يعتبر ظهور الانترنت المتنفس الاكثر هوائا ونقاء لكثير من العرب والمسلمين في هذا العصر الذي نجد فيه مقص الرقيب يقص ما يشاء وقد اثر هذا على عدم سماع الصوت الاخر وما يريدةواصبحت هذه العادات
لعبة «القط والفأر» بين الحكومات والمواطنين
ولمزيد من التفاصيل دعونا نقراء هذا الموضوع
هل تسعى الاستراتيجية الأميركية للهيمنة على الكرة الأرضية عن طريق الرقابة الأميركية عبر الشبكة الدولية للإنترنت، وما هي أشكال هذه الرقابة وأثرها
على المنطقة العربية، في ظل بؤر الصراع السياسي الساخن في عدد من الدول العربية، بالإضافة إلى عمليات الاختراق المستمرة عبر الهواتف العادية والجوالة؟
يناقش الدكتور مصطفى عبد الغني واقع الإنترنت في البلدان العربية في ظل رقابة الشبكة المركزية الأميركية، والتي اتسعت قدراتها بفضل التقنيات البرامجية العالية التي تمتلكها، وصعود أركان المركزية الأميركية في العالم وسياسات القطب الواحد، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.
ويحذر د. مصطفى عبد الغني في كتابه «الرقابة المركزية الأميركية على الإنترنت في الوطن العربي» الصادر حديثاً عن دار عين بالقاهرة، مما يسميه «عسكرة العولمة» لافتاً إلى أن أميركا تكرس لهذا المفهوم باستخدام العولمة المعلوماتية ضد الأفكار العربية والإسلامية فتفرض الرقابة بالقوة على شبكة الإنترنت مثلما حدث في العراق، حيث أقامت أميركا مركزاً إلكترونياً ضخماً به أجهزة متطورة وكادر بشري ضخم بهدف السيطرة المعلوماتية الكاملة على دول المنطقة والتنصت على ما يدور في سورية وإيران، وعلى وجه الخصوص التنصت على تحركات واتصالات رجال ونساء ما سماه المقاومة العراقية.
ويصف المؤلف هذه الرقابة بأنها شرسة وعاتية تستهدف الهيمنة المتسارعة على العالم كله من خلال الأذرع الاخطبوطية القوية لـ «الويب» والتي تجاوزت حدود ممارسة الرقابة على الأرض إلى الرقابة على وعي الإنسان العربي نفسه، وانتهاك الخصوصية، والحريات الفردية، لافتاً إلى أن هذا الاتجاه هو البارز للشبكة بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة.
ويؤكد المؤلف أن في ضوء هذا نستطيع أن نرى أطراف هذا الاخطبوط تمتد إلى أي مكان على الكرة الأرضية، لتدشين العنف المعلوماتي الإمبريالي، بشتى صوره من العنف الرمزي، والتجويع المعرفي، والعصف بالعقول، وتزييفها عن بعد، وتوسيع هوة الفجوة الرقمية، بين الدول الغنية والفقيرة والقمع الأيديولوجي إضافة إلى تدمير المواقع، والتفنن في استحداث قوانين الحجب تحت مظلة الرقابة بزعم الحماية وبخاصة حماية النشء من مخاطر الشبكة، وكذلك التفنن في برامج التجسس وتحويل المستقبل إلى واقع افتراضي لا يسمح بوجود قوى أخرى تنازع أميركا الرقابة على مقدرات الإنترنت، وبسط هيمنتها على الشبكة الإلكترونية، وتحويل اللغة إلى وسيط مخابراتي بخاصة أن الميكانيزم الفني للشبكة يقوم على الإنجليزية في المقام الأول.
ويشير المؤلف إلى مفارقة غاية في الأهمية، ففي الوقت الذي تتمسك فيه الولايات المتحدة ببسط نفوذها وسيطرتها الشاملة على شبكة الإنترنت وتتشبث بمركزيتها، تتمسك أغلب الحكومات العربية بفرض رقابة داخلية على مؤسساتها العلمية.
ويرى المؤلف أن هذه الرقابة في حقيقتها تمثل المعادل الموضوعي للرقابة الأميركية على مقدراتنا، ومن ثم فالإنسان العربي إزاء هذه التكنولوجيا محاصر بين رقابتين، المركزية الأميركية التي تمثل من جهة حجباً للقدرة العربية، وفي الوقت نفسه محاصر بالمركزية العربية التي تزيد من هوة التخلف وتفرض مساحة من القهر والسلبية على أي جهد يسعى للإفادة من الشبكة الدولية للإنترنت، والتمتع بمساحة من الحرية يفتقدها الإنسان العربي في حياته تعويضاً عن غياب الحريات الأساسية في الواقع الذي يعيشه.
لعبة القط والفأر
وحول مشهد هذه المركزية في العالم العربي يرى المؤلف أنه برغم ما أتاحه الإنترنت من فرص واسعة للحرية أمام كم هائل من المثقفين والفنيين في البلدان العربية، إلا أن الحكومات العربية نتيجة لتلك المساحة من الحرية البعيدة عن سيطرتها، لجأت إلى أساليب عديدة لتحكم سيطرتها على هذا الوافد الجديد، فعلاوة على الأساليب العادية للرقابة والمصادرة لجأت بعض الدول إلى التحكم في المنبع من خلال تحديد برامج الفترة الإلكترونية، كما تلجأ بعض الدول إلى احتكار تقديم الخدمة، واستخدام الحل التقليدي الشائع، وهو تلفيق القضايا، والزج بمن يتجاوز الخطوط الحمراء ـ غير المعروفة أصلا ـ داخل السجون بدعاوى واهية مثل الإساءة لسمعة الدولة، والسب والقذف، أو لحماية الآداب والقيم العامة...إلخ.
