مداخلة في مقال سعد الصويان
القبيلة خارج الدولة وداخلها

قرأت المقال في موقع ما, لأكثر من مرة وفي كل مرة كنت أتمنى أن يكون عنوان المقال " إشكالية الدولة مع المجتمع المدني" لكان الأستاذ صويان كان له السبق في فك الارتباط بين المجتمع المدني ,والمجال السياسي, الذي يتم الحديث اليوم وكأنهم شيء واحد, علما أن بينهم نفس الإشكالية التي أسقطها الأستاذ صويان على القبيلة.
يقول: "معلوم أن هناك قدرا من عدم التوافق بين مفهوم القبيلة التي يتحدد الانتماء لها وما يترتب على ذلك الانتماء من حقوق وواجبات من خلال نظام \القرابة والعصبية ,وبين مفهوم المواطنة
والانتماء الجغرافي سارعت الدولة خطاها وحثت مساعيها نحو تكريس سلطتها وتعزيز هيمنتها كلما اتضحت حدة التناقض بينها وبين النظام القبلي"
أفكار هذا النص ومفرداته هي من واقع البحوث التي تمت على علاقة الدولة مع المجتمع المدني الذي هو عبارة عن الإنسان المتموضع طبوغرافيا على الأرض, يراقب الدولة المنتخبة ومدى صدقيتها في تنفيذ البرنامج الذي انتخبها بموجبه ,ويضغط بقوه لانتزاع مواطنته من الدولة التي ترى نفسها أحيانا كثيرة تدخل في مفواضات تتقدم فيها حينا وتتراجع أحيانا, وبمعنى أخر كثيرا ما يؤثر الوضع الدولي أو الإقليمي لإحداث خلل في البرنامج السياسي , يثير غضب واحتجاج المجتمع المدني ,لذا هي مضطرة إلى السعي بشتى الطرق للسيطرة على هذا المجتمع من خلال رموز متسلسلة هرميا تركزها في السلطات التنفيذية والتشريعية والإعلامية ,و ترشيها بصلاحيات ومظاهر مغرية.لضبط هذا المجتمع ومراقبته.
و" معلوم إن هناك قدرا من عدم التوافق بين مفهوم الدولة التي يتحدد الانتماء لها وما يترتب على ذلك الانتماء من حقوق وواجبات من خلال نظام مؤسساتي, وبين مفهوم المواطنة والانتماء الجغرافي , سارعت الدولة خطاها وحثت مساعيها نحو تكريس سلطتها وتعزيز هيمنتها ,كلما اتضحت حدة التناقض بينها وبين المجتمع المدني".
والسؤال هل كانت القبيلة مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني ؟
"القبيلة هي الوحدة الاجتماعية التي تتقمص صفة الدولة وتقوم بمهامها في البادية.وأفراد القبيلة هم المواطنون الذين ينصاعون لها ويقدمون ولاءهم كاملا ." والقبيلة ليس لها قانون مكتوب ولكن لها قوانين وأعراف موروثة .
وعندما يتضامن الفرد مع قبيلته الملجأ الأمن والوحيد له سواء كانت ظالمه أو مظلومة هو ما نسميه بالعصبية القبلية ,
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
والعصبية القبلية ,هي"أولى درجات الرابطة القومية حسب المفهوم الحديث1
وابن خلدون _ ولا اعتقد أن الأستاذ صويان قد قرأه بعمق, أو هو استخف بقرائه _العصبية عنده هي أساس نظريته الاجتماعية والذي اعتبر بحق رائد من روادها الأوائل ونال شهرة عالميه بها كمؤسس ,لعلم التاريخ , ورائد من رواد علم الاجتماع.
والتطور" يتبع خطا تصاعديا أي من الأسفل إلى الأعلى من البسيط إلى المعقد .وعموما يتخذ التطور شكلا حلزونيا أو لولبيا"2 .
إن" حياة البداوة تمتاز بالبساطة في كل شيء …أما سكان المدن وهم أصلا من البدو وتحولوا إلى حضريين .. يتطرق الترف إلى حياتهم..وتنحل القيم_ قيم القبيلة الأصيلة_ بالتدريج نتيجة للإغراق في الملذات والكسل3

