المقاومة الفلسطينية جهاد وليست إرهابا
أمضت الانتفاضة الفلسطينية الثانية ما يقارب العامين منذ اندلاعها، وما زال الأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم تحت سمع العالم وبصره دون أن تتحرك الحكومات الكبرى - والتي تدعي حبها لنشر حقوق الإنسان في العالم- لنصرة الفلسطينيين ووقف العدوان الصهيوني عليهم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبحت الدول الكبرى تتهم المنظمات الفلسطينية بالإرهاب، والفلسطينيين الذين يدافعون عن حقوقهم بالمجرمين، وبالتالي إفساح المجال لليهود لمزيد من الاعتداءات تحت مظلة مكافحة الإرهاب، فقتلت العشرات بل المئات ولم تفرق بين الأطفال والنساء وكبار السن، وتجاوزت الحدود حين أخذت بقصف مساكن بأكملها وتدمير البنى التحتية واقتحام المستشفيات بحجة البحث عن إرهابيين ومواجهة شعب أعزل إلا من بعض حجارة يقاوم بها، ناهيك عن انتهاكات حقوق الإنسان ومعاملة الشباب الفلسطيني أسوأ معاملة وحصارهم المستمر ومنع وصول الخدمات والإسعافات الطبية إليهم على مرأى ومسمع من العالم أجمع، كل ذلك تحت مظلة القضاء على الإرهاب.
هذا المصطلح الغامض الذي من خلاله استطاع اليهود التلبيس على كثير من الشعوب وستر أعمالهم الشنيعة يحتاج إلى وقفة تأمل لنعرف بعد ذلك مدى العلاقة بين الانتفاضة والإرهاب، وهل تعتبر المقاومة للحصول على حق مشروع أو الدفاع عن مظلوم والجهاد لتحرير بلد إسلامي من الاحتلال إرهابا يبيح تدمير هذا الشعب والقضاء عليه.
إن مصطلح الإرهاب كما يعرف الجميع مصطلح غامض لم تتوجه الدول المعنية به والداعية إلى مكافحته والقضاء عليه إلى إيجاد تعريف واضح منضبط له.
وهذا في الحقيقة يثير تساؤلات عدة، لماذا يبقى مصطلح الإرهاب غامضا؟ ولماذا لا تتوجه الدول إلى تحديده أو الاتفاق على تحديده أو تقلل من غموضه؟ بحيث يكون أقرب إلى تحقيق العدل والإنصاف؟
في تحليله لذلك يرى معالي الدكتور صالح بن حميد – في محاضرة له - أنه "قد تكون الغاية من إبقائه غامضا ممارسة الإذلال والاضطهاد لكل مخالف من خلال هذا المصطلح، حتى تصبح العلاقات الدولية في جو ضبابية هذا المصطلح عرضة للاهتزاز وعدم الاستقرار، ليس العلاقات الدولية فحسب، بل حتى الأشخاص والجماعات والأحزاب والأنظمة والشعوب، فيكتفي أن يوصف هذا أو ذاك بالإرهاب لتتوجه نحوه السهام والأقلام والإعلام والأفلام بخيلها ورجلها من غير حاجة إلى سماع شاهد أو إدلاء بحجة".
وهذا التعليل كما يظهر يؤيده الواقع، فبينما تدك الولايات المتحدة أفغانستان باعتبارها قاعدة للإرهاب، نراها تغض الطرف عن اعتداءات اليهود الصارخة، سواء ما كان منها تدميرا لمنازل الفلسطينيين أو البنية التحتية أو اعتداء عليهم شخصيا بالاغتيال والاعتقال والتعذيب، ومع كل ذلك لا ترى الولايات المتحدة ومن هم على شاكلتها أن ذلك إرهاب.
الإرهاب عند كل دولة ما يحقق مصالحها
وإذا نظرنا إلى تعليل الشيخ حمود العقلا الشعيبي وجدناه قريبا من تعليل الشيخ ابن حميد حيث يقول: "إن عدم الاتفاق على تعريف الإرهاب بين المنظمات والدول والهيئات راجع إلى اختلاف أذواق الدول ومصالحها وأيديولوجياتها، فكل دولة تفسر الإرهاب بما يلائم سياستها ومصالحها سواء وافق المعنى الصحيح للإرهاب أو خالفه، لأجل هذا تجد عملاً يقوم به جماعة من الناس أو الأفراد يطلق عليه أنه عمل إرهابي، وتجد عملاً مثله أو أفظع منه يقوم به جماعة آخرون لا يعتبر إرهابا"
ويذكر على ذلك مثالاً واضحا وهو موضوع فلسطين: منذ أكثر من (50 سنة) والصهاينة الحاقدون يسومون إخواننا الفلسطينيين سوء العذاب، من قتل وتشريد وتدمير وهدم للبيوت على أهلها، ويعتبر هذا العمل في نظر هؤلاء اليهود وأسيادهم الصليبيين في أمريكا وأوربا دفاعا عن النفس، وما يقاوم به هؤلاء المضطهدون بالحجارة ونحوها يعتبر إرهابا وعنفا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المراد بالإرهاب عند كل دولة هو ما يمكن لها من خلاله أن تحقق مصالحها وأهدافها).
