نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها ( 6156 ) وتاريخ 12/5/1416هـ لسماحة المفتي السابق للملكة العربية السعودية الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ مقاله قال فيها : " اطلعت على الجواب المفيد القيم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ وفقه الله ـ المنشور في جريدة الشرق الأوسط وصحيفة المسلمون الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تفكير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ، فألفيتها كلمة قيمة قد أصاب فيها الحق ، وسلك فيها سبيل المؤمنين ، وأوضح ـ وفقه الله ـ أنه لا يجوز لأحد من الناس ان يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه ، واحتج بما جاء في ذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وغيره من سلف الأمة .
ولا شك أن ما ذكره في جوابه في تفسير قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ، ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون ) ، هو الصواب ، وقد أوضح ـ وفقه الله ـ أن الكفر كفران أكبر واصغر ، كما أن الظلم ظلمان ، وهكذا الفسق فسقان أكبر وأصغر ، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو الزنا أو الربا أو غيرهما من المحرمات المجمع على تحريمها فقد كفر كفراً أكبر ، ومن فعلها بدون استحلال كان كفره كفراً أصغر وظلمه ظلماً أصغر ، وهكذا فسقه " .
وهذا الذي اتفق عليه الشيخان ابن باز والألباني تلقاه علماء الأمة بالقبول والاستحسان ، ورأوا أنه يوافق ما استفاض عن علماء أهل السنة سلفاً وخلفاً في كتب التفسير والعقيدة وغيرها ، كما رأوا أنه يطفئ فتنة تفكير الحكام وما يترتب عليها من خروج على الأنظمة القائمة بالثورات والانقلابات .
وصدرت عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية فتوى رقم ( 5226 ) ، وفتوى رقم ( 5741 ) ، تؤكد ما جاء عن الشيخين ـ رحمة الله عليهما ـ .
وجاء في آخرهما : " إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفر أكبر ، وظلم أ:بر ، وفسق أكبر يخرج عن الملة ، أما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر ، وهو يعتقد تحريم ذلك فإنه آثم … " .
ولقد اطلعت على كتب عدة لمجموعة من الغالين في هذه القضية ـ قضية تكفير الحكام بالقوانين الوضعية ـ ، وبعد دراسة هذه الكتب دراسة متأنية ومقارنة ما أوردوه من نصوص بالمصادر التي نقلوا منها وأحالوا عليها " اتضح أنها تحتوي على إخلال بالأمانة العلمية فيما نقوله عن علماء أهل السنة والجماعة وتحريف للأدلة عن دلالاتها التي تقتضيها اللغة العربية ومقاصد الشريعة ، ومن ذلك ما يلي :
1. تحريف معاني الأدلة الشرعية .
ومن أمثلة ذلك تحريفهم لمعنى الآية الكرمية ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) . وأخذهم بظاهرها ، وانتزاعهم منها الحكم بكفر من حكم بالقوانين الوضعية بغير جحود للشرعية الإسلامية ، وقد اتفق أهل السنة على تكفير من جحد الحكم بالشريعة الإسلامية دون من لم يجحد ، ونسب العلماء القول بظاهر هذه الآية لفرقة الخوارج المارقة .
وفي ذلك يقول القرطبي في المفهم ( 5/118 ) بعد أن نسب القول بظاهر هذه الآية للخوارج :
" ومقصود هذا البحث أن هذه الآيات المراد بها أهل الكفر والعناد ، وأنها وإن كانت ألفاظها عامة ، فقد خرج منها المسلمون ، لأن ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك ، وقد قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وترك الحكم بذلك ليس بشرك بالاتفاق ، فيجوز أن يغفر ، والكفر لا يغفر ، فلا يكون ترك العمل بالحكم كفراً " .
وقال الجصاص في أحكام القرآن : ( 2/534 ) : " وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود " .
وقال أبو المظفر السمعاني في تفسيره ( 2/42 ) : " واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ، ويقولن : " من لم يحكم بما انزل الله فهو كافر ، وأهل السنة قالوا لا يكفر بترك الحكم " .
وقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد ( 17/16 ) : " وقد ضلت جماعة من أهل البدع في الخوارج والمعتزلة فاحتجوا ... من كتاب الله تعالى بآيات ليست على ظاهرها ، مثل قوله ـ عز وجل ـ ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) .
وقال صاحب تفسير المنار : ( 6/406 ) : " أما ظاهر الآية فلم يقل به أحد من أئمة الفقه المشهورين ، بل لم يقل به أحد قط " .
