المتلاعبون في سوق الأسهم
فضل بن سعد البوعينين - - - 19/06/1427هـ
ما زلت أعتقد أن سوق الأسهم السعودية لا يمكن لها أن تخضع لمعطيات التحليل المنطقية بوجود بعض من المضاربين الجشعين الذين أقحموا أنفسهم عنوة في سوق الأسهم، دون أن تتوافر لديهم مبادئ المعرفة الاستثمارية والخبرة في تحركات الأسواق المالية، وما يمكن أن تحدثه من تأثير وتدمير على الاقتصاد العام والمجتمع، متسلحين بالسيولة الضخمة التي تعينهم على التحكم في شركات المضاربة من جهة والإضرار بشركات العوائد من جهة أخرى.
"المضاربون الجدد" هم فئة قليلة من كبار المضاربين غير المنضبطين، الذين أثروا ثراء فاحشا نتيجة تلاعبهم في سوق الأسهم من خلال السيطرة والاحتكار وصناعة الأسعار غير المنطقية التي شكلت فيما بعد ما يعرف باسم "فقاعات سوق الأسهم السعودية" وهي التي أدت إلى انهيار السوق في دورته الأخيرة المنتهية في شباط (فبراير) من العام الجاري.
ها نحن نعود إلى نقطة الصفر من جديد، نقطة الانهيار التي كلفت الاقتصاد السعودي أكثر من 1.8 تريليون ريال، وما زالت آثارها الاقتصادية والاجتماعية باقية حتى الآن، وستبقى ما بقيت التجاوزات الخطيرة التي يحدثها المضاربون الجدد في سوق الأسهم.
جميع الجهود الحكومية المميزة التي بذلت من أجل إعادة الثقة لسوق الأسهم، ولضمان استقرارها بدأت في التبخر شيئا فشيئا نتيجة إصرار "المضاربين الجدد" على حرق أوراق الدعم والإصلاح، من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة. ما زالت مجموعات "المضاربين الجدد" تنخر في عضد السوق دون حسيب أو رقيب، ترفع أسهم المضاربة إلى عنان السماء وتهوي بالأسهم القيادية إلى القاع وتدخل المتداولين في دوامة من التخبط لا يمكنهم الفكاك منها.
وهذا ما حصل بالفعل خلال الأسابيع الماضية، عندما تسلمت المجموعات زمام المبادرة وبدأت في تضخيم أسعار أسهم المضاربة وتثبيت أسهم العوائد، والشركات القيادية. فبعد أن حققت أهدافها قصيرة الأمد، بدأت في البيع الجائر وتصفية مراكزها المالية بطريقة غريبة ألحقت الضرر بصغار المستثمرين. خلال أيام معدودات، خسر مؤشر الأسعار أكثر من 1800 نقطة، ليغلق عند 11868 نقطة، ما يعني عودة السوق من جديد إلى مستويات الدعم الخطرة التي قد تقودها، لا قدر الله، إلى سابق عهدها القريب إذا لم يتدخل صناع السوق المنضبطون لحماية استثماراتهم وحماية السوق من الدمار.
تصرفات "المضاربين الجدد"، وخططهم التدميرية، التي ينفذونها من خلال المجموعات حينا، ومن خلال محافظهم الضخمة أحيانا أخرى، هي التي تلحق الضرر بسوق الأسهم والمتداولين، فتصبح السوق أقرب إلى طاولات الروليت منها إلى أسواق المال الكفوءة.
يبدأ "المضاربون الجدد" في تشكيل فريق العمل التدميري، ويدعم بالسيولة الضخمة من بعض الممولين، ثم يختار له القائد المحنك (مضارب محترف) الذي يستطيع أن يضع خطط الاستحواذ والسيطرة، فيقلع بأسهم المضاربة إلى نطاقات سعرية خيالية لا تتناسب مع أداء وربحية شركاتهم المستهدفة. يعتمد قائد المجموعات في خططه السوقية على أنواع البيوع المحرمة مثل بيعي النجش والغرر، إضافة إلى تطبيقه سياسة الاحتكار والسيطرة التي تقود إلى رفع الأسعار في السوق.
مجموعة من المخالفات الشرعية والقانونية ترتكب يوميا في سوق التداول أدت إلى سلب صفة الكفاءة من السوق السعودية. هذه المخالفات المتكررة، والفوضى التي يمارسها بعض كبار المضاربين هي التي أكسبت السوق السعودية أعلى معدلات الخطورة العالمية من بين أسواق المال الناشئة، وهي التي منعت صناديق الاستثمار العالمية من الاستثمار فيها. أكد السيد إلكساندر بانيك، مدير صندوق الأسواق الناشئة في دي. دبليو. إس التابع لدويتشه بنك، من خلال تصريحات صحافية نقلتها "الاقتصادية " عن وكالة "رويترز" للأنباء، أكد أن "شركته تستثمر في معظم الأسواق الناشئة في أنحاء العالم، لكنها تحاول تجنب منطقة واحدة هي الشرق الأوسط بأسواقها الخليجية المتقلبة التي شهدت تراجعا حادا في شباط (فبراير) بعد مكاسب هائلة العام الماضي. وأشار بانيك إلى السوق السعودية على وجه الخصوص في قوله إن "أسواق الشرق الأوسط مثل مصر والسعودية وغيرها من الدول الخليجية تكتنفها مخاطر كبيرة رغم جهود حكوماتها لزيادة الشفافية".
هذه إحدى نتائج الفوضى التي يمارسها بعض كبار المضاربين غير المنضبطين في سوق الأسهم السعودية، ونتائجها الاقتصادية والاجتماعية أعظم وأمضى، وهو ما يستدعي تدخل الجهات الرسمية لمحاسبة المتسببين في إحداث الفوضى، ورفع معدل المخاطرة في السوق السعودية، وإبعادهم فورا عن سوق التداول. يفترض أن تُدقق قيود التداول الضخمة التي نفذت خلال الأيام الماضية من أجل معرفة الأسباب والمسببات التي أدت إلى إنزال السوق بتلك الطريقة على الرغم من الأخبار المحفزة الداعمة للسوق وللشركات، وعلى رأسها الأرباح الضخمة التي حققتها 36 شركة من شركات العوائد والشركات القيادية، التي زادت في مجملها عن 19 مليار ريال سعودي.
منقوووووووووووووول
اخوكم هذيل
المفضلات