[ .. أحمد شوقي شاعر العروبة والإسلام .. ]
شوقي ألمع شاعر في أدبنا العربي الحديث لتعدد نواحيه الفنية وتشعب أثاره الأدبية فقد ملا عصره بقصائده الغنائية ووصلها بمسرحياته التمثيلية وكان حين ينشر قصيده تمسي حديث الصحف والمجلات والندوات الأدبية فقد اكفهرت الأجواء الأدبية إزاءه بالثناء تارة والطعن تارة أخرى لذا كان موضع جدل على ألسنة الأدباء والمفكرين والنقاد لذا كان من الواجب الاطلاع على بعض مما نعرفه عن شاعر شغل الوسط الأدبي حتى وقتنا هذا.
حياته وبداياته :
ولد شوقي سنة :1868 م منحدرا من جد عربي , اختلطت بعد ذلك فيه فروع تركية وكردية وشركسية ويونانية فهو مزاج لطيف من حضارة الشرق والشعر ولد بحي ( الحنفي ) بالقاهرة والتحق بمكتب الشيخ صالح ثم بالمدرسة الخديوية ثم بمدرسة الحقوق قسم الترجمة ثم سافر إلى فرنسا لدراسة الحقوق والآداب سنة 1887 وعاد سنه 1891 أبوه /علي شوقي /الذي ورث عن أبيه مال كثيرا أضاعه في سكرات الشباب وضياعه ويقول شاعرنا احمد شوقي معلقا على ما حدث: ( ثم عاش بعمله غير نادم ولا محروم وكأنه رأى لي كما رأى لنفسه من قبل أن لا أقتات على فضلات الموتى )
ومن أشهر ما قاله أحمد شوقي من شعر ذهبت مثلا عاما :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا
المصرية في شعره :
كانت مصر بكل ما يحفل به ماضيها وما يجتازه حاضرها وما يؤمل لمستقبلها من الخير أقوى مادة ألهمت شوقي في شعره ومن أشهر ما قدمه في هذا الإطار ملحمته الخالدة ( كبار الحوادث في وادي النيل ) التي ألقاها في المؤتمر الشرقي الدولي المنعقد في مدينه جنيف في سبتمبر سنة : 1894 كممثل للحكومة المصرية من أروع الملامح في تاريخ الشعر العربي جملة فهي تروي قصة مصر بكل ما عبر بها من أحداث من عهد الفراعنة حتى ذاك الحين 1894 رواية مفصلة جرى فيها على روي واحد من الشعر بغير تكلف ولا افتعال وقد كان يلج هوى الشوق لمصر في داخله وهو في منفاه في الأندلس / أسبانيا / ومن أجمل أبياته في شوقه :
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني في الخلد فيه نفسي
ومن اجمل مصرياته قصيدته في النيل وهي تربو على 150 بيتا ويستهلها في قوله :
من أي عهد في القرى تتدفق
ومن أي كف من المدائن تغدق
ومن السماء نزلت أم فجرت
من عليا الجنان جداولا تترقرق
إسلامه وإسلامياته :
كان مسلما شديد الاعتزاز بإسلامه يصل به شعره الصوفي لمرتبة التصوف كأبن لفارض والبوصيري من الناحية الروحية ومن أروع إسلامياته / الهمزيه النبوية / التي يستهلها بقوله :
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الثناء تبسم وثناء
ويقول أيضا في دعوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم :
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى
فالكل في حق الحياة سواء
فلو أن إنسانا تخير ملة
ما أختار غير دينك الفقراء
كان من المسلمين المتمسكين بدينهم إلا نه لم يكن بالمتعصب المتشدد في أحكامه فكان ممن يقدسون المسيح عليه السلام والإشادة بدعوته للحب والسلام ففي قصيدته رثاء للكاتب المسيحي جرجي زيدان يدعو الناس للتسامح الديني :
لا تجعلوا الدين باب الشر بينكمو
ولا محل مباهاة وإدلال
ما الدين إلا تراث الناس قبلكمو
كل امرئ لأبيه تابع تال
