قريتها وحزنت وحيبيت أنقلها لكم
الحمد لله رب العالمين، الذي أوضح لنا معالم الدين ومن علينا بالكتاب المبين.. وشرع لنا من الأحكام، وفصل لنا مر الحلال والحرام ما جعله على الدنيا حكما تقررت به مصالح الخلق ، وثبتت به قواعد الحق.. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله وصحبه أجمعين.
وسبحان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ويسر كلا لما خلق له.. وهو جل شأن الذي يخلق ما يشاء ويختار وجعل الرجال قوامين على النساء بما فضل بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. وأمر النساء بالقرار في البيوت، حفظا لهن وصيانة لهن، لأنهن عورة وفتنة. وصدق رسول الرحمة والإنسانية حين قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" متفق عليه،. وقال: "فاتقوا الدنيا واتقوا - النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت فر النساء " رواه مسلم،.
وقال: " لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححها.
والمال نعمة من نعم الله عز وجل أعطانا إياه أمرنا سبحانا وتعالى أن نصرفه في الوجوه الشرعية والضرورية.. ومن بين هذه الضروريات أن نصرفه دون ترف أو مباهاة.. ولا يكون هذا المال أداة مسخرة تكسر بها قلوب المحتاجين أو تذل بها نفوس المعوزين. ولا يعني ذلك أن ننفق المال كله أو جله في أوجه الخير دون النفس أو الأولاد.. بل نجعل هذا المال الذي رزقنا به الله سبحانه وتعالى بيننا وبينه جل شأنه بأن نشكره على هذا الخير العظيم.. بمعنى ننفق المعقول منه ونأكل الذي يكفينا دون إسراف أو عجب أو خيلاء أو تبذير.. ومن أوجه التبذير استقدام الخدم دون حاجة ماسة، ولقد صدق محمد بن بدالله عليه الصلاة والسلام حين قال : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه " رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح،.
ولقد حققت المجتمعات الخليجية قفزات هائلة من التطور الاجتماعي والرقي الحضاري.. وأصبح ! مستوى المعيشة فيها يضارع بل يفوق مستوى المعيشة في كثير من البلاد التي سبقتها في مضمار الحضارة وعرف المواطن الخليجي بصفة عامة والمواطن السعودي على وجه الخصوص أعلى درجات الرفاهية، من المنزل الحديث المجهز بأحدث الوسائل العصرية إى السيارة الفخمة والأثاث الفاخر والملابس الغالية.. والخدم الذين يقومون على خدمته ويقومون بكل الأعمال التي كان يضطلع بها أرباب الأسر.
وأصبح من مقتضيات الحياة العصرية وجود السائق الخصوصي والخادمة والمربية والطاهية.. بل والوصيفة الخاصة ومدير الأعمال الخصوصي في كثير من البيوت.. وتضخم عدد الوافدين للعمل في خدمة المواطن السعودي حتى أصبح وجودهم ظاهرة اجتماعية لها من السلبيات أكثر مما لها من الإيجابيات الأمر الذي لفت انتباه جميع فئات المجتمع إلى خطورة هذه الظاهرة الجديدة على تركيبة المجتمع السعودي وعلى اليم والأخلاق.. بل وعلى الدين نفسه فيما يتعلق بالنشء والأجيال الجديدة.
ولم تنشأ "ظاهرة الخدم " عن حاجة حقيقية أو ضرورة اجتماعية في البداية بل أوجدتها ظروف طارئة وعوامل شخصية مثل ظروف الطفرة الاقتصادية وما ترتب عليها من تغير سريع في السلم الاجتماعي وانتشار عدوى التقليد وحب الظهور.. ثم ما لبثت الظاهرة أن استفحلت بظهور أسباب أخرى مثل خروج المرأة السعودية للعمل والحرص على تعليم البنات.
إن ظاهرة الخدم موجودة بالفعل وعلينا أن نتعامل معها بأسلوب علمي وبتضامن اجتماعي وعقلي لا يغفل مصالح الأفراد ولكن يتوخى أساسا صالح المجتمع بأسره.
