السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
اسعد بأن انقل لكم هذه القصة من كتاب ـ من شيم العرب ـ لفهد المارك ـ وهي بعنوان " اشجع الرجال يصرع اشجع الأسود " ،، فيقول :
هذه القصة رويتها عن شخص يدعى " سالم الشلاش " من قبيلة شمـّـر الفرات السوريــة ومن عشيـــــــــرة الصايــــــــح .
هناك فارس من ابرز فرسان قبيلة شمـــّــــر الفرات شهــرة بعهده يدعى " عضيب ابن موعد ـ توفي رحمه الله في مدينة حائل في عهد اميرها طلال العبدالله بن رشيد بين العام 1270هـ والعام 1282هـ ـ " وكان هذا الفارس على جانب فروسيته مضيافاً وشهماً ويميل كثيراً الى سماع الأدب ، ويشاع عنه انه تأخذه نشوة إذا سمع القصص التي تمت الى الشهامة والبطولة بأدنى صلة ،،،
كما انه إذا سمع الأحاديث التي تحمل طابع الجبن المتناهي او شيئاً من الأخلاق الحقيرة التي تتنافى وشيم العرب ، يبلغ به الإنفعال اقصى مداه ،،،
وكل من لديه اقل المام بمعرفة تاريخ الرجال البارزين من قبيلة صاحب الترجمة يعرف جيداً مايتمتع به هذا الرجل من هذه السجايا التي فطرت جبلته عليها حتى اصبح عنواناً بارزاً يضرب به المثل بين رجال قبيلته الى ان اصبح يقال عن الرجل المسرف بالشهامة كأنه " عضيب بن موعــــد " ،،،
وحيث ان الأمر كما ذكرنا من صفات صاحبنا ،،،
فقد ضافه ذات ليلة شيخ من المعمرين وهو من " الشوايا " اي من الفلاحين ، وبعد ان احسن قراه اراد ان يؤنسه فسأله عن سنــِّـه فقال الضيف : انه تجاوز مئــــة سنة .
فسأله عضيب : ارى انك قوي البنية فكأنك دون ذلك بكثير !؟
قال الضيف : الحقيقة ان ماقلته هو الصحيح واظن ان السبب الذي جعلني بهذه القوة رغم انني بلغت من العمر عتياً هو انني لم اصب بمرض قط ولم ار بحياتي ما يزعجني قطعياً اللهـــم إلا مرة واحدة منذ مدة طويلة .
عضيب :الا يحدثنا عمنا عن هذا الحادث !؟
الضيف : لم يكن في ذلك الحادث بالنسبة اليّ ما يشرفني يابني .
عضيب : إن اعترافك هذا بقصورك مما يجعلني اعتبرك صدوقاً في روايتك وهذا مما يزيدني حرصاً ورغبة بأن تشرح لنا هذه الحادثة التي لابد ان يكون فيها من العبرة مانحن بحاجة اليه .
الضيف : لقد بلغني عنك بأنك تســر وتطرب لسماعك الحوادث والقصص التي فيها من معاني الشجاعة ماهو جدير بالإعجاب كما انك تنفعل مما هو عكس ذلك .
عضيب : وهل في الحادثة التي عندك ما يثير الإنفعال !؟
الضيف : ان في اولها مايجعلك ترقص طرباً لسماعها ولكن في آخرها الشيئ الذي سوف يزعجك لا محالة .
عضيب : لقد شوقتني ياعمي لهذه القصة فهاتها ما دام ان في اولها ما يسر فلا مانع من سماعنا آخرها املاً ان يكون في اولها ما يشفع بآخرها .
