[align=center]السؤال
فضيلة الشيخ: انا متردد، فأحياناً أمارس بعض الذنوب، لكني أندم أشد الندم على فعلها. لكن سرعان ما أرجع إليها بسبب ضعف إيماني، علما أنني أجاهد نفسي من أجل أن أتركها، لكن للأسف لم أستطع. ففي أحد الأيام كنا في مجلس وكان هناك رجل معنا سيماه الصلاح نحسبه والله حسيبه، المهم أنه بدأ يتكلم وقال أن الإنسان الذي يقترف ذنب ثم يستغفر الله ثم يعود للذنب ثم يستغفر فهذا يعتبر مستهزأ بالله. فقررت أن أستمر على الذنب الذي أنا عليه؛ لأنني رأيت أن أكون عاصياً فقط أهون من أن أكون عاصيا ومستهزئاً بالله، فما رأيكم؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إلى الأخ السائل -سلمه الله تعالى- :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
لقد ساءني ما جاء في خطابك، وأنك قد قررت الاستمرار على الذنب خوفاً منك أن تكون مستهزئاً بالله والعياذ بالله من ذلك، وذلك؛ نتيجة لما سمعته من هذا الشخص الذي وصفته بأنه تبدو عليه سمات الصلاح، ولعلك أخي الكريم لم تفهم كلام هذا الأخ فهما جيداً، أو التبس عليك الأمر، ولعله قال بأن العاصي: هو غير موقر لله ومستهين بنظر الله إليه، ودليل ذلك قوله -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام- لقومه الكافرين: "ما لكم لا ترجون لله وقارا" [نوح:13] أي: لماذا لا تعظمون الله في قلوبكم وتوقرون أمره بأن تنتهوا عن هذه المعاصي والآثام التي تفعلونها، وهذا يقال للمصرين على المعصية المعاندين والمحاربين لأوامر الله، والذين لم تؤثر فيهم موعظة، ولا تؤثر فيهم العظات والعبر، ولا ينفعهم النصح، فلا يأتمرون بأمر ولا ينتهون بنهي، فليس هناك زاجر يزجرهم، ولا رادع يردعهم ، أما الذي يتوب ثم يستغفر ثم يعود وهكذا فلا يقال عنه أنه مستهزئ بالله، وقد ورد حديث لمن هذا حاله، أخرجه البخاري (7507) ومسلم (2758) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: " أذنب عبد ذنباً فقال : اللهم اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى- : أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال : -تبارك وتعالى- : عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال : -تبارك وتعالى- : عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك".
أرأيت يا عبد الله مدى سعة رحمة الله بعباده، وأنه -سبحانه- يقبل التوبة من عباده وإن تكرر منهم الذنب فسبحانه من إله رحيم.
فيا أخي الكريم تب إلى الله ولا تقنط من رحمة الله فرحمة الله واسعة، وهو سبحانه أرحم بعبده من الأم الرءوم على طفلها الرضيع، أخرج البخاري (5999)ومسلم (2754)من حديث عمر -رضي الله عنه- أنه قال: قُدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي ، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار" قلنا : لا ، والله، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لله أرحم بعباده من هذه بولدها". الله أكبر! ما أوسع رحمتك يا رب، نداء إلى كل مذنب وعاصٍ أقبل على الله أيها العاصي واعلم بأن الله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا حاجة مهما عظمت أن يقضيها، ولا هم أن يفرجه، ولا كرب أن ينفسه، ولا دعوة أن يستجيب لها، فهو سبحانه قاضي الحاجات، ومفرج الكربات، ومجيب الدعوات، وغافر الذنب ومتجاوز عن السيئات، ومتحمل عن عباده التبعات يطاع فيشكر، يُعصى فيغفر، يعطي الكثير على القليل، ويغفر الذنب العظيم، يفرح بتوبة عباده وهو الغني الحميد، أخرج البخاري (6309) ، ومسلم(2747) عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح". واللفظ لمسلم.
أبعد هذا يا أخي تصر على عدم التوبة ومعصية الجبار -جل جلاله-.
أسمع ـ أخي الحبيب ـ: عن أبي موسى الاشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها". أخرجه مسلم(2760). فيا من أسرفت على نفسك في المعاصي والذنوب تب إلى ربك الغفور، واستمع إليه -سبحانه وتعالى- وهو ينادي عليك ويقول "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" [الزمر:53]. أسمعت يا عبدالله نداء الرب -عز وجل- عليك وقوله لك: "إن الله يغفر الذنوب جميعاً" هل هناك فضل أعظم من ذلك؟ نعم، ما هو إذاً!؟ بعد أن يتفضل عليك الله البر الرحيم بمغفرة جميع ذنوبك، إذ به -سبحانه- يزداد عليك في المن والعطاء ويبدل هذه السيئات إلى حسنات، الله أكبر! ما دليل ذلك؟ قوله -تعالى-: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما" [الفرقان:68-70] فيا أخي الحبيب لا يسعك بعد ذلك إلا أن :
1.تسارع بالتوبة إلى الله -جل وعلا- من كل ذنب وخطيئة.
2. المسارعة في فعل الخيرات، وترك جميع المنكرات.
3. البعد كل البعد عن كل ما يذكرك بالمعاصي والذنوب.
4. الحرص على طلب العلم ومصاحبة الصالحين والبعد عن مجالس السوء وأهل السوء.
5. عليك بسؤال أهل العلم عما يشكل عليك فإنما علاج العي السؤال.
6. لا تقنط من رحمة الله وتذكر أن رحمته وسعت كل شيء وأن رحمته سبقت غضبه.
7. لا تغتر بسعة رحمة الله فكما أنه سبحانه غفور رحيم، فهو أيضا عزيز ذو انتقام، ولا يرد بأسه عن القوم الظالمين، فيكون حالك بين الخوف والرجاء.
8. الخوف من عذاب الله ، وهذا يبعدك عن فعل المعاصي والمنكرات، والرجاء في رحمة الله وهذا يحدو بك إلى مزيد من فعل الطاعات والمسارعة فيها.
9. كلما همت نفسك بالمعصية تذكر بأن الله البر الرحيم المنعم عليك بكل ألوان النعم مطلع عليك ويراك، فلا تجعله أهون الناظرين إليك.
10. تذكر الموت وسكراته، والقبر و ظلماته، والقيامة وأهوالها ، والنار وهوان أهلها، والجنة ونعيم أهلها، فاحرص أن تكون من أهل النعيم المقيم والحياة الأبدية السرمدية في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
11. أكثر من الدعاء بأن يصرف الله عنك أسباب الفسوق والعصيان ويبغضه إلى نفسك، وييسر لك أسباب الهداية والاستقامة وفعل الطاعات، ويحبب ذلك إلى قلبك، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه.
هذا والله أعلم وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
خالد بن حسين بن عبد الرحمن [/align]
المفضلات