التوحد
سياج بين الطفل ومجتمعه
كتب: ياسر بن محمود الفهد *والد طفل توحدي* الرياض
في عام 1943م كتب الطبيب الأمريكي ليو كانر مقالاً عن أحد عشر طفلاً قام بفحصهم في التطبيق العملي في غضون عدة سنوات، حيث أظهر هؤلاء الأطفال أعراضاً مثيرة ومتنوعة وسلوكيات متشابهة إلى حد ما مثل: القلق و الإزعاج الناتج عن التغييرات في روتينهم أو بيئتهم و تطوير لغة الحديث الشاذ، و تأخر الكلام، و إن وجد فإن الكلام يقتصر على محاكاة وتقليد ما يقوله الآخرون، وانسحاب وانتكاسة اجتماعية كتفضيل مفرط للانعزالية، و لاحظ كانر بأن سلوك هؤلاء الأطفال يختلف بصورة عامة عن أي شيء قرره العلماء النفسانيون والأطباء قبل ذلك، واستخدم كانر في مقاله كلمة توحد لوصف عدم قدرة الأطفال على التواصل والربط الذهني وتفضيلهم أن يتركوا وحدهم، و كان مصطلح توحدي أو انعزالي قد استخدم قبل الطبيب كانر رجوعاً إلى فكرة اضطراب النمو في الأشخاص الذين لديهم شيزوفرنيا (انفصام الشخصية) وهو اضطراب عاطفي حاد يوصف بالقلق والاضطراب في التفكير، والمزاج، والسلوك، ويستخدم بعض الاختصاصيين في الوقت الحالي مصطلح اضطراب النمو الشامل للإشارة إلى التوحد.
ومنذ أن نشر مقال الطبيب كانر ازدادت المعلومات عن التوحد بطريقة دراماتيكية، على أي حال فإن عددا من ملاحظات الطبيب كانر عن صفات الأطفال ذوي التوحد لا تزال متداولة بما في ذلك:
أ - مشاكل التواصل العادي بالناس والأوضاع.
ب - مشاكل الحديث واللغة.
ج – تأخر النمو والتطور.
د - مشاكل رد الفعل تجاه التغييرات البيئية.
هـ - التكرار المتواصل و شبه الميكانيكي والأفعال المتصلة بالتكرارية والنشاط الحركي الشاذ والمميز.
ولو سألنا ما هو الفرق بين التوحد والاضطرابات النمائية المنتشرة فإن هذا التعبير أو المصطلح يستخدمه السيكولوجيون والأطباء النفسانيون عموماً للإشارة إلى الأطفال والمراهقين الذين لديهم التوحد و اضطرابات النمو الشاملة، وإن هذا التعبير قد أخذ من دليل الاضطرابات العقلية التشخيصي الإحصائي (الطبعة الثالثة 1987م) وهو دليل يستخدم بواسطة اختصاصي الصحة العقلية لتصنيف وتشخيص والتبليغ عن الاضطرابات العقلية. وأشار كتيب الاضطرابات العقلية التشخيصي الإحصائي إلى مصطلح اضطرابات النمو الشاملة للأفراد و الأطفال الذين يظهرون مشاكل في عدد من مجالات التطور النفسي الأساسية في ذات الوقت وبدرجة خطيرة. اضطراب التوحد هو الشكل المميز والأكثر خطورة لاضطرابات النمو الشاملة. كما أن الأطفال الذين يظهرون علامات لاضطرابات النمو الشاملة ولكن تنقصهم صفات توحد محددة فإن هؤلاء يصنفون على أن لديهم اضطرابات نمو شاملة غير محددة، وكان مثل هؤلاء الأشخاص في الماضي يشار إليهم بأنهم انطوائيين أما اليوم فان مصطلح اضطراب التوحد هو أكثر شيوعا و فاعلية.
المشاكل الخطيرة والأساسية في عدد من مجالات التطور النفسي:-
يجد الأطفال ذوي التوحد عادة صعوبة في التواصل مع الناس و الأوضاع، وفي التطور، واستخدام الكلام واللغة، وفي التعامل مع التغييرات البيئية، و إلى جانب ذلك يظهرون أفعالا متكررة غير مفيدة ونشاطا حركيا شاذا. و بوجه عام فإن الأطفال ذوي التوحد لديهم أيضا تأخر في النمو والتطور و بطء في اكتساب المهارات وإحداث المراحل التطورية الهامة.