الضيف : ان الحادثة تتلخص بما يلي :
" كنت ذات ليلة من ليالي الصيف وفي منتصف الشهر العربي خارجا من منزلي قاصدا منزل زوجتي الأخرى في مكان ناءٍ عن المنزل الذي فيه زوجتي ام اولادي ، وكان بين المنزلين غابة مخيفة يخشى المرء السير فيها منفرداً في رابعة النهار فضلاً عن الليل ! بحكم كثرة السباع المفترسة فيها ، ولذلك رأيت انه من الأفضل ان ابيت فوق ذروة إحدى الأشجار العالية حتى الصباح ومن ثم اواصل رحلتي نهاراً ليكون ذلك آمن لي من مغامرتي ليلاً التي اعرض نفسي فيها للخطر ، وقد نفذت فكرتي هذه فإخترت شجرة عالية وصعدت إليها وهناك استويت على فرعها ، وبعد برهه قصيرة سمعت حركة مستنكرة وكان القمــر ساطعاً فمددت بصري وإذا به عجل فهدأ روعي بعدما خشيت انه اسد ، فجاء العجل وبرك تحت الشجرة التي كنت على رأسها، وما ان اخذت مدة قصيرة حتى سمعت زئير الأسد !! فأرتعدت فرائصي وقد ازددت هلعا عندما شعرت ان هذا الزئير بين كل فترة واخرى يزداد دنواً مني ، عند ذلك ذكرت في نفسي مايقال من ان السباع تشم رائحة الفريسة من مكان بعيد ، فقلت لقد جلبت لي رائحة هذا العجل مصيبة عليّ ، وقد تحقق ما كنت اتوقعه وذلك انه سرعان ماخرج عليّ خمسة اسود يتقدم الجميع واحد بارز في ضخامته ، فأقبل على العجل فقدّه بنابه وظل يفترس من طيب لحمه حتى انتفخت خاصرتاه ، ثم ابتعد قليلاً عن الفريسة وربض ، وبعد ذلك هجمت الأربعة اسود الأخرى على فضلته وتناهبت ما تبقى من لحم العجل حتى انه لم يبقى إلا عظامه ثم ولت من حيث اتت بينما سيد الأسود ظل رابضاً كما كان من قبل مما زادني رعباً في نفسي معتقداً انه يستطيع ان يثب عليّ بقفزة منه فيمزقني إربا ، وفي هذه الحالة التي كنت فيها في منتهى الهلع والخوف ، رأيت على ضوء القمر شاباً قادماً نحو الفريسة ، وعندما دنا منها التفت يميناً وشمالاً فإذا به يرى الأسد رابضاً ، عند ذلك ادرك ان الذي افترس العجل هو هذا الأسد ، فما شعرت حتى شمــّـــر الشاب عن ساعديه وصاح بالأسد قائلاً : اتأكل عجلي ياكلب !! وتنام آمناً غير خائف !!
قال ذلك ثم قفز على الأسد هاجماً عليه بينما وثب الأسد نحوه ، ولكن الفتى كان اسرع وثوباً من الأسد فوضع إحدى يديه بحلق الأسد واليد الأخرى إحتضنه بها لكي لا يتمكن من ان يقدّه باظفاره ، (وهنا قاطعه عضيب ) قائلاً: ولماذا لم تنزل من شجرتك وتساعد اخاك الإنسان على هذا الوحش !؟
الضيف: كنت اود ان افعل شيئاً من ذلك ولكنني شعرت بشلل اصابني فلم استطع ان احرك لساني فضلاً عن جوارحي .
عضيب: ثم ماذا كانت النتيجة ..؟
الضيف: لقد ظل الأسد يزأر والفتى ينتخي ويصرخ بالأسد ، وكلما طال الوقت زاد صوت الفتى ارتفاعاً بقدر ما ينخفض زئير الأسد حتى انقلب الزئير الى شخير وقد ظل الأسد والفتى يتصارعان حتى اقترب الفجر ، عند ذلك تمكن الفتى من ان يكتم نفس الأسد بيمينه ولم يتركه حتى وقع ميتاً ، ثم جاء بجثته يسحبها الى المكان الذي فيه بقية ً من عظام العجل ، فأخذ العظام ووضعها فوق رأس الأسد وكأنه يخاطب انساناً عندما قال : لقد اخذت بثأرك ياعجلي وافترست من افترسك !! قال ذلك ثم اسند رأسه على جذع الشجرة الموالية لشجرتي واستسلم بعد هذا الصراع الى نوم عميق ولم يستيقظ من نومته هذه الى يومنا هذا !!؟؟
عضيب: يعني مات هذا الشاب !؟
الضيف: اجل !!
عضيب: هل اصاب الأسد منه مقتلاً ؟
الضيف: كلا لم ينله الأسد بسوء !
عضيب: اذن من اين جاءه سبب الموت !؟
الضيف: دع عنك يابني التفاصيل !!
عضيب: بعدما وصلنا الى هذه المرحلة لابد ان اعرف كيف مات هذا الفتى الشجاع ؟؟
الضيف:لا تحرجني يابني لأنني إذا قلت غير الحقيقة معناه انني كذبت وانا لم اعرف الكذب حتى ولو ان قول الصدق يعيبني فإنني لن اختار عنه بديلاً وان قلت الحقيقة فإنك سوف تنفعل وتغضب عليّ .
