العلمانية والاسلام
اسامه الدندشي
ossama-aldandashi@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1
العلمانية والإسلام بين شرطيها التاريخي,والعقلي
تحت الرعاية والدعم السوفيتي, والصمت الأمريكي,تأسست الأنظمة الشمولية, ونمى الاستبداد العربي,على تربة هيأتها طبقة من المثقفين الراديكاليين,تمكنت وبحذاقة من قراءة الأفكار والمفردات العزيزة على الجماهير العربية,فدفعت بحماس منقطع النظير إلى الشعور الجمعي للمجتمع بشعاراتها القومية والاشتراكية,وأفرغت بالوقت نفسه هذه الشعارات من مضمونها المعرفي,بتزييف وابتزاز القيم العزيز, مثل الديموقراطية ,والحرية , والتعددية, والعلمانية, وحقوق الإنسان , والمجتمع المدني.
وبالمقابل, رفع مثقفوا الأنظمة المحافظة , شعارات الإسلام ,بين متشدد نادى بإسقاط الفكر القومي التغريبي, والأيديولوجية الاشتراكية ذات المنشأ الشيوعي الملحد, واصلا حييين حاولوا التوفيق بين العروبة والإسلام,
هذا السجال النظري بين المثقفين الرسميين,بين قوميين تجاهلوا الآثار الثقافية للإسلام الزمنية وليس الدينية بحكم علمانيتهم , وإسلاميين حاربوا أي تضامن أو تكتل وحدوي عروبي ,يدفعهم عقدة الخوف على دولهم الصغيرة,من دول قد تنموا وتقوى وتكبر بفعل دوافع التيار القومي, هذا الصراع أدى إلى تخلخل النظام العربي الرسمي, مدفوعا بادراكات سياسية خاطئة, للوضع الإقليمي والعالمي , إلى حروب خاسرة, لم تستشر فيها الشعوب, فحرب الخليج الأولى والثانية, و قرار احتلال الكويت, وقرار استدعاء القوات الأجنبية , وقرار المشاركة العربية مع القوات المتعددة الجنسيات,قرارات فردية ,ولم تستشرفيها الشعوب, وهذه الأنظمة ,مسؤولة عن كل الأزمات, وعن كل التردي العربي والإقليمي, فلتتحمل إذن مسؤولياتها.
الخطاب العلماني
للعلمانية اشتقا قين, أولهما علمانية بكسر حرف العين,نظرا لاشتقاقها من العلم, وثانيهما علمانية بفتح العين واللام لاشتقاقها من العالم .
وقد ارتبط المفهوم العلماني لدى الغالبية الساحقة من المفكرين القوميين والإسلاميين, تاريخيا بعصر النهضة في أوربا,وسيطرة الأكليروس على ثنائية السلطة الدينية والسياسية,باعتبار أن المؤسسة الدينية هي الوصية على شؤون المؤمن المسيحي الدينية والزمنية,وهي الواسطة الروحية بين المسيحي وربه,وفي ظل الدولة الثيوقراطية وسيطرة طبقة الأكليروس ,على كافة مناحي الحياة, خلق مناخا, من التشدد الديني, والعداء نحو الأخر, واتهام كل من يعمل في مجال العلم والتقدم,بالهرطقة وعقابها الحرق والموت,وخاضت العلمانية صراعا مريرا, وتضحيات جمة ,حتى استطاعت فصل الدين عن الدولة, وتحييد أي تدخل لرجال الدين في السياسة .
ويدرك المتتبعين للمسالة العلمانية إن اغلب المثقفين ,عرفوا العلمانية في سياقها التاريخي, وما حققته في النهاية في المجتمعات الأوروبية, وتحديدا فصل الدين عن الدولة, ودار سجالا بين القوميين والاسلامين, حول نصوص دينية تؤيد أو تنفي العلمانية, وقلة هم من رأوا فيها, طريقا لوحدة وطنية واجتماعية , وطريقا للتقدم والتنمية, وبإيجاز رأوا فيها ضرورة لتحديث المجتمع. انطون سعادة من المفكرين الأوائل الذين درسوا العلمانية وعلاقتها مع الطبيعة الدينية والله
هذا الفهم التاريخي لظهور العلمانية, أسس عليه الإسلاميين دفاعاتهم , فان أي من الظروف التاريخية, التي رافقت ظهور العلمانية لم يمر به الإسلام فهم بالتالي ليس معنيين بالمسالة العلمانية, فقال العلامة الشيخ مهدي شمس الدين"المبررات النظرية للعلمانية التي استنبطها الفكر الأوروبي من مجمل النظريات الفلسفية والاجتماعية- السياسية التي ظهرت من الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين منذ القرن السادس عشر- هذه المبررات لم يوجد في الإسلام ما يدعوا إليها على الإطلاق" وبالتالي هي دعوة تغريب وانسياق أعمى نحو ثقافة الغرب الاستعماري.......... وفريق أخر من الإصلاحيين المسلمين , وعلى رأسهم المفكر الإسلامي القرضاوي, قالوا إن الإسلام هو دين ودنيا ولا يحمل مفهوم الدولة الثيوقراطية في الغرب المسيحي , وهذا الرفض لسيطرة طبقة الأكليروس على الدولة هو جوهر العلمانية وسماتها الضرورية,وطالما أن المفهومات الجوهرية للعلمانية ترتبط بشروطها التاريخية, فسقوط شرطها التاريخي في الإسلام يعني سقوط مفهومها الجوهري, وبالتالي نحن بغنى عن استيراد هذه العلمانية. طالما لدينا البديل.