مشاكل التواصل مع الناس والمواقف:-
يلاقي العديد من الأطفال والشباب من ذوي التوحد صعوبة في التواصل بالكلام والتفاعل مع الناس، وفي بعض الحالات يفضلون قضاء الوقت في عزلة أو يظهرون اهتماما قليلا بالآخرين.
ويشمل ذلك أعضاء الأسرة، حتى أن بعض آباء الأطفال ذوي التوحد يتساءلون عما إذا كان طفلهم يمكنه السماع، و بناءً على الملاحظات فإن الطفل ربما يكون متجاهلاً وجود الآخرين وفي حالات أخرى فإن الأطفال ذوي التوحد ربما يحاولون التفاعل مع الآخرين بطرق شاذة غير مقبولة، ومثال على ذلك: أن الطفل ربما يشم أو يلعق أو يلمس كواحل أو أرجل الناس الذين يتواصلون معه، وكذلك المراهق التوحدي ربما يسأل نفس السؤال بصورة متكررة كأن يقول ما هو اسمك؟ ماذا تعمل؟ متجاهلاً الإجابة أو أي تلميحات غير مناسبة لإعادة نفس السؤال تكراراً وتكراراً. كما أن مشاكل التفاعل الاجتماعي أيضا ربما تأخذ شكل تفادي التواصل البصري، ومقاومة القرب من الناس و تحديداً الأقرباء، حتى ذوي القدرات الأعلى والأطفال والمراهقين يتوقع أن تكون لديهم صعوبة في التطور والحفاظ على صداقات خارج نطاق عائلتهم، وكثيراً ما يعتقد أنهم من الشواذ اجتماعياً.
مشاكل الكلام وأهمية هذه المشاكل:-
تعتبر مشاكل الحديث والكلام واللغة شائعة بين الأطفال والشباب ذوي التوحد، وفي الحقيقة فإن عدد من الخبراء يعتقدون أن اضطرابات اللغة هي أهم مشاكل الأطفال ذوي التوحد، وفي هذا الخصوص فإن الحديث أو الكلام يرجع إلى تشكيل واستخدام الأصوات للغة اللفظية أو الشفهية ونقصد هنا مشاكل النغمة أو نبرة الصوت والعلو أو اضطرابات نوعية في عمل واستخدام أصوات كلام صحيحة والتمتمة أو الفأفأة بينما اللغة هي اصطلاح واسع يرجع إلى نظام أو قواعد و قوانين يستخدمها الناس للتواصل، ومشاكل اللغة تشمل غياب أو تأخر تطور اللغة اللفظية أو الشفهية بمعنى تأخر القدرة على فهم واستخدام اللغة و ترديد أي شيء يسمعه دون أن يقول أي شيء آخر أو أن يقول الطفل كلمة ليست ذات أهمية أي تافهة وأيضا استخدام الجمل والألفاظ التي لا تعني شيئا للآخرين وغير مصممة للتواصل اللغوي و الاستخدام غير المؤثر أو غير الفاعل للتواصل، وعادة الاستخدام الفقير للتعبير الوجهي، و الإيماءات ونبرة الصوت وعكس أو قلب الضمير كأن يستخدم أنت والمقصود أنا وعدم القدرة على تسمية الأشياء وصعوبة عامة في التواصل الشفهي. و إحصائيا فإن نصف الأفراد الذين تم تشخيصهم على أن لديهم توحدا فشلوا في تطوير اللغة، والأشخاص ذوي توحد حتى وان تطوروا من ناحية اللغة فمن النموذجي أن لديهم صعوبة في التخاطب اللفظي، و في الحقيقة مشاكل اللغة منتشرة لدرجة أن التوقع مرتبطا بما إذا كان الأشخاص ذوي التوحد قد طوروا لغتهم الخاصة بهم أم لا.
