[0] نقطة ومن أول السطر
في مراحل تعليمي المبكر .. تعرّفت على النقطة ومن أول السطر، وكان مقدمها لي أستاذ اللغة العربية ( فضل ) وهو سوداني الجنسية وكان يسحرني كثيرا بمدى تمكنه من لغة الضاد وأدبها. وكنت مجتهدا في جميع مواده مالم اجتهد في غيرها .. رقم متانة العلاقة التي بيننا والتي وصلت بأن يجعلني الورقة الرابحة التي يلقي بها عندما يحضر الموجهين إليه، إلاّ أن تلك العلاقة لا تخلو من الشوائب وأعظم شائبة تصادف تلك العلاقة هي : عدم إتقاني لفن وضع النقطة والكتابة من أول السطر. رغم محاولة إصلاح نفسي لكي اظفر بمكانه مرموقة في عالمه الثقافي إلا أنني كثيرا ما افشل. وبتكرار الفشل في التقيّد بثقافة الأدب العربي أصبحت ظاهرة وحفرت أخاديدها بعقلي الباطن .. فلم أجد لها علاجا شافيا.
ورغم حلمه وصبره ( أستاذي فضل ) والتي قليلا ما يتحلى بها كبار السن وقد جاوز الستون عاما .. إلاّ أنه لم يفلح بمعالجتي. فرحمك الله رحمة واسعة يا أستاذي فضل.
وبحكم أنها محفورة بعقلي الباطن فهي حبيسة بنفسي وأجهل كيف أتخلص منها. وبمرور السنين ونمو ثقافتي وسعة اطلاعي وخبرتي المكتسبة من معارك الحياة ، اكتشفت سرّ ( النقطة ومن أول السطر ) فأول ماعزفت نواقيس فك طلاسمها – كان ذلك في مرحله بعيدة نوعا ما – عندما رغبت في معرفة ( كيفيّة معالجة المثالب الموجودة في عالمنا العربي والإسلامي ؟ ) لم يفلح بحثي في إشباع شغف معرفتي ، فكنت كلما أقرأ لكاتب مختص بها أجده ينتهي عند نقطه !! وعندما أبحث عن غيره أجده قد بدأ من بداية سابقه ووقف عند نفس النقطة أو نقطة قريبه منها. وهكذا الحال مع بقية من استجرت بهم خلال بحثي عن المعرفة.
وبعدما تعددت أنماط بحثي عن المعرفة كانت النتيجة تقف عند معضلة النقطة ومن أول السطر . حقيقةً .. لم أفهم مغزى أستاذي فضل ولم يسرّ لي بالسرّ وقد يكون يجهله ، ولكن اكتشفت لوحدي مدى تأصل النقطة وأول السطر في ثقافتنا العربية .
فحال أدبائنا عندما يتطرقون ( مثلا ) لظاهر اجتماعيه تجد أنهم يبدؤون من النقطة التي بدأها غيرهم وينتهون عند أو فيما انتهى من قبلهم . وبالإدارة أيضا .. يستحيل أن أجد إداري قد بدأ من النقطة التي انتهى بها الاداري الذي سبقه ، بل .. يرجع من البداية وعندما ينتهي عصره الإداري ، الإداري الخلف يعيد من اول السطر ولا يكترث لأمر سلفه .. وهكذا.
.
وخلاصة القول .. بهذا التأصل في مفهوم النقطة وأول السطر أصبح أمر تعميمها على أمور حياتنا أمر مسلّم به ، وحالنا تقول أن تقدّمنا ( محلّك راوح ) مع أن المراوحة تعني المسير في موقع واحد وليس من خصائصها العودة للخلف ثم الوصول إلى نقطة المراوحة .. ولكن لم أجد وصفا ملائم اصف به ذلك.
وما أرغب بإيصاله .. أنّه ( بنظري ) مفهوم النقطة وأول السطر يستخدم بكثرة على أرض مضايفنا وهذا ما أشعر به عندما أقرأ للخامات الأدبية الراقية التي يبذل كتابها مجهودات يشار لها بالبنان في إيضاح ايّ ظاهرة والتطرّق لها . إلاّ أنّني اشعر أن هذه الخامة الأدبية سبق وان تم طرحها على مرّ السنين وعندما ابحث عن ذلك أجد انّ شعوري صحيحا و أنّه تمّ تداولها في أكثر من موضع ووصلت إلى نقطة معيّنه.. قريب او نفس النقطه التي وقف عندها هذا الطرح الاخير .
فكم كنت أتمنّى أن يتم البدء من النقطة التي انتهى بها الكتّاب الآخرين لكي يكون هناك مسار واضحا للتّقدم ومع مرور الوقت سوف نرى رسما بيانيا جميلا يوحي لنا بمدى الانجاز الذي إكتسبناه في دراسة أي ظاهره .. واستبعاد مفهوم ( محلّك راوح ) من مخيّلتنا إلى الأبد.
وبالمقابل .. قد تكون تلك النقطة وأوّل السطر ، لا وجود لها على أرض الواقع إنّما هي حبيسة عقل وخيال محدّثكم .. فرأيت أن أظهر معاناتي منها ، فأصبحت أراها بالأشياء من حولي . نقطة ومن أول السطر
رحمك الله يا ( فضل ) . نقطة ومن أول السطر
عذرا على الإزعاج . نقطة ومن أول السطر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المفضلات