لاشك انه حيث تتواجد القوانين والتشريعات والسلطة التنفيذية يتواجد التنظيم السياسي, لتنظيم الحياة الاجتماعية .
وهذا ما يفسر لنا تحول القبيلة في شبه الجزيرة العربية, الىدول ذات حضارات فرضت نفسها على التاريخ, منها في الشمال, عاد وثمود, الوارد ذكرهم في القران الكريم ,واللحيانيين,نسبة إلى اسم القبيلة العربية لحيان, وخضعت لها فيما بعد معين .
وفي الجنوب

معين"1200_630" ق.م وكشفت بها كثير من النقوش تذكر أسماء قبائل عربية وإعرابها ,ويفهم من هذه النقوش إن الإعراب هم سكان الريف,

بالنسبة ليومنا هذا , ومعلوم إن الريف لا يحظى بالاهتمام الذي تلقاه المدينة , ويسمي ابن خلدون صراحة البدو بالزراع وان الزراعة هي معاش "أهل العافية من البدو" .
يقول:ابن خلدون "وهؤلاء القائمون على الفلح والحيوان تدعوهم الضرورة ولابد إلى البدو لأنه متسع لما لا يتسع له الحواضر من المزارع والفدن والمسارح للحيوان وغير ذلك فكان اختصاص هؤلاء بالبدو أمرا ضروريا لهم4.
قتبان11 ق.م_25 ب.م برعت هذه الدولة في التنظيم الضرائبي ,وتنظيم الزراعة والتجارة والعقوبات الجزائية 5
وسبا, وحمير,وذي ريدان وحضرموت ويمنت , الىجانب القبائل المهاجرة التي حملت حضارة شبه الجزيرة العربية إلى أماكن إقامتها كالا نباط والغساسنه والمنازرة وتدمر ,
وعلى العموم القبيلة اليوم هي إحدى مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة ,كما كانت قريش حضرية في مسكنها وقبلية في ثقافتها وأسست دولة مترامية الأطراف ,لم يزل حتى اليوم تظهر مؤلفات في قياداتها" البدوية", التي برعت في إنشاء الجيوش وتنظيم الإدارات , والتخطيط الحربي6.
ومع أن الآشوريين يدعون بحق رومان العالم القديم فإنهم لم يستطيعوا أن يبسطوا سلطانهم إلا على بعض الواحات وبعض القبائل في شمالي الجزيرة وذلك بصورة اسمية فقط7 وإشارة الأستاذ صويان عن الآشوريين هو صراع حدودي كالذي يحدث اليوم,وليست برهانا على نظريته
وذكر هيرودست في معرض حديثه عن داريوس ما نصه "ولقد اعترف بسلطانه جميع أقوام آسيا الذين أزلهم كورش ثم قمبيز بعده إلا العرب,فهؤلاء لم يخضعوا البتة لسلطان فارس إنما كانوا أحلافا"8
بقي القول:انه من الخطأ الجسيم إن نسقط التعاريف العصرية عامة والغربية خاصة على أسماء كالعرب والأعراب والقبلية والعصبية ,بل علينا دراستها في زمانها ومكانها ,وبيئتها, ونعرفها, عند ذاك سندرك أن القبلية العربية ,تتقدم الفكر القومي,إن لم تسبقه. وآن لنا أن نقول أن القبيلة العربية حضارية منذ قديم أزمانها ونقيم الدليل من تاريخها.

11\2\2006 م. أسامه الدندشي
هوامش

1_ د.احمد هبو العرب قبل الإسلام طبعة حلب ص261
2-د.زينب محمود الخضري فلسفة التاريخ عند ابن خلدون طبعة
دار التنوير بيروت ص 93
3- د . زينب نفس المصدر ص97
4- مقدمة ابن خلدون الطبعة الادبية بيروت طبعة ثانيه ص105
5- د, احمد هبو نفس المصدر ص117
6- = = ص94
7- د.حسين الشيخ دارا لمعرفة الجامعية الاسدندرية ص183
8- فيليب حتي تاريخ العرب جزء 2 ص 49
9_ أسامه الدندشي القبلية عند العرب