غير أن التحليل النقدي للعلمانية, من وجهة نظر فلسفية, ترى إن الشرط التاريخي, هو سمة لاحقة, وليس أساسي للعلمانية, وبالتالي هو تحصيل حاصل السيمانتية العلمانية,أما السيمانتية الجوهرية للعلمانية,هي المبادئ والأفكار التي كانت تحملها طبقة الأكليروس, عن الله والدين, واتفق على تسميتها المؤسسة الدينية, التي سيطرت على الشؤون الزمنية, التي سعت كمؤسسة سياسية , لإقامة دولة يكون فيها الدين صاحب الكلمة الأولى والأخيرة, في السياسة والاقتصاد والاجتماع والدين.
والديموقراطية المباشرة التي عرفت في مجمع أثينا وفي سياق ظرف تاريخي معين , لم يمنع اختلاف هذا الظرف التاريخي في أوروبا, من الأخذ بها وتطويرها , من ديمقراطية مباشرة, إلى ديمقراطية يكون فيها التمثيل الفردي أو الحزبي عن طريق الانتخاب , دون أن يؤثر السياق التاريخي على المفهوم الجوهري للديموقراطية .
كنت في مقال سابق نشر في الحوار المتمدن بتاريخ .......... إن الأنظمة العربية حجرت وكلست واعتقلت كل العلوم الإنسانية والاجتماعية لاعتمادها بالدرجة الأولى على النقد, وللقدسية المطلقة,للاستبداد العربي ,حرم النقد,لان من ينتقد إما هو من الطابور الخامس أو عميل خائن,او شيوعي مارق, لذلك لم ينتج المجتمع مفكرين وطنيين ينتمون إلى ثقافة هذا المجتمع,أسسوا لنظريات نقدية تعالج تلك العلوم,لذلك بقينا نجتر النظريات الغربية,ونؤسس عليها.
لذلك نرى على الانترنيت تستعمل المفرد ت ,كالديموقراطية, والرأي والرأي الأخر, والحرية وحقوق الإنسان, والعلمانية والإرهاب, والاسلاموي , والاستبداد العربي, والشمولية.......بمعانيها المجردة وكأنها موضة , أو موجة امتطاها المثقفين, فجاءت بعض المقالات وصفية, حكواتية , أكسبتها الممارسة سلاسة في الأفكار, وجزالة في الأسلوب, هي اقرب إلى التهويمات , منها إلى التحليل , والى الدروشة منها إلى المفهوم السياسي الاجتماعي, تعتمد على التعميم لما فيه من الضبابية حول المعنى, وليس على التحديد الذي يرتبط بالوعي والإدراك. هي مفردات سياسية, في ذهن الكاتب , وليست اجتماعية وإنسانية.
إن هذه المفردات العزيزة على القلوب, والتي ابتز لت على مدى أربعون عام,مع كل تنوعاتها ومدارساها, موضوعها واحد وهو الإنسان الاجتماعي ذو النزعة الأممية, الذي بلغ رقيه وتمدنه, درجة إيجاد مثل عليا له, تجعله يقدم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد ,لذلك وبالضرورة تتطور معه شبكة من العلاقات, تفرضها من حيث الشكل طبيعة البيئة ودرجة التطور والتقدم, لتنظيم حياته اليومية والمجتمعية, وعندما تستقر هذه الشبكة وتأخذ شكل" الانا" الجمعية في ذات المجتمع ,وتصبح المرجعية الأخلاقية لكل قضايا الخطأ والصواب , في المعاملات اليومية الزمنية , يكون قد تحدد ضمير الأمة , في هذه الانا الجمعية المستقرة في الشعور ,وتتحول إلى هوية ثقافية, عندما تضطر إلى تنظيم قضايا اقتصادية وسياسية وقانونية, منحوتة من التاريخ ومن الذاكرة الثقافية واحتياجات التطور,وتتناغم جملة هذه الشبكة العنكبوتية من العلاقات, لتشكل عقلية خاصة تتميز عن عقلية شعب أخر أو امة أخرى.
