[align=center] يحكي عبد العزيز الفياض تجربته مع الاعاقه
وكيف انه كان يشعر وكأنه ميت لا يبرح غرفته إلا بشق الأنفس.......
أود إن ارجع القهقرى إلى أكثر من 3 عقود خلت ...كان ذلك يوم مولدي , وكان يوما عاديا لجميع الناس إلا انه لم يكن كذلك لدى والدي اللذين كنت قرة عين لهما بعد إن ثكلا في أخ مات قبل مولدي.....لم يكن والدي اقل حنانا ورأفة من سائر الإباء ولكنهما فاقاهما في ذلك , فكنت اسكن بين أنحاء قلبيهما, مضت الأشهر الأولى من عمري والدنيا لاتسع والدي من فرحهما بي , وبدأت أخطو الخطوات الأولى فأصبحت حديثيهما الذي لا ينتهي , واملهما المنساب لحنا رائقا تشدو بها شفاهم فتلهج بمحاسني ,وتشيد بحركاتي....
ولكن .... ما بال ابننا أخذ يسقط عندما يريد أن يمسك بالجدار....؟ الم يمشي بضع خطوات قبل إن يمسك بما حوله....؟ هكذا يتسال ابواي,وازداد الحديث
المشوب بالريبة والخوف بينهما....
وبدأت خطواتي تتثاقل أكثر من قبل , وأوجس ابواي خيفة من حالي,فما كان منهكا إلا المسارعة لكل طبيب وعارف يسألانه المشورة والنجدة في بوادر المصاب...إلى أن قالوا:الم يصب أخ له من قبل...؟لكن حالتي أخذت تزداد سوءا فأصبح في سباق مع الزمن للحاق بحالة طفلهما المتدهورة...هذا طبب وذلك مختص وهناك متطبب ... ولكن......إرادة الله فوق إرادة البشر فلم تفلح كل الجهود إزاء قضاء الله المحتوم فقعدت بي قداماي عن حملي ....وهكذا أصبحت عاجزا عن الحركة وأصبحت رقما جديدا للمعاقين في المملكة...
أمضيت زهرة شبابي في مكان واحد ..... تمر السنون والأيام وأنا فيه على حال واحده وما كنت اعرف من المنزل إلا غرفه صغيره في جانبه .... أقيم فيها طول يومي وأنام فيها جراحات ليلي, فكنت لا اعلم من الدنيا إلا اسمها ولا من الحياة إلا ما أراه ماثلا في شاشة التلفاز وما كنت احسب إن ما يعرض على تلك الشاشة هو شئ من واقع الحياة , بل كنت أراه عالما آخر ليس من عالمنا , وماادركت انه صوره من الحياة, وأنني وجدي الغريب الذي لا يعرفها...
كنت في طفولتي المبكرة عبئا على والداي في كل أمر من أموري وكانا راضين بتلك الأعباء والتكاليف التي لا تنتهي .... ولكن مع تقدم عمري ازداد وزني , وصعب تحريكي , فأصبح والدي يحملني على كتفه لقضاء حاجتي وكانت والدتي تتولى أمري بعد ذلك مع مافي الأمر من مشقة نفسيه وجسديه عليهم وعلي .... وازدادت الحالة سوءا مع الأيام فأصبح نقلي شاقا يحتاج إلى طاقات لا يقدر والداي عليها مع تقدم عمرهما فصرت أوضع في لحاف وانقل بداخله من قبل 4 أشخاص على الأقل ....وكان هذا الوضع يشجيني فأحس بعجزي وقلة حيلتي إمام ما يبذل لي والداي فلا أستطيع إن اعمل شيئا غير البكاء الصامت الذي أحاول دفنه بين أعماق كلمات الشكر والعرفان...
