[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
أقام الله سبحانه هذا الخلق بين الأمر والنهي , والعطاء والمنع , فافترقوا فرقتين :
فرقة قابلت أمره بالترك , ونهيه بالارتكاب , وعطاءه بالغفلة عن الشكر , ومنعه بالسخط
وهؤلاء أعداؤه , وفيهم من العداوة بحسب مافيهم من ذلك .
أما القسم الاخر : قالوا إنما نحن عبيدك ,فإن أمرتنا سارعنا إلى الإجابة , وإن نهيتنا
أمسكنا نفوسنا عما نهيتنا عنه , وإن أعطيتنا حمدناك وشكرناك على ما أعطيتنا , وإن
منعتنا تضرعنا إليك وذكرناك , فليس بين هؤلاء وبين الجنة إلا ستر الحياة الدنيا , فإذا
مزّقه عليهم الموت صاروا إلى النعيم وقرة الأعين , كما أن الفرقة الثانية ليس بينهم
وبين النار إلا ستر الحياة , فإذا أتاهم الموت صاروا إلى الحسرة والألم .
فإذا تصادمت جيوش الدنيا والاخرة في قلبك , وأردت أن تعلم من أي الفريقين انت
فانظر مع من تميل منهما ومع من تقاتل , إذ لا يمكنك الوقوف بين الجيشين فأنت
مع أحداهما لا محالة .
فالفريق الأول استغشوا الهوى فخالفوه , واستنصحوا العقل فشاوروه , وفرّغوا
قلوبهم للفكر فيما خلقوا له , وجوارحهم للعمل بما أمروا به , وأوقاتهم لعمارة
منازلهم في الاخرة , واستظهروا على سرعة الأجل بالمبادرة إلى الأعمال,
وسكنوا الدنيا وقلوبهم مسافرة عنها , واستوطنوا الاخرة قبل انتقالهم إليها
واهتموا بالله وطاعته على قدر حاجتهم إليه , فعجل لهم سبحانه وتعالى
من نعيم الجنة وروحها : أن آنسهم بنفسه , وإقبل بقلوبهم إليه وجمعها على
محبته فشتاقوا للقائه , ونعمهم بقربه , وفرّغ قلوبهم مما ملأ قلوب غيرهم
من محبة الدنيا والهم والحزن على فواتها والغم من خوف ذهابها وهي ذاهبة لا محالة
واستلانوا ما استوعره المترفون , وانسوا بما استوحش منه الجاهلون , صحبوا الدنيا بأبدانهم.[/align]
المفضلات