الخطاب الذي تمارسه الأغلبية العظمى من زعمائنا وقادة أحزابنا من دعاة القومجية والأرهابية وغيرهم ممن يتبعون نفس الخطاب ويمارسون الضحك على الذقون ، وينصّبون أنفسهم حماةٌ للأسلام والعروبة بتلك الخطابات، والأحاديث الممزوجة بشعارات لاتغني ولا تسمن من جوع ، بل أن خطاباتهم وشعاراتهم الجوفاء لنا الضرر والشرر وأضرت بأسلامنا وعروبتنا وأهدرت كرامتنا ووحدتنا .
ويظن البعض ان الاستمرار في الخطاب نفسه مكرراً ومعاداً وفي أي وقتٍ ومكان، ومهما تغيرت الاحوال والافكار، فهو من قبيل الثبات الذي يكسب صاحبه صدقية في الموقف والرأي. والواقع ان الخطاب عندما يتكرر رغم التغير، فإن تكراره ينبئ عن أحد أمرين:
فإما أنه يتكرر بفعل العادة والحفظ ومقاومة التجديد لأن الانسان عدو ما يجهل.
واما أنه يتكرر، ولاسيما في حقل الايديولوجيا والافكار السياسية، بفعل مجاراة ما تعوّد الناس على سماعه بتأثير التعبئة الطويلة والتي من شأنها أن تكسب الخطاب سلطة تخوّل صاحبه النطق باسم "الأمة وعروبتها ودينها" الى الابد، لاسيما اذا حمل الخطاب وعداً بتحرير فلسطين او مقاومة الاستعمار والقوى الامبريالية أو تحقيق الوحدة العربية ، أو كما يخرج لنا الآن لنصرة الأسلام والمسلمين والجهاد والمجاهدين .
والواقع المؤلم ان تكرار مثل هذا الخطاب، في كل مناسبة ونكسة جديدة للأمة، ترافقه في التأييد الجمهرة والتحشيد والقول الغير مفيد ((بالروح.. بالدم نفديك يا زعيم يا شديد )) أو غيره من الشعارات المعروفة ، وهذه هي الظاهرة العربية السائدة مع الأسف والتي أفرزتها الاحزاب ذات الايديولوجيات الاحادية التي تلغي التعدد والاختلاف من مجتمعاتها، ولا تعترف بها ، بل وترى نفسها الوحيدة المخوّلة باسم الأمة المغلوب على أمرها ، كما أنها تربط هذا التمثيل بالقائد أو بالزعيم أو الحزب وأتباعه ، وذلك بفضل دعم الأمة المصدقة لخطابهم وبفضل استيلائهم على السلطة بالانقلاب العسكري والدعم الخارجي ، أو بسبب الفضوى وعدم النظام التي يلجأ لها المتمردون على القانون ، ثم تبدأ عملية أستقصاء المعارضين ، ومن لا يضمر الولاء والبراء لهم ، وبواسطة ثروات الأمة وسكوتها أو تطبيلها يضمنون البقاء .
وبنفس الأسلوب والطريقة في الخطاب أصبح البعض منهم يضيف لخطابه الآيات والأحاديث ليضفي عليها الجانب الديني والعقائدي ، وأصبحوا يخلطون بين الجانب الشرعي والجانب القومي في محاولة لجعل من يعارضهم في مصاف الكفار والأعداء والخونه.
كانت هذه الظاهرة ولا زالت يتبعها الكثير من العرب حتى على المستويات اللاقيادية التي تعتمد في خطابها على ألغاء الآخر ، ومحاولة تهميشة ، بل وتخوينه ونعته بالعمالة ضد الأمة ، ووصل بهم الوضع الى أخراجه من الملة وتكفيرة ، ويعتمدون في ذلك على خطابهم في خلط الأمور ، كمناهضة الأستعمار والتصدي للمؤامرات ، ليحظى خطابهم الى تأييد الشعوب التي باتت مبرمجة على تلك الخطابات والشعارات طالما أنها تتحدث بالقول بأسم العروبة والأسلام .
ألا يكفينا استخداماً لشعارات التصدي للإمبريالية والاستعمار والمؤامرة الغربية والصهيونية من خلال طالبان والزرقاوية، ومن قبلهم زعماء القومجية وأبطال النكسات والهزائم وتلك الشعارات الصفراوية .
ألا يكفينا الهزائم التي منيت بها الشعوب العربية في ظل أنظمة الاستبداد والقهر وسجون الرأي، وأصحاب الشعارات الزائفة والمكررة حتى يومنا هذا.
ألا يدعونا كل ذلك على الاقل، وفي أضعف الايمان الى اعادة النظر في نتائج تلك الخطابات علينا ،وعلى عروبتنا وأسلامنا .
فقط ما نحتاجه هو القليل على الاقل من النقد الذاتي ومحاسبة النفس على ما حصل ويحصل لأمتنا التي نشارك في تدميرها وسحقها من خلال التبرير لأصحاب تلك الخطابات ، أو السكوت عنها .
لماذا لا نركز على أسباب هزائمنا ونكساتنا ، التي نتجاهلها ، ونبرر لها ونجعل منها سبباً لمن تسبب بها ليتبجح بها ويستمر في تمثيلنا بحماقةٍ وأنحراف، فنحن من يعطيه الذريعة رغم علمنا بفشله وحماقته ، وقد يكون السبب في ذلك هو خوفنا من أن نتهم بالعمالة والخيانة ، وهنا تكمن المصيبة التي ستبقينا صامتين في وجهة أصحاب الرأي الأوحد من الجهلة الذي يحظون بسكوتنا فنكون معول هدمٍ لأمتنا معهم .
وألا متى يستمر هذا المنطق ، في ظل أمةٍ يقطّع أوصالها ، وتمزق أجساد أبنائها ، وتهدر ثرواتها ، وتمسح هويتها وثقافتها ، وهي أما صامته أو تتبع ذاك الخطاب القديم ، أو تعتمد على حماقةِ الزعماء
المفلسين .
ما دفعني الى كتابة هذه السطور هو ما أراه من تفردٌ بالرأي ، ومصادرةٍ للآخر ، وأنتقاصٍ للعقل والمنطق ، وأنحرافٍ في التسديد ، وحبٍ للخطاب الفاشل ، ورؤيةٍ قريبة وغريبة ، وممارساتٍ في التشويه والتحريف ، وأتهاماتٍ جزاف ، وأقوال من صنع الخُراف ، ومحاولات للتضليل والتعتيم ، وسردٍ
لجملٍ بقصد كسب التأييد والتصفيق ، وأستماتةٍ من أجل بقاء الوضع على ما هو عليه لنصرة أصحاب
الخطاب والشعارات ، وتبرير ما فعلوه ويفعلونه من ممارسات .
تقبلوا تحياتي
المفضلات