بذل والداي مافي وسعهما لتصميم كرسي بدائي يساعدني في تنقلي لقضاء حاجتي , فلم يفلحا في ذلك .... حاولت إن اعمل شيئا أي شئ فتكللت جهودي بالفشل .... أيقنت إن حالتي أصبحت تشكل هماً لا دواء له .. ومعضلة تقف أمامها الحلول... وهنا التفت حولي... رأيت أخي الصغير يعاني نفس مشكلتي, فارتسمت أمامي تجربتي القاسية مع العجز الجسدي والقهر النفسي, فأشفقت عليه , وعز علي إن يذوق نفس الكأس الذي اكتويت بمرارتها فحاولت إن ابحث عن مخرج له ليخفف معاناته في مصيبته وقررت إن يكون أخي أفضل مني وألا يفقد كل ما فقدته لهذا طلبت من والدي بإلحاح إن يلتحق أخي بمدرسة خاصة....
تقدم والداي في العمر , فأصبحنا نشكل عبئاً كبيراً عليهما وأن كانا يقومان بشئوننا عن طيب خاطر إلا إنني أصبحت أحس بمعانتهم أكثر من ذي قبل لكبر سنهما....
وكنت اسمع دائماً عن التقنية الحديثة وما وصلت إليه من تطور في تقديم الحلول للمشكلات البشرية فراودتني فكرت الاستفادة منها لعلها تخفف مانحن فيه.... وهنا أخذت ابحث عن المهتمين بمساعده المعوقين وعرضت أمري على الكثير منهم ولكن لم أجد لندائي صدى وكدت افقد الأمل إلى إن كان اليوم العالمي للمعوقين...حيث شارك المركز المشترك لبحوث الأطراف الصناعية والاجهزه التعويضية وبرامج تأهيل المعوقين في فعاليات المعرض.... فراودتني فكرة الاتصال بالمركز المشترك علني أجد من يأخذ بيدي وبالفعل وجدة ترحيب فاق تصوري إذ قاما الباحث الرئيسي المشرف العام على المركز د/محمد حمود الطريقي بدراسة حالتنا من خلال زيارته المنزلية لنا بصحبت فريق طبي تأهيلي هندسي فتم عمل التقييم المبدئي لحالتنا وتحديد الاحتياجات الأولية ثم تم في المركز عمل الإجراءات الازمه وإنجاز التقييم النهائي وتحديد البرامج التأهيل المناسبة ......
وأصبحت الفكرة دراسة علميه مبتكره ومشروعاً جاهزاً على الورق ..... وهنا وقفت جهود المركز الخيرة ولم يعد لديه ما يستطيع إن يقدمه فأمكاناته مقتصرة على الدراسة والتخطيط فحسب ...... أما نحن فحاجتنا إلى أمل ملموس يحملنا إلى الدنيا التي غبنا عنها سنين طويلة ...
وكان لابد من تمويل المشروع ولم تكن حالتنا المادية بأحسن من حالتنا الجسدية فكان تحقيق أملنا يحتاج إلى معجزه وبقينا ننتظر هذه المعجزة إلى إن من الله بها علينا ..... فقد نقل أهل الخير معضلتنا إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز حفظه الله مؤسس المركز وراعيه الذي أجزلت يداه الكريمتان منحه سخية تمثلت في سيارة مخصصه لنا وما يتبعها من رافعه وكراسي وتجهيزات تكنولوجية متطورة فكانت مكرمه على حد قول الشاعر العربي :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم....
وبعد هذه المنحة السخية تغيرت حياتي تماما وحياة أخي .... خرجت من البيت في رحله خلوية رأيت شيئاً لم أره طول حياتي , أتصدقون...؟ لقد رأيت الأودية تجري بها السيول ورأيت الجمال والأغنام وهي ترعى ... وفي اليوم التالي قمت باكراً لأرى مشهد ذهاب الطلاب إلى مدارسهم والموظفين إلى إداراتهم .... لقد رأيت الناس تمشي على الأرض وهذا مشهد لم اعهده ... لقد رأيت الحياة في واقعها وكم كان ذلك مختلفاً عما رسمته لها في مخيلتي...
فاستطعت – لأول مره – إن أمد طرفي إلى ابعد من خمسة أمتار استطعت بعد ما يزيد عن الثلاثين عاماً أن أرى الحياة التي غبت عنها... أليس ذلك عوده إلى الحياة ....؟
[/align]
المفضلات