معن بشور
رفيق روحانا
فيصل القاسم
فيصل القاسم:
تحية طيبة مشاهدي الكرام على الهواء مباشرة من بيروت.
لماذا يزداد العالم تكتلا، بينما يزداد العرب تشرذما وانقساما وتفتتا؟ أين العرب من التكتلات الدولية؟ ألم تصبح التكتلات سمة العصر؟ ألا تحتم العولمة علينا إحياء النـزعة القومية التي لم تعد مجرد حلم بل أصبحت ضرورة حتمية دفاعا عن الوجودوترسيخا للهوية ووقاية من الذوبان؟
لماذا نلهث وراء اتفاقات مع الآخرين مثلا، ونسير الهوينى في التحالف فيما بيننا؟ لماذا تنضم مصر مثلا إلى منظومة الدول الفرانكوفونية، بينما يسعى اليمن إلى الكومونولث، ويحاول المغرب الالتحاق بالاتحاد الأوروبي؟
لماذا تعمل الجزائر وتونس على دخول تكتلات أو أحلاف على أساس القرب من أوروبا؟ لماذا لجأت ليبيا إلى التحالف مع إفريقيا؟ لماذا ترتبط دول الخليج بمعاهدات دفاع مع الدول الغربية وتوطد علاقاتها مع دول آسيا بعيدا عن العرب؟
هل تأتي حماية النظم الوطنية بالارهان إلى الخارج أم من بناء التكتلات الاقتصادية والسياسية المتماسكة؟ لماذا هذا التخبط العربي الرهيب؟ ألم يتوصل نادي روما إلى نتيجة مفادها أن أي تجمع يقل عدد سكانه عن مائة وخمسين مليونا لا مكان له في النظام الدولي الجديد؟
لماذا لا يعمل العرب على إحياء المشروع القومي؟ ألا تعرف إسرائيل تماما أن المشروع الصهيوني لا يبطله سوى المشروع القومي العربي؟
لماذا باتت الجامعة العربية إطارا قوميا مهترئا؟ لماذا تحولت إلى منبر خطابي عاجز عن مسايرة روح العصر والثورة العلمية والاقتصادية الهائلة التي يشهدها العلم؟
لماذا وصل الأمر بكتاب كبار إلى القول: إنهم لا يهتمون بالعروبة؟ هل تلاشت العروبة إلى غير رجعة ولم تعد عماد الوطن العربي؟ ألا يحق لنا نحن العرب أن نحلم ببناء أمة عربية كما فعلت الأمم الأخرى؟
لكن في المقابل ألم يحن الوقت لأن يتخلى العرب عن الخطاب القومي الذي فرقهم أكثر مما وحدهم؟ ألا يجب أن يفكر العرب بالتكتل على أسس جديدة بعيدا عن الشعارات القومية المهترئة والبالية؟ لماذا مازال التركيز منصبا على الخطاب العروبي، على الأمور العاطفية مثل اللغة والدين والتاريخ المشترك؟
ألم تصبح أمريك -مثلا- أقوى تكتل سياسي واقتصادي وعسكري في العالم دون الاعتماد على مرجعية قومية؟ ألا يجب استبدال القومية الأيديولوجية بالمصالح الاقتصادية القابلة للصمود والاستمرار أكثر من الأيديولوجية الجوفاء؟
لماذا لم يحظ الجانب الاقتصادي بالكثير من الاهتمام في النظرية القومية العربية التقليدية؟
لماذا يركز القوميون على الكم وليس الكيف؟ ثم أليست الدولة الحديثة هي دولة مواطنيها ولا يجب إدخال القومية كمحور في سياستها؟ ألا يجب إعلاء شأن المواطنة والديمقراطية على أي انتماء قومي وإلغاء كافة الأبعاد العرقية من لعمل السياسي؟ كيف نقدس الهوية القومية العروبية والمواطن العربي يشعر بأنه أجنبي غريب في وطنه؟
ألم تنـته العروبة كأساس للوحدة بين الدول العربية؟ هل يمكن أن يتكتل العرب اقتصاديا بعيدا عن مؤثرات السياسة أم أن معظم الزعماء العرب ما زلوا يتعاملون بالسياسة بعقلية بدائية أقرب ما تكون إلى عقلية الأطفال القاصرة؟
لماذا يرفع العرب شعارات قومية عريضة جدا، ثم يحكمون ويتصرفون على أسس ضيقة للغاية؟
أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة هنا في بيروت على السيد (معن بشور) الأمين العام المساعد للمؤتمر القومي لعربي، رئيس المنـتدى القومي في لبنان، وعلى الكاتب والإعلامي الدكتور (رفيق روحانا).