عضيب: هل قتلت الفتى !؟
الضيف: معاذ الله انا عاجز من ان اقتل اي انسان فكيف بي ان اقتل قاتل الأسد !!؟
عضيب: اذن كيف مات الفتى !؟
الضيف: لا اريد ان آتي لك ببقية القصة لأنها مؤلمة ..!!
عضيب:لا يسعني الآن إلا ان اعرف كيف كان مصير هذا الفتى الباسل ..!
الضيف:عندما اضطجع الفتى بعد ذلك الصراع ، إنسلّ ثعبان من نفس الشجرة التي كنت جالساً على فرعها ..!
عضيب:يقاطع الضيف قائلاً: ثم ماذا فعل الثعبان ؟
الضيف:دنى من الفتى فلدغه في عنقه .!
عضيب:ثم مات على اثرها !!؟
الضيف: نعم مات .
عضيب: ولماذا لم تنذره عن الثعبان ياجبان !؟
الضيف: لقد قلت لك سابقاً بأنه اصابني شلل عام لا استطيع النطق ولا الحركة من اول ساعة رأيت فيها الأسْدْ الخمســة حتى جاء النهار ومر من عندي قوم من عشيرتنا ونظروني فأنزلوني من الشجرة ولم اشفَ إلا بعد مدة طويلة .
عضيب: إسمح لي ياعم ان اقول : ليت القوم لم ينزلوك من شجرتك وليتك متَّ ولم تعش فمن يكن جباناً الى هذه الدرجة فموته اولى من حياته .
الضيف:لقد قلت لك يابني ان آخر القصة قد يزعجك وقد لا تملك نفسك عن الإنفعال .
عضيب: إن ماقلته هو الحقيقة ولكنني لا اعرف إن نهاية قصتك سوف تكون بهذه الصفة ، وثق إنك لو لم تكن ضيفاً عندي ولولا إن فيك صفة احببتها وهي صدقك وصراحتك !! لولا هذه وتلك لأسمعتك مايسؤك .
الضيف: ولذلك وجدتني اتردد عن سرد ماتبقى من الحادثة بسبب مايشاع عن إنفعالك عند سماعك لقصة تشبه نهاية هذه القصة .
عضيب : عسى ان لا يكون لك ذرية من الذكور !؟
الضيف: ماذا تعني من سؤالك هذا !؟
عضيب : اعني واتمنى ان تكون عقيماً لأنه لن يخرج من صلب الجبان إلا جباناً مثله .؟ ومعنى ذلك زيادة عدد الجبناء في امة العرب وهذا ما لا اريده !؟ << المارك.. عروبي
الضيف: ليست هذه النظرية قاعدة ، فقد نجد شجاعاً خرج من صلبه ابناء جبناء كما نجد جباناً انجب ابناء شجعانا .
عضيب: انا لا اصدق ذلك فالأسد لايمكن ان ينجب إلا اسداً ، والثعلب من المستحيل ان ينجب إلا ثعلباً ..!!
الضيف: يابني انا اوافقك الرأي بأن الجنس من الحيوان او من البشر لا يمكن ان ينجب إلا جنسا من نوع جنسه ولكن لا اوافقك الراي بان الاخلاق التي يتمتع بها انسان ما سوف يتمتع بها الابن بصورة حتمية فالابن قد يرث اباه بالخلقة ولكن ليس شرطا ان يرثه بالأخلاق وبالعكس ..
عضيب:حديثك هذا لايمكن ان اقتنع به لان عاداتنا تخالف ذلك !؟
الضيف: ولكنني يابني شيخ عاش قرناً من الزمان واصبح لدي من التجارب ما يجعلني اثق بأنني على صواب بنظريتي هذه كما انني بحكم تجاربي ايضاً لا اعارض نظريتك تلك لأن تجاربي هدتني بأنها تكون احيانا على جانب كبير من الصواب.
ولكنها دون المغالاة التي تشير اليها اعني انها لم تكن ولن تكون قضية مسلَّم بها لايعتريها الشطط والتبديل .!!
عضيب:انا واثق من صحة نظريتي هذه ، ولن اتزحزح عنها ، كما انني واثق ايضا بأن من يبلغ من العمر القدر الذي بلغته فإنه لابد إلا ان يكون له من التجارب التي مرت عليه ماهو جدير بأن تكون حجة في الموضوع فإن يكن لك شيء من ذلك فإت به ..!؟
الضيف:لا شك ان لي تجربة بهذا الشأن وتجربتي هي الحكم الفاصل في خلافنا هذا ، وإنما الذي اريده منك ان تدعني وشأني فأنت لك رأيك وانا لي رأيي ..
