وجودنا على هذه الأرض محكوم بمسارات ومسارب الأزمنة والأمكنة,تنبع حياتنا من أرحام الأمهات لتصب في باطن الأرض,ونحن على هذه المسارات مبعثرون,
تحكمنا الأقدار لانستطيع التقدم ولاالتأخر,لانستطيع الإسراع او التباطؤ.هكذا قدر لنا وهكذا سنبقى,وهكذا حدثت نفسها وهي تتأمله,وهوفي مسار مختلف عن مسارها,
وإن كان متوازيا معه الا أن الأقدار شاءت الا يلتقيان..
كتبت له ذات عمر يلفه القلق.من هنا أكتب لك,حيث امتدت يدي الى القلم أعبث بأوراقي فوجدت القلب يفيض برسائل شوق منسية,كنت خبأتها إلى حين لقائك,
ولكن الأقدارأقسمت الا نلتقي الا على أرصفة الكلمات,وضفاف الأحبار,
ومساحات الورق,بين سطور الروايات,ومفردات القصائد,ومعاني الهمسات,كم هي أرض الواقع ضيقة جدا ليست رحبة واسعة كأرض الخيال..
عندما تصلك رسالتي هذه سأكون قد هربت إلى( مستشفى الصحة النفسية)لربما أجد السكون والراحة,والعزلة التي تجعلني أتحدث معك عبر رسائلي من غير أن يزعج راحتي صوت يأمر او ينهى,اويتطفل أحد على خصوصياتي ويقلق وجودك معي,أعرف أنك تفهمني ولذلك أكتب لك وأنت في المسار الأخر تشبه قمرا تتبعه نجمة صغيرة لاتكاد تبين لعلها تقتبس من نوره ضوء خافت يمدها بالحياة علها تقدر على الصمود,ومواجهة الأعاصير..
عندما نشر النوم هواجسه حول فكري,ما عدت قادرة على ترتيب أفكاري نهضت إلى السريروأخذت معي القلم والأوراق الزرقاء فوضعتها تحت وسادتي لأعاود الكتابة اليك عندما أعاود ترتيب أفكاري ثانية بعد الإفاقة من رحلة النوم في صباح الغد مع تغريد العصافير.
نهضت من سريري فجرا كانت النافذة مفتوحة,والستائر تطير بهدوء مثير مع نسمات الهواء,وأصوات العصافير في شجرة (السدر)تثير الفرح في صدري,
دسست أناملي تحت الوسادة بحذر جميل تلمست يداي( كنزي الصغير) القلم والأوراق التي وضعتها ليلة أمس تحت وسادتي,أمسكت بها بشوق عارم لأعيد قرائتها,وأعيد ترتيب أشواقي إليك ياأمير كلماتي,وملك حرفي,فتحت الأوراق المطوية,فأصابتني الدهشة,وملأتني الغرابة,لقد كانت الرسالة التي بين يدي رسالة منك,وبذات اللون المفضل لكلينا,مكتوبة بخطك,أعرف أسلوبك واميز شوقك وحرارة حروفك:أنتِ وصلني حنينكِ,وشوقك كيف عبرت المسارات ,وأودية الرهبة,وكيف وصلت هنا حيث الأفكار ترفع راية الإستسلام,وتسجد للأقوى.
نصوصك من أي شجرة مسحورة قطفتي كلماتها,لتورق في قلبي؟أتراك عثرت فجأت على مفتاح مدينة عبقر ملك الجن المختفي في عالم الغيب منذ أزمنة؟أتراه لامس شفتيك بمس ابداع سحري جعلك تجيدين نظم عقود لئالئ اللغة في قصائد تنقلنا على مراكب الدهشة إلى مدائن الحلم الشهي والخيال المشتهى؟
حيث نخلق من من جديد كائنات شفافة لاتقبل الظلام ولاترى بالعين المجردة وحيث نعيد صياغة أفكارنا الصدئة وتعاود قلوبنا نداء الرغبة ووله (الخفقات المنسية)..