من خلال ما سبق يظهر بجلاء بطلان تلك المقولة التي ينشرها اليهود وغيرهم في محاولة لتبرير إبادتهم للشعب الفلسطيني والقضاء عليه.
الفرق بين المقاومة والإرهاب أمر ظاهر
إن مقاومة الظلم أمر طبيعي بل هو أمر مشروع، ويحق لكل أحد، ولا يمكن أن يعد ذلك إرهابا، بل الإرهاب في الحقيقة هو سلب حقوق الآخرين والاعتداء عليهم.
وقد حاول الإعلام الغربي واليهود الخلط بين الأمرين، ووجهوا التهم للإسلام على أنه دين إرهاب، وذلك لما فيه من الأمر بالجهاد والحث عليه ودعوته لمقاومة الظلم والاعتداء ، وحتى يمكنهم ذلك من تنفير الناس من الإسلام أولا ولتحقيق مآربهم في البلدان الإسلامية ثانيا، وليحقق اليهود وغيرهم شرعية في أعمالهم الاعتدائية، وقد نجحوا في اعتبار عدد من المنظمات الفلسطينية المعروفة بالمقاومة على أنها منظمات إرهابية وبالتالي يجب القضاء عليها.
ولخطورة هذا الأمر وضرورة توضيحه نجد أن مجمع البحوث الإسلامية (إحدى مؤسسات الأزهر الشريف) قد حدد في بيانه الفارق بين كل من مفهومي "الإرهاب" و"الجهاد" فالإرهاب هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية بغيًا وإفسادًا في الأرض".
أما مفهوم "الجهاد" -كما حدده المجمع - فهو يهدف إلى الدفاع عن الوطن ضد احتلال الأرض ونهب الثروات، وهو محوط بضوابط وآداب وأحكام واضحة تحرم قتل غير المقاتلين، كما تحرم قتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال، أو تتبع الفارين، أو قتل المستسلمين، أو إيذاء الأسرى، أو التمثيل بجثث القتلى، أو تدمير المنشآت والمواقع والمباني، التي لا علاقة لها بالقتال.
ويقول الدكتور عبد الله المطلق (عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية) ولا يدخل في الإرهاب المقاومة الوطنية لاعتمادها وسيلة لممارسة الحق في تقرير المصير ورفع الظلم، قال تعالى: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل* إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم" وقال سبحانه "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون".
فروق جوهرية بين الجهاد والمقاومة وبين الإرهاب
ويضيف الدكتور المطلق "إن الجهاد في الإسلام قتال، ولكنه يفارق القتل في الإرهاب في أمور جوهرية من أهمها:
أولا: الجهاد شرع لحماية دعوة الحق القائمة على الإقناع والعدل ورد الظلم الموجه إلى حامليها لإنقاذ البشرية كما قال تعالى:"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز* الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتو الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور".
أما الإرهاب فيقوم على العنف لتغيير موازين العدل وإشاعة الرعب لقبول الظلم.
ثانيا: الجهاد شرع لدفع الفتنة التي تمنع الناس سماع صوت الحق، وتشوه الحقائق لتصد الناس عن سبيل الله، فإن القتال إنما هو في سبيل الله لا في سبيل اكتساب أمجاد ولا استعلاء في الأرض بغير الحق ولا في سبيل مغنم أو تسويد جنس على جنس، قال تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يجب المعتدين* واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين* فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم* وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين"
ثالثا: شرع الجهاد للقضاء على تسلط العناصر الفاسدة في ذاتها والمفسدة لغيرها، حيث تحمل السلاح في وجه الحق وفي طريق العدل، وتخرج الناس من أوطانهم وتستلب منهم ممتلكاتهم ظلما وعدوانا، ولذلك فإنه لا يجوز في الجهاد قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والعبّاد والتجار الذين لم يشاركوا في المعركة، وهذا يتضح من خلال وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لقادته والنصوص النبوية الأخرى، وهذا بخلاف الإرهاب القائم على سياسة القتل العشوائية لنشر الرعب وإفساد الأمن فيقتل الأبرياء وتدمر المرافق العامة.
رابعا: الجهاد الإسلامي يحترم العهود والمواثيق ويحرم الغدر والخيانة، قال تعالى: "إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين" ويقول تعالى "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين".
أما الإرهاب فلا يحترم المواثيق والعهود، بل من عناصره الرئيسية الغدر والمفاجأة.
فهل يمكن بعد ذلك تصنيف المقاومة الفلسطينية على أنها نوع من الإرهاب، وأيهما أولى بالإرهاب أأطفال الحجارة أم ما يفعله اليهود في أرض فلسطين.
ولعل هذا الأمر يوضح أن أعداء الإسلام لا يمكن أن يكون عندهم إنصاف أو مراعاة لحقوق الإسلام أو حرص على السلام أو حفظ لحقوق الإنسان، وإنما كل هذه شعارات كاذبة يخدعون بها البسطاء من الناس الذين لا يفكرون بعقولهم، ولا يتدبرون الأحداث من حولهم، ويريدون من خلالها الوصول إلى أهدافهم وتحقيق مآربهم ومصالحهم
[align=right]منقول /الرياض ـ وائل الظواهري[/align]
المفضلات