للمشاركة في البرنامج يرجى الاتصال بالأرقام التالية، من داخل لبنان: 3620253 ومن خارج لبنان: 009613620254 ورقم الفاكس: 009611826581
[فاصل للإعلان]
فيصل القاسم:
سيد رفيق روحانا سؤال بسيط: العالم بأكمله يتكتل، نسمع بين الحين والآخر عن تكتلات جديدة تظهر هنا وهناك، إلا العرب يزدادون تشرذما وتفتـتا إلى ما هنالك من هذا الكلام، ألم يحن الوقت لإحياء المشروع القومي العروبي؟
د. رفيق روحانا:
قبل ل شيء سأعتذر ممن يسمعني بأنني سأتكلم معكم بالعربية.
فيصل القاسم:
ستعتذر عن استخدام اللغة العربية.
د. رفيق روحانا:
لأن واقع الكلام يكون بطبعه طبعيا لو تكلمنا كل باللغة التي يحلم بها، يغضب بها، يحب بها، أنا أغضب وأحب وأحلم باللبنانية لا بالفصحى.
فيصل القاسم:
لكنك تـتحدث العربية الفصحى بشكل..
د. رفيق روحانا:
إكراما لكم، ولك بالذات كي لا أخرج عن منهج البرنامج، بعد ذلك سأرد على سؤالك انطلاقا من تحديد كلمتين نحن الآن بصددهما: قومية وعرب. كلمة قومية هي كلمة غلط، كي أتت؟ وكيف نشأت؟ هذه قصتها.. يوم كان الناس في العالم كله ملكيين، يعني: يتبعون الملك Royalist يعني: أنت ملكي، جاء (ميرابو) يصرخ صرخته الكبرى في مجلس الشعب الفرنسي:Allons Enfants de la patrie [نحن أولاد الوطن].
هذه الكلمة خضّت أوروبا، Enfants de la patrie مش Enfants de Roi مش أولاد الملك بل أولاد الوطن، هنا فهم الناس أن الملك مهم، لكن الأهم من الملك هو الأرض.. الوطن. إذا مات لويس السابع عشر يأتي لويس الثامن عشر، ما المهم؟ بينما إذا خسرت فرنسا (الإلزاس واللورين) تحتاج إلى حرب لإعادتهما، هنا نشأت فكر الوطن، بعد ذلك ترقت الشعوب فنشأت فكرة جديدة هي أرقى: المتر المربع من الأرض عظيم، أنا أحبه، أضحي بدمي في سبيله، لكن الأهم منه ابني الواقف على هذا المتر المربع، يعني الإنسان أهم من الأرض.. من هنا جاءت فكرة الوطن والإنسان يعني (وطن Patriot) (أمة Natio عندما عربنا هذه الكلمات قلنا: ملك/ ملكي، وطن/ وطني، أمة/ أمي، فوجدنا كلمة أمي مشغولة في القاموس بمعنى الجاهل، فبكل استسهال وبكل بساطة وجدوا مرادفا شبيها بها هو كلمة قوم، مع أن كلمة قوم في القاموس معناها الرجال دون النساء من القبيلة، شاعر أراد هجاء آخر قاله ل:
أقوم آل جفنة أم نساء؟!