حين أنتهيتُ من قراءة الرسالة,أرتسمت على شفتي همهمة خفية لاأدري سرها,
وفي عيني علامات تعجب,وألف سؤال حائر:كيف وصلت هذه الرسالة إلى هنا؟في هذا المكان بالذات من غير أن أشعر؟ومن الذي فتح النافذة؟لاحظت أن أحد العصافيرغريب اللون والشكل,يقف قريبا جد من إطارالنافذة ,يرفع صوته بتغريد جميل وفي عينيه نظرة حب غريبة,وكأنه يخبرني بأنه هو من حمل إلي هذه الرسالة ,وهو من أوصل رسالتي أمس إليك,ولديه القدرة على حمل رسائل الحب الصادق,فقد كان قبل موته قهرا في هذه المصحة منذ سنين,شابا رقيقا لديه الكثير من الأفكار المبدعة,وأديب مبدعا يملك الكثير من إبداعات (رسائل الحب) التي كان يكتبها لأصدقائه,كان يتمنى أن يوصلها إلى أصحابها,غير أنه مات فلم تصل الرسائل,فتحولت روحه إلى طائر غريب,مغرد ينشر الحب والطمائينة حول إطارات النوافذ القلقة,المقهورة,ويحمل نغمات الأشواق إلى أصحابها ,على المسارات المختلفة.
غمزني بإحدى عينيه,وخلته ابتسم,فأبتسمت له مما جعله يرفرف بجناحيه,ويدور بحركات راقصة مغتبطا لأني فهمت مايريد تبليغه لي..الآن أدركت أنا أيضا,انك أنت (الطائر المغرد)؟أنت هو؟ ثم صرخت بقوة(....)ياأجمل شاب في قريتنا البعيدة,أذكر أنهم أخذوك إلى مستشفى الصحة النفسية,بدعوى أنك أصبت بالفصام,لأنك صوت الحب في تلك الكهوف المخيفة,لأنك حاولت إقتلاع الحجارة الضخمة,التي تسد منابع الأنهار العذبة,وتمنعها من الجريان في جداول الحب,لأنك أردت أن تزرع الحقول بالسلام والقمح..
أذكر جيدا تلك الأيام,لقد كنت شابا مبدعا,ورمزا لأحلام كل صبايا القرية,وأنا كنت احداهن,أذكرالأحداث جيدا وكأنها حدثت الآن,أذكر ملامح أغلب الفتيات اللواتي بعد رحيلك عن قريتنا للمصحة,أقصد للسجن فقدن كل الرغبات,التي تحرضهن على مواصلة الحياة,وعلى البقاء,وخاصة رغبة الزواج,فقد تأخرت سن الزواج جدا في قريتنا البسيطة,وعندما يسألن عن سبب عزوفهن عن الزواج,يجبن بأسى:لانرى رجالا في القرية,لم يتقدم لنا رجلا واحد,كان هنا رجلا واحدا ثم رحل.وأنهن قد ينتظرن أزمنة قبل طويلة قبل أن يبشرن بولادة رجل آخر مثل الذي رحل,وقد ثلبث النساء أجيالا حتى يتذكرن كيف يلدن الرجال من أصلاب الرسالات,وقبل أن يولد رجلا مثلك يا(...)..
لم تهاجر الأرواح الجميلة من الأجساد الآدمية,لتسكن في مخلوقات أخرى؟حيث تمارس انسانيتها وعطائها بلا حدودالإنسان المبدع الجميل وحده يموت عندما يصيبه اليأس من تحقيق أحلامه,أمنياته ,وقد تتحول روحه إلى غيمة ممطرة بالخير تبعث الحياة أيان اتجهت,وقد تتحول إلى طائر جميل,مبدع ,مغرد ينشد الحب بجانب النوافذ المعذبة,كما فعلت أنت,وكما ستكون روحي بعد أن تفارق جسدي,فلا قدرة لي على الحياة في عالم تسكنه الأجساد العفنة.عند سماعه لكلامي فاضت دمعت من عينيه,وأطرق رأسه قليلا بأسى ثم رفعه برجاء للسماء في محاولة للبحث عن معبر يأخذه لأرض السلام المنشود,وفجأة غمرتنا غيمة تبعث الحياة أنى أمطرت.
المفضلات