.أخرجوا المذهبي من العمارة
والقصة وإن كانت ليست بالمستغربة، إلا أنها تصعب على الهضم: صاحب العمارة يطلب من أحد ساكنيها (بالإيجار) الخروج منها فقط بعد أسبوعين من دخوله الشقة. والحجة ليست بأكثر من اكتشافه أن المستأجر المواطن الجديد الأخير يتبع مذهباً من مذاهب الأقليات، والحجة الأدهى أن صاحب العمارة يخشى من بوار السلعة إذا اكتشف بقية المستأجرين هذا الكشف الخطير: مذهبي بينهم في العمارة. والمستأجر، كان بلا حيلة أو قوة، ولهذا لملم أطرافه وغادر بكل هدوء لسبب بسيط: لأن تصعيد القضية، رغم امتلاكه العقد والحجة، سيضع أطفاله الصغار تحت وابل الضغط النفسي وهم الذين سيدفعون الثمن من سيل الألفاظ القادمة بصفتهم الحلقة الأضعف بين سكان العمارة.
هذا واقع مخجل قد تدحضه الحقائق التالية: العمارة التي لم تستوعب ساكناً مسلماً من مذهب مختلف تقع في ركن من هذا البلد الكبير الذي استقدم حتى اللحظة عشرات الملايين من خارج ديانتنا، وما زال يعيش بيننا اليوم منهم على الأقل مليونا عامل. هؤلاء لا يسكنون في المريخ، بل على الأرض وفي وسط الأحياء والمجمعات والعمائر. العوائل التي يحتج مالك العمارة بأنها تتضايق من وجود جار مخالف في المذهب، هي ذات العوائل التي تقول إحصاءات وزارة العمل إنها تضم اليوم ما يقارب 100 ألف عاملة منزلية ديانتهن غير الإسلام، ولا تسكن الشقق المجاورة، بل تأكل وتشرب معهم من ذات القدر والصنبور وتنام مع أطفالهم، ربما، تحت ذات الشرشف: البيوت التي ترفض جوار مسلم مخالف في المذهب هي ذات البيوت التي يعمل بها عشرات الآلاف من الخدم والسائقين من غير المسلمين، وهي ذات الأسر التي تذهب للأسواق ومراكز الخدمة التي تسيطر على منافذها شتى الأديان والمذاهب. الجار الذي يرفض جاراً مسلماً لمجرد اختلافه في المذهب هو ذات الجار الذي يركض في الصباح من أجل مزيد من تأشيرات الاستقدام وغالباً ما يطلب بوذية التبت أو كاثوليكي الجزر الآسيوية الشرقية.
إلى أين نحن ذاهبون؟ المسألة لا تحتاج لورق الحوار الوطني ولا لمقالات التسامح والانفتاح العصماء، بل لسطوة قانون مكتوب يضع العقاب الفاصل لكل ممارسة عنصرية ضد اللون والجنس والمذهب والقبيلة والوظيفة والترقية مثلما تفعل كل الأمم التي تحترم آدمية الإنسان، ومثلما احترم معلم البشرية الأول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، حقوق جاره اليهودي "ولقد كرمنّا بني آدم
الكاتب / على بن سعد الموسى
المفضلات