ويؤكد المؤلف أن هناك دولاً عربية اختصرت الطريق مبكراً بحرمان شعوبها تماماً من الاتصال بالإنترنت مثل حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي برر ذلك بزعمه أن شبكة الإنترنت «وسيلة دعاية أميركية».
ويعزز ذلك ـ كما يرى المؤلف ـ حداثة الاتصال بالإنترنت في المنطقة العربية، إذ كانت تونس أول دولة عربية تتصل بالإنترنت في عام 1991، وإن كانت أتيحت فعلياً للمواطنين بدءاً من النصف الثاني من التسعينيات في باقي البلدان العربية باستثناء السعودية التي أتاحت الخدمة للمواطنين عام 1999 والعراق عام 2000.
ويلفت المؤلف إلى أن العديد من الحكومات العربية قد فاتها في بداية استخدام الإنترنت أنه يمنح مساحة واسعة لكل مستخدميه، سواء كانوا مؤيدين لها أم معارضين، فراحت تطلق الشعارات الرنانة وتشجع الجهات الحكومية على استخدامه فضلاً عن بعض الإعفاءات الجمركية على مستلزماته، إلا أن هذا الحماس سرعان ما بدأ في التراجع، لأن الشبكة تمنح كل إمكانياتها لكل مستخدميها دون تفرقة، فبدأت من ثم ـ على حد قول المؤلف ـ لعبة «القط والفأر» بين أغلب الحكومات العربية ومستخدمي الإنترنت، وبخاصة ممن يسعون لكسر المنظومة القيمية السائدة دينياً أو سياسياً أو ثقافياً، أو بمعنى آخر، من يسيرون في عكس اتجاه تلك الحكومات.
ومن ثم اتسعت هذه الدائرة لتأخذ أشكالاً أكثر وضوحاً وحزماً في الرقابة المركزية العربية على الشبكة. ويضرب المؤلف مثلاً هنا بدولة الإمارات والتي يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت فيها نحو مليون وربع مستخدم بنسبة تصل إلى 31 % من عدد السكان، وهي تحتل بذلك مكانة متقدمة عربياً وعالمياً في هذا المجال.
ويذكر المؤلف أنه برغم هذه المكانة المتقدمة للإمارات (الأولى عربياً والمرتبة 21 عالمياً) إلا أن إشكالية الرقابة على الإنترنت تثير جدلاً كبيراً في الواقع الإماراتي بين مؤيد ومعارض وبخاصة من خلال استخدام نظام الـ «بروكسي» والذي يحمي استخدام الإنترنت مما يسيئ إلى قيم وأخلاقيات المجتمع حسب تصريح أحد المسؤولين بالدولة.
وفي هذا السياق يستعرض المؤلف واقع الإنترنت في الأردن كاشفاً تناقضاً، لافتاً في نهج التعامل مع الشبكة بين المسؤولين الرسميين وبين واقع الحال الفعلي، ويرى المؤلف أنه برغم وصول عدد المستخدمين على نحو مليون مستخدم إلا أن أسعار الاتصالات الباهظة، وإلحاق الإنترنت بالقانون المزمع سنه للبث المرئي والمسموع يحرم على سبيل المثال طالباً بمدرسة من تسجيل قصيدة أو أغنية وبثها على الإنترنت حيث سيكون مخالفاً للقانون إذا لم يحصل على ترخيص بذلك.
ويوضح المؤلف أنه على الرغم من لجوء العديد من مواطني المملكة العربية السعودية لاستخدام الإنترنت عبر دولة البحرين، إلا أن تلك الحرية النسبية تقتصر على المواقع التي تتناول أموراً بعيدة عن الأوضاع في البحرين نفسها، لافتاً إلى ان الحكومة البحرينية نفسها اعترفت على لسان وزير إعلامها بوجود رقابة على الإنترنت فيها، تصل لحد المنع وتعطيل بعض المواقع التي لا ترضى عنها الحكومة البحرينية، وتبرر ذلك بقيام تلك المواقع بالتحريض على الفتنة الطائفية، وتحت دعاوى الحفاظ على القيم أيضاً.. ولا يبدو الأمر في تونس أحسن حالاً، فلا يسلم مستخدمو الشبكة بها من طائفة من القوانين تعد أكثر القوانين تفصيلاً في المنطقة، وقد أعد جانب كبير من هذه القوانين ـ حسبما يرى المؤلف ـ على نحو يضمن ألا يفلت أي نقد أو تعبير عن الرأي من نفس القيود القمعية المفروضة على أجهزة الإعلام الأخرى، ومن ثم لا تقف الرقابة في تونس عند حد منع بعض المواقع «المتمردة» على النظام التونسي نفسه مثل موقع «الكرامة» للناشط التونسي جلال الزغلامي، بل تمتد يدها لحجب العديد من المواقع العالمية والمصرية والفلسطينية التي تدعو لحقوق الإنسان والديمقراطية.
ويخلص المؤلف في كتابه المهم إلى التأكيد على ان تنوع أساليب الرقابة والمصادرة عبر شبكة الإنترنت بشقيها الخارجي والداخلي ستجعلنا دوماً في قائمة الدول المتراجعة عن اللحاق بنبض العصر التكنولوجي الجديد، كما ان السعي إلى وأد الحرية المتاحة عبر شبكة الإنترنت سيقف عقبة في الدفاع عن كثير من حقوقنا وأحلأمنا المشروعة
المفضلات