بكل بساطة استسهل المعبرون والمعربون فقالوا: قومية، إذن كلمة قومية خطأ كان يفترض أن يكون مكانها كلمة (أمة) نشتق منها (أمّوي) كما اشتققنا من ثورة (ثوروي) فكلمة قومية هي كلمة خطأ، ومن كان اسمه خطأ بقية تفاصيله لا يمكن أن تكون صحيحة؛ بالإذن من أستاذ معن.
معن بشور:
ولو تفضل..
فيصل القاسم:
أنا سألت سؤالا عن ضرورة إحياء المشروع القومي العربي، آن الأوان لإحياء هذا المشروع؛ لإحياء العروبة.
د. رفيق روحانا:
هل نتفق أولا: إذا كانت كلمة (عروبة) كلة صالحة لأن يـبنى عليها مشروع.
فيصل القاسم:
هي غير صالحة؟
د. رفيق روحانا:
أبدا.
فيصل القاسم:
كيف؟
د. رفيق روحانا:
هي مصيبة هذا الشرق.
فيصل القاسم:
العروبة مصيبة الشرق..
د. رفيق روحانا:
هذا العنوان أما التفاصيل فإذا كان لي من وقت قبل أن يتكلم الأستاذ معن احتاج إلى عشر دقائق.
فيصل القاسم:
باختصار: كيف مصيبة؟ أريد أن أعرف كيف مصيبة؟
د. رفيق روحانا:
يجب أن أشرحها بالتفصيل.
فيصل القاسم:
تفضل.
د. فيق روحانا:
يوم اجتمع يهود العالم وصهاينـته في نهاية القرن الـ19 في سويسرا قرروا أن يكون لهم دولة، عرض عليهم في جنوب إفريقيا، عرض عليهم في أوروبا، رفضوا وقرروا أن تكون أرض فلسطين هي أرض إسرائيل. كان أمامهم عدة مشاكل:
أول مشكلة: أن يأتوا إلى إسرائيل، هذه مشكلة سهلة، جاءوا من كل أنحاء العالم. المشكلة الثانية: أن يطردوا من فلسطين أهلها، فطردوهم بوسيلتين: إما بالمال، اشتروا منهم الأرض، وإما بالإرهاب، دير ياسين مثلا. المشكلة الثالثة وهي الأهم: ألا يعيد ضمير العالم هؤلاء إلى أرضهم..
فيصل القاسم مقاطعا]:
كي لا نسهب كثيرا في..
رفيق روحانا [مقاطعا]:
لا.. بدون أن أسهب لا أستطيع أن أشرح، يجب أن أسهب، عندها قرر الصهاينة في العالم تسمية الفلسطينيـين: العرب، واعتبروا أنفسهم: اليهود؛ يعني أخذوا اسم دين وأعطوا العرب اسم منطقة أو اسم عنصرية، وراحت صحفهم تكتب ما يلي: المعارك بين العرب واليهود، ثم طردوا الفلسطينيين إلى الخارج بعد أن دهنوا - عرفت شو دهنوا يعني - مسحوا هذه الأرض المحيطة بكلمة عرب فأصبح الفلسطيني عربيا مطرودا أو مُزَاحا في منـزله من غرفة إلى غرفة، خاصة أن الغرفة الثانية ساحتها 12 مليون كيلو متر مربع، بينما الغرفة التي سكن فيها اليهودي مساحتها ثلاثين ألف كيلو متر مربع، وهنا أصبح ضمير العالم يخجل من أن يقول لهذا الذي يدعي العودة إلى فلسطين: عد إلى الثلاثين ألف كيلو متر، أنت تطالب بها ولديك 12 مليون..
فيصل القاسم [مقاطعا]:
نريد أن ندخل في لب الموضوع، أريد أن تجيـبني على هذا السؤال، لأنه إذا ظلينا على هذا الموضوع فسوف ينـتهي البرنامج دون أن ندخل في الموضوع الرئيسي.
رفيق روحانا: ما هو الموضوع الرئيسي؟
فيصل القاسم:
الموضوع الرئيسي ضرورة حياء المشروع القومي العربي، العروبة.