إذا استثنينا الشرط التاريخي الذي أسس عليه الإسلاميون دفاعاتهم,وأخذنا بان الفتاوى والاجتهاد في دولة الإسلام الدينية الدنيوية, هي المرجعية لكل الأمور الزمنية , لان شرط القانون في الدولة الإسلامية هو عدم خروجه عن النص, و هذا استبعاد العقل عن تدبير شؤون الإنسان الحياتية . ويرى فلاسفة العلمانية في هذا وساطة دينية لا تختلف في جوهرها عن واسطة رجل الدين المسيحي.
غير أن الحامل للمفهوم العلماني هو الإنسان , والوعاء الحاضن للقضايا الجوهرية للعلمانية هو المجتمع,دون التقليل من أهمية الشرط التاريخي, والمفهوم السيمانتي للعلمانية, لكنهما ليس الشرطين الأساسيين لها, وإنما الشرط الموضوعي, الذي أدى إلى المفهوم الجوهري للعلمانية, هم مفكري وفلاسفة عصر النهضة الذين استطاعوا , أن يفصلوا بين الدين ومكونات العقل الاروبي, ولم يعد الفرد الأوروبي, حكمه في تصويب أو تخطيء ممارسته اليومية المسيحية, وإنما العقل, وبعبارة أدق إن الانا الجمعية في ألذات الأوروبية, والتي تشكل الضمير الجمعي , لم يعد الدين مرجعيتها في تقييم الخطأ والصواب وإنما العقل, و العقل هو الحكم النهائي في مجال العلاقات القيمية,لذلك الضوابط الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والقانونية, هي ضوابط عقلية وليست دينية , وليس لسلطان ديني على أي من الشؤون الدنيوية للإنسان الأوربي,فعندما يمارس الإنسان الأوربي الجنس خارج مؤسسة الزواج,أو يقر الزواج المتلي, لا يلقي عليه النص الديني ظلاله, لأنه لا علاقة له بالشأن الدنيوي مطلقا.
وعلى خلاف ذلك لم تعرف البشرية دينا أو إيديولوجية, تدخلت في الشؤون الدنيوية كما تدخل الإسلام , فهو في كل كبيرة وصغيرة, حاضرا في نصه, ينهي ويسمح, يحلل ويحرم, فعند الصباح نتشا هد, وعندما نأكل نبسمل, وعندما ننتهي نحمد الله, وعندما نفتح الحانوت ننادي يا رزاق يا كريم, ورئيسة الاتحاد النسائي, تنهي بناتها عن العيب وتعلمهم ماهو حلال وحرام,والعلماني يرفض الزواج المدني لبناته, والسياسي يتمترس خلف المفتي ,الضمير , الشعور, القيم, العادات والتقاليد, الأخلاق, القانون, الخطاب السياسي العلاقات التجارية, المرأة , الجنس ......... وكل الشؤون الزمنية ذات مرجعية دينية واحدة,ابتعدت عن الدين الرسمي, واتخذت في العقل العربي والإسلامي , مكان الصدارة في الذاكرة والفعل, وحاضرة في الممارسة والقول, ولذلك ليس مستغربا من وقوف , جماهير واسعة في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي , مع الخطاب العراقي في أزمتي الخليج الأولى والثانية, رغم أن الخطاب كان اقرب إلى لغة الدراويش منه إلى اللغة السياسية , صادر عن نظام يدعي العلمانية , ولم يعرف عنه أية وجهة دينية, يعتمد في محنته خطابات دينية تبدأ بنحت الله واكبر على العلم ويبدأ" يا محلى النصر بعون الله ". بسم الله الرحمن الرحيم .................., ورغم فقدان الثقة بين الجماهير العربية وبين الخطابات السياسية , فقد كان صدى واسع الانتشار, والقبول من المغرب إلى المشرق , فما هي الأسباب التي جعلت هذه القطاعات الواسعة , تتجاوب مع خطاب كهذا.
إذا وجدنا الجواب فمن السهل أن نكتشف المسالك الآمنة للديموقراطية وحقوق الإنسان , والعلمانية ......إلى وجدان هذه الشعوب وان شئت إلى ضمير هذه الأمة.
26/6/2006
--------------------------------------------------------------------------------
الموقع الفرعي في الحوار المتمدن : اسامه الدندشي
http://www.rezgar.com/m.asp?i=1454
المفضلات