من كتاب سنن الترمذي
باب القيامة والرقائق
حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك
عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال .
قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
الشرح من كتاب (( تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي ))
( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر ) أي في الصغر والحقارة
( في صور الرجال ) أي من جهة وجوههم . أو من حيثية هيئتهم من انتصاب القامة
( يغشاهم الذل ) أي يأتيهم
( من كل مكان ) أي من كل جانب .
والمعنى أنهم يكونون في غاية من المذلة والنقيصة يطأهم أهل الحشر بأرجلهم من هوانهم على الله .
( يساقون ) بضم القاف أي يسحبون ويجرون
( إلى سجن ) أي مكان حبس مظلم مضيق منقطع فيه عن غيره
( بولس ) قال في المجمع : هو بفتح باء وسكون واو وفتح لام .
وقال في القاموس : بولس بضم الباء وفتح اللام سجن جهنم
وقال الحافظ المنذري : هو بضم الموحدة وسكون الواو وفتح اللام انتهى
( تعلوهم ) أي تحيط بهم وتغشاهم كالماء يعلو الغريق
( نار الأنيار ) قال في النهاية : لم أجده مشروحا ولكن هكذا يروى , فإن صحت الرواية فيحتمل أن يكون معناه نار النيران , فجمع النار على أنيار وأصلها أنوار لأنها من الواو كما جاء في ريح وعيد أرياح وأعياد وهما من الواو انتهى . قيل : إنما جمع نار على أنيار وهو واوي لئلا يشتبه بجمع النور . قال القاضي : وإضافة النار إليها للمبالغة كأن هذه النار لفرط إحراقها وشدة حرها تفعل بسائر النيران ما تفعل النار بغيرها انتهى . قال القاري : أو لأنها أصل نيران العالم لقوله تعالى { الذي يصلى النار الكبرى } ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ) على ما ذكره البيضاوي انتهى
( ويسقون من عصارة أهل النار ) بضم العين المهملة وهو ما يسيل منهم من الصديد والقبح والدم
( طينة الخبال ) بالجر بدل من عصارة أهل النار , والخبال بفتح الخاء المعجمة وهو في الأصل الفساد ويكون في الأفعال والأبدان والعقول .
تنبيه :
حمل بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم : ( يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال ) على المجاز .
قال التوربشتي : يحمل ذلك على المجاز دون الحقيقة .
أي أذلاء مهانين يطؤهم الناس بأرجلهم وإنما منعنا على القول بظاهره ما أخبرنا به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم
أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء حتى إنهم يحشرون غرلا يعاد منهم ما انفصل عنهم من القلفة
وإلى هذا المعنى أشار بقوله : ( يغشاهم الذل من كل مكان ) .
قال الأشرف : إنما قال في صور الرجال بعد قوله أمثال الذر قطعا منه : حمل قوله أمثال الذر على الحقيقة
ودفعا لوهم من يتوهم أن المتكبر لا يحشر في صورة الإنسان وتحقيقا لإعادة الأجساد المعدومة على ما كانت عليه من الأجزاء .
وقال المظهر : يعني صورهم صور الإنسان وجثتهم كجثة الذر في الصغر .
قال الطيبي : لفظ الحديث يساعد هذا المعنى لأن قوله أمثال الذر تشبيه لهم بالذر ولا بد من بيان وجه الشبه لأنه يحتمل أن يكون وجه الشبه الصغر في الجثة وأن يكون الحقارة والصغار
فقوله في صور الرجال بيان للوجه ودفع وهم من يتوهم خلافه , وأما قوله ( إن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء ) فليس فيه أن لا تعاد تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذر لأنه تعالى قادر عليه
وفيه الخلاف المشهور بين الأصوليين وعلى هذه الحقارة ملزوم هذا التركيب فلا ينافي إرادة الجثة مع الحقارة .
قلت : الظاهر هو الحمل على الحقيقة ولا مخالفة بين هذا الحديث والأحاديث التي تدل
على أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء حتى إنهم يحشرون غرلا .
قال القاري : التحقيق أن الله يعيدهم عند إخراجهم من قبورهم على أكمل صورهم وجمع أجزائهم المعدومة
تحقيقا لوصف الإعادة على وجه الكمال ثم يجعلهم في موقف الجزاء على الصورة المذكورة
إهانة وتذليلا لهم , جزاء وفاقا , أو يتصاغرون من الهيبة الإلهية عند مجيئهم إلى موضع الحساب
وظهور أثر العقوبة السلطانية التي لو وضعت على الجبال لصارت هباء منثورا انتهى .
المفضلات