مشاكل رد الفعل للتغييرات في البيئة المحيطة:-
إن هذه الصفة المميزة العامة للأطفال ذوي التوحد ترجع إلى إصرارهم على التكرار، و ذلك لأن بعض الأطفال المصابين بالتوحد ربما يصبحون مضطربين (مثال نوبة غضب، انتكاسة أو يصبح عدوانياً) لو اختلفت آو اختلفت بيئتهم حيث أن بعض الآباء أوضحوا أن أطفالهم التوحديين يأكلون ويشربون في صحن أو كوب واحد فقط، و أطفالا آخرين لوحظ أنهم يقلقون أو ينتابهم نوبة تهيج لو أن انعطاف الطريق أجبر سيارتهم لسلك طريق مختلف وكل طفل أو مراهق قد لا يتأثر بشدة بالتغيرات البيئية مهما كانت فهذا المثال عام. بطريقة أوضح فإن الأطفال والصغار ذوي التوحد ربما يظهرون مودة أو ارتباطاً قوياً لأغراض نادرة مثل أن يفضلوا التواصل المباشر مع ورقة نبات واحدة أو قطعة خيط أو سلك أو يصبح متهيجاً وغاضباً أذا تم تحريك الشيء من مكانه، و بالمقارنة فإن الأطفال الغير معاقين يظهرون ميلاً ومودة وارتباطا تلقائيا وعفوياً تجاه الألعاب والأشياء (مثلا الدمى التي هي موضع تقدير من قبل عدد من الأطفال) مهما يكن فالأشياء التي أصبحوا مولعين بها لها عادة أهمية رمزية (مثلاً: الدمية لها صفات بشرية وملامح، والبطانية تستخدم للتدفئة والراحة ونوع الشيء الذي أصبح الأطفال التوحديين وغير المعاقين مرتبطين بها إلى الدرجة التي يصر على التواصل المباشر مع الغرض، وعمر الأطفال المنشغلين بهذا السلوك يميز ارتباط المادة أو الغرض العادي من المادة النادرة.
الأفعال المتكررة غير المفيدة وأنماط الحركة الغريبة الأخرى
إن من أكثر السمات غير العادية والمثيرة للتساؤل هو إبداء الأطفال والبالغين لحركات جسدية متكررة ونمطية عادة ما يشار إليها على أنها سلوك الاستثارة الذاتية، وتهدف إلى تقديم استثارة للأحاسيس البصرية. و التحفيز الذاتي يمكن أن يأخذ أشكالا عديدة لا نهاية لها مثل: هز الجسم، واليدين، وفرقعة الأصابع، تحريك الضوء أي أن الطفل يعكس الضوء بأن يحرك يديه إلى الأمام والى الخلف أمام عينيه، و تدوير الأشياء، وفرك اليدين، وعدد لا يحصر من السلوكيات الأخرى التي يبدو أنها لا تتميز بأي قيمة وظيفية، بعض الأطفال ذوي التوحد إذا تركوا يمكن أن يقضوا كل لحظات اليقظة في سلوك الاستثارة الذاتية مما يؤثر على تطور المهارات الوظيفية الأخرى إضافة إلى ذلك فان التحفيز واستبدال هذه الأنواع من الاستجابة بسلوك أكثر وظيفية هو عادة أولية للأطفال الذين ذوي التوحد.
أنواع تأخر النمو التي يبديها الأطفال والشباب ذوي التوحد
يقع نمو وتطور الأطفال في ثلاث مناطق أولية: الفهم، و التكيف الاجتماعي والحركة، تأخر النمو يرجع إلى نزوع الأطفال ذوي التوحد إلى أن يكونوا بطيئين في تطوير المهارات بالمقارنة مع الأطفال ذوي النمو الطبيعي، الفشل في توقف أو تطوير مهارات معينة أو تطويرها ثم فقدانها ثم فقدان مهارة أو وظيفة معرفية محددة أو وظيفة تكيف اجتماعي أو مهارة حركية أو وظيفية و مشاكل العجز الفكري والتعليمي هي صفة نموذجية للأطفال والشباب ذوي التوحد ولا يعني ذلك أن جميع الأطفال ذوي التوحد متخلفون بل على العكس فان بعض الأطفال ذوي التوحد لديهم ذكاء متوسط وقدرة تعلم متوسطة أو فوق المتوسطة ولكن الغالبية العظمى من الأطفال ذوي التوحد يظهرون مشاكل فكرية وتعليمية.
توحي مشاكل التكيف الاجتماعي بانسحاب وعجز اجتماعي، لذا فان الأطفال ذوي التوحد يعانون من مشاكل متعلقة بالتعامل والتفاعل مع الآخرين و هذا الشكل من تأخر النمو يخلق مشاكل واضحة للأطفال وأسرهم. ربما يظهر الأطفال والشباب ذوي التوحد تأخرا في الحركة، وعجز الحركة يشير إلى استعمال عضلات الجسم كما في المشي و الحبو و الكتابة.. الخ.. علما أن مشاكل الحركة ليست عامة ومنتشرة مثل التأخر المعرفي الإدراكي والاجتماعي وبعض الأطفال ذوي التوحد لديهم نمو حركي طبيعي نسبيا.