ونسب القول بظاهر الآية إلى الخوارج أيضاً الإمام الحافظ أبو بكر الآجري المتوفى سنة ( 360 هـ ) في كتاب الشريعة ( 27 ) وأبو يعلى الحنبلي في مسائل الإيمان : ( 340 ) وأبو حيان في تفسيره ( 3/493 ) وغيرهم .
ومن أمثلة ذلك أيضاً تحريفهم لمعنى قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ... ) الآية من سورة النساء : ( 56 ) .
فقد ذكر أهل السنة أن معنى قوله ( لا يؤمنون ) لا يستكملون الإيمان ، أما الخوارج فهم الذين أخذوا بظاهره وقالوا بنفي أصل الإيمان ، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مناهج السنة ( 5/131 ) :
" وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله " يعني من غير جحود .
2. " التصرف في بعض النصوص المنقولة عن أهل العلم حذفاً أو تغييراً على وجه يفهم منه غير المراد أصلاً " .
يقول ابن تيمية في منهاج السنة ( 5/130 ) : " فهؤلاء ذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم بغير ما أنزل الله ، فلم يلتزموا ذلك ، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار ، وغلا كانوا جهالاً ، والحكم بما أنزل الله واجب " .
فقد نقل هذا النص المهم مؤلف كتاب العلمانية (683 ) إلى قوله " فهم كفار " وحذف ما بعده ، ووضع صاحب كتابي " إن الله هو الحكم ( 34 ) والطريق إلى الخلافة ( 55 ) عدة نقاط بدل قوله : " وإلا كانوا جهالاً " !!!
وهذه خصلة تبكي لها عيون الإسلام !!
3. تفسير بعض مقالات أهل العلم بما لا يوافق مقاصدهم .
مثال ذلك ما نقله كثيرون من هؤلاء المفكرين للحكام بالقوانين الوضعية بإطلاق ودون تفصيل من قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاواه ( 3/267 ) . " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشر المجمع عليه ، كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء " .
فقد احتج به صاحب كتاب " الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه : ( 341 ) على إجماع العلماء على تكفير كل من حكم بالقوانين الوضعية وإن لم يستحل الحكم بها ، زعماً أن هؤلاء الحكام بدلوا الشرع المجمع عليه ، ففسر التبديل بأنه مجرد ترك الشريعة الإسلامية والحكم بالقوانين الوضعية .
والحق أنه لا يمكن فهم نصوص العلماء دون معرفة مصطلحاتهم والتمييز بين مدلولاتها المختلفة ، وهذا الذي أوقع هؤلاء الغالين في أغلاط كبيرة ونتائج خطيرة .
فمصطلح " التبديل " في لغة الفقهاء وعرف العلماء معناه الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من شرع الله ن وفي ذلك يقول ابن العربي في أحكام القرآن ( 2/624 ) : " إن حكم بما عنده على أنه من عند الله ، فهو تبديل يوجب الكفر " .
ولول أتم مؤلف هذا الكتاب كلام ابن تيمية إلى آخره لوجد ذلك واضحاً بعد سطور ، إذ يقول في بيان أوضح من فلق الصبح " والشرع المبدل : هو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين ، فمن قال : إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع " .
والحكام بالقوانين الوضعية لم يبدلوا الشرع المجمع عليه ، ذلك بأنهم لم ينسبوا هذه القوانين إلى الشريعة الإسلامية ، فهاهم أولاء يصرحون بأنها نتاج العقول البشرية بريطانية كانت أو فرنسية .
4. الكذب على أهل العلم .
فمثال ذلك ما ذكره كتاب التحذير من فتنة التكفير ( 77 ) ، وكتاب " فتنة التكفير " ( 35 ) من قول الشيخ العلامة ابن عثيمين :
" قد يكون الذي يحمله على ذلك ( أي الحاكم ) خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهناً لهم ، فحينئذ نقول : هذا كالمداهن في بقية المعاصي " .
فافترى أحد هؤلاء المفكرين للحكام بإطلاق في كتابه " الرد على العنبري " في طبعته الأولى ( ص 23 ) وعكس مراد الشيخ بأن أضاف كلمة ( كافر ) ، فأثبته هكذا :
" فحينئذ نقول : هذا كافر كالمداهن في بقية المعاصي " .
ومثال ذلك أيضاً قول صاحب كتاب " إن الله هو الحكم " ( 70 ) " إن كل من تكلم من العلماء بقول " كفر دون كفر " قد اتفقت كلمتهم على أن المراد بهذا القول هم ذلك الصنف من الحكام الذين قبلوا أحكام الله ورسوله ، ولم يتخذوا شريعة مغايرة لها ، لكنهم قد يخالفون في بعض الوقائع بدافع الهوى أو
الشهوة ... " .
