[align=center]
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
وبعد
فإن البؤس واليأس والقنوط من رحمة الله من المحرمات على أهل الإيمان ، إذ أن فيها حزن للمؤمن ، وهذا من عمل الشيطان " ليحزن الذين آمنوا " .
ولذا جعل الله ترياق أهل الإيمان وعلاج قلوبهم بأن أعطاهم أوسع عطاءٍ، وأجزلهُ وأعظمه ... إنه الصبر ، وقد جاء في الحديث أوسع العطاء الصبر . فياله من ترياق لمن مسه الضر، وإكسير لمن آلمته المصائب والأحزان .
إنه الوصفة العجيبة النافعة لقلوب المنكوبين ولأفئدة المحرومين.
إنه ترياق أهل الإيمان ، فعجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، وليس ذلك إلا للمؤمن ... فعجباً لأمره.
هو الصبر ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وهو شجنةٌ من الجهاد .
وما أحلى مرارة الصبر في سبيل الله ، وما ألذّها والله يقول :" إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " فلهم الأجر الجزيل لفعلهم الجميل .
والصبر أنواع ، فصبرٌ على طاعة الله تعبداً لله ، وصبر عن معاصي الله خوفاً من الله ، وصبر على أقدار الله المؤلمة رضاً بقضاء الله وقدره .
قال أبو تمام :
وقال عليُّ في التعازي لأشعثٍ *** وخاف عليه بعض تلك المآثمِ
أتصبر للبلوى عزاءً وخشيةً *** فتؤجر أو تسلو سلُوَّ البهائمِ..؟
فالصبر عند الملمات من إمارات السعادة كما قال ذلك المارودي في كتابه الماتع " أدب الدنيا والدين " وضياعه من البلادة.
والله يقول :" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ".
وقد روي عن المعصوم صلى الله عليه وسلم قوله:" الصبر سر من المكروب،وعون على الخطوب". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لو أن الصبر والشكر بعيران ما باليت أيهما ركبت . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أفضل العُدّة الصبر على الشدة .
وما صابر إلا سيوفى أجره ، إن كان صَبَرَ نفسهُ على طاعة ،أو صَبَرَ بدنه على عملٍ وشُغل ، قال بعضهم :
إن الأمور إذا سُدت مطالبها *** فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا
لا تيأسن وإن طالت مطالبة **** إذا استعنت بصبرٍ أن ترى فرجاً
أخلق بذي الصبر أن تحظى بحاجتهِ *** ومُدمن القرع للأبواب أن يلجــا
اشتداد الكرب يؤذن بفرج ، وضيق الفرج يؤذن بفرج ، وكلما زاد ظلام الليل كلما آذن ببزوغ فجرٍ ضاحك ، وأملٍ صادق ..
فالصبر مفتاح به تفتح الأمور إن غُلقت مغاليقها ، وهو نبراس يهتدى به إن غابت الشمس وأظلمت السبل.
والصبر يزيد صاحبه ثباتاً على الحق ، وتأييداً بين الخلق ، كالنار زادت العود طيباً وريحاً.
مِحنُ الفتى يُخبرن عن فضل الفتى *** كالنار مخبرةً بفضل العنبر
والمؤمن يجعل المحنة منحة ، والبلية عطية ، فعجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء فشكر فكان خيراً له ، أو أصابته ضراء فصبر فكان خيراً له ، وليس ذلك إلا للمؤمن لأن منهج المؤمن ...
إذا بُليت فثق بالله وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته *** ما لامرئ حيلة فيما قضى الله
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه *** لا تيأسن فإن الصـــــــانع الله
وليس المؤمن بالشكاء مما أصابه من أقدار الله ، بل حصيف صبور غيور ، يعلم أن الغريق لا يستنجد بغريق فيصبر ، وإن الضعيف لا يسعف الضعيف فيصبر ، فيفيض أملاً ورجاءً ورغبةً ورهبةً في أن يُفرِّج الله عنه ، فإن الشكوى للناس مصيبة عظيمة ، فهل يشتكى من الخالق للمخلوق ..... عجباً والله .
