نقل الشيخ حافظ وهبة سفير جلالة الملك عبد العزيز " يرحمهما الله " في بريطانيا دعوة جلالته للحكومة اليابانية لزيارة الرياض تقديراً لما قدمته من مساعدة في إنشاء مسجد طوكيو سنة 1938م.
وتلبية لهذه الدعوة شهدت الجزيرة العربية سنة 1939م أول حضور رسمي من الشرق الأقصى كان على رأسه الوزير الياباني في سفارة اليابان في القاهرة ، وكان من ضمن الوفد السيد " ايجيروا ناكانو " الذي نشر تفاصيل رحلته في مجلة يابانية ثم جمعها في كتاب صدر سنة 1941م ترجمته مؤخراً دار الملك عبد العزيز في الرياض .
يقول " ناكانو " وصلنا مدينة جدة العشرين من مارس 1939م وعند نقطة تقع على بعد ميل من الميناء تركنا السفينة التي أقلتنا وركبنا يختاً صغيراً نظراً لوجود شعب مرجانية كثيرة تكونت في البحر الأحمر منذ زمن طويل " .
سألت الرجل الذي يقود اليخت " لماذا لا تزيلون هذه الشعب ؟ فقال : " إنها الرغبة في الحفاظ على البلاد من خطر السفن المعادية التي لا يمكنها أن تمر فوق هذه الشعاب لأن العمق لا يتجاوز ربع المتر تقريباً .
اقتربنا من مبنى الجمرك وأنزلنا أمتعتنا بهدوء ووقفت متعجباً وأنا أرى لأول مرة الشخصية العربية البدوية ، وكان في استقبالنا قائم مقام مدينة جدة ورئيس الشرطة واستعرضنا حرس الشرف ورحب بنا الجنود .
كانت جدة هادئة بعد انتهاء موسم الحج ، ولفت انتباهي تلك البيوت العالية التي شيدت من الحجارة والخشب كما شعرت بارتفاع نسبة الرطوبة .
كان عد السكان في مدينة جدة في ذلك الوقت 25 ألف نسمة ، وشعرت بأن المكان قد تعرض لتقلبات الزمان ، وتغير كل شيء وسط هذه المنطقة الصحراوية والتي كانت من أكثر المناطق تقدماً وازدحاماً بالسكان في العصر الجليدي الرابع !!
قبل انطلاقنا إلى مدينة الرياض أهدانا الشيخ عبد الله السليمان – (وزير المالية) بعض الملابس العربية ، وكنت في غاية السعادة وأنا أرتدي الغترة والمشلح والعقال العربي .
ومن مدينة جدة انطلقنا محفوفين بكرم الضيافة الملكية إلى الرياض حيث سنقضي أياماً عدة وسط صحراء يحيط بها السكون من كل جهة ودرجة الحرارة العالية .
انطلقت بنا السيارة وهي تسير بسرعة 70 ميلاً باتجاه الشرق ، وكنا نضطر للوقوف أحياناً لتوقف السيارة بفعل " التغاريز " وسط الكثبان الرملية ، فنضطر للنزول وحمل السيارة بمساعدة المرشد ورئيس الحرس وبعض المساعدين الذين ترجلوا من سياراتهم . لقد كانوا رجالاً أشداء يحملون بنادقهم لحمايتنا ويتمتعون بالشجاعة ولا يهابون المخاطر .
بعد مضي خمسة أيام شعرت بأننا اقتربنا من مدينة الرياض وما أن ظهرت لنا واحة خضراء حتى صاح السائق : ( الرياض .. الرياض " .
رأيت من بعيد منظر قلعة بان سورها ونوافذها وشعرت بالارتياح .. قلعة كبيرة ذات طراز من البناء العربي الأصيل . خيم علينا الصمت ونحن نسير بمحاذاة سور القصر " قصر البديعة " وهو قصر مشيد من الطين .