د. رفيق روحانا:
أنا لا أؤمن بالعروبة أصلا فكيف أحيي لك مشروعا يقوم عليها؟ هي سبب خراب هذا الشرق، كيف انتظر منها أن تكون عنوانا لمشروع؟
فيصل القاسم:
إذن هي سبب خراب هذا الشرق، وليست عنوانا، ولا يمكن أن تكون.
د. رفيق روحانا:
بدون شك.
فيصل القاسم:
معن بشور.
معن بشور:
لا شك أن الأستاذ رفيق ضليع في اللغة العربية، وأعتقد أن هذا التمكن من اللغة العربية هو عنصر مشترك معه في هذا النقاش، فالعربية هي كن أساسي من أركان العروبة التي يعتبرها مصيـبة من مصائب الشرق.
ثانيا: حاول أن يوحي بأن كلمة (عرب) لم تكن موجودة قبل المشروع الصهيوني علما أن كلمة (عرب) موجودة من زمن طويل جدا جدا، والجزيرة العربية التي خرجت منها موجات عديدة؛ فينيقيين وكنعانيين وإلى آخره، اسمها جزيرة عربية، وهي إشارة لوجود جماعة اسمهم (عرب).
د. رفيق روحانا:
هل يسمح لي أستاذ بشور أن أقول له كيف كانت موجودة؟
معن بشور:
أنا ما قاطعتك، معلش بس خليني أكمل..
ثالثا: المشروع الصهيوني نفسه أعتقد الأستاذ روحنا لم يطلع على أن فكرة قيام كيان صهيوني في فلسطين هي فكرة بالأساس انطلقت من الإدارة البريطانية بعد نجاح (محمد علي) وابنه (إبراهيم باشا) في توحيد مصر وبلاد الشام، وجاءت رسالة شهيرة من وزير خارجية بريطانيا إلى القنصل، ومن رئيس الوزراء في ذلك الحين (بلمستون) قال: علينا أن نفكر في إنشاء حاجز بشري يمنع توحيد مصر وبلاد الشام، وفكروا بلبنان؛ إقامة دولة دينية في لبنان تختلف عن المنطقة، وفكروا في الكيان الصهيوني. طبعا المشروع استخدام المسيحيـين لإنشاء حاجز فشل لأن المسيحيـين هم أبناء هذه المنطقة، وهم عرب، ورفضوا أ يدخلوا في هذا المشروع، ونذكر أحداث 1840م و1860م كانت كلها تصب من أجل خلق مشكلة طائفية في لبنان، وأتينا إلى المشروع الصهيوني الذي كان هدفه منع تلاقي العرب، منع وحدة العرب، منع استخدام العرب.. وأعتقد أنه حتى هذه الساعة لا شيء يخيف الصهاينة، لا شيء يخيف الدولة الصهيونية من اجتماع كلمة العرب، ومن تلاقي كلمة العرب. أما أن يزاح الفلسطيني إلى المنطقة العربية، يستخدم اسم عربي لإزاحته من المنطقة العربية، أعتقد أن فكرة الحق فكرة لا مجال للمساومة بها، الحق يـبدأ بمتر وينـتهي بعشرات الملايين من الكيلومترات، إزاحة فلطيني من أرضه حتى لو أزيح إلى جزء آخر من فلسطين هذا أمر مرفوض، هناك فلسطينيون انتقلوا من مناطق في فلسطين إلى مناطق أخرى وما زالوا يسمون حتى هذه الساعة بلاجئين أو بنازحين. إذن ربط فكرة العروبة بالمشروع الصهيوني هي قلب كامل للحقائق، وأعتقد أن المشروع الصهيوني روعي وغذي كل هذه التغذية من قبل أعداء هذه المنطقة من أجل ضرب وحدة هذه المنطقة، ومن أجل ضرب هوية هذه المنطقة العربية. وأعتقد أيضا أن المشروع الصهيوني يريد أن يقول: إنه ليس في هذه المنطقة انتماء لأمة واحدة، هذه المنطقة هي عبارة عن أديان وطوائف ومذاهب وأعرق.
المفضلات