السلوك الذي يدفع الأبوين إلى الاعتقاد بأن أطفالهم ربما يكون لديهم توحد
تعتبر لائحة سمات التوحد مرشدا مفيدا للسلوك المشترك بين الأطفال الذين يعانون من اضطراب التوحد وليس بالضرورة أن توجد جميع هذه السمات من قبل جميع الأطفال ذوي التوحد ولكنها تستخدم كقائمة مفيدة يمكن الرجوع إليها:-
يعاني من صعوبة الاختلاط مع الأطفال الآخرين
يتصرف كالأصم
يقاوم التعليم
لا يبدي خوفاً من مخاطر حقيقية
يقاوم التغيير في الروتين
يشير إلى الحاجات بالإيماءات
ضحك أو قهقهة غير مناسبة
لا يحب العناق
يظهر نشاطاً جسدياً متميزاً
يظهر تواصلا بصريا محدودا
يشكل تعلقاً غير مناسب بالأشياء
يقوم بتدوير الأشياء
يبدو فاترا أو متحفظا
هناك مصدر آخر قيم ألا وهو المقاييس التشخيصية لاضطراب التوحد الموضحة في الدليل التشخيصي والإحصائي لرابطة الطب النفسي الأمريكية حيث يشير المرشد إلى ستة عشر نقطة تشخيصية منها اثنان على الأقل لا بد من وجودها لكي نبرر تشخيص التوحد، و من المهم أن نلاحظ أن هذا السلوك يجب أن يبدأ في الطفولة وان المقياس ينطبق فقط إذا كان السلوك غير طبيعي لمستوى نمو فردي معين مثلاً: الأطفال يكررون كلمات مبهمة قبل تطوير لغة الكلام ولكن أو مهما كان فان هذه البلبلة عادة تعتبر غير طبيعية لغالبية الأطفال الأكبر سناً. مقاييس التوحد للدليل التشخيصي و الإحصائي لرابطة الطب النفسي الأمريكية
أ) خلل في التفاعلات الاجتماعية كما يدل عليها:
1 - فقدان شديد للوعي بوجود أو مشاعر الآخرين.
2 - انعدام أو بحث غير طبيعي عن الراحة والمؤاساة في أوقات الإحباط.
3 - انعدام أو عجز التقليد.
4 - انعدام أو وجود لعب اجتماعي غير طبيعي.
5 – عجز واضح في القدرة على إقامة علاقات مع أقرانه.
(ب) الخلل في التواصل و التصور أو الخيال كما يدل عليها:
1 - لا يوجد نمط للتواصل.
2 - اتصال غير لفظي بطريقة غير طبيعية.
3 - انعدام النشاط التخيلي.
4 - تشوهات واضحة في إنتاج اللغة.
5 - تشوهات غير طبيعية في شكل أو محتوى اللغة (ترديد ما سبق قوله أو تعليقات غير متصلة بالحديث).
ج - اهتمامات وأنشطة محددة كما يدل عليها:
1 - حركات الجسم النمطية.
2 - الانشغال بالأشياء.
3 - إحباط شديد حول التغيرات في بيئته.
4 - إصرار غير معقول على إتباع الروتين.
5 - محدودية الاهتمامات والانشغال بنطاق واحد وضيق.