أورد المارودي رحمه الله خبراً عن بعض أهل الأدب أن أبا أيوب الكاتب حُبس في السجن خمس عشرة سنة ، حتى ضاقت به حيلته ، وقل صبره ، فكتب إلى بعض إخوانه يشكو له طول حبسه ، فرد عليه جواب رقعته بهذا :
صبر أبا أيوب صبر مُبرِّحٍ *** فإذا عجزت عن الخطوب فمن لها؟
إن الذي عقد الذي انعقدت له *** عُقدُ المكارة فيك يملك حلهــــــــــا
صبراً فإن الصبر يعقب راحة *** ولعلها أن تنجلي ولعلهـــــــــــــــــا
فقلب الرقعة أبا أيوب وكتب:
صبّرتني ، ووعظتني وأنا لها *** وستنجلي بل لا أقول لعلهــــــا
ويحُلُّها من كان صاحب عقدها *** كرماً به إذ كان يملك حلهــــــا
فلم يلبث بعد ذلك في السجن إلا أياماً حتى أُطلق مكرماً .{أدب الدنيا والدين صــ222}.
فالصبر الصبر فبه تنال السعادة ، والحسنى وزيادة ، وبه يكون العبد قوي العهد ، صادق الود ، بعيد الصد والرد.
وأخيراً :
ليعلم الفرح الجذلان أن سروره غير دائم فليعد العدة ، وليشد العزم على إحالة المرارة إلى حلاوة ، وشراب الليمون بقليل من السكر يصبح حلواً..
{ وبشر الصابرين}
ما أمرّه ...، وما ألذَّ ثمرته ...
وأول ثماره وجوائزه صلاة الله ورحمته وهدايته لأهل هذه البضاعة .. " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "
و " وبشر الصابرين " بعظم الأجر ..
و " بشر الصابرين " بالهداية والثبات ..
و " بشر الصابرين " بالجنة " أولئك يجزون الغُرفة بما صبروا" ..
و " بشر الصابرين " بالسعادة في الدارين " واستعينوا بالصبر والصلاة "..
و " بشر الصابرين " بالمحبة من الخالق جل وعز " والله يحب الصابرين "..
و " بشر الصابرين " بالمعية الربانية بالهداية والتوفيق والتسديد والتثبيت والنُصرة " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون "، " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " ..
و "بشر الصابرين " بأجر عظيم لا حد له ولا عد ، ولا وزن له ولا كيل ولا كم له ولا كيف ... " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " .
و " بشر الصابرين " بأحسن ما كانوا يعملون .." ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ..
و " بشر الصابرين " بزيادة الأجر على قدر البلاء ، قال المعصوم صلى الله عليه وسلم : " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء" كما عند الترمذي وابن ماجه.
و " بشر الصابرين " بذهاب الخطايا ، وزوال الآثام ، قال صلى الله عليه وسلم : " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ". كما عند الترمذي.
و " بشر الصابرين " " فمن يرد الله به خيراً يصب منه " كما في البخاري ، حتى يتنكر العبد فيتوب ويرجع إلى الله ، ويحصل له الثواب العظيم .
و " بشر الصابرين " فإن أمورهم كلها خير ، وإلى خير بإذن الله جل وعز ، عجباُ لأمر المؤمن إن أمره كله له خير.....
و " بشر الصابرين " بحط الخطايا والذنوب كما تحط الشجرة ورقها ، صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ما من مسلم يصيبه أذى من مرض أو مما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها .
و " بشر الصابرين " على الطاعة ، وعن المعصية ، وعلى أقدار الله المؤلمة " ولربك فاصبر" ، " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم " ..
وإذا عرتك بليّة فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك اعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
و " بشر الصابرين " فإنما الصبر عند الصدمة الأولى كما جاء في الحديث.
و " بشر الصابرين " برضا الله وقسمة واختياره .
و " بشر الصابرين " بتكفير الخطايا والذنوب .
و " بشر الصابرين " بالفرج بعد الشدة ، وباليسر بعد العسر ، وبالسعة بعد الضيق " فإن العاقبة للمتقين" ..
ولرُبّ نازلةٍ يضيق بها الفتى *** ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فُرجت وكنت أظنها لا تفرج
فالصبر الصبر تؤجروا ... وتنجحوا ... وتفلحوا ....
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الفوائد[/align]
المفضلات