الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن سلك سبيله واتبع هداه إلى يوم الدين .
أما بعد : أيتها الأخوات في الله ، أشكر رئيسة الجمعية على دعوتي إلى هذا اللقاء ، وأسأل الله أن يوفقها والعاملات معها لما فيه صلاح الجمعية واستمرار نفعها ، ولما فيه أيضا صلاح المسلمين جميعا .
أيتها الأخوات في الله : إن التذكير بالله والتآخي في الله من أهم القربات ومن أفضل الطاعات ، وهو من التناصح والتعاون على البر والتقوى ، ومن التواصي بالحق الذي أثنى الله على أهله ، وأخبر أنهم هم الرابحون ، قال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[1] وقال عز وجل : {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[2]
أمر سبحانه في الآية الأولى بالتعاون على البر والتقوى ، ويدخل في ذلك النصيحة والتوجيه إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبر الوالدين ، وغير ذلك مما ينفع العباد في العاجل والآجل ، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان ، ويدخل فيه التعاون على كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى ، كالتعاون على المعاصي كلها كالمسكرات وظلم الناس ، وغير ذلك مما يدخل في التعاون على الإثم والعدوان . فلا يجوز لمسلم أو مسلمة أن يعين على معصية الله عز وجل ، وينبغي للمؤمن والمؤمنة ألا يتأخرا عن التعاون على البر والتقوى .
وأخبر في سورة العصر أن من صفات الرابحين الناجين السعداء : الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر .
هذه أيتها الأخوات في الله صفات الرابحين ، صفات السعداء : الإيمان بالله ورسوله إيمانا صادقا ، ثم العمل الصالح ، وهو ثمرة الإيمان وهو موجب الإيمان ، وهو أداء فرائض الله والكف عن محارم الله ، والمسارعة إلى الخيرات والازدياد من أنواع القربات .
والأمر الثالث : التواصي بالحق ، ويدخل فيه التناصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وسائر وجوه الخير .
والرابع : التواصي بالصبر فإن الأمور المهمة لا تحصل إلا بالله ثم بالصبر ، فلهذا أخبر سبحانه عن صفات الرابحين أنهم يتواصون بالصبر .
هذه العناصر الأربعة هي أسباب الوصول إلى السعادة ، والوصول إلى الربح ، وهذه العناصر إذا توافرت للمجتمع صار مجتمعا صالحا ، سواء كان رجاليا أو نسائيا ، كل مجتمع تتوافر فيه هذه الأمور الأربعة وهي : الإيمان الصادق بالله ورسوله ، إيمانا يتضمن توحيد الله ويتضمن الإيمان بالرسل جميعا ومنهم خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، ويتضمن الأصل الثاني وهو العمل الصالح ، وهو أداء الفرائض وترك المحارم ، والمسارعة في الخيرات ، ويتضمن العنصر الثالث وهو التواصي بالحق والتعاون على الخير والتناصح ، ويتضمن العنصر الرابع التواصي بالصبر .
ووصيتي لكن أيتها الأخوات العناية بهذه الأصول والحرص عليها ، ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الشرور ، وغلب فيه الجهل بأمور الدين ، وقل فيه العلم .
ويجب على المؤمن والمؤمنة التعاون على البر والتقوى دائما ، ولا سيما في هذا العصر الذي لا تخفى حاله وما كثر فيه من المغريات وأسباب الشقاء ، وما حصل فيه من الاختلاط بالكفرة والفسقة ، وما حصل فيه أيضا من الرفاهية وتطور الأحوال في كل شيء . فالمؤمن والمؤمنة في أشد الحاجة للتواصي بالحق والتناصح والتعاون على الخير والصبر على ذلك . فالمؤمن ينصح أخاه إذا رأى منه تقصيرا ، وأيضا المؤمنة تنصح أختها في الله وأخاها في الله : زوجها وأباها وابنها وابنتها وأختها وجدتها وأمها وغيرهم ، في كل شيء : في الصلاة ، في الصوم ، في الحج ، في بر الوالدين ، في الكف عن محارم الله ، في صلة الرحم ، إلى غير ذلك .
والناس بخير ما تناصحوا وتواصوا بالحق ، فإذا أهملوا وضيعوا وتقاعسوا عن هذا الأمر العظيم ، ظهرت بينهم المنكرات ، وقلت بينهم الخيرات ، وانتشرت الرذائل .
محاضرة ألقاها سماحة الشيخ في جمعية الوفاء الخيرية بالرياض ضمن برامجها الثقافية في مستهل شهر رجب عام 1404ه ونشرت بالجزيرة العدد 4210 الصادر يوم الأحد 7 رجب عام 1404ه .
المفضلات