ويمجد الهلال والصليب معا في قصيدته الإنسانية ( الصليب والهلال الأحمران ) فيقول :
جبريل أنت هدى السماء وأنت برهان العناية
ابسط جناحيك للذين هما الطهارة والهداية
وزد الهلال من الكرامة والصليب من الرعاية
فهما لربك راية والحرب للشــيطان راية
ويقول في قصيدته / أيا صوفيا / بعد أن تحولت كنيسة لمسجد :
كنيسة صارت إلى مسجد
هدية السيد للسيد
وطنيته :
ولد شوقي على باب الخديوي إسماعيل نشأ في القصر وظل فيه وكان شاعر القصر إلا أنه كان يفلت من قيد القصر لينشد للشعب ومن الشعب وكان صيحاته ضد الاستعمار عالية والتهبت الوطنية في قلبه فأنفجر يغني للشعب في ثورة 1919 وكان قبل ذلك قد جاهر بعدوانه للمستعمر فنفاه المستعمر إلى إسبانيا فيقول كمن أسكره حب الوطن :
يا وطني لقيتك بعد يأس
كأني لقيت بك البابا
إلى أن يقول :
ولو أني دعيت لكنت ديني
عليه أقابل الحتم المجابا
أدير إليك قبل الحتم وجهي
إذا فهمت الشهادة المتابا
عروبته :
كان شوقي وما يزال شاعر الشرق العربي بكل دوله وولاياته وإماراته تغنى بفرحه وحزن لمآسيه فتراه يبكي دمشق نكبتها :
سلام من صبا بردى أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق
وتراه يتغنى بجمال لبنان كأنه لبناني عاشق لبلده :
شيعت أحلامي بقلب باك
ولممت من طريق الملاح شباكي
إلى أن يصل لذروته الغنائية في قوله:
يا جارة الوادي طربت وعادني
ما يشبه الأحلام من ذكراك
مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى
والذكريات صدى السنين الحاكي
ولقد مرت على الرياض بربوة
غناء كنت حيالها ألقاك
ضحكت إلى وجهها وعيونها
ووجدت في أنفاسها رياك
ويحيي شهيد ليبيا عمر المختار بعد استشهاده :
ركزوا رفاتك في الرمال لواء
يستنهض الوادي صباح مساء
ياويحهم , نصبوا منار من دم
توحي لجيل الغد البغضاء
ديوان أحمد شوقي / الشوقيات / :
يتألف ديوان احمد شوقي المسمى باسم الشوقيات نسبة له من أربعة أجزاء تحوي كل ما قاله أحمد شوقي من شعر في كل المناسبات والمواضيع التي تطرق لها في مجمل حياته الأدبية والاجتماعية والسياسية ومن خلال الديوان تتشكل لك صورة واضحة عن أحمد شوقي الشاعر العربي الإسلامي بالدرجة الأولى.
الجزء الأول :
يحوي الجزء الاول من ديوان الشوقيات على مواضيع محددة كان أهمها المواضيع السياسية والتاريخ والاجتماع قدم لها في المقدمة الكاتب المصري المعروف محمد حسين هيكل الذي تحدث فيها عن مصر وعن شاعرها شوقي بكل دقة وموضوعية وفيها يقول هيكل ( شوقي شاعر الإسلام والمسلمين كما أنه شاعر مصر وشاعر الشرق وعاطفة المسلم عند شوقي تتجه إلى جهتين وإلى قومين فهي تتجه صوب مكة مسقط رأس النبي عليه الصلاة والسلام ومقام إبراهيم كعبة المسلمين وقبلة أنظارهم وصوب الآستانة - في ذاك الوقت - مقر الخلافة الإسلامية ومقام الخلافة من آل عثمان ).
ومن هنا نستطيع أن ندرك الخلفية السياسية لشوقي كونه من الموالين للسلطنة العثمانية في ذاك الوقت وممن تأثر لزوالها. مدفوعا بإثنيته الدينية الإسلامية
وفي الجزء الاول من الديوان تجد في مقدمته تعليق د. محمد حسين هيكل ثم يستهل الديوان بتحف القصائد لشوقي ومن أهما على الإطلاق قصيدة :
1- كبار الحوادث في وادي النيل.
2- وقصيدة : الهمزة النبوية.
3- قصيدة صدى الحرب.