إننا ندق ناقوس الخطر لحجم هذه الظاهرة وما تحتويه من سلبيات ومشكلات تنخر في كيان الأسرة والمجتمع.. من خلال مناقشتنا لظاهرة الخدم وأسبابها وأبعادها وآثارها وطرح بعض المقترحات للرأي العام والعلماء ورجال الدين ورجال الاجتماع للتقليل من حدة هذه المشكلات والآثار الناجمة عن الخدم.
إن وجود الخدم لا حرج فيه عند الضرورة وبالضوابط الشرعية وتحت مراقبة الأسرة وفي حدود أعمال محددة تتعلق بالخدمة المنزلية.. ويلزم تجنب بل ورفض وجود " المربية" لخطورتها على عقيدة ولغة وأخلاق سلوكيات الطفل من ناحية وعلى علاقة الطفل بوالديه من ناحية أخرى.. كما يلزم رفض استقدام الخدم من غير المسلمين لأسباب دينية واجتماعية مهما كانت الأسباب والظروف. وعلى الجميع أن يحرص كل الحرص على أن يكون وجود الخدم مفيدا وإيجابيا بمعنى ألا يتخلى أي من الزوجين عن دوره في الأسرة تماما.. فلا يجوز أن يتحول السائق الخاص إلى مرافق وحيد ودائم للزوجة في كل مكان تذهب إليه.. ولا أن تقاطع الزوجة المطبخ تماما اعتمادا على الخادمة.. ولا تعفى البنات من أعمال المنزل، فينشأن جاهلات بأساسيات الحياة العائلية فتزداد الحاجة في المسقبل للخدم.. ولا أن يتعود الأبناء على الاعتماد على الخادمة في كل الأمور، فتنشأ الأجيال القادمة مصابة بالكسل والاتكالية وعدم ا لقدرة على تصريف الأمور.
وقبل كل ذلك علينا أن نحسن الاختيار للخادم إذا اقتضت الظروف وأن نحسن معاملتهم ونتقي الله في أنفسنا وفي أولادنا وفي هذا الخادم وألا نكلفه ما لا يطيق وأن نراعي إنسانيته ونراقبه المراقبة المستمرة في حدود شرع الله القويم الذي لا يأتيه الباطل.. وأن نتبع منهج رسول الرحمة والإنسانية حتى ننجو بأنفسنا وبفلذات أكبادنا من الوقوع في براثن الخدم أو السقوط في ظلمات يم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
هل الخدم.. ظاهرة حديثة؟
خلق الله سبحانه وتعالى الناس وقدر أرزاقهم وجعلهم يتفاوتون في قدراتهم البدنية والعقلية ويختلفون في ظروفهم وإمكاناتهم الاجتماعية والاقتصادية، وسبحان القائل في محكم كتابه: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات لتخذ بعضهم بعضا سخريا} [سورة الزخرف، الآية: 32].
فقضت حكمة الخالق عز وجل أن يسخر بعضنا يعضا لتبادل المنافع وقضاء الحاجات، لأن الناس يتفاوتون بين قوي الجسم، صحيح البدن، يسطيع القيام بكل متطلبات حياته بنفسه وبين ضعيف ومريض ومعاق ومن أدركته الشيخوخة، يحتاج لمن يعينه على قضاء ضرورات حياته المختلفة.
كما يتفاوت الناس في الرزق والدخل، فهناك الغني والفقير وهناك الطبقات الاجتماعية والمستويات الاقتصادية المتباينة، فنشأت "الحاجة" المتبادلة بين الأغنياء والفقراء.. فالأغنياء محتاجون لاستخدام الفقراء في كثير من شئون حياتهم والفقراء محتاجون لفرص العمل ولمال الأغنياء، لتدبير أمور معاشهم، فكانت "ظاهرة الخدمة" ظاهرة إنسانية قديمة قدم المجتمعات البشرية نفسها.
إن وجود الخدمفي أي مجتمع ليس ظاهرة مرضية أو نمطا سلبيا من أنماط المجتمع الإنساني.. فهذه طبيعة الحياة الاجتماعية ولا يكاد يخلو أي مجتمع في أي زمان ومكان من وجود الخدم، سواء كانوا يعملون بأجر أو يعملون متطوعين لخدمة أقاربهم وذويهم.
