إن معالجة النفوس بعد دمارها المعنوي، يعد من اصعب الامور، فحين تتحطم القلوب تتطاير معها اشلاء ممزقة من الثقة ويتلاشى معها جانب كبير من الاطمئنان النفسي، عندها تعجز كل الدبلوماسيات عن رتقها في زمن قياسي، تماما كتلك العلاقات الانسانية والاجتماعية التي تربط الشعبين الكويتي والعراقي التي باتت شبه مبتورة، لم تعد تلك الهوة السحيقة بين الشعبين هي الانجاز اليتيم الذي حققه المهيب الركن، فلديه من الجرائم ما تعجز عن ذكرها الكتب.
بعد التحركات الدبلوماسية المكوكية للحكومة الانتقالية العراقية،نتساءل عما اذا كان هناك ثمة امل في بناء روح الشعب الواحد بين البلدين، الواقع يقول اننا لسنا متفائلين، على الاقل في الوقت الحالي، بنجاح عمليات الرتق الدبلوماسية، فأي دبلوماسية خارقة القوى تلك التي تستطيع تغيير مفاهيم اخترقت عقول الملايين من الشباب العراقي؟ فالتأكد من نزع فتيل مناهجهم التربوية، وتحديدا فيما يتعلق بمفاهيم جغرافية وتاريخية نسجت من خيوط الاكاذيب والافتراءات في حق الكويت، امر لا شك مطلوب وذلك لتحقيق الامن والسلام لكلا الشعبين، لقد كانت تلك المناهج اشبه ما تكون بالسموم يتجرعها الطلبة العراقيون طيلة سنوات دراستهم، حتى وصلوا الى قناعة بأن الكويت جزء من العراق فكانت نتيجة تلك القناعات دائرة مغلقة من الحروب.
كما اصبح من المألوف سماع العديد من التصريحات للمجاهرين العراقيين عبر القنوات الفضائية المختلفة، بزعمهم ان دولة الكويت ما هي الا بقعة ارض صغيرة هي وما تملكه من ثروات يرد في اصله الى العراق.
ان التعامل مع هذه العقول التي تغذت سنين طويلة بتلك السموم يحتاج بطبيعة الحال الى موقف كويتي جاد.. فالعودة الى العلاقات في ظل الحكومة الانتقالية لا يجب ان تتصف بالاندفاع، لاننا لا نقبل ان ينفث في وجهنا بقايا ما تجرعوه من سموم البعث.
ومن جانب آخر، فإنه يصعب التنبؤ بزوال الآلام النفسية التي تعتصر قلوب أهالي الشهداء الكويتيين حتى تلك اللحظة. وحدها الايام هي من تجيب على ذلك، فالمفجوع لا ينسى مصيبته بل يحاول ان يتناساها بين ارشيف ذكرياته، فتتجلى له ادق التفاصيل المؤلمة بعد اول موقف يعيد له شريط احزانه، تماما كما حدث مع ذلك الرجل الكويتي الذي انتابته حالة هستيرية من الغضب مع اقصى درجات الانفعال المحزن وقت مشاهدته العلم العراقي مرفرفا على شوارعنا.
حتما ستعود العلاقات بين الشعبين الكويتي والعراقي، شئنا ام ابينا، وستكون هناك علاقات كاملة بكل اصعدتها في يوم ما، مثلنا مثل سائر الشعوب التي دمرتها الحروب العالمية، ولنا في هدم الالمان لحائط برلين عام 1989 خير مثال على ذلك.
حين نتأمل قليلا نجد بعضا من المفارقات حدثت منذ ايام في ذكرى 2/8 المؤلمة. لقد حرص مكتب الشهيد، مشكورا، على توزيع ملصقات لصور شهداء الكويت في «يوم الشهداء» تكريما لذويهم.. في الوقت نفسه رفعت الكويت العلم العراقي في شوارعها تكريما للبروتوكول!.
اما ما يحمله الشارع الكويتي من مشاعر تجاه قضية العلاقات الودية بين الشعبين، فهو ايضا مزيج من المتناقضات.. فالقهر النفسي تجلى واضحا في نفوس اهالي الشهداء وغيرهم من الكويتيين لحظة رؤيتهم العلم العراقي مرفرفا عاليا في سماء الكويت اثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي، واستيائهم الشديد للدبلوماسية التي وصفوها بأنها سريعة، وبأنها لم تعد تهتم بمشاعرهم.. ومن جانب آخر، وهو الادهى والامر، بل والمضحك في الوقت نفسه هو وجود (دبلوماسية) من النوع الجديد اكتسحت الشارع العام الكويتي.. انها دبلوماسية راقصة ماجنة انها «البرتقالة» التي غزت بيوتنا ومقاهينا ومجمعاتنا التجارية وحتى رنين الهواتف النقالة لبعض من شبابنا. هل ستخترق (دبلوماسية البرتقالة) كل جوانب الدبلوماسيات الاقتصادية والسياسية وغيرها، وتساهم بدورها (الفني الساقط) في ردم تلك الهوة السحيقة بين الشعبين؟ ان فعلتها البرتقالة، فعلى الدبلوماسية السلام.. نقول لعشاق (البرتقالة) عليكم ان تتذكروا انه لا يزال هناك ما يقارب من 400 كويتي لم نستلم رفاتهم حتى الآن، ونذكركم ايضا بضرورة احترام مشاعر اهاليهم، لا سيما اننا جميعا ككويتيين نجدد عزاءنا مع وصول رفات ابنائنا الشهداء الذي لا يزال يصلنا على دفعات من المقابر الجماعية وتحديدا من موطن البرتقال !!!
واخيرا، نؤكد أننا لسنا في عجلة من امرنا لعودة العلاقات بجميع صورها، ما لم تعد تلك العلاقات بتلقائية ونقاء وبنوايا صافية طيبة، بعد ان يؤكد لنا الشعب العراقي انه وصل الى قناعة تامة بان الكويت لم تعد ذلك الحق الذي يجب ان يعود إلى اهله في يوم من الأيام.. عندها ستعود العلاقات بين الشعبين بلا شوائب وفي موعدها المناسب.
رذاذ المطر
المفضلات