنقلب المخاوف في حقهم أمناً وطمأنينة ؛ لقوة إيمانهم ، ولسلامة يقينهم ، وكمال توكلهم ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ) [آل عمران : 173 - 174] .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وسلام على المرسلين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
بقلم الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد
المرجع
http://www.toislam.net/files.asp?ord...20&per=713&kkk=
المفضلات