التوحد هو ليس شكلا من الاضطراب العاطفي
يشترك الأطفال ذوي التوحد في بعض السمات مع مجموعات الأطفال المعاقين الأخرى بما في ذلك أولئك الذين لديهم اضطراب عاطفي واضطراب في السلوك على أن التوحد ليس شكلاً من الاضطراب العاطفي، وفي الحقيقة فان قانون تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة في الأصل هو قانون فيدرالي وصف بأنه ميثاق حقوق الإنسان بالنسبة للمعاقين والتشريع الأساسي لهيكلة السياسة التعليمية للمعاقين وضمان حقوق الأطفال المعاقين ويستبعد بالتحديد الأطفال التوحديين من تصنيفهم بأنهم مضطربون عاطفياً، بالإضافة إلى ذلك فان المشاكل التي يعانيها معظم الأطفال والمراهقين الذين لديهم خلل في السلوك والاضطراب العاطفي تختلف تماماً عن تلك التي لدى الأشخاص ذوي التوحد. كما أن المصطلحات وانفصام الشخصية والاستخفاف أي التحدي هي أشكال حادة للاضطراب العاطفي تتصف وتتميز بالتفكير وخلل في المزاج والسلوك وانعدام الاتصال بالواقع وكانت في فترة ما تستخدم بالتبادل مع التوحد، ولكن البحث اثبت أن التوحد يختلف عن انفصام الشخصية والظروف العصبية، و لهذا فان اغلب المتخصصين يستخدمون هذه المصطلحات سوياً.
العمر الذي يصاب فيه الأطفال بالتوحد
التوحد هو اضطراب يستمر مدى الحياة يبدأ في الطفولة و معظم الأطفال ذوي التوحد يظهرون علامات تدل على الاضطراب في عمر سنتين إلى ثلاث سنوات، في الحقيقة فان اغلب الأطفال ذوي التوحد يصفهم آباؤهم بأنهم مختلفون عن الأطفال الآخرين منذ ولادتهم حيث لاحظ الآباء أن أبنائهم كأطفال رضع كانوا انطوائيين ومنعزلين وأنهم في العادة يظهرون اهتماماً قليلاً بالآخرين، بعض الأطفال ذوي التوحد يتطورون بصورة عادية طبيعية لسنوات عدة عدا مشاكل بسيطة مثل تأخر هؤلاء الأطفال بصورة طبيعية لفترة 12 إلى 24 شهراً حيث يبدؤون بعدها في تطوير سلوك الاستثارة الذاتية ويفقدون المهارات التي كانوا قد اكتسبوها من قبل مثل اللغة والاهتمام الاجتماعي وقدرات اللعب والسيطرة على حركة الأمعاء والمثانة.
و التوحد هو اضطراب نمائي يصيب بالتقريب من 4 إلى 5 حالات لكل عشرة آلاف مولود وعندما تضم أنواعا اقل حدة من هذا الخلل أي أطفال لديهم أعراض التوحد ولكن ليس توحدا كاملا فإن نسبة الإصابة تكون من 10 إلى 15 إصابة لكل عشرة آلاف مولود، ويتم تشخيص الذكور بالتوحد بنسبة 3 إلى 4 مرات أكثر من البنات.
مسببات التوحد
منذ أن تم تقنين التوحد على يد الطبيب الأمريكي ليو كانر عام 1943م وحتى الآن فإن سبب أو الأسباب المحددة للإصابة بالتوحد لم يتم تحديدها، ولكن معظم الخبراء يرون بأن التوحد يتم نتيجة لظروف بيولوجية، يشير إلى عوامل عضوية ربما تحدث داخل الفرد بما في ذلك الخلل الكيميائي و تلف في الأعصاب في المخ و عوامل جنينية وما إلى ذلك.. علما بأنه لم يتم اكتشاف سبب واحد مقنع حتى الآن وراء إصابة الأطفال بالتوحد. وعلى عكس ذلك فان العوامل البيئية وهو مصطلح عام يشير إلى أي شيء خارج الطفل مثل سلوك الطفل، و التجارب المنزلية، و العلاقات الأسرية، وتجارب المدرسة، والظروف الاقتصادية والاجتماعية، والتصرفات المجتمعية الخ.. يعتقد عادة بأنها لا تلعب دورا كبيرا في تطور التوحد بينما يمكن أن تساهم هذه العوامل في نجاح برنامج الطفل التعليمي، والمعاملة ويتفق الخبراء عموما بأنها لا تسبب التوحد.