4- انتصار الأتراك والتي يتبين منها موالاته الكاملة ومديحه للدولة العلية في ذلك الوقت ويقول في مطلعها :
الله أكبر في الفتح من عجب
يا خالد الترك جدد خالد العرب
وفي الجزء الاول نلحظ قصيدة ذكرى المولد - وقصيدة الخلافة الإسلامية - وقصيدة الأزهر وفيه نلحظ أيضا قصيدة /الهلال والصليب الأحمران / وغيرها من كبيرات القصائد. ومن أجمل ما قاله في الهمزية النبوية قوله :
يا خير من جاء الوجود تحية
من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا
بيت النبيين الذي لا يلتقى
إلا الحنائف فيه والحنفاء
الجزء الثاني :
وهو من الأجزاء الهامة في شعر شوقي ويتألف هذا الجزء في ثلاث مواضيع مهمة جدا أولها الوصف، وفيه يصف شوقي كثير من الأمور والأحداث التي مرت على مصر وعلى حياته بأسلوب الشاعر المتمكن ثم النسيب ثم المتفرقات التي عالج فيها الكثير من المواضيع التي ابتدأها بقصيدة مصاير الأيام ثم لبنان و المؤتمر والنسر المصري وقصيدة صقر قريش وقصيدة استقلال سوريا وغيرها من أهم ما كتب شوقي.
الجزء الثالث :
وفيه أجمل ما قاله شوقي في الرثاء على أهم الشخصيات في العالم العربي والإسلامي وسمي بالمراثي والذي رثى فيه :
1. سليمان باشا أباظا
2. مصطفى باشا فهمي
3. محمد علي باشا
4. سيد درويش
5. عمر المختار
6. حافظ إبراهيم
7. ومحمد عبده
8. رياض باشا
9. ومصطفى كامل
10. جرجي زيدان
11. بطرس باشا غالي
12. سعد زغلول
وغيرهم كثر ممن لم ينسهم شوقي في ديوانه المرثيات.
الجزء الرابع :
هذا الجزء طبع بعد وفاة أحمد شوقي والذي قدم له الأستاذ محمد سعيد العريان، والذي قسم فيه شعر شوقي ستة أبواب كان أولها :
الباب الأول : (( متفرقات في السياسة التاريخ والاجتماع )) والذي يتألف من 842 بيت شعر في 33 قطعة شعرية.
الباب الثاني : (( الخصوصيات )) والذي يتألف من 156 بيت في 20 قطعة شعرية أكثر فيها الحديث عن نفسه وولده وبعض خاصته.
الباب الثالث : (( الحكايات )) وهي تتألف من 907 بيت شعر في 55 قطعة شعرية وأحسب أن ماقصه الشاعر هنا من قصص رائعة بلغة شعرية بأسلوب القصيدة الفريدة من نوعها يرمز إلى ما لاقاه في حياته من أمور كدرته أو أفرحته من الناس.
الباب الرابع : (( ديوان الأطفال )) وهو ينم عن 123 بيت في عشر قطع أكثره من الأناشيد العامة التي نظمها لمناسباتها وأرادها مما ينشده الناشئه.
الباب الخامس : (( من شعر الصبا )) وهي في 99 بيت في 8 قطع من أوليات شعره.
الباب السادس : وهو من الأبواب الطريفة جدا وهو مما كان بينه وبين صديقه الدكتور محجوب ثابت من طرائف ونكات وأحاديث وهي في 63 بيت في 4 قطع شعرية.
يعد أحمد شوقي من أهم شعراء النهضة على الإطلاق وممن أثروا المكتبة العربية بتحف القصائد المغناة والمسرحيات الرائعة التي كان أهمها ( مصرع كيلوباترا وعلي بك الكبير وعنترة وقمبيز وأميرة الأندلس وملهاة وألست هدى التي تميزت بلون جديد في وقت كانت الحركة الفكرية والثقافية والشعرية خاصة في حالة من الجمود والركود في عهد السلطنة العثمانية ورغم ما قاله النقاد في أحمد شوقي من موالاة للسلطنة وأنه شاعر القصر والصالونات العثمانية وأنه ممن يخافون النقد والانتقاد إلا أنه يبقى رغم ما تهم به في عيون وقلوب الملايين شاعر النهضة والفكر والإسلام
منقول
المفضلات