ولقد نقلت كتب التفسير ما ورد عن ابن عباس وطاووس وعطاء وزين العابدين وغيرهم في تفسير الآية الكرمية ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قولهم فيها : كفر دون كفر ، ولم تنقل عنهم ألبتة ما ذكره هذا الكاتب!!!.
5. دعواهم إجماع أهل السنة على كفر من حكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام ولو بدون استحلال ، وهذا محض افتراء على أهل السنة منشؤه الجهل أو سوء القصد ، نسأل الله العافية .
ويقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني _ رحمه الله :
لايجوز تكفيرهم بذلك ، وإخراجهم من الملة ، إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله ، وإن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ماأنزل الله ، لا يجوز ذلك ، لأنهم وإن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور ، فهم مخالفون لهم من جهة أخرى ، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل الله ، بخلاف اليهود الكفار ، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم : ( … وإن لم يعطكم حذرتموه فلم تحكموه ) ، بالإضافة إلى أنهم ليسوا مسلمين أصلا ، وسر هذا أن الكفر قسمان : اعتقادي وعملي .
فالاعتقادي مقره القلب .
والعملي محله الجوارح .
فمن كان عمله كفرا لمخالفته للشرع ، وكان مطابقا لما وقر في قلبه من الكفر به ، فهو الكفر الاعتقادي ،
وهو الكفر الذي لا يغفره الله ، ويخلد صاحبه في النار أبدا .
وأما إذا كان مخالفا لما وقر في قلبه ، فهو مؤمن بحكم ربه ، ولكنه يخالفه بعمله ،
فكفره كفر عملي فقط وليس كفرا اعتقاديا ، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ،
وعلى هذا النوع من الكفر تحمل الأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئا من المعاصي من المسلمين ، ولا بأس من ذكر بعضها : 1- اثنتان في الناس هما بهم كفر ، الطعن في الأنساب ، والنياحة على الميت . رواه مسلم . 2- الجدال في القرآن كفر . 3- سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر . رواه مسلم . 4- كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق . 5- التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر . 6- لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض . متفق عليه . إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لا ستقصائها .
فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي ، فكفره كفر عملي ، أي إنه يعمل عمل الكفار ،
إلا أن يستحلها ، ولا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم ، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضا ، والحكم بغير ماأنزل الله ، لا يخرج عن هذه القاعدة أبدا ، وقد جاء عن السلف مايدعمها ، وهو قولهم في تفسير الآية : ( كفر دون كفر ) صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم
أختي الكريمة الريم حياك الله وبهذه المعلومات الطيبة
(( أختي الكريمة الريم ألا تعتقدين أن في هذه الفتوى التي قدمتيها لنا أدانة واضحة للسيد الرئيس الذي تدافعين عنه ؟؟ وهل ما زلت بعد هذه الفتوى ترين صدام حاكماً بالأسلام ؟؟ أم هو حالة مستثناة من هذه الفتوى؟؟))
كنت أتمنى أختي لو أنك ناقشتيني في ما ورد في فتوى الشيخ أبن باز رحمه الله لأن حديثنا عن صدام والبعث ، ولكنك أردت الخروج بنا الى الحكام بصورةٍ عامة حتى يتشعب الموضوع وندخل في متاهاتٍ أخرى تبعدنا عن صلب الموضوع .
عموماً ما جلبتيه أيضاً هو دليلٍ واضح على صدق أعتقادي وحرصي على إتباع قول أمر الله وسنة نبيه وتفسير علمائنا الأفاضل ، وفتوى فضيلة الشيخ سعود مسلمٌ بها وهي أيضاً بمثابة دليلٍ تقديمنه ضد الرئيس الذي تدافعين عنه وتبحثين لمخرجاً له ، ولقد جلبت لك وللقراء تفسيراتٍ حول تكفير الحكام لعلها تفيد من يرى في تكفيرهم لبسٌ أو شبه .
أما نقاشنا أختي الكريمة فأراك تعرجين بنا بعيداً ، فتدخلين مواضيع أخرى لا علاقة لها بحوارنا .
سوف أناقش معك ما هو متعلقٌ بموضوعنا ولن أخرج منه أحتراماً لك ولعقلك وللقراء والمتابعين لهذا الموضوع وسوف يكون ذلك بالصفحة التالية .
المفضلات