أولياء الأمور ليسوا سببا في أن يصبح أطفالهم توحديين
فيما مضى كان بعض الخبراء يعتقدون بأن الأبوان هم سبب في توحد الطفولة بالتحديد، حيث كان الاعتقاد بأن الوالدان الذين هم باردان ومنعزلان وبعيدان أو الذين لديهم اضطرابات سيكولوجية أو اضطرابات في الشخصية يدفعون أطفالهم للتوحد، و لهذا في العقود السابقة كانت العبارات مثل (الأم الثلاجة) تستعمل بكثرة، و لقد اثبت البحث أن الأطفال ذوي التوحد لا يملكون جميعا أبوين ذات مواصفات متشابهة أو أن الأبوين هما السبب في دفع الأطفال إلى الإصابة بالتوحد، وبالتالي فإن من الواضح أن الأبوان ليسا هما السبب في التوحد، و مهما كان فان الأبوين و الأسر يمكن أن يحددوا وبدرجة هامة المدى الذي يمكن فيه لأطفالهم أن يطوروا ويكتسبوا مهارات وقدرات لهذا فان الأبوين الذين يبحثون لأبنائهم عن التدخل المبكر ويشاركون في العلاج والبرنامج التعليمي فإن أبناؤهم يحققون عادة قدرا أكبر من النجاح.
الذكاء والقدرات الخاصة للتوحديين
تبدي نسبة قليلة من الأطفال ذوي التوحد مهارات وقدرات فريدة وهم يعرفون بمصطلح الذكي الغبي، على سبيل المثال بعض الأطفال أظهروا القدرة على حل مسائل حسابية معقدة وذلك دون استخدام آلة حاسبة، والبعض الآخر يعزفون بتفنن على آلات موسيقية أغاني ربما سمعوها فقط مرة واحدة، و آخرون يحفظون مواد صعبة وطويلة أو يظهرون مهارات لا تتوافق مع قدراتهم الكلية ومستوى أدائهم، فقط نسبة قليلة من الأطفال ذوي التوحد لديها هذه القدرات خاصة بالإضافة إلى ذلك فان المهارات التي يبديها هؤلاء التوحدييون ذات قيمة وظيفية قليلة، على سبيل المثال فان الطفل قد يكون قادرا على أن يحسب بدقة من رأسه الإجابة عن مسألة قسمة معقدة ولكن لا يكون قادرا على صرف ريالا واحد.
ويبدوا عددا من الأطفال ذوي التوحد طبيعيين والبعض الآخر يبدون جذابين بصفة خاصة، وقد لا يظهر الأطفال ذوي التوحد أي علامات جسدية تدل على عجزهم، ونتيجة لذلك فان الملاحظات العابرة للأطفال ذوي التوحد قد لا تكشف عن أي أشياء غير طبيعية، ولكن يتمكن الأفراد الذين يعرفون القليل عن التوحد من تحديد الأطفال الذين لديهم التوحد على أنهم ذو حالة استثنائية إذا سمح لهم بالتفاعل ومراقبة سلوكهم. كما أن نسبة من الأطفال ذوي التوحد تظهر لديهم أشكالا أخرى من العجز بالإضافة إلى التوحد بما في ذلك متلازمة داون والصمم والخلل البصري إضافة إلى ذلك فان احتمال وجود أطفالا ذو توحدي يزداد إذا وجدت ظروف أخرى مثل الخلل الايضي الوراثي والذي يعرف اختصارا بـ (PKU) أو فينول كيتون يوريا وهي حالة وراثية يمكن أن تؤدي إلى تدمير حاد للمخ وتخلف عقلي شديد، ومرض التهاب الدماغ وهو التهاب المخ الذي يمكن أن يحدث تلفا للمخ وتخلفاً عقلياً والتهاب السحايا و التهاب المخ والنخاع الشوكي وتصلب الأوعية و الأعصاب الأنبوبي وهو مرض وراثي مرتبط بنوبات الصرع والتخلف عقلي.
تعليم الأطفال ذوي التوحد
الأطفال والشباب ذوي التوحد يمكن تعليمهم كما أنهم يستفيدون من التعليم والتدريب بينما يختلف المنهج الدراسي وطريقة التعليم حسب الحاجة الشخصية حيث أن جميع الأطفال والشباب الذين تم تشخيصهم بالتوحد يحتاجون ويستفيدون من التعليم والتدريب. بعض الأطفال ذوي التوحد يتعلمون في فصول دراسية عادية والبعض الآخر قد يحتاج إلى خدمات تعليم خاص مصممة لطلاب ذوي إعاقة تعليمية واجتماعية خفيفة، وعلى الرغم من ذلك فإن البعض الآخر من الأطفال ذوي التوحد قد يحتاجون إلى برنامج تعليم خاص مصمم خصيصا للأطفال ذوي التوحد وتختلف هذه البرامج في هيكلها ومنهجها وطريقتها. ولكنهم جميع البرامج أظهرت بأنها قادرة على تحقيق مساهمات ايجابية لحياة الأطفال والشباب ذوي التوحد.