نزلنا من السيارة فوجدا عند البوابة ثمانية رجال من الحرس مع بنادقهم الطويلة . قال قائدهم: اضرب فبدءوا في إطلاق أعيرة نارية تحية لنا .
نزلت في غرفة مع الوزير تطل على وادي حنيفة حيث نشاهد من خلفها أشجار النخيل الجميلة.
يتكون " قصر البديعة " من طابقين وهو مشيد على طريقة المعمار العربي شكل مربع مثل جامع الأزهر وقصر الحمراء في غر ناطة بأسبانيا .
قضينا ليلة مريحة بعد عناء الرحلة ، ويوم غد سيكون لقائنا مع الملك عبد العزيز آل سعود .
وفي الصباح تحركنا باتجاه القصر ، والسائق الذي جاء بنا من جدة لبس حلة جديدة فكان رائع الهندام ، وحين دخلنا من بوابة القصر " الشمسية " وجدنا على بوابة القصر مائة من رجال الحرس ، وكانت زخارف القصر رائعة وجميلة جداً .
دخلنا في غرفة الضيافة واتجهنا إلى رجل على كرسي ضخم مساند كان يرتدي مشلحاً ويبدو طويل القامة ، وأدركت منذ الوهلة الأولى أن الذي يجلس على الكرسي الضخم هو الملك .
إتجهنا نحوه فوقف من على كرسيه ، وسلم علينا سلاماً حاراً حيث سلم عليه الوزير ثم زميلنا المهندس ثم أنا ، وقال لنا : ( مرحبا .. أهلا وسهلاً ، وصلتم بأمان الله ) . وكان مظهره يدعو للاحترام الشديد فهو ملك بحق وصدق . تحدث واطمأن علينا وتمنى لنا إقامة طيبة ثم راح يتحدث عن الأوضاع السياسية في العالم ، فكان ملماً ومدركاً لما يحدث شرقاً وغرباً ، وركز في حديثه معنا الى أن هذه البلاد تطبق الشريعة الإسلامية المستمدة من كتاب الله " القرآن الكريم " .
يمضي " ناكانو " في القول : قالوا لنا أن سكان مدينة الرياض عشرون ألف نسمة ، فسألت نفسي متعجباً أين يسكن هؤلاء إذ لم أرى أناسا كثيرون هنا ، ولكنني عندما مضيت في الطريق المؤدي إلى وسط المدينة شاهدت المباني المشيدة من الطين المستوحاة من البيئة الصحراوية .
رغبت في زيارة السوق فذهبت مع مرافقنا عبد السلام ، وهناك شاهدت علب طعام كتب عليها " صنع في اليابان " و " دكاكين " تبيع الملابس ودقيق القمح والأرز ، " دكاكين " بنيت من الطين وغطي سقفها بالنخيل تبيع الحرير والقماش .
وبينما أنا في قمة الاستمتاع حان وقت الصلاة فلم أعد أرى أحدا حيث أن الكل توجهو للصلاة في المسجد .
وفي اليوم التالي خرجت للنزهة ولكن بعيداً عن السوق ، فذهبت إلى جبل في طرف الرياض يدعى " أبو مخروق " يتكون من الحجر الجيري يصل ارتفاعه إلى خمسين متراً وشكله مثل شكل " النسر " وفتحته كأنها عينه .
تسلقت الجبل وأصبحت الفتحة أمامي أكبر وأوسع كان قطرها حوالي سبعة أو ثمانية أمتار شكلتها عوامل التعرية وربما العواصف الشديدة ، وعبر هذه الفتحة تتاهى إلى سمعي صوت غريب فشعرت بنوع من الخوف قال لي مرافقي عبد السلام " انزل " فنزلت ولم أعرف هل توهمت شيئاً أم أنه سحر المكان .
وفي السابع من إبريل سنة 1939م كان يجب على الوفد أن يتوجه إلى جدة بعد انتهاء الزيارة الرسمية التي قام بها ومن ثم غادرنا إلى اليابان حيث كانت نهاية الرحلة 0
المفضلات