[poem=font="Simplified Arabic,5,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/14.gif" border="none,medium,gray" type=3 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
مهرجان الماء و الياسمين
-1-
لا أستطيع أن أكتب عن دمشق ,دون أن يعرش الياسمين
على اصابعي .
ولا استطيع أن أنطق اسمها ,دون أن يكتظ فمي بعصير
المشمش ,و الرمان ,و التوت ,و السفرجل .
ولا استطيع أن أتذكرها ,دون أن تحط على جدار ذكرياتي
ألف حمامة ....و تطير ألف حمامة ..
-2-
كل أطفال العالم ,يقطعون لهم حبل مشيمتهم عندما يولدون
إلا أنا ... فحبل مشيمتي لم يزل مشدوداً إلى رحم دمشق
منذ 21 آذار 1923 .
إنها معجزة طبية ,أن يبقى طفل من الأطفال يبحث عن ثدي
أمه سبعين عاماً ...
-3-
أنا مسكون بدمشق ,حتى حين لا أسكنها .
أولياؤها ,مدفونون في داخلي .
حاراتها تتقاطع فوق جسدي .
قططها ,تعشق... و تتزوج ....و تترك أطفالها عندي .
-4-
دمشق ليست صورةً منقولةً عن الجنة .
إنها الجنة .
وليست نسخة ثانية للقصيدة ..
إنها القصيدة .
و ليست سيفاً أموياً على جدار العروبة ..
إنها العروبة .
-5-
لا تطلبو مني أوراقي الثبوتية .
فأنا محصول دمشقي مئة بالمئة ...
كما الحنطة ,و الخوخ , و الرمان ,و الجانرك ,
و اللوز الأخضر في بساتين الغوطة .
و كما البروكار ,و الأغباني ,و الداماسكو ,و أباريق النحاس ,
و الخزائن المطعمة بالصدف ,التي هي جزء من تاريخي..
و من جهاز عرس أمي ...
-6-
اللغة التي أكتب بها أيضاً ,هي محصول دمشقي
فلو فتحت ثقباً صغيراً في أبجديتي ... لانفجرت نوافير الماء ...
و طلعت من مسامات حروفي..
رائحة النرجس ,و الريحان ,و الزعتر البري ,و الطرخون ....
-7-
سافرت كثيراً ...حتى و صلت إلى حائط الصين العظيم.
و لكن حمائم الجامع الأموي لا تزال تطلع من جيوبي حيثما اتجهت ,
ولا تزال القطط الشامية تموء تحت سريري في كل فندق أنزل فيه .
و لا تزال رائحة الخبيزة و القرنفل تطلع لي من كل حقيبة أفتحها ...
- 8 -
أنا خاتم من صياغة دمشق.
نسيج لغوي من حياكة أنوالها .
صوت شعري خرج من حنجرتها .
رسالة حب مكتوبة بخط يدها .
سحابة من القرفة و اليانسون ,تتجول في أسواقها .
شجرة فل تركتها أمي على نافذتي .
و لا تزال تطلع أقمارها البيضاء .... كل عام ...
- 9 -
في أسفاري ,تمر بي أوهام كثيرة .
فأتصور مرة أنني سفرجل .
و مرةً ,أني رغيف خبز مرقوق .
أو سطل عرقسوس ,أو كوم صبارة مثلجة في ليال الصيف ..
إنني أعرف أن كل هذه الهواجس هي هواجس طفولية ,
و أن كل هذه الهلوسات ,هي هلوسات عاشق ..
و لكن ..لن أسمح لأحد أن يلغي مخيلتي .
و لن أسمح لأحد أن يمنعني من أن أكون عنقود عنب ..
أو ركوة قهوة .. أو سرب سنونو ..أو قطة شامية قزحية العينين ..
أو نافورة ماء تقول الشعر , دون أن يعلمها أحد علم العروض..
نزار قباني..........
ديوان :دمشق...نزار قباني[/poem]
المفضلات