ومن المعروف أنه لا يوجد علاج معروف للتوحد، لذا فان الأطفال الذين يشخصون بان لديهم توحداً من المحتمل أن تظهر لديهم بعض الخصائص وتستمر طوال حياتهم ولا يعني هذا أن الأطفال ذوي التوحد لا يستطيعون أن يحققوا نجاحات كبيرة وتحسناً بل إنهم يحققون ذلك ولكن تبقى لدى الأطفال الذين يتحسنون بدرجة كبيرة بعض بقايا التوحد مثل عدم التكافؤ الاجتماعي و تفضيل العزلة وما إلى ذلك حتى كبالغين، ومن الصعب القول ماذا يحدث لطفل أو شخص على أنه مصاب بالتوحد وذلك بسبب الأعراض العديدة المرتبطة بهذه الدوامة والاختلاف في حدة الإصابة، كما أن أطفالا بذكاء عادي والذين لديهم لغة كلام مفيدة يحققون أفضل النتائج، أضف إلى ذلك فان الأطفال الذين يقوموا بمعالجتهم مهنيون متمرسون ولهم عدة تخصصات مثل التعلم، والنطق و اللغة، والطب، وعلم النفس، ومع دعم الوالدين والأسرة للعلاج الطبيعي، والعلاج المهني والعيش في المجتمع يميلون إلى تحقيق أفضل النتائج. وفي عام 1980م قدرت رابطة علم النفس الأمريكية بأن طفلاً توحدياً من كل ستة أطفال يمكن أن يحقق تكيفاً اجتماعياً ويحصل على وظائف تنافسية ويعيش مستقلا كراشد، بالإضافة إلى ذلك فان رابطة علم النفس الأمريكية قدرت بأن شخصاً آخر من كل ستة مصابين بالتوحد سوف يتمكن من أن يعيش شبه مستقل و يحتاج إلى مساعدة في مواجهة احتياجات الحياة اليومية، بينما يبقى الثلثين معاقين بصورة شديدة وغير قادرين على العيش باستقلالية، ومع ازدياد الفرص للتدخل المبكر وعمل برامج تعليمية وتدريبية أفضل للأشخاص المصابين بالإعاقة وبرامج الحياة في المجتمع وبرامج توظيف مشجعة للأشخاص أو الإعاقة وبرامج العيش في المجتمع مثل السكن في مجموعات فان منظور العيش المستقل الطويل المدى للأشخاص ذوي التوحد يبدو انه يتحسن.
و لا يحدث التوحد أساسا للأشخاص مبنيا على مجموعة اقتصادية و اجتماعية أو عرقية أو ثقافية واحدة، بل إن الأطفال من الأسر الغنية والفقيرة ومن السود والبيض والذين هم أعضاء في أي مجتمع يمكن أن يظهر لديهم التوحد.
ثلاث مجالات أولية
هناك ثلاثة مجالات أولية للأداء الفعلي ينظر إليها عادة لتحديد ما إذا كان الطفل توحدياً أم لا.
أولا: الأطفال المصابون بالتوحد الذين يفشلون في تطوير علاقات مع أقرانهم ويميلون إلى عدم الاستجابة أو أنهم غير طبيعيين في علاقاتهم مع الآخرين، و كما ذكرنا أعلاه فان هذا النمط من السلوك يمكن أن يأخذ عدة أشكال مثل تجنب التواصل البصري، و تجنب الناس، وصعوبة في الاختلاط بالأطفال الآخرين.
ثانيا: اللغة في تشخيص التوحد حيث أن بعض الأطفال المصابين بالتوحد يفشلون في تطوير لغة التخاطب عموما و إن تفاوتت حدتها فان جميع الأطفال ذوي التوحد لديهم مشاكل الكلام والتواصل تأخذ شكل التأخر اللغوي والترديد أو التقليد والنطق بكلمات لا معنى لها والاستخدام غير الفاعل للإيماءات وغيرها من أشكال التواصل الغير طبيعي. وأخيرا فان الأطفال الذين يقيمون لتشخيص التوحد يتم تقييمهم على أساس سلوكهم بحيث يعطون اهتماماً خاصاً للإصرار على:
أ) الإصرار على التطابق كأن يصر الطفل على أن تكون ستارات النوافذ في منزله بنفس الزاوية.
