خطبة جمعة للشيخ عبيد بن عساف الطوياوي
بعنوان
إحذروا الإبتداع في رجب
بسم الله الرحمن الرحيم
احذروا الابتداع في رجب
الحمد لله الذي خضعت لعزته الرقاب ، وذلت لربوبيته الأرباب ، منزل الكتاب ، وهازم الأحزاب ، سبحانه من إله ؛ شهدت له الآيات الباهرة ، ودلت على كرمه وجوده ، نعمه الباطنة والظاهرة ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، } أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ { .
بذكرك يامولى الورى نتنعم
وقد خاب قوم عن سبيلك قد عموا
شهدنا يقينا أن علمَك واسع
وأنت ترى ما في القلوب وتعلم
إلهي تحملنا ذنوبا عظيمة
أسأنا وقصّرنا وجودك أعظم
إلهي فجد واصفح وأصلح قلوبنا
فأنت الذي تولى الجميل وتكرم
لك الحمد عاملنا بما أنت أهله
وسامح وسلمنا فأنت المسلم
اللهم يا ملاذنا إذا ضاقت الحيل ، وملجأنا إذا انقطع الأمل ، لا تخيب رجاءنا ، واغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، وأقر في القيامة عيوننا ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، أرسله للعرب والعجم ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى الزاهرة ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
اتقوا الله U ، فقد أمركم بذلك ربكم فقال :
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (. جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
الابتداع في الدين ، ذنب عظيم ، ومعصية خطيرة ، ما عصي الله U ، بمعصية بعد الشرك ؛ أعظم من الابتداع في الدين ، ولذلك البدعة ، هي الخطوة التالية للشرك عند الشيطان ، فالشيطان يحاول بالمسلم ، يتنقل به من خطوة إلى خطوة ،كما حذرنا الله U بقوله : } وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ { .
فالخبيث يتنقل بالمنقاد له خطوة خطوة ، حتى يصل به إلى الشرك ، لأن الشرك هو الخطوة الأخيرة للشيطان ، أما البدعة ، فهي الخطوة التي تقع قبل الشرك ، بأن يجعل المسلم ، يتعبد لله بشيء لم يشرعه له ، ولم يكلفه به ، ولم يفرضه عليه ، ولك أخي المسلم ؛ أن تتصور حال ذلك المسكين الذي يعمل أعمالا ، يرجو ثوابها عند الله ، فتكون وبالا عليه ، يقول النبي e : (( من عمل عملا ليس عليها أمرنا فهو رد )) وفي رواية : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) ومعنى فهو رد : أي مردود عليه ليس له حظ من القبول . فالابتداع في الدين أمره خطير ويترتب عليه مفاسد عظيمة ، ولهذا حذر الله U منه فقال :) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( .
نعم ـ أيها الأخوة ـ الابتداع له أخطار ومفاسد عظيمة ، من أبرزها : القضاء على الدين الصحيح ، فما من بدعة تقام إلا ويذهب مقابلها سنه ، يقول النبي e : (( ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها )) . فهذه مفسدة من مفاسد البدع .
ومن مفاسد البدع أيضا ، إعادة المجتمع الذي تنتشر فيه ، إلى حياة الجاهلية ، والذي من مميزاته وصفاته وسماته ، التفرق والتمزق والاختلاف ، فكل مبتدع ، يضن أنه على حق ، فينتصر لبدعته ، فتحصل الفرقة ، ولذلك لايمكن أن يكون الناس على كلمة واحدة ، إلا إذا كانوا أهل سنة ، ولذلك قال الله U : ) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون َ( .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن البدع التي بليت بها الأمة ، ما يفعله بعضهم في مثل هذا الشهر ـ شهر رجب ـ من عبادات بدعية ، حيث يخصونه بصيام بعض أيامه ، وبقيام بعض لياليه ، وبذبح الذبائح قربة إلى الله ، وكذلك منهم من يخصه بعمره ، ومنهم من يخصه بغير ذلك .
وشهر رجب كغيره من الشهور ، إلا أنه من الأشهر الحرم ، لا قتال فيه ، أما خصه بنوع من العبادة دون غيره من الشهور ، فلا شك أن ذلك بدعة .
أيها الأخوة المؤمنون :
ومن البدع المحدثة في مثل هذا الشهر ، بدعة الاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج ، فالمبتدعة يحتفلون بهذه المناسبة في ليلة السابع والعشرين من رجب ، إذ يجتمعون في المساجد ، ويستمعون الخطب والمحاضرات ، ويعقدون الندوات ، ويضيئون المصابيح . ولا شك أيها الأخوة ، أن الإسراء والمعراج ، من آيات الله ، ذكرهما في كتابه ، وأوجب الإيمان بهما على عباده ، ولكنه لم يشرع لنا أن نحتفل بمناسبتهما ، ولو كان ذلك مشروعا لفعله نبيه e ، أو أصحاب نبيه رضي الله عنهم .
أيها الأخوة المؤمنون :
وللمعلومة ، أن ليلة الإسراء والمعراج ، هذه التي يحتفلون بها ، لم تثبت أنها ليلة السابع والعشرين ، بل لم تثبت بأنها حتى في شهر رجب ، ولا في غيره من الشهور ، وتحديدها خلاف بين المؤرخين ، فمنهم من قال أنها في شهر ذي القعدة ، ومنهم من قال هي في ربيع الأول . وتحديدها متى هي وفي أي ليلة ، ليس من الأمور المهمة ، لأنه لا يتوقف على تحديدها حكم شرعي ، ولا فائدة في تعيينها . وحتى لو عينت ، وثبت متى هي ، لا يجز لمسلم أن يحتفي بها ، ولا أن يخصها بعبادة ، ولا يميزها بتعظيم ، لأن النبي e أحرص الناس وأتقاهم ، ولكنه لم يفعل شيئا من ذلك ، وكذلك الصحابة الكرام ، وكذلك أهل القرون المفضلة ، ولو كان الاحتفال بها مشروعا لبينه النبي e إما بقوله وإما بفعله .
فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا البدع وأهل البدع ، تمسكوا بكتاب ربكم ، واعملوا بسنة نبيكم ، ففيهما النجاة والفوز والفلاح والنجاح .اسأل الله لي ولكم علما نافعا وعملا خالصا وسلامة دائمة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أيها الأخوة المؤمنون :
من الأمور الثابتة عن النبي e تحذيره الشديد من البدع ، فقد كان يقول في خطبه : (( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد e وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ))
وأيضا أصحاب النبي e ورضي الله عنهم أجمعين ، تربوا على بغض البدع وأهل البدع ، فكانوا يحذرون من البدع غاية الحذر .
بلغ ابن مسعود t أن عمرو بن عتبة في أصحاب له بنوا مسجدا بظهر الكوفة ، فأمر بذلك المسجد فهدم ، ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة ، يسبحون تسبيحا معلوما ، ويهللون ويكبرون . فقام ابن مسعود ولبس برنسا ثم انطلق فجلس إليهم ، فلما عرف ما يقولون ، وطريقة تسبيحهم وتهليلهم وتكبيرهم ، رفع البرنس عن رأسه ، ثم قال : أنا أبو عبد الرحمن ، ثم قال : لقد فضلتم أصحاب محمد e علما ، أو لقد جئتم ببدعة ظلما ؟
فقام عمرو بن عتبه فقال : نستغفر الله ثلاث مرات .
وقام رجل من بني تميم وقال : والله ما فضلنا أصحاب محمد علما ، ولا جئنا ببدعة ظلما ، ولكنا قوم نذكر ربنا . فقال : بلى والذي نفس ابن مسعود بيده ، لئن أخذتم آثار القوم ، لقد سبقتم سبقا بعيدا ، ولئن حرتم يمينا وشمالا لتضلن ضلالا بعيدا .
اسأل الله أن يجنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن إنه سميع مجيب . اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار يا رب العالمين ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنا ، اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واحشرنا في زمرة الأتقياء يا رب العالمين .
اللهم إنا نسألك مغفرة ذنوبنا ، وستر عيوبنا ، وصلاح قلوبنا ، وسلامة صدورنا ، وعفة نفوسنا يا رب العالمين . اللهم إنا نسألك عز الإسلام ونصر المسلمين ، وذل الشرك والمشركين ، اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين ، اللهم عليك باليهود المعتدين ، وبالنصارى الحاقدين ، وبكل من عادى عبادك المؤمنين .
اللهم أرنا بأعدائنا عجائب قدرتك ، وفجاءة نقمتك ، وأليم عذابك ، وبأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين .
اللهم اجمع كلمتنا ، وقوي شوكتنا ، ووحد صفنا ، وألف بين قلوبنا على الحق المبين يا رب العالمين .
اللهم وفق ولاة أمرنا ، وارزقهم البطانة الصالحة واصرف عنهم بطانة السوء يارب العالمين .
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
المفضلات