عضيب: ولماذا لا توافينا بما لديك من تجربة بهذا الشأن وما هو الداعي لإمتناعك عن ذكر شيء فيه انتصار لرأيك وقد يكون فيه الى جانب ذلك درس وعبرة لنا !؟
الضيف:ان في تجربتي عبرة حقا ولكن فيها ماهو مؤلم لعاطفتي ومزعج بالنسبة لشعورك ولذلك لا ارغب بذكر تلك التجربة المؤلمة فكفاني ما ذكرته آنفا ولا اراني بحاجة الى كشف النقاب عما اصابني من حزن وخزي في آن واحد..
عضيب: هل في تجربتك ماهو اسوأ من العار الذي حدثتنا به عن جبنك عندما رأيت بني الإنسان يتصارع هو والأسد فلم تستطع ان تؤازره !؟ وايضا عندما رأيت الثعبان يتسلل من الشجرة التي تجلس على فرعها فيبلغ بك الجبن الى الحد الذي تعجز به من ان تقفز من هذه الشجرة هاربا وتصرخ بذلك الفتى ليهرب من الثعبان !؟ فهل في تجربتك ماهو اقبح واسوأ من ذلك !؟
الضيف:اجل ولهذا تجدني خجلت من ان اذكر لك من هو هذا الفتى ؟ ولا اريد ان اذكره لك الآن لولا ان سياق الحديث الذي دار بيننا سوف يضطرني الى توضيح الحقيقة ..
عضيب: كأن تجربتك هذه لها صلة في قصتك !؟
الضيف:اجل انها الصلة التي لاتنفصل ..
عضيب:لا يكون الفتى ابن عمك او اخوك !؟
الضيف:ليته هذا او ذاك ولكنه ..قال الشيخ هذه الكلمة ثم راح يجهش بالبكاء.. ثم تنهد وقال:كنت حريصًا على ان لا اقول ان ذلك الفتى هو ابني .. اجل كنت شديد الحرص على كتمان هذه الحقيقة ولكن الحديث الذي دائما ما يكون ذا شجون هو الذي إضطرني لذلك .. لكي اثبت لك يابني بالدليل المادي المحسوس وبالتجربة العملية بأن قضية الوراثة ليست قاعدة مطردة لا تقبل الجدل .
عضيب:ايكون الفتى الذي صارع الأسد إبناً لك !؟
الضيف: اجل بل هو ابني البكر وذلك انني كنت وحيد والدي .. وكان في منزلنا فتاة يتيمة تكون ابنة عمي فقام والدي وعقد لي النكاح على ابنة اخيه وذلك عندما كنت في سن مبكرة جداً وعندما بلغت سن الخامسة عشــرة انجبت ذلك الفتى وحينما وقعت الحادثة كان سنه واحد وعشرين سنة بينما كان سني ست وثلاثون سنة .. وكان الذي يراه لا يفرق بيني وبينه من حيث الخلقة فقد كنا متشابهين بكل معنى التشابه إلا بالرجولة والشجاعة فإن الفرق بيننا كما سمعته ورويته لك لا زيادة ولا نقصان ..
عضيب : لعل اباك شجاع !؟
الضيف : لا زلت يابني متمسكاً بهذه الأسطورة .. لم يكن ابي ولا جدي من الشجعان بل ولا يعرف عن اي واحد من اسرتنا الشجاعة ..<< اجل منهو ابوه !!؟ الله يخارجنا
عضيب:ان في قصتك ياشيخ بطولة في اولها وحزنا في آخرها وعبرة في نهايتها .. ولقد سمعت ان الجبان يجبن في اللحظات الحاسمة فيهرب عن صديقه او يتقاعس عن اسعاف اخيه ولكنني لم اسمع قط ان الجبن يبلغ بك درجة تعجز بها عن نجدة ابنك ولو بالكلام .. كما انني ما كنت اتخيل ان من يكون جباناً الى هذه الدرجة يمكنه ان ينجب شجاعاً كإبنك .. وخير ما في قصتك هذه التي تحتوي على ثلاث مراحل كما ذكرت هي انها تحمل طابعاً آخر وهو صدق روايتك..
عموما .. تاريخ هذه الحادثة على وجه التقريب 1217هـ .. واللــــــــــه العالم ،،،
راجياً ان تكون هذه القصة قد إرتقت الى مستوى ذائقتكم ،،،
والأسلوب نقلته كما هو دون تعديل او تبديل << اسلوب فهد المارك !؟
دمتـــــــــــــــــــم ،،،
ولكـــــــــــــــم التحيـــــــــــــــــــــة ...
المفضلات