ب) التعلق الغريب بالأشياء كأن يصر الطفل على أن تكون دائماً بحوزته قطعة معينة أو وصلة من خيط صغير أو غيره.
ج) الاستثارة الذاتية وغيرها من الاستجابات الحركية المتكررة مثلاً: هز الجسم، تصفيق اليدين.
د) اللعب الغريب و تدوير الأشياء لفترات طويلة من الزمن.
هـ) الضحك في غير مكانه و الاستجابات العاطفية الأخرى تحدث بصورة مستقلة عن الأحداث التي ترتبط عادة بهذه الاستجابات كأن يضحك الطفل لفترة طويلة من الزمن بدون سبب واضح.
ثلاث عوامل أخرى
و ينظر أيضاً في ثلاثة عوامل أخرى عندما يقيم أطفال التوحد: الحدة، و النمط، ومدى السلوك، الحدة هنا ترجع إلى حدة مشاكل الطفل، على سبيل المثال هل يهز الطفل نفسه بطريقة تبدو غريبة للغاية؟ أم أن السلوك هو سلوك غير ظاهر، مثل تحريك الأصبع قليلاً؟ و الحدة أيضا تشير إلى المدى الذي تتداخل فيه الاستجابة مع قدرة الطفل على الفعل والعمل. من الواضح أن السلوك الذي يعيق قدرة الطفل على أداء أشياء أخرى هو أكثر أهمية من سلوك لا يؤدي إلى ذلك. كما أن النمط يشير إلى عدد المرات التي تحدث فيها المشكلة، مثلاً هل يكرر الطفل كلمات ذات معنى ولكن يستخدم لغة وظيفية في المدرسة؟ هل يتفاعل الطفل بنمط مرتبط بعمره في المنزل أو في الحي ولكن لديه علاقات ضعيفة في المدرسة؟ هل يقوم الطفل برفع اليد كاستثارة ذاتية فقط عندما تكون يده مرهقة؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة هي أساسية للقيام بتشخيص دقيق للتوحد. وتشير المدة إلى طول الزمن الذي تدوم فيه مشكلة الطفل، مثلاً فإن سلوك هز الجسم لطفل يهز جسمه لفترة من الزمن مثلاً عدة أسابيع بعد أزمة أسرية مثل الطلاق أو وفاة احد الوالدين ينظر إليه بصور مختلفة عن الطفل الذي ظل يهز جسمه منذ ولادته، ويتم تقييم الأطفال ذوي التوحد من قبل مجموعة من المهنيين يشار إليهم كفريق تقييم متعدد التخصصات يمثل عدة مجالات من الخبرة تعرف بالتقييمات الشاملة.
التوحد هو إعاقة معقدة تؤثر في عدة مناطق للتطور النفسي، لهذا فإن تشخيص التوحد يجب ألا يقوم به متخصص واحد بالإضافة إلى ذلك فان التقييم يجب أن ينظر إلى عدة مجالات للنمو والتطور مثلا الحركة المعرفية والإدراكية، والسلوك، والنطق، واللغة، وهل الطفل اجتماعي؟ إن مثل هذا التقييم فقط يشار إليه على انه متعدد التخصصات وشامل، وقادر على التحديد بفاعلية الأطفال ذوي التوحد.
مصطلحات أخرى لوصف الأطفال المصابين بالتوحد بالإضافة إلى التوحد واضطراب النمو
يشير المصطلح إلى إعاقة لشخص
أ) يرجع سببها إلى خلل ذهني أو جسدي.
ب) تحدث قبل عمر 22 عاما 40 و من الممكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.
ج) ينتج عنها نقص شديد في الاهتمام بالنفس، واللغة، والتعلم، و الحركة، والتوجيه الذاتي، والحياة المستقلة والاكتفاء الاقتصادي، علما بأنه ثلاثة على الأقل من المذكورة أعلاه يجب أن تتأثر أو تحتاج لعناية متخصصة تدوم مدى الحياة أو لفترة طويلة وهي مخططة ومنسقة بصورة فردية. الإعاقة في النمو هي مصطلح عام يستخدم لوصف أفراد لديهم ظروف متنوعة بما في ذلك التخلف العقلي والشلل المخي والتوحد. لذلك فان بعض المهنيين قد يستخدم المصطلح بدلا من مصطلح محدد مثل التوحد.
المفضلات