وليس من المعقول- من الناحية الاجتماعية- أن يقوم ذوو المكانة والسلطان في أي مكان بخدمة أنفسهم في تدبير أمور الحياة اليومية، من مأكل وملبس ونظافة وحراسة وغيرها من الأعمال التي تستهلك الوقت والجهد اللذين يجب توفيرهما للأعمال المهمة والأمور العظيمة.
من الناحية الاقتصادية ليس من المعول أن نحاول القضاء على ظاهرة الخدم مادام هناك فقير محتاج للمال وليس أمامه من فرص العمل إلا ما يقدمه الغني المحتاج لمن يقوم على خدمته.
ثم هناك المرافق العامة في كل مجتمع والتي تحتاج إلى الخدم، مثل المنشات العامة والمصالح الحكومية والفنادق والمستشفيات ودور الإيواء وغيرها.
فالخدم إذن ضرورة اجتماعية واقتصادية تفرضها طبيعة الحياة الاجتماعية والظروف الاقتصادية.. ولا سبيل للقضاء عليها كظاهرة إنسانية أبدا.
وهي ظاهرة اجتماعية راسخة في مجتمعنا العربي والإسلامي، تضرب بجذورها في أغوار التاريخ. ول ينكرها الإسلام أو يعتبرها ظاهرة سلبية، بل تعايش معها كظاهرة اجتماعية طبيعية
وقد كان للنبي المصطفى عليه الصلاة والسلام خدم يقومون متطوعين على خدمته وتدبير شئونه الخاصة.. كما كان لكثير من أغنياء الصحابة، رضي الله عنهم، خدم يساعدونهم في تدبير متطلبات الحياة اليومية. ولقد روي أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادما فلم تجده. فذكرت ذلك لعائشة، رضي الله عنها. فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرته. ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم ل يحقق لابنته ما طلبت إلا أن الرواية صريحة في إقرار النبي عليه الصلاة والسلام لوجود ظاهرة الخدم وعدم إنكاره لها.. وكيف ينكرها الإسلام وهو الذي يعالج واقع الحياة الإنسانية بما لا يشق على الناس ولا يصيب حياتهم بالعنت والاضطراب.
إن ظاهرة الخدم ظاهرة إنسانية مرتبطة بالتركيب الطبقي للكيان الاجتماعي من جهة ومرتبطة بظروف سوق العمل وقانون العرض والطلب من جهة أخرى، وليست من صنع أفراد أو تلبية لمصالح فئات محدودة في مرحلة معينة. ولا يمكن النظر إلى ظاهرة الخدم باعتبارها ظاهرة سلبية على وجه العموم ولا يمكن تقييما على أساس أنها مصدر خطر محقق في كل المجتمعات. وإنما هي ظاهرة عامة يترتب عليها مشكلات ذات طبيعة نسبية، تتعلق بظروف كل مجتمع وما يعتنقه من قيم ومبادئ ومعتقدات.
إن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يرزح تحتها كثير مز المجتمعات الإسلامية من جهة والظروف الاقتصادية المواتية وحالة الانتعاش التي تعيشها مجتمعات أخرى، مثل دول الخليج وغيرها من الدول النامية الصاعدة من جهة أخرى، هي التي أدت إلى نزوح الكثير من أبناء المجتمعات أو الدول الفقيرة للعمل في خدمة أبناء الدول الغنية، مثل دول الخليج، وبخاصة في عصر الطفرة ااقتصادية وما ترتب عليها من تغير اجتماعي سريع وعميق.
فظاهرة الخدم إذن ظاهرة اقتصادية بقدر ما هي ظاهرة اجتماعية فرضتها ظروف أو متغيرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وليست من صنع أفراد أو تلبية لمصالح فئات محدودة في مرحلة معينة.. بل هي ظاهرة إنسانية مرتبطة بالتركيب الطبقي للكيان الاجتماعي من جهة، ومرتبطة بظروف سوق العمل وقانون العرض والطلب من جهة أخرى.
و مفهوم "الخادم ".. هو الإنسان- ذكرا أو أنثى- الذي يعمل لدى الغير بصفة مستمرة أو خلال أوقات محددة،ويتقاضى أجرا نظير عمله ويؤدي أعمالا ذات طبية معاونة، تعتمد على الخبرة الآلية والجهد البدني، ولا تحتاج لمؤهلات خاصة إلا في النادر، حسب ظروف ومستويات ومجالات العمل التي تحتاج للخدم.
ويدخل في هذا المفهوم أساسا خدم المنازل والفنادق والمطاعم والمستشفيات والمؤسسات والمساجد وعمال النظافة بالطرق والحدائق والمصالح.. وهؤلاء عملهم الأساسي هو أعمال النظافة بصفة عامة.. كما يتسع هذا المفهوم ليشمل أحيانا المربية والسائق الخصوصي والبستاني والطهاة والسفرجية، والوصيفة الخصوصية، وقد يشمل السكرتير الخاص ومدير الأعمال وسائر أرباب الأعمال والخدمات المعاونة.
\nوحاجة المؤسسات العامة للخدم أساسية إجبارية.. وغالبا ما يكون وضع الخدم فيها مماثلا أو مقاربا لأوضاع الموظفين.. ومن ثم لا توجد اعتراضات على وجود هذه النوعية من العمالة ولا يثير وجودها مشكلات. أما الخادم الذي يثير وجوده اعتراضات ومخاوف ومحاذير عديدة وأصبح يشكل "ظاهرة اجتماعية" تفرز مشكلات على مستوى الأسرة والمجتمع، فهو الخادم "الخصوصي " الذي يعمل لدى أسرة واحدة أو مجموعة من الأسر في الوقت نفسه- داخل نطاق المنزل ويختلط بأفراد الأسرة اختلاطا مباشرا ومستمرا، ويطلع بحكم عمله على كثير من أسرار وخصوصيات الأسة، وتتيح له طبيعة عمله التأثير في أفراد الأسرة أو بعضهم، سواء كان هذا التأثير إيجابيا أو سلبيا، مستمرا أو حسب ا لظروف.
ظاهرة الخدم في المجتمعات الخليجية
الخدم في المجتمع السعودي
لم يكن المجتمع السعودي في وقت من الأوقات بحاجة للعمالة الأجنبية وبخاصة العمالة المنزلية، لأسباب تتعلق بحجم البيت السعودي ومتطلبات العمل اليومي فيه وعدم انغماس ربة البيت في أعمال ومشاغل خارج البيت.
وكانت الأسرة في حفلاتها الكبرى أو في مناسبات الزواج القليلة التي تمر بها تستعين بالأقارب والجيران والمعارف للمسعدة والتعاون على إنجاز أية مناسبات كبرى تحتاج إلى مجهودات تفوق طاقة رب وربة الأسرة.
وكان من الطبيعي أن تنصرف الأسرة في ذلك الوقت إلى تدبير أمورها بطريقة ذاتية تتجسد فيها الروح التضامنية عند مواجهتها لمناسبات كبرى.
ونشأ واستمر هذا النمط التقليدي لتدبير شئون البيت السعودي إلى أن جاءت نهاية السبعينيات، حيث شهدت الأسرة السعودية وفرة مالية، ازدهرت بسببها المفاهيم وتطورت النظرة نحو مكونات المنزل وحجمه وأساليب إدارته، وتوافق ذلك مع اتساع مشاركة المرأة في العمل الوطني، إثر تخريج آلاف الطالبات من الجمعات والمعاهد المتخصصة في شئون الطب والتمريض والتعليم والتجارة والصيرفة والإدارة. ونشأ عن الوضع الجديد حاجة ملحة إلى وجود الخادمة التي تقوم بأعباء المنزل، وبخاصة الأعمال الصغيرة، مثل أعمال النظافة والتجهيز والترتيب ومتابعة الأطفال الرضع وقت الدوام.
وزاد من الحاجة إلى العمالة المنزلية توسع حجم المنزل السعودي وتطور مفاهيم النظافة واتساع الدائرة الحضارية فيما يخص نواحي الجمال والزينة والذوق العام.
وزاد من اتساع الخدمة الحضارية نشأة الأطفال وترعرع الصبيان في بيئة ملتزمة بمعايير جديدة وقاسية فيمايخص المأكل والملبس والسلوك اليومي المطلوب للحفاظ على القيم المكتسبة. وانفتح الباب واسعاً أمام استقدام العمالة المنزلية من الخدم والسائقين والمربيات. وبدأت معطيات جديدة تلوح في أفق الأسرة السعودية. حيث أصبح مفهوم ((خادمة لكل سيدة)) أمرا محتوما لا مناص منه.
