جامع الحمادي بالدمام بسم الله الرحمن الرحيم (( قتل النفس )) 12/2/1428هـ
أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل فبتقوى الله تعمر القلوب وتطمئن النفوس وتحصل سعادة المرء في دنياه وآخرته (( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ في سركم وجهركم، في ليلكم ونهاركم، في حركاتكم وسكناتكم، فيما تقولون وفيما تفعلون، وجماع التقوى في حياة المسلم أن يحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وأن يتذكر الله في ساعة البلى .
عباد الله / سنتحدث اليوم عن أمر هام، بل عظيم وأي عظم، عن جريمة شنعاء توجب اللعنة وتطرد من الرحمة، جريمة بالرغم من عظمها إلا أنها تتوالى عبر العصور، وتتكرر بتكرر الأجيال، والشيطان أشدُ ما يكون حرصًا عليها؛ لأنه يضمن بها اللعنة للقاتل وسخط الله وغضبه. جريمة وأي جريمة، هي وهج الفتن، ووقود الدمار، ومعول الهدم. نعم، إنها جريمة القتل، جريمة إزهاق النفس التي حرم الله، جريمة توجب سخط الله والنار والعذاب الأليم.
عباد الله / إن حفظ الدين والأنفس وحماية الأعراض والحفاظ على العقل والنسل من مقاصد هذا الدين القويم، ومن الجوانب الرئيسية التي رعاها أيما رعاية، واعتنى بها غاية العناية، صيانة للأمة وحفاظًا على الأفراد والمجتمعات من أخطار الجرائم المدمرة، وعنوان صلاح أي أمة ودليل سعادتها واستقرارها إنما هو برعاية أبنائها لهذا الجانب العظيم، وهو حفظ الأنفس وحمايتها، فمقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم وأموالهم.
فحفظ الأنفس وحمايتها ضرورة دينية ومصلحة شرعية وفطرة سوية وطبيعة بشرية وغريزة إنسانية. ودماء المسلمين عند الله مكرمة محترمة مصونة محرمة، لا يحل سفكها، ولا يجوز انتهاكها إلا بحق شرعي. وقتل النفس المعصومة عدوان آثم وجرم غاشم، وأي ذنب هو عند الله أعظم بعد الشرك بالله من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق؟! لما في ذلك من إيلام المقتول وإثكال أهله وترميل نسائه وتيتيم أطفاله وإضاعة حقوقه وقطع أعماله بقطع حياته، مع ما فيه من عدوان صارخ على الحرمات وتطاول فاضح على أمن الأفراد والمجتمعات.
وإنه لمن المؤسف حقًا ومن المحزن حقًا، أن يسمع المسلم بين وقت وآخر ما تهتز له النفوس حزنًا، وما ترجف له القلوب أسفًا، وما يتأثر به المسلم عندما يسمع عن قتل نفس مسلمة على أيدي آثمة وأنفس شريرة مجرمة تسفك دم مسلم، إنها لجريمة شنيعة ترتعد منها الفرائص وتنخلع لها القلوب، إنها لجريمة فاحشة ولجزاء مخيف، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]. أربع عقوبات عظيمة يستحقها من الله صاحب الجريمة: جهنم خالدًا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذابًا عظيمًا.
ويقول سبحانه: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]. الله أكبر، ويقول سبحانه وتعالى وتقدس: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70].
عباد الله / جريمة القتل جريمة شنعاء وفعلة نكراء، عدها الرسول في الحديث الصحيح في السبع الموبقات فقال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، وذكر منها: ((قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)). وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله قال: ((لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا، يضرب بعضكم رقاب بعض))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)).
وعن سالم بن أبي الجَعْدِ قال: كنا عند ابن عباس بعدما كفّ بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس، ما ترى في رجل قتل مؤمنًا متعمدًا؟ فقال: جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا، قال: أفرأيت إن تاب وآمن عمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه، وأنى له التوبة والهدى؟! والذي نفسي بيده، لقد سمعت نبيكم يقول: ((ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدًا، جاء يوم القيامة آخذه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه من قبل عرش الرحمن، يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه، يقول: يا رب، سل هذا: فيم قتلني؟))، وايم الذي نفس عبد الله بيده، لقد أُنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قُبض نبيكم ، وما نزل بعدها من برهان.
وعن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: ((يجيءُ المقتولُ متعلقًا بقاتله يوم القيامة آخذًا رأسه بيده فيقول: يا رب، سل هذا: فيم قتلني؟ ـ قال: ـ فيقول قتلته لتكون العزة لفلان، ـ قال: ـ فإنها ليست له، بُؤ بإثمه، ـ قال: ـ فيهوي في النار سبعين خريفًا)). وروى النسائي والبيهقي وغيرهما أنه قال: ((لقتلُ مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا))، وفي رواية: ((لزوالُ الدنيا أهونُ عند الله من قتل امرئ مسلم)). وفي رواية للترمذي بسند حسن عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)).
ولصيانة النفوس حرّم الإسلام الإعانة على القتل، فقد روى الإمام أحمد وغيره أن رسول الله قال: ((من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوبٌ بين عينيه: آيس من رحمة الله)). بل إن الأمر يتعدى ذلك حتى ولو بالإشارة إلى المسلم بسلاح، فقد حرم الإسلام ذلك، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ((لا يُشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزعُ في يده فيقع في حفرة من النار)).
وما ذاك ـ أيها الإخوة ـ إلا سدًا لذريعة الفساد وصيانة لدماء المسلمين أن تُنتهك، بل إن الإسلام نهى عن مجرد ترويع المسلمين وتخويف الآمنين، يقول : ((من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وإن كان أخاه لأمه وأبيه))، وفي الحديث الآخر: ((من أخاف مؤمنًا كان حقًا على الله أن لا يُؤمنه من أفزاع يوم القيامة)).
وإنه لمن المؤسف أننا نشهد وفي أعقاب الزمان بين الحين والآخر تساهل الكثير من الناس في أمور الدماء، وعدم مبالاتهم بالمحافظة على أمن الناس وممتلكاتهم.
فاتقوا الله عباد الله واحرصوا كل الحرص على تربية أنفسكم وأبنائكم على هذه الكلمة العظيمة والحرص على احترام المسلم والمستأمن في دمه وماله وعرضه . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه كان غفورا رحيما.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد الا إله إلا هو تعظيما لشانه , وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيراً
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، واحذروا أسباب سخط الله تعالى، فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
عباد الله /لقد خلق الله العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، وحدّ لهم حدودًا ليقفوا عندها ولا ينتهكوها، ومنها إزهاق الروح لأي نفس بشرية بغير حق .
والحدث الجلل – ياعباد الله – ماحدث في يوم الأثنين الذي مضى من قتل ثلاثةٍ من المقيمين الفرنسيين وإصابة رابع في اعتداء آثم شمال المدينة المنورة أثناء عودتهم من رحلة برية وتوقفهم للراحة فى منطقة صحراوية، حيث كان بعضهم ينوي زيارة المسجد النبوي الشريف والتوجه إلى مكة المكرمة لأداء العمرة. ولا شك أن هذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب وعمل إجرامي شنيع لا يمكن تبريره إطلاقاً , فحقن الدماء واجب في حق غير المسلمين فكيف إذا كانوا مسلمين قاصدين بيت الله - عزو جل!.
هذا واعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن الله جل جلاله أمرنا أن نصلي على نبيه فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
( الخطبة موجودة ومنسقة في قسم منبر المضايف )
المفضلات