وتبلورت تبعا لذلك مشكلات جديدة ولدت في بيئة العمالة المنزلية المستقدمة، حيث هبطت الأسئلة على الأسرة تكن موجودة من قبل، مثل راتب الخادمة وغرفتها وهداياها.. وكيف تعمل ومتى تعمل وما هي ملابسها وكيف تحتشم، إذا دخل رب الأسرة الذي ينبغي عليه أن يكون مؤداً، فلا ينزع شيئا من ملابسه في بيته ولا يسترخي على الأريكة بطريقة غير لائقة ولا يدخل المطبخ والعمال يشتغلون ولا يخرج منه والخدم داخلون.
وفيما حملت الخادمة أعباء كثيرة، فرضت قيودا كثيرة أيضا حدت من حرية صاحب المنزل وربة البيت وأشاعت جوا مدرسيا يكاد يكون صارما.
وحتى عندما تكون الأسرة خارج المنزل تنتاب المرء مخاوف انتهاك حرمة البيت أو إساءة استخدام الهاتف من خادم أو خادمة تعود على بيئة مفتوحة ونشأ على قيم وعلاقات ومسلكيات مختلفة.. وحتى في زحمة هذه الضغوطات الذهنية والسلوكية في البيت وخارجه ل يعدم المرء الوقت الكافي للثناء على خدمات العمالة المنزلية وما تقوم به من مهمات جليلة للبيت والأسرة، فيكاد أن يقول هذا شر لابد منه.
وهو بالفعل هكذا، فالشيوخ والأطفال والنساء الذين يستقبلون خادمتهم في المطار بالبشر والترحيب، قد يواجهون مصاعب لا تعد ولا تحصى، قد تنتهي بمشكلة أقلها رفض العمل والبيئة الجديدة وخسارة التذكرة والوقت وجهد المراجعات لمكاتب الاستقدام الرسمية والأهلية.
وقد ترتب على هذا التطور الجديد في المجتمع السعودي نشوء نشاطات اقتصادية جديدة مثل مكاتب الاستقدام الأهلية ووسطاء إنهاء لتأشيرات وخدمات التعقيب وارتفاع عدد مكاتب السفر والمرافق الصحية الخاصة.
إن العمالة المنزلية لا يمكن اعتبارها عنصرا سلبيا في المجتمع السعودي وإنما هو ككل معطى جديد له من الإيجابيات الكثير وأيضا من السلبيات التي قد لا تكون قليلة.. فلا يجب أن نطلق الحكم بصفة عامة على أنه إيجابي أو سلبي.. لأن الأسرة مكون عائلي صغير وخلية اجتماعية فيها بذور خير المجتمع والوطن.. ولها دور تربوي هام ولا يمكن أن نلغي دورها التربوي والاجتماعي بمجرد انضمام فرد أجنبي لها.. لأن فعالية دورها تتوقف على مدى قيام أفراد الأسرة بمهامم وليس على وجود هذا العنصر أو عدمه.
والواقع أن ظاهرة الخدم لم تفرز "مشكلة" في أي مجتمع إنساني بنفس حجم وأبعاد المشكلة التي أفرزتها في المجتمع السعودي، ويرجع ذلك لطبيعة وخصوصية المجتمع السعودي المتدين المحافظ بما له من قيم وتقاليد خاصة نابعة أساسا من عقيدته الدينية الراسخة والتي تشكل الأساس المتين لكل مناشط حياته وسلوكيات أفراده، بل ونظام الحكم فيه، وعلى عكس المجتمعات الإنسانية الأخرى التي لم يعد للقيم الدينية فيها سلطان يذكر سواء على الأفراد أو الجماعات والتنظيمات.
ومع تسليمنا بأن "ظاهرة لخدم " ظاهرة إنسانية عامة وضرورة اجتماعية واقتصادية في كل المجتمعات.. لكن الأمر على المستوى الأسري يظل نسبيا بحسب ظروف كل أسرة وإمكاناتها ومتطلباتها.. وقد تكون حاجة الأسرة للخدم